بيت السباعي… معلم تراثي أصيل يعكس غنى العمارة الدمشقية القديمة
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
دمشق-سانا
تعطي دمشق نموذجاً رائعاً عن نشأة العمارة القديمة وتطورها، فمدينة الأسواق والخانات والأبواب والطرقات التجارية التاريخية تتباهى بما تمتلكه من تراث عريق لأجمل فنون العمارة تتوزع في جزئها القديم، وتعد من أبرز معالمها.
ويعتبر البيت الدمشقي التقليدي بمواصفاته الفريدة التي اكتسبها عبر العصور أحد أبرز معالم هذه العمارة بأبعادها الاجتماعية والجمالية، فمساحته الكبيرة وعدد غرفه الكثيرة جعلته يحتضن العائلة التي تتميز بكثرة عدد أبنائها، كما عكست هندسته غنى فنون العمارة الدمشقية، وفي الوقت نفسه أعطت هذه البيوت صورة عن شخصية أصحابها.
ويعد بيت السباعي أحد هذه البيوت الدمشقية الأصيلة لجهة أسلوب البناء العمراني من خلال العناصر المستخدمة في بنائه، فهذا البيت الذي يقع في حارة الدقاقين بالقرب من سوق البزورية أنجز بناؤه حسب المهندس المعماري بشر البري مهندس الموقع في مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية عام 1187 هجري، ويتألف من 13 غرفة كبيرة موزعة على طابقين وثلاث قاعات وعدة باحات سماوية، إضافة إلى الباحة الأساسية مركز البيت ومكان اجتماع العائلة صيفاً أمام البحرة، وفي الشتاء كانت العائلة تنتقل إلى الطابق العلوي، حيث تتصل عدة غرف ببعضها وتدخلها أشعة الشمس التي تمنح المكان الدفء.
وقال البري: لا تقتصر أهمية بيت السباعي عن كونه يعبر عن فنون العمارة القديمة بل يعتبر معلماً ثقافياً، وهو ما نعمل على إبرازه من خلال أعمال الترميم وإعادة التأهيل الذي تقوم به مؤسسة الآغا خان، لإعادة إظهار الهوية الأساسية للمنزل من خلال تثبيت الزخارف، ثم إزالة أي خطر يؤثر سلباً عليها.
ويؤكد البري أن عملية الترميم تتم وفق المعايير الدولية والمحلية من حيث إعادة الألوان والرسومات لسابق عهدها، من خلال فريق عمل مختص يتضمن حرفيين مهرة في مجال الترميم بكل أشكاله، بدءاً من إعادة البناء لبعض الأجزاء والجدران ومروراً بالأسقف والأرضيات، إضافة إلى فريق من الكيميائيين للاستعانة بهم لتحضير مواد خاصة بتنظيف الجدران والأسقف، للحيلولة دون حصول تشوهات في البنية الأساسية للبناء.
بدورها أوضحت أميمة عبود مديرة دمشق القديمة أن دور المديرية في عملية ترميم بيت السباعي الإشراف والمراقبة للحفاظ على العناصر الأثرية والأشكال الهندسية الموجودة والزخارف والبيئة الجميلة في المكان بالاعتماد على خبرات فنية مختصة، لتبقى هوية البيت حاضرة وتوثق عملية الترميم وفق الأوصاف العقارية للبيوت الدمشقية.
ولفتت عبود إلى أن المديرية عندما تمنح رخص ترميم وتوظيف وإعادة بناء وترميم للبيوت الدمشقية فإنها تؤكد على جملة اشتراطات أهمها عدم تشويه العناصر الرئيسية، والتي تعود إلى فترات وحقب تاريخية متتالية على مر العصور (الآرامي والعباسي والأموي).
وتواصل مؤسسة الآغا خان ترميم عدد من البيوت الدمشقية القديمة من خلال الاستعانة بخبرات محلية ودولية للوصول إلى الشكل الأساسي للمنزل وتوظيفه لاحقاً ليكون معلماً تراثياً للزائرين، وفندقاً ثقافياً يتمكن من خلاله الزائر العيش بظروف مشابهة لحياة السكان الأساسيين، إضافة إلى إتاحة الفرصة لمشاهدة أعمال الترميم التي ستبقى مستمرة كجزء ثابت من المشهد العام في المكان.
سكينة محمد وأمجد الصباغ
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
110 قطع أثرية نادرة تكشف الإسهامات الحضارية لإمارة الشارقة في شبكة التجارة العالمية القديمة
الشارقة- خاص
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم إمارة الشارقة، افتتحت الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي سفيرة ملف الترشيح الدولي "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية" ورئيسة هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير (شروق) -في العاصمة الإيطالية؛ روما- معرضًا أثريًا عالميًا بعنوان "من الشارقة إلى روما عبر طريق البهارات"، الذي يعد أول معرض عربي يقام في مبنى مجلس الشيوخ الروماني "كوريا يوليا" ضمن "حديقة الكولوسيوم الأثرية".
ويتضمن المعرض، 110 قطع أثرية نادرة، تم اكتشافها في مراكز تجارية قديمة بإمارة الشارقة، تشمل منطقة مليحة ودبا الحصن، تؤكد الدور المركزي الذي لعبته الشارقة في شبكة الطرق التجارية التاريخية بين الشرق والغرب خلال العصرين الهلنستي والروماني، من القرن الثالث قبل الميلاد حتى القرن الأول الميلادي.
ويحتفي المعرض المشترك بين الشارقة وروما، والذي تنظمه "هيئة الشارقة للآثار" حتى 4 مايو المقبل، بالروابط والعلاقات التاريخية والثقافية العريقة بين الحضارتين العربية والرومانية في الخليج العربي وروما، والتي تعود لآلاف السنين، مقدمًا نظرة متعمقة على التبادل الثقافي والاقتصادي الذي شكل ملامح العالم القديم.
