سكن الليل وهدأت الأنفاس وتنفست بعمق جريح ، نظرت إلى الجدة إيلين وهي في شخيرها كأنها فاقدة للذاكرة فقد شاخ بها العمر وعادت كالعرجون القديم ، فالعمر يسلبك الجمال والمتعة والنظر والاستقامة ويلبسك السكون والتأمل والصمت ، كأن شخيرها يسرد الأحلام في محيط الكوخ بعد أن شاخ بها التعب فصفير الأنفاس حزين على كل شيء .
وفي الكوخ المجاور ليس ببعيد فيه جون وكاثي وابنتهم لارا بين الآهات والأحلام والصراخ يتقلبون وحائرون من صخب وبكاء طفلتهم وقفت الحيرة ساكنة بينهم تنظر كيف يتصرفون .
كاثي حديثة عهد برعاية الأولاد ، تردد سؤالها في كل مرة بصراخ فيه حشرجة البكاء لجون ماذا أفعل ؟ لا أدري ما بها !
جون مثقل رأسه يريد أن ينام كأنه يقول في نفسه هذي مهمتكم أيتها النساء ، إن بكاء الأطفال مزعج جدا و قد جعل النوم الأحلام تلقي بحبالها في خيال جون وهو في شخير الهدوء عائما فوق سحاب الأحلام . استيقظ جون مغمضا إحدى عينيه ورد بصوت شاحب حسنا سوف أتصرف في الصباح بالذهاب إلى الطبيب اسكتيها الآن يجب أن ننام يالها من ليلة بائسة .
فكان الغطاء والتدثر هو الهروب له من هذا البكاء .
أشرقت الشمس وبدأت العصافير تغرد والشعاع قوالبه مصفوفات جميلة بين الأشجار .
استيقظ الجميع لقد كانت ليلة عيد ميلاد لهنري جميلة ، وزاد من جمالها الأنس والهدايا والأزهار التي كانت تحيط بالجميع في الكوخ من سكان الريف لقد صنع الوهج جمالا في كوخ هايدي .
و الجدة إيلين في كل يوم تقوم من سريرها نشيطة بحركاتها الرياضية الخفيفة لتنفض قشعريرة النوم من جسدها فقد استعادت حيويتها قليلا بعد موت جاك ، اليوم لديها إصابة لم تستطع أن تمارس رياضتها حاولت وهي جالسة وقدمها الملتوية ممددة يثيرها القلق والخوف في تحركها ويؤكدها الألم بتعابير على الوجه مرة تشد على أسنانها التي لم يتبق منها سوى القليل ، ألقت نظرة على هنري في سريره وقد استحكم النوم في عيونه .
وهايدي قد دنت الكلمات المكتوبة في شعور الأنفاس يقظة طوال الليل فقد صاحبها القلق من هذه العبارات .
هناك مشاعر مطموسة أبوابها داخل النفس مغلقة قد يكون سبب إغلاقها رحيل أو انقطاع في الوصال أو هجران او ارتباط جعل الطريق مقفلا ، لقد نفضت ورقة كاري الغبار عن بعض الأقفال ، دغدغت الكلمات مشاعرها ، فتحت الأبواب لترى الإشراق بهذا الجمال في الصباح .
إنها الحياة لابد أن تناغم اللحظات فيها بما يجعل الروح تنبت الورود فطرة .
الجميع سعيد صوت رذاذ المطر خارج الكوخ ، الكلب الصغير منزوِِ في مكانه ، هناك نداء في الخارج إنه جون يريد أن يطمئن على أمه إيلين ألقى التحية على أمه وهايدي . إنها تتماثل للشفاء ويشتكي لها من بكاء طفلتهم لارا طوال الليل .
ذهبت هايدي لتسخن الحليب لتعطي إيلين بعض الدواء .
سمعته وهو يحدث إيلين عن لارا .
أحضرت هايدي معها قاروة فيها ماء وقالت له هذا ماء مفيد للأطفال قد يكون لديها توعك في بطنها فهو جيد .
كان يخفف بعض الآلام لهنري إذا استمر في البكاء .
شكرها جون حسنا إنه جيد بعد أن شم رائحته الزكيّة خرج مودعا الجميع فقد حصل على دواء يسكن الألم للطفلة .
