التأشيرات تحرم السودان من خدمات أطباء بلا حدود
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
ناشدت منظمة “أطباء بلا حدود” الأربعاء السلطات السودانية منح تأشيرات لأجانب يعملون فيها لكي تواصل تقديم الدعم لأحد آخر المستشفيات العاملة في السودان حيث أدّت الحرب الى خروج ثلاثة أرباع المؤسسات الصحية من الخدمة.
وقالت المنظمة إنّها “تنتظر منذ أكثر من ثمانية أسابيع تأشيرات للجرّاحين والممرّضين وعاملين في تخصّصات أخرى”.
وأدّت الحرب منذ اندلاعها في السودان قبل 16 أسبوعاً الى مقتل قرابة 4 آلاف شخص وتشريد ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص داخل البلاد وخارجها. وقالت كلير نيكوليه المسؤولة عن عمليات الإغاثة في أطباء بلا حدود إنّ “تأشيرات العديد من مقدّمي الخدمة الصحية” الذين يساعدون المستشفى التركي في الخرطوم “أوشكت على الانتهاء ما يعني أنّه ينبغي عليهم مغادرة البلاد”.
وتابعت “لدينا فريق جاهز للسفر ليحلّ محلّ هؤلاء لكنّه لم يفعل لأنّه ليست هناك تأشيرات”. وتقول أطباء بلا حدود إنها عالجت في المستشفى التركي في الفترة ما بين منتصف يونيو حتى نهاية يوليو 3800 مريض من بينهم أكثر من 200 طفل وهي خدمات مهمة في السودان، احد أفقر بلدان العالم والذي باتت تعمه الفوضى منذ اشتعال الحرب.
وتوجد آلاف الجثث في الشوارع ما يمنع من إحصاء الضحايا بشكل صحيح ويشكل خطراً صحياً و لا يبدو أنّ هناك أيّ خط جبهة بين الطرفين اللذين يقصفا يومياً مناطق سكنية ومعسكرات مقاتلين بلا تمييز.
ومنذ اندلاع الاشتباكات في 15 ابريل، تشكو منظمات الإغاثة الانسانية من عدم قدرتها على الوصول الى الناس لمساعدتهم وتتهم البيروقراطية السودانية بعرقلة حركتها.
وتشرح منظمة أطباء بلا حدود أنّه لم يعد ممكنا الحصول على التأشيرات إلا في بورتسودان (على البحر الأحمر شرقاً) وهي مدينة لم تصل إليها المعارك ولكن لا يمكن الوصول إليها في أغلب الأحيان من مناطق المعارك في الخرطوم ودارفور حيث يحتاج السودانيون إلى مساعدة منظمات الاغاثة.
ويشهد الوضع الصحي في البلاد مزيداً من التدهور يوماً بعد يوم فإضافة إلى الحرب يتعين على الـ48 مليون سوداني الآن التعامل مع الجوع والفيضانات وما تجلبه معها من أوبئة من الملاريا الى الكوليرا.
وتشير منظمة الصحة الدولية إلى أنّ “أكثر من 40% من السكان يعانون من الجوع، أي ضعف عدد العام الماضي”، هذا فضلا عن “نقص الأدوية والتجهيزات الصحية والكهرباء والماء”. “أخبار الآن”.
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: أطباء بلا حدود
إقرأ أيضاً:
فك الحصار عن القيادة العامة في الخرطوم.. ماذا يحدث في السودان؟
في اليوم الذي قضمت فيه قوات التمرد قضمة كبيرة من أرض السودان، وتوغلت في ولايات الوسط، كان رئيس مجلس السيادة والقائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان يتحدث إلى مجموعة محدودة من الصحفيين، ويقول بثقة: ” لا تغرنكم زوبعة الدعم السريع، إني أرى النصر كما أراكم أمامي الآن”. بعد أشهر من ذلك اللقاء تغيرت المعادلة العسكرية، ونجح الجيش بالفعل في اكتساب الأرض التي فقدها، وأصبح أقرب إلى تحقيق النصر الشامل.
محاصرة البؤر المشتعلة
مما ينتظر القيادة العسكرية من تحديات جمة، لا يبدو أن التخلص من مليشيا الدعم السريع هو نهاية الحريق. ثمة معضلات أخرى خطيرة أيضًا، على رأسها التوجس من المجهول، وأسئلة اليوم التالي للحرب، وكيفية بناء مؤسسات الدولة، والعلاقة مع العالم، وتحقيق المصالحة الوطنية.
