ما الذي يعنيه صمت إيران بالنسبة لاستراتيجيتها الأوسع نطاقا؟
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
نشرت صحيفة "ذا هيل" الأمريكية، تقريرا، قالت فيه إن "اغتيال إسماعيل هنية، القيادي البارز في حركة حماس، في طهران، مؤخرا، سلّط الضوء على العلاقات المعقّدة والغامضة في كثير من الأحيان التي تقيمها إيران مع الجهات الفاعلة من غير الدول، في جميع أنحاء الشرق الأوسط".
وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، أنّه على عكس الحوادث السابقة التي كانت إيران تتّخذ فيها إجراءات سريعة، وتردّ بشكل حازم، اتّسمت هذه الحالة بصمت غير معتاد.
وأشارت الصحيفة، إلى أن "إيران لم تصدر أي ردّ فعل حتى الأن، ما دفع المحللين إلى التكهّن بخصوص ما إذا كان سيتم تنفيذ انتقام، وكيف ومتى قد يحدث ذلك"، مضيفة أن "الخطوة التالية لإيران قد تتأثر بالتطورات الجيوسياسية الأوسع، خصوصا الجهود الجارية لوقف إطلاق النار على غزة".
وأوضحت أنه "إذا تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، من المحتمل أن تختار إيران عدم الرد على الإطلاق، وهو ما يمثّل تحوّلا مفاجئا عن استراتيجيتها التاريخية في استخدام الحرب بالوكالة".
وأفادت الصحيفة، أنه "يمكن فهم تعاون إيران مع حلفاء من غير الدول كجزء من نمط عالمي أوسع، يشمل استخدام الحرب بالوكالة، حيث تسعى الدول إلى توسيع نفوذها وتحقيق أهدافها الإستراتيجية من خلال وسائل غير مباشرة".
"على غرار العديد من الدول الأخرى؛ تستفيد إيران من تحالفاتها مع الجهات غير الحكومية، للمشاركة في النّزاعات دون التعرض للمخاطر المرتبطة بالتدخل العسكري المباشر. ويتيح هذا التكتيك لإيران ممارسة الضغط على خصومها مع تقليل احتمال حدوث ردود فعل دولية قاسية" بحسب المصدر نفسه.
وأبرز أنه: "غالبًا ما تستند هذه التحالفات إلى معتقدات أيديولوجية أو دينية مشتركة، مثلما تروّج إيران للإسلام الشيعي. ويعكس هذا الإصطفاف الإيديولوجي كيفية دعم الدول الأخرى للجهات الفاعلة غير الحكومية، التي تتوافق أهدافها السياسية أو الدينية مع أهداف تلك الدول، كما هو الحال في دعم السعودية للجماعات السنية، أو دعم الولايات المتحدة للحركات الديمقراطية".
واسترسل التقرير نفسه، بالقول إنه "في إطار هذه العلاقات؛ تقدّم إيران لحلفائها الأسلحة والتدريب والدعم اللوجستي، ما يعزّز قُدرتهم على استخدام تكتيكات غير متماثلة مثل حرب العصابات والهجمات الإلكترونية".
وأضافت الصحيفة أن "هذه الديناميكية، المتمثلة في دعم الدول للجهات الفاعلة من غير الدول، لا تقتصر على إيران وحدها، بل تعتبر سمة بارزة في الصراع الحديث. حيث تستفيد الدول الأضعف من استخدام الوسائل غير التقليدية لمواجهة القوى العسكرية الأقوى".
أمّا بخصوص ما وصفتها الصحيفة، بالخصائص المميّزة التي تعرفها إستراتيجية إيران عن غيرها من الدول، أشارت إلى أنّها: "لا تقتصر على استخدام الأيديولوجية الدينية كأداة لنفوذها فحسب، بل تستغلها أيضا كقوّة موحّدة تتجاوز الحدود الوطنية".
كذلك، "تسعى إيران إلى توسيع نطاق نفوذها عبر جماعات مثل حزب الله في لبنان وجماعات شيعية متعددة في العراق. ويشكل هذا التضامن الديني وسيلة فعالة لحشد الدعم وتعزيز النفوذ في مختلف أنحاء المنطقة".