ناولت هايدي الحليب للجدة إيلين مع قليل من الخبز المحمر وقليل من الزبدة .
إيلين يوم جميل يا هايدي وهي تبتسم ، فقد كانت تنظر إلى هايدي وهي تقرأ الورقة كأن شيئا يغازل الأشواق .
تعج الرياح فضاضة بما تحمله من هموم وكدر فتنثر البكاء بعواصفها المبتلة لتغسل الكون الفسيح وتسكن أحزانها ، ويشدو النسيم بهوائه في خيزران الناي صفيرا تتمايل معه الأرواح والأغصان والأشجار ، ويشيد الحب بناءه ويسمو في الأكواخ والحقول والأنهار تتدفق في جداولها من أعالي السفوح .
وتطير هايدي بعد المطر بجناحيها في سماء الحياة وتنفض الأتربة من فوق ريشها لتحلق بين السحاب وألوان الطيف أقواسها تعكس الشعاع في بهجة النفوس لتمتع وتستمتع بهواء الصباح كنحلة تمتص الرحيق وتقطر العسل .
إن للنفس والأنفاس هواء يشتم روائح الأمل مع من يرمم لها إنكسار الحياة .
ان رسالة كاري كانت حجرا فيها شرارة أشعلت اللهب في قش الكوخ وبقايا الهشيم رماها بمداد قلمه فتت أعواده الحزينة لتذروه الرياح رمادا وتجرفه إلى مكان سحيق ، فالظلام العابس يحتاج إلى نور ليعيد للقلوب نبضها وللسعادة وهجها وللأناقة جمالها لقد جرفت الرسالة أكوام رمال الألم بين أضلاعها ، مازالت شابة في وهج شموخها وجمالها تحتاج إلى عناق يذيب جليد التعب لترتخي الأيادي من التعب في العناق .
إنها الغريزة فاتنة الشهاء لتبحر بها إلى حيث تكون شواطىء الحياة الآمنة.
وضوء القمر ساطع في بحار الأعماق والمحيطات وخرير الأمواج موسيقى تأنس فيها الروح وتغني بمعازف الألحان وتشدو مثل العصافير لتسيل الدموع والبرزخ بينها لتتذوق الوجنتان حلاوته وملوحته ، ابتسمت هايدي وودعتها وذهبت إلى الحقل لتجلب الفراولة فالمحصول بدأ في النضوج وتريد أن تنعش روحها مع هذا الصباح الجميل .
لكن في الحقل أمر مريب قد يغير معالم الحياة في كيان هايدي فما هو ..؟
إلى ،،، يرقة أخرى في ريف الاعمى الذي يحلم أن يرى السماء .
ابتسم أيها الأنيق ????
المصدر: صحيفة صدى
إقرأ أيضاً:
وهج الزهد.. حين تضيء القناعة طريق الحياة الزوجية
محمد حسين الواسطي **
في زحمة الحياة المعاصرة - حيث تتشابك الأحلام مع الطموحات، وتختلط القيم بالمظاهر - يقف الإنسان حائرًا أمام سيل من المغريات المادية التي تغشي البصر عن نور البساطة والاعتدال. «حفلات الزواج» هذه المناسبات التي كان يفترض أن تكون واحة للفرح الصادق، أضحت للأسف مسرحًا للبذخ والتفاخر؛ حيث تقايض السعادة الحقيقية بمظاهر زائفة لا تدوم.
«الزهد» هو ذلك المنهج الذي يحرر القلب من التعلق بالماديات، ويجعله أكثر قربًا من القيم الإنسانية والروحية. فهو ليس فقرًا ولا حرمانًا؛ بل هو فن التوازن بين الروح والمادة، هو إدراك أن السعادة ليست فيما نملك؛ بل فيما نعيش.
وإن الدعوة إلى تطبيق مفهوم الزهد الذي دعانا الله ورسوله إليه لا تعني التقشف، ولا البخل، ولا التقتير، ولا التضييق على الأهل والعيال، فهذه صفات مذمومة في منظومتنا الأخلاقية؛ بل المقصود هو التحرر من التعلق المفرط بالماديات، والبعد عن الإسراف والتبذير، مع التمتع بنعم الله باعتدال وحكمة.