لا شك أن الحرب سوف تنتهي قريبًا، ليس فقط لأن الجيش السوداني في وضعية أفضل، وأن قوات الدعم السريع مُنهكة ومُحاصرة داخليًا وخارجيًا، وتواجه نقصًا في الأنفس والمعدات، وأصبح مصير قادتها أشد قتامة، ولكن لأن القوى الدولية التي تتصارع على موارد الشعب السوداني أدركت أن تغذيتها هذا الصراع أضرت بالجميع، ولا يمكن لها أن تواصل في نفخ المزيد من النيران؛ لأن ذلك سوف يرتد على المنطقة برمتها.
إعلان
كذلك فإن السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب تقوم على محاصرة البؤر المشتعلة – مؤقتًا على الأقل- ومنح السلام فرصة في الشرق الأوسط.
بات الشعور السائد بين السودانيين أن المعركة في نهاياتها، وكثير منهم حزم أمتعته للعودة إلى الديار، لكنهم مع ذلك سوف يصطدمون بحقيقة مؤلمة، وهي أنهم فقدوا كل شيء، وتحتاج البلاد إلى معجزة اقتصادية لتنهض من كبوتها. وهنا بالضرورة سوف تؤرقهم أسئلة اليوم التالي: أين رجال المرور؟ المحاكم؟ الجامعات؟ حليب الأطفال؟ الأسواق؟.. وما العمل؟ من أين نبدأ؟
ثم بعد ذلك يمكن أن تتفجّر القضايا السياسية، والحاجة لإصلاح الدولة، بالتغلب على الاستبداد وسوء الإدارة والفساد، أو ما أسماه الراحل منصور خالد بالثالوث الثقيل. ولذلك على القوى السياسية أن تنضج بالتجربة، مما أورثت البلاد من صراعات مميتة، وأن تنخرط فورًا في معركة البناء، حتى لا تكون مثل ملوك آل بوربون في فرنسا ” لم ينسوا شيئًا ولم يتعلموا شيئًا”.
مواجهة التدخلات الخارجية
بصورة جلية اتضحت حقيقة أن الدعم السريع لا توجد على الأرض. فقد انتهت في اليوم الذي حاولت فيه طعن ظهر الجيش (الرحم الذي انسلت منه). كما أن حميدتي حاليًا أقل حتى من أن يكون بندقية مستأجرة. فهو لم يعد يمتلك قراره، ولا يعبأ بمصير قواته. هو محض ذبذبات من الانفعالات المسجلة تتحكم فيها جهة ما، تريد أن تحتفظ بالأزمة مشتعلة لتحقيق توازن الضعف، لتقوم بفرض تسوية تضمن مصالحها أولًا.
وقد كان أهم ما في المبادرة التركية للمصالحة أنها تعاملت مع الأزمة تعاملًا واقعيًا، وتجاوزت السردية الشائعة للحرب بوصفها صراعًا بين جنرالين، فأقرت بوجود أطراف خارجية ذات مصالح، وأن هنالك حاجة إلى قرارات شجاعة في التعامل معها.
والأهم من كل ذلك أن ثمة جيلًا قد تخلّق من هذه المحنة، هو الذي يقاتل اليوم، صار أكثر نضجًا ووعيًا بما يجري حوله؛ جيلًا صعب المِراس، لا يقبل الضيم ولا الدنية في دينه، وعلى استعداد للتضحية بكل ما يملك من أجل وحدة السودان، ولن يسمح أبدًا بأن يسرق تجار الحروب وربائب المنظمات الأجنبية، وسماسرة شركات الأسلحة، أمنه وثمرة أحلامه، لتبقى البلاد رهينة لقرارات مجلس الأمن، وأوكار التآمر العالمي.
إعلان
الجيش والسُلطة
الظهور الأخير لقائد الجيش الجنرال عبدالفتاح البرهان بقبضة حديدية، ومشاهد الالتحام الجماهيري، والصور المعلقة له في الشوارع بوصفه القائد الشجاع الذي واجه أخطر عدوان في تاريخ البلاد، توحي كلها بأنه سوف يقود السودان لسنوات مقبلة، ومن خلفه المؤسسة العسكرية.
