د.محمود المساد يكتب .. ماذا يُقال عمّن يحرث خارج مَهمّته؟
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
ماذا يُقال عمّن يحرث خارج مَهمّته؟
الدكتور #محمود_المساد
في المثل الشعبيّ يقال: فُلان “مايل “يحرث خارج الثلم، و #الثلم بالعامية هو #خط_المحراث الذي تجرّه الدابة في أثناء #حراثة #الفلاح لأرضه.وبهذا يكون المايل رافضًا الخط المستقيم، ويترنح يمينا ويسارا بحسب الحَوَل الذي أصاب إحدى عينيه أو كما يقال: تارك عشبه وعينه على عشب غيره.
وكما يقال: الشيء بالشيء يذكر. فقد تسمع في بعض بلاد العجم من لا يفرّق بين الفقوس والخيار، أو بين الصبيّ والصبيّة، أو بين عدد الحصص الصفيّة، والخطة الدراسيّة، حتى إن بعضهم ممن يحرث خارج الثلم لا يعرف مَهمّته من مَهمّة غيره، بل وقد يستهويه العمل على مَهمّة غيره، وترك مَهمّته الأصل، تماما كمن يقصدهم المثل: “لا يصلحون لا للعير ولا للنفير”!!، وهذا يؤشر على سوء الفهم، وقلة الحيلة، وغياب التدبير. وكأني بهذا المايل المفلس لا يقبل بما ذهب إليه المثل القائل: ” أعطِ الخبز لخبّازته لو أكلته كله!!.
حقيقة، لا نريد مناقشة هل المايل معه حق، أم لا؟ أو أن المايل لا يفرّق بين ما يُطلب منه، أو ما هو بيَدِ غيره من مَهامّ، لأن هذه الحال بات ظاهرة ومعياراً للتقدم الوظيفي وانتقاء #القيادات، على الرغم من يقين متخذي القرار أنها لا تعدو حراثة في البحر، لا تثمر ولا تسر الناظرين. بل، وعندما تقول وتتحدث أمام من يفهم يقول لك: يا رجل إنه مايل وأحَوَل!! وهنا نسأل: هل علينا أن نتعلم لغة هؤلاء فننزل إليهم كي يفهموا؟ أم علينا أن نتعَب لتمكينهم بالتدريب المكثف؛ كي يؤدّوا مهامّهم بطرائق المحاكاة على الأقل؟
…..أفيدونا يا قوم، ما العمل؟
صحيح أننا قد نحتاج لنفهم إلى ميكروسكوب، وأشعّة، ومختبرات،لكن في الوقت نفسه لا نحتاج بالتأكيد لطيّار يقود هذا العمل،فالأمر لا يحتاج إلى هندسة طيران.
حماك الله يا وطني ممّن يحرث خارج الثلم!!
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: حراثة الفلاح القيادات
إقرأ أيضاً:
الصحافي يحي العوض يكتب عن الجنيد على عمر (2)
عبد الله علي إبراهيم
هذا مقال بحي العوض، رحمه الله، الثاني عن صحبته للجنيد على عمر، الذي كان في وحشة التخفي عن عيون الأمن، لدور السينما في الستينات الأولى بطلب أخوي من قيادة الحزب الشيوعي. وأصاب الجنيد من ذلك ما هو معروف. وحدس الناس حدساً ما ساقه إلى سكة الصمت اختياراً، في عبارة يحي، ولقي أستاذنا عبد الخالق من لؤم الحدس والظنة ما لقي. في مثل قولهم إنه أراد التخلص منها بالغياب لخوفه من منافسته في القيادة.