وأضافت الصحيفة أن "تحالفات إيران مع الجهات الفاعلة من غير الدول ليست مجرد تحالفات مؤقّتة أو صفقات عابرة. بل إن هذه العلاقات تتميّز بالعمق المؤسسي وقد تطورت على مدى عقود، مما حوّل جماعات مثل حزب الله، إلى قوى سياسية وعسكرية بارزة ذات روابط دائمة ومستمرة مع الدولة الإيرانية".
"يتناقض هذا الالتزام طويل الأمد بشكل ملحوظ مع الشراكات الأخرى بين الدول والجهات غير الحكومية، والتي غالبًا ما تكون عابرة وتستند إلى مصالح إستراتيجية آنية ومؤقتة" تمضي الصحيفة في توضيحها.
وأردفت: "عملت إيران أيضا على طمس الخطوط الفاصلة بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية بطرق نادرة. فمن خلال دمج هذه الجماعات في استراتيجيتها العسكرية الأوسع، وخصوصا عبر الحرس الثوري الإسلامي، أنشأت إيران نموذجا هجينًا من النفوذ يُصعّب مواجهة أفعالها".
وأكّدت أن هذا المزج يُعزّز بين القوات الحكومية وغير الحكومية، قدرة إيران على إبراز قوتها بشكل غير مباشر، مما يجعل من الصعب على الخُصوم تحديد أهداف واضحة للرد عليها.
ومن الجوانب المميّزة الأخرى لإستراتيجية إيران، بحسب الصحيفة، هو "دعمها للجهات الفاعلة غير الحكومية في المجال الرقمي. فإلى جانب المساعدات العسكرية التقليدية، قامت إيران بتزويد وكلائها بقدرات الحرب السيبرانية، ما منحهم الأدوات اللاّزمة لمواجهة خصومهم في كل من العالمين المادي والافتراضي".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التطور التكنولوجي، يُعزّز "البُعد الحديث لنفوذ إيران، ويسمح لها بإحداث تعطيل لأعدائها على جبهات متعددة"، مستطردة أن "شبكة إيران تمتد من الجهات الفاعلة غير الحكومية في منطقة الشرق الأوسط، مما يشكّل شبكة إقليمية من النفوذ تُعرف غالبًا باسم: الهلال الشيعي".
وأكّدت الصحيفة، أن اغتيال إسماعيل هنية، أدخل عنصرا من عدم اليقين في هذه الآلة المدروسة جيدا للحرب بالوكالة. ويشير "قرار إيران بعدم الرّد الفوري إلى مقارنة محسوبة أكثر ممّا كانت عليه في الماضي، وهو نهج قد يكون متأثرًا بحسابات جيوسياسية أوسع".
وتابعت: "في ظل استمرار المفاوضات لوقف إطلاق النار على غزة، قد تكون إيران تفكر بعناية أكبر في تكاليف وفوائد الانتقام"، فيما أبرزت أنّه تاريخيا، "اعتبرت إيران نفسها داعمًا قويًا للقضية الفلسطينية، وغالبًا ما استفادت من نفوذها على جماعات مثل حماس لتحدي إسرائيل".
"لكنّ إذا بدا أن هناك فرصة لحل دبلوماسي للصراع، فقد تجد إيران أن من الأفضل لها ممارسة ضبط النفس بدلا من المخاطرة بمزيد من زعزعة الاستقرار من خلال الانخراط في عمل عسكري" وفق الصحيفة الأمريكية.
وقالت الصحيفة، إنه "إذا استمرّ هذا النهج من ضبط النفس، فقد يشير إلى تحول كبير في إستراتيجية إيران الأوسع نطاقا. ويكون هذا دليلا على أن إيران قد تتجه بعيدًا عن الردود العسكرية الفورية لصالح تبنّي مقاربة محسوبة وطويلة الأمد، وتركز على تحقيق أهدافها الجيوسياسية الأكبر بدلا من المكاسب قصيرة الأمد".
وأشارت إلى إن "الصمت الذي أعقب اغتيال هنية قد يدل على استعداد إيران للتخلي عن الانتقام، إذا كانت تعتقد أن التوصل إلى سلام في غزة قد يخدم مصالحها بشكل أفضل على المدى الطويل مقارنةً بالاستمرار في الصراع".