يعضد ذلك أن التعديلات المقترحة على الوثيقة الدستورية تمنحه صلاحيات واسعة، كما أن تجربة قوى الحرية والتغيير السيئة في السلطة وموالاتها للدعم السريع، جعلت الكثير من الناس يشعرون بأنهم في حاجة ماسّة لحاكم قوي ينتمي إليهم، وليس لديهم مانع من مقايضة الحرية بالأمن، على الأقل حتى يتبين الخيط الأبيض من الأسود من فجر مستقبلهم.
وقد حاول البرهان في آخر تصريحاته أن يرسي معالم علاقات الدولة الخارجية في المستقبل، مؤكدًا أنها سوف تبنى على الموقف من هذه الحرب، وبنشدان وطن معافى من المجرمين والمرتزقة والعملاء والخونة، حد وصفه.
وهذا يعني أن السلطة الجديدة سوف تتخلق من رحم هذه التجربة، وبذلك يعضد قول هيجل ” الحروب ولّادة الدول”، إذ إن أغلب الدول التي نعرفها اليوم لم تولد كأوطان بل نشأت عبر حروب وغزوات.
وعلى ذات النهج جاء خطاب نائب رئيس مجلس السيادة “مالك عقار” الذي شدد على عدم قبول أي مبادرة صُلح تمسّ سيادة بلاده، أو تعيد المتمردين إلى المشهد السياسي. وقد اتفق عقار إلى حد ما مع حاكم إقليم دارفور أركو مناوي في أن السودان لا يعيش حاليًا حالة مساواة، ودعا إلى بدء حوار يؤسس لسودان جديد.
كلاهما عقار ومناوي يتبنيان خطابًا تأسيسيًًا خاليًا من الشعارات والنزعة الأيديولوجية، لا سيما أن البلاد انتقلت بصورة مؤلمة من الثورة إلى الحرب، ورسخ في الوعي أنه إذا كانت “التعاسة تدفع بالناس إلى الثورة، فإن الثورة أيضًا تعيد الناس إلى التعاسة”.
وبالقدر نفسه يحتاج التيار الإسلامي إلى التنازل عن توجهاته الانفرادية السلطوية، وتفعيل “المنظومة الخالفة” التي كتبها الشيخ الراحل حسن الترابي في آخر أيامه، وكانت تستهدف خلق تحالف جديد يضم كافة أهل القِبلة، والقوى الوطنية التي تؤمن بالشورى والحريات.
إعلان
ترميم صورة البلاد
بلا مواربة، يمكن القول إن هزيمة المليشيا المتمردة تعني عمليًا فشل مقترح الحكومة الموازية، وهو في حال دخل حيز التنفيذ كان سيهدد حرفيًا بتقسيم البلاد، ونهاية السودان الموحد، أو ما أطلق عليه أنصار التمرد دولة (56).
ولذلك فإن هذه الحرب تبدو فرصة مؤاتية للتفكير فيما يجمع الناس، وإعادة ترميم صورة البلاد التي “كلما حاولت أن تنهض تتكئ على بندقية”، كما وصفها أحد الأدباء، وذلك فضلًا عن إعادة بناء مؤسسات الدولة، والعمل بصورة جماعية؛ لتحقيق المصالحة السياسية والتعافي الاجتماعي، والبحث عن شراكات خارجية من أجل الإعمار تقوم على المعرفة والخبرة، ومن ثم اللحاق بركب الأمم المتحضّرة.
كل هذا ضروري حتى لا تصفعنا مرة أخرى عبارة محمد حسنين هيكل بأن السودان “متطفل على فكرة الدولة، وهو عبارة عن رقعة جغرافية فقط، ليس شعبًا ولا دولة ولا أمّة”.
وهيكل في الحقيقة لم يكن يحب السودان، ويعتقد أنه أصابته لعنة الحروب، ولكن ما بالنا نحن لا نتعلم من الأخطاء، ونحب بلادنا ونعلي من شأنها، لتنعم بالسلام والازدهار، وتصل إلى الموقع الذي تستحقه تحت الشمس!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
عزمي عبد الرازق
كاتب وصحفي سوداني
—
نقلا عن الجزيرة نت