نحن اليوم أمام واقع يشهد فيه الزواج تحولًا من رباطٍ مقدسٍ إلى منافسة اجتماعية؛ حيث تنفق الأموال الطائلة على ليلة واحدة، وتثقل كاهل الأسر بأعباء الديون. كم من شاب أضناه البحث عن الاستقرار، وكم من عروس تألمت لأن فرحتها أحيطت بأعباء مالية لا تنتهي!
علينا أن نذعن بأن جوهر الزواج يكمن في النفوس المتآلفة، لا في الموائد المترعة، وفي المحبة الصادقة، لا في البريق الخادع. فليست حفلات الزواج مقياسًا لقيمة الحب؛ بل هي انعكاس لحالة من التفاهم والانسجام بين روحين اختارتا أن تسيرا معًا في درب الحياة. وما أجمل أن نعود إلى جوهر هذه المناسبات؛ حيث يكون الفرح في القلوب لا في الأضواء، وحيث تكون البساطة عنوانًا للبركة.
وكما قال الله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص: 77] وقال أيضًا: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا﴾ [الإسراء: 27] فكيف لمن يسرف ويبذر في ليلة واحدة أن يحسن كما أحسن الله إليه وكيف له أن يبرر هذا التبذير وهو يعلم أن الله لا يحب المفسدين.
نعم؛ السعادة الحقيقية لا تقاس بما نملك؛ بل بما نحمله من رضا وقناعة. وكما قال أبو العتاهية (130هـ -211 هـ):
لَيسَ عَلى المَرءِ في قَناعَتِهِ // إِن هِيَ صَحَّت أَذىً وَلا نَصَبُ
مَن لَم يَكُن بِالكَفافِ مُقتَنِعًا // لَم تَكفِهِ الأَرضُ كُلُّها ذَهَبُ
لذلك نؤكد أن القناعة هي الأساس لحياة مليئة بالبركة والسكينة. ومن الضروري أن نؤمن بأن العودة إلى النظرة الزاهدة المعتدلة إلى الحياة وتطبيقها في حفلات الزواج ليست رجعية؛ بل هي استعادة للتوازن، وإحياء لقيم فطرية تجعل الحياة أكثر سكينةً وبهجة. فالزواج ليس استعراضًا للأموال؛ بل هو ميثاق غليظ، وأساسه المودة والرحمة، لا الإسراف والتفاخر. إنه فن تحقيق السعادة الداخلية من خلال القناعة والرضا، لا من خلال الخيلاء والتفاخر.
والمعنى الحقيقي للزهد قد اختصرته هذه الآية العظيمة: ﴿لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [الحديد: 23] فكم من إنسان يبالغ في الإنفاق، لا لأنه بحاجة إلى ذلك؛ بل لأنه يريد أن يظهر للناس مظهر الغنى والتفاخر، فيسرف في حفلات الزواج والمناسبات فقط ليقال إنه فعل، ولكن هل حقًا هذا ما يجلب السعادة أم أن السعادة تكمن في البساطة والرضا.
لنتأمل في حقيقة أن الحياة الحقيقية لا تقاس بما نجمعه من أموال أو مظاهر؛ بل بما نزرعه في قلوب الآخرين من خير وحب فما أجمل أن نجعل من حفلات زواجنا نموذجًا للاعتدال؛ حيث تكون كل لحظة فيها شهادة على قيمنا، وكل تفصيل فيها انعكاسًا لروحنا لنخرج من قيد الإسراف إلى رحابة الزهد، ومن عبودية المظاهر إلى حرية الجوهر.
الفرح الحقيقي لا يشترى، والبركة لا تباع، والسعادة الحقيقية تبنى على أرضية من الحب الصادق، والاحترام المتبادل، والاعتدال في كل شيء فلنكن نحن التغيير الذي نريد أن نراه في مجتمعنا، ولنجعل من حفلات الزواج فرصة لإظهار قيمنا النبيلة، لا لتكريس عاداتنا المرهقة لأن السعادة الحقيقية هي تلك التي تنبع من الداخل، وتضيء طريقًا طويلًا من الحياة المشتركة، بعيدًا عن وهج الأضواء الزائل.
** كاتب عراقي