ولفتت الصحيفة، إلى أن "تعاون إيران مع حلفائها من غير الدول هو استراتيجية معقدة، ومتعددة الأبعاد تجمع بين عناصر الحرب بالوكالة والأيديولوجية الدينية والعلاقات المؤسسية طويلة الأمد. حيث يسلّط اغتيال هنية، الضّوء على التوازن الذي يجب أن تحافظ عليه إيران، بين التزاماتها تجاه هذه الجهات الفاعلة من غير الدول، وطموحاتها الجيوسياسية الأوسع".
واختتمت الصحيفة، تقريرها، بالقول إنّه: "بينما تبقى خطوات إيران المستقبلية غير واضحة، من المؤكد أن أي قرار بشأن الرد، سواء كان بالاستجابة العسكرية أو الامتناع عن الرد، ستواصل التأثير في تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة لسنوات قادمة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية إيران الشرق الأوسط غزة إيران الشرق الأوسط غزة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجهات الفاعلة غیر الحکومیة إیران مع إلى أن
إقرأ أيضاً:
دروس لآسيا من المواجهة بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض
لم تكن معاملة ترامب القاسية لفلوديمير زيلينسكي في المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي تتعلق بأوكرانيا فحسب. وإنما كانت تلك المعاملة عبارة عن رسالة موجهة إلى العالم ومفادها هو أن تحالفات الولايات المتحدة أصبحت مشروطة بشكل متزايد وخاضعة للحسابات السياسية المحلية.
بالنسبة للدول الآسيوية التي اعتمدت لفترة طويلة على واشنطن في تحقيق التوازن مع بكين، من بين عوامل أخرى، فإن الواقع بات واضحا: لم يعد من الممكن التسليم بالالتزامات الاستراتيجية لأمريكا.
على مدار عقود من الزمان، جعلت الولايات المتحدة من نفسها قوة الاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لكن الترامبية حلت محل الاتساق، مصحوبة بحالة من عدم القدرة على التنبؤ بالمعاملات. فما النتيجة المترتبة على ذلك؟ النتيجة هي أن المنطقة باتت عرضة لتحولات سياسية غير منتظمة، وضمانات أمنية متذبذبة، واضطرابات اقتصادية.
فيجب الآن على القادة الآسيويين أن يدركوا أن مصالح واشنطن ليست بالضرورة مصالحهم هم. والدرس المستفاد هو ضرورة التحوط من حالة عدم اليقين وضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة لإعادة تشكيل الاستقرار الإقليمي وفقا لشروطهم الخاصة.
فلو أن دولة في خضم حرب وجودية شأن دولة أوكرانيا قوبلت بلامبالاة في العاصمة الأمريكية واشنطن، فإلى ماذا ينبغي أن يشير ذلك بالنسبة لجول من قبيل تايوان أو اليابان أو كوريا الجنوبية؟
الحق أن تاريخ ترامب في النظر إلى التحالفات بوصفها أعباء مالية ليس محض كلام يقال، وإنما هو يعكس استعداده للانسحاب أو إعادة التفاوض أو خفض مستوى الالتزامات دونما سابق إنذار.
لقد كان إصرار دونالد ترامب في الماضي على أن تزيد طوكيو وسول من الإنفاق الدفاعي وإلا فإنهما تخاطران بفقدان الحماية الأمريكية بمقام عينة لمبدأ سياسي كان في طور التكوين، وهو أنه لا وجود للتحالفات إلا ما دامت تخدم مصالح أمريكية مباشرة.
وكان قوله: إن على كلتا الدولتين أن تفكر في إنشاء ترسانتها النووية الخاصة بمنزلة تذكير صارخ بأن مظلة الأمن الأمريكية لم تعد ضمانة، وإنما هي أداة قابلة للتفاوض.
فلا بد للدول الآسيوية الآن أن تعمل بناء على افتراض أن الدعم العسكري الأمريكي سوف يخضع للهوى السياسي. ويعني هذا تعزيز القدرات الدفاعية المحلية، والاستثمار في الاكتفاء الذاتي، وإقامة شراكات أمنية إقليمية تعمل بشكل مستقل عن واشنطن.