ليس صعباً أن تستنتج من حكاية يحي أن الحزب من كان وراء التماسه أن يصطحب الجنيد إلى دور السينما لمحبته لعالم الفيلم. ومن كان يعرف محبة الجنيد للسينما؟ ليس سوى أستاذنا عبد الخالق على التحقيق. فقد كان الجنيد سكن مع أسرة عبد الخالق بمنزلهم بالشهداء. ويذكر محمد محجوب عثمان، شقيق عبد الخالق الأصغر، ما كان يجري من نقاش بينه وبينهما بعد عودته من مشاهدة فيلم ما. وكان حدثني عن ذلك في تسجيل بالتلفون من مقامه في السويد، رحمه الله. ولم أحسن تدوين العبارة من التسجيل، ولكنكم ستجدونها مختلطة كما هي عندي وآمل أن اعود للشريط للتدقيق في نصها. خذوها على البركة على ما بين أستاذنا والجنيد وعن زمالتهما لا في الحزب وحده، ولكن في محبة السينما أيضاً:
"يذكر محمد محجوب عثمان الأستاذ الجنيد وسكناه معهم. كان محمد في أول الوسطى. جاء مرة من مشاهدة فيلم فسأله عبد الخالق عنه. فقال محمد اسمه "الفرسان الثلاثة". فسأل: أليس فيلم Limelight إنجليزياً؟ قال: نعم. قال: وما اسمه بالإنجليزية. وفي مرة أخرى كان الفيلم هو لشابلن. فسألوني، عبد الخالق وجنيد، عنه فقلت "أضواء المسرح" لأن لايم بدت لي كالمادة الجيرية. فصارت نكتة بينهما".
ول limelight هذه حكاية بيني وبين أستاذي في نحو 1970 أحكيها يوماً.
أخذت من مقال يحي ما تعلق بالجنيد وتركت بعضه الأخر الذي توسع فيه عن أستاذنا. وقال إنه سيحدثنا عن لحظة منعطف عن الجنيد في حلقات قادمة لا أعرف إن وفق إليها.
ما قبل الغياب: التوحد مع النسيان والصمت اختياراً
يحيى العوض
العطر رفيق الحياة والموت. كانت عبارة مفضلة للأستاذ الجنيد على عمر في مرحلة كمال الصحو. وعندما نتوجه لمشاهدة فيلم سينمائي سبقه احتفاء إعلامي مثل فيلم " زوربا " الذي شاهدناه معا عن رواية الاديب اليونانى نيكوس كازينتاكس وبطولة انتونى كوين وايرين باباس، كان يقول لي إنه يستحق قبل مشاهدته حلاقة الذقن وتشذيب الشارب وبخات من العطر. ورويت له ذات ليلة ونحن في طريقنا الى سينما " كولزيوم " حكاية صديقه وصديقنا الاستاذ عوض برير، رئيس تحرير صحيفة "الاسبوع " مع شاب يعمل معه في المنزل. كان من مدمنى افلام الكاوبوى التى اشتهرت بها سينما كولزيوم. وتصادف في تلك الامسية أن الأستاذ عوض برير كان يتوقع زيارة بعض الأصدقاء فطلب من الشاب أن يذهب إلى السينما في حفل الدور الثاني وليس الاول ليساعده فى خدمة الضيوف. لكن الشاب رفض بشدة وقال له: لا يا استاذ في الدور الثاني يكون البطل "تعبان". ويقصد أن بطل الفيلم سيصاب بالإرهاق من كثرة المعارك التي يخوضها في حفل الدور الأول. ولعلها مصادفة مؤلمة أن هذا الخلط بين الواقع والخيال هو النذير الصاعق لاقتراب استاذنا الجليل من مشارف برزخ الغياب. وكانت بدايته أثناء مشاهدتنا معا لفيلم "صالة الشاي في قمر اغسطس " للممثل الامريكى جلين فورد. واحبس دموعي وقلمي عن تفصيل تلك الاحداث، حتى نهاية هذه السلسلة من المقالات بقدر ما أستطيع. وما تسمح به ذكرى غالية لصديق عزيز ورمز شامخ "توحد مع النسيان اختياراً وانتسب إلى الصمت طوعاً". وهو من صفوة الصفوة التي لم تنحن أبداً إلا عند احتضان الوطن وقضاياه. ترى هل تبقى من امثال اولئك الرجال في اجيالنا المعاصرة؟
ibrahima@missouri.edu