وشهد حفل افتتاح المعرض حضور نخبة من الشخصيات الحكومية والثقافية البارزة من دولة الإمارات وإيطاليا، منهم الشيخ فاهم القاسمي، رئيس دائرة العلاقات الحكومية بالشارقة، وسعادة عيسى يوسف، مدير عام هيئة الشارقة للآثار، وألفونسو روسو، مدير "حديقة الكولوسيوم الأثرية"؛ حيث أكدوا أهمية المعرض ودوره في تعزيز الحوار الثقافي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا.
الاكتشافات الأثرية تثبت التبادل الثقافي والاقتصادي
وتتضمن القطع المعروضة قوارير زجاجية رومانية وتمثال فينوس البرونزي، وقطعًا نقدية من حقبة الإمبراطوريتين اليونانية والرومانية، وتكشف هذه الكنوز الأثرية الرحلات التجارية الطويلة التي ربطت الشارقة بروما، وتوضح التبادل الثقافي والاقتصادي العميق بينهما، حيث كانت مليحة في تلك الحقبة مركزًا حضريًا واقتصاديًا مزدهرًا يعكس دورها في شبكة التجارة العالمية.
ويُسلِّط المعرض الضوء على الروابط الوثيقة بين الحضارتين العربية والرومانية والتبادل التجاري والثقافي من خلال طريق البهارات، الذي شكل وريدًا للتجارة والمعرفة والتقدم التقني بين آسيا وأوروبا، كما يضيء المعرض على دور طريق البهارات كجسر لحركة البضائع والسلع والأفكار والحرف بين القارات، وإرساء أسس الشبكات التجارية العالمية.
إبراز الدور التاريخي لإمارة الشارقة
وقال سعادة عيسى يوسف مدير عام هيئة الشارقة للآثار: "يُمثل هذا المعرض محطة بارزة ضمن جهودنا المستمرة بالهيئة لتعريف العالم بالإرث التاريخي العريق للإمارة وفق رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة في إبراز الدور التاريخي للإمارة وتعزيز الحوار بين الثقافات من خلال المعارض والفعاليات الأثرية الدولية، وإبراز دورها كمكون أساسي في شبكة التجارة العالمية القديمة، كما يشكل فرصة لتعزيز التعاون البحثي بين علماء الآثار في الشارقة ونظرائهم في روما، مما يسهم في إثراء الأبحاث العلمية حول شبكات التجارة القديمة والعلاقات بين الحضارات، فمن خلال هذه الاكتشافات الأثرية، لا نكتفي بتوثيق الماضي، بل نعيد رسم ملامحه، ونمنح الباحثين والجمهور نافذة فريدة لفهم الروابط الحضارية العميقة بين الشرق والغرب. وستواصل الهيئة مساعيها في مجال البحث والتنقيب، لاكتشاف المزيد من الكنوز الأثرية التي تؤكد المكانة الريادية للشارقة كمركز عالمي للتراث والثقافة".
وأضاف سعادته: "لقد أثبتت الاكتشافات الأثرية الحديثة أن الموانئ والمراكز التجارية في الشارقة لم تكن مجرد نقاط عبور، بل كانت محاور اقتصادية مزدهرة أسهمت في تدفق المنتجات الرومانية إلى شبه الجزيرة العربية، وشكّلت جسورًا حيوية للتجارة العالمية آنذاك. واليوم، من خلال هذه المعارض الدولية والجهود البحثية المستمرة، يمكننا أن نعيد تصور المشهد التجاري والثقافي للمدن القديمة في منطقتنا، وإبراز كيف أسهمت هذه الروابط في صياغة ملامح تاريخنا المشترك".
دور مركزي للشارقة
ويكشف المعرض كانت موانئ الشارقة، مثل ميناء دبا، مراكز استراتيجية ومحطات رئيسية لعبور السفن المحملة بالبضائع القادمة من روما، والتي كانت ذات قيمة كبيرة لدى السكان المحليين، وشكلت هذه الموانئ نقاط التقاء عالمية، حيث تبادلت الشعوب البضائع والمعرفة والثقافات، وأسهم هذا التفاعل الحيوي في تأسيس شبكة طرق التجارة العالمية الأولى، وتعزيز التكامل الاقتصادي والثقافي بين الحضارات.
مليحة: مركز اقتصادي مزدهر في قلب الصحراء
وكشفت التنقيبات الأثرية في منطقة مليحة عن عملات رومانية ويونانية تم تداولها جنبًا إلى جنب مع عملات محلية تم سكها بتصاميم مستوحاة من النقود الأجنبية، إذ يؤكد تداول العملات وتبادلها الدور المحوري لمنطقة مليحة في الطرق التجارية القديمة، كما يضيء تدفق الذهب والفضة والبرونز عبر مليحة على الأنشطة الاقتصادية المزدهرة في المنطقة، والثروات التي جناها التجار؛ مما يرسخ مكانتها كمدينة تجارية رائدة.
وسهلت التجارة بين الشارقة وروما تبادل التأثيرات الفنية والثقافية والفكرية، وهو ما تؤكده القطع الأثرية المكتشفة في الشارقة والتي تحمل بصمات واضحة من الفن الروماني؛ إذ تشير إلى أن السكان المحليين في مليحة لم يقتصروا على استيراد العملات والبضائع الرومانية؛ بل قاموا بدمجها في ثقافتهم اليومية، وأسهم هذا التبادل في وضع أسس روابط وحوار ثقافي شكل ملامح الحضارتين العربية والرومانية، وعزز ثراءهما في مجالات الحرف اليدوية والفنون والتجارة.