وينبغي النظر إلى توسيع اليابان لميزانيتها الدفاعية وإلى برامج الصواريخ المتسارعة في كوريا الجنوبية باعتبارهما أول الغيث في هذا التحول الاستراتيجي.
ولا تميز سياسات ترامب الاقتصادية بين الخصوم والحلفاء. وتوضح التعريفات الجمركية المفروضة على كل من كندا والمكسيك ـ وهما أقرب الشركاء التجاريين لأمريكا ـ كيف أن القومية الاقتصادية تتغلب على العلاقات التقليدية.
ومن المرجح أن تكون العواقب وخيمة بالنسبة للاقتصادات الآسيوية التي تعتمد على التصدير. وذلك لأن دولا من قبيل فيتنام وتايوان وكوريا الجنوبية ـ التي تندمج كل منها اندماجا عميقا في سلاسل التوريد الأمريكية ـ معرضة لزيادات مفاجئة في التعريفات الجمركية وتغييرات القواعد التنظيمية شأنها في ذلك شأن الصين.
أما بالنسبة لأولئك الذين يرجون نفعا لاقتصادات آسيوية أخرى من جراء الانفصال العدواني عن الصين الذي ينفذه ترامب، فإن التاريخ يشير إلى عكس ذلك.
وذلك لأن سياساته التجارية لا تقوم على استراتيجية وإنما تقوم على ردود الأفعال. ولأن الهدف لا يتمثل في خلق سلاسل توريد بديلة، وإنما في الضغط على الشركات لإعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة.
ولا بد أن تتهيأ الدول الآسيوية وتستعد لعالم يصبح فيه الوصول إلى السوق الأمريكية مشروطا، وتصبح فيه سلاسل التوريد في حالة تغير مستمر، وتصبح فيه الاتفاقيات التجارية خاضعة للمزاج الرئاسي وليس لأي منطق اقتصادي.
ولا بد أن تكون الاستجابة عبارة عن دفعة حاسمة نحو التكامل الاقتصادي الإقليمي. وتشكل اتفاقية الشراكة الشاملة والتقدمية عبر المحيط الهادئ (CPTPP) إطارا قويا، ولكن لا بد من توسيعها وتعزيزها بآليات تجارية آسيوية بينية أشد عمقا.
وسوف يكون تعزيز الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) لكي تعمل بوصفها ثقلا موازنا مستقلا لكل من واشنطن وبكين أمرا بالغ الأهمية في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
ومعلوم أن تبادل المعلومات الاستخباراتية يقوم على الثقة، وفي ظل رئاسة دونالد ترامب، قد تكون هذه الثقة عزيزة ونادرة.
فتاريخ دونالد ترامب في الكشف عن معلومات استخباراتية سرية، وتهميش مؤسسات الاستخبارات التقليدية وإعطاء الأولوية للدبلوماسية الشخصية على الاستراتيجية المؤسسية يجعل الاعتماد على الاستخبارات الأمريكية أمرا محفوفا بالمخاطر بشكل متزايد بالنسبة للدول الآسيوية.
ولذلك لا بد أن تعمل اليابان وكوريا الجنوبية ودول رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) بشكل عاجل على وضع أطر أكثر قوة لتبادل المعلومات الاستخباراتية الإقليمية.
فينبغي توسيع الشراكات بين اليابان والهند، وكذلك بين كوريا الجنوبية وأستراليا، إلى ما هو أبعد من الدفاع بحيث تشمل القدرات الاستخباراتية المنسقة.
فلم يعد بوسع آسيا أن تتحمل أن تكون متلقية سلبية للمعلومات الاستخباراتية الأمريكية، بل لا بد لها أن تعمل حثيثا على بناء شبكاتها الخاصة للتخفيف من مخاطر تدفق المعلومات غير الموثوقة من واشنطن. ففكرة انتظار الانتخابات الأمريكية لتحديد مستقبل المنطقة تتحول بصفة متزايدة إلى استراتيجية خاسرة بالنسبة للدول الآسيوية.
والدرس المستفاد من ذلك كله واضح تمام الوضوح: لقد انتهى عصر التبعية.
جورج بريور كاتب وروائي
عن آسيا تايمز