أماني الطويل

لم تتوقف مساعي روسيا خلال العقدين السابقين للحصول على موطئ قدم عسكري في أفريقيا، وذلك عبر تفاوضها منذ العام 2008 مع الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح لبناء قاعدة عسكرية في عدن تطل على منطقة القرن الأفريقي، والاتفاق مع جيبوتي على وجود عسكري روسي على أراضيها عام 2014، ومع إرتيريا عام 2018.


الأداء الروسي يذكّرنا بالتعبير الذي استخدمته صحيفة التايمز البريطانية عام ١٨٨٤ أثناء تغطيتها لمؤتمر برلين بعنوانها "الاندفاع نحو أفريقيا" وهو ما ساهم في تقسيم أفريقيا في هذا التوقيت بين دول أوروبا الكبرى آنذاك، وإذا كانت الموجة الثانية من هذا "الاندفاع" قد انتهت بنهاية الحرب الباردة، فإنّ ما نشهده في السنوات الأخيرة يمكن أن نعتبره الموجة الثالثة لهذا التنافس العالمي، حيث يتواجد في منطقة الساحل الأفريقي ما يقارب من 46 موقعًا عسكريًا للولايات المتحدة في القارة الأفريقية، فضلًا عن إدارة 16 دولة بما فيها الهند، الصين، اليابان، تركيا، وإسرائيل لـ19 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي.

في هذا السياق، فربما تبدو أهم مخرجات منصة جنيف بشأن السودان التي تمت بهندسة أمريكية وإقليمية هو الكشف عن الخيارات الأخيرة لرئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، إذ إنّ رفض فكرة واشنطن في حسم الصراع بآلية التفاوض من جانب الجيش السوداني تعني تعويله على دعم تسليحي ضخم من روسيا قد يضمن تغيير الموازين العسكرية على الأرض، وذلك طبقًا للتفاعلات السودانية الأخيرة مع موسكو.

السؤال هنا ما هي حدود فاعلية روسيا في تحقيق أهداف البرهان، وما هي المكاسب للطرفين في حال بلورة تحالف ثنائي أو حتى ثلاثي بوجود الطرف الصيني.
في البداية؛ أشير إلى أنّ لجوء النظام السياسي السوداني منذ عام ١٩٨٩ إلى المعسكر الشرقي ليس بجديد، إذ إنّ هذا المعسكر قد أنقذ نظام البشير أكثر من مرّة، ذلك بعد تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب في تسعيينيات القرن الماضي ووقوع عقوبات دولية عليها، فلجأت الخرطوم إلى كل من الصين وماليزيا اللذين قدّما دعمًا كبيرًا خصوصًا في مجال الاستثمارات البترولية ووفرت للبشير ونظامه دعمًا غير محدود على الصعيد الاقتصادي.
في التوقيت الراهن يشكل البحر الأحمر لموسكو أهمية كبرى نظرًا لإستراتيجيتها المعلنة منذ ٢٠١٥ بالتوسّع البحري من جهة وتعميق العلاقات الروسية الأفريقية من ناحية أخرى، وطبقًا لذلك فإنّ هدف موسكو الراهن هو إحياء الاتفاق الذي تم بين الخرطوم وموسكو بهذا الشأن عام ٢٠١٧ وهو الاتفاق الذي يتيح إقامة منشأة بحرية روسية في السودان قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وتستوعب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني، ويسمح لها باستقبال أربع سفن في وقت واحد، وتستخدم القاعدة في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين وكاستراحة لعناصر البحرية الروسية.

أما ملامح الاتفاق الجديد بين الطرفين فهي تتعلق بتعزيز الوجود الروسي في السودان من خلال 5 وحدات، منها وحدة عسكرية تُعنى بالعلاقات العسكرية الخاصة بالأسلحة والتدريب، وأخرى أمنية تعمل في حماية المنشآت أو الأفراد، إضافة إلى الوحدة التعدينية وهي تضم عددًا من الشركات العاملة حاليًا في مجال تعدين الذهب أو اليورانيوم أو الكروم والمعادن الأخرى، إلى جانب الوحدة العقارية التي تعمل في مجال البناء وغيره، والوحدة الزراعية العاملة في مجال التنمية الزراعية والحيوانية.

على الصعيد الصيني، هناك زيارة مرتقبة للفريق عبد الفتاح البرهان مطلع سبتمبر/أيلول المقبل إلى الصين، ومن المتوقع أن تسفر عن اتفاقات ذات طبيعة اقتصادية للسودان، إذ إنّ بكين تملك بالفعل وجودًا بحريًا بالبحر الأحمر في قاعدتها بجيبوتي.
في هذا السياق قد تكون الفاعلية كبيرة لكل من روسيا والصين في تحقيق أهداف الجيش السوداني مرحليًا، إذ إنّ تسليح الجيش بالتأكيد من شأنه أن يحسن موقفه العسكري والسياسي، ولكن هل يمكنها بالفعل أن تساهم في إنهاء الحرب السودانية؟.. أم تتحول السودان لميدان تصفية للحسابات بين الغرب، وخصوصًا بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين.
غير خافٍ أنّ زيارة الوزير عباس كامل مدير المخابرات المصرية إلى بورتسودان مؤخرًا كان أحد أغراضها هو الشواغل الأمريكية والمصرية السعودية المشتركة بشأن وجود عسكري روسي على سواحل متاخمة لهما.

وقد تكون الشواغل الإقليمية، خصوصًا المصرية غير مرتبطة بمخاوف من روسيا كالحال على الصعيد الأمريكي السعودي ولكنها مرتبطة بما يعنيه ذلك من تصاعد التوتر في البحر الأحمر في ضوء الوجود العسكري الأمريكي في هذا البحر وتداعيات ذلك على الأمن المصري خصوصًا أمن قناة السويس.

وهكذا فإنّ الاندفاع نحو أفريقيا من الجانب الروسي هذه المرة قد يكون مفيدًا للجيش السوداني على المدى القصير، أما على المديين المتوسط والبعيد فقد يحوّل السودان إلى مسرح من مسارح الصراع الدولية، وهي خسائر للسودان وأفريقيا معًا.

(خاص "عروبة 22")  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من روسیا فی مجال فی هذا

إقرأ أيضاً:

البعث السوداني يرفض ويعارض حكومه الأمر الواقع والحكومه الموازيه

انطلاقا من موقفنا المبدئي من طرفي الحرب، كلا الطرفين لا يمثلان الشعب السوداني، بلا شرعيه او اساس دستوري، ودون تفويض شعبي وسند جماهيري،ولا يملكان الحق في التحدث بالنيابه عنه،الطرفين حلفاء الأمس ونتاج اللجنه الأمنيه وانقلاب 11أبريل، ومجزرة فض الاعتصام وشراكه الدم،وعرقله وتعقيد المرحله الانتقاليه وانقلاب 25 اكتوبر، ضد سلطه مدنيه ديمقراطيه،وقتل المتظاهرين السلميين والتعذيب والاعتقال والتضييق علي الحريات وتقويض العداله والافلات من العقاب، واشعال الحرب في 15 أبريل للتآمر علي ثورة ديسمبر واجهاضها، باعتبارها تطور طبيعي للتناقضات الثانويه بين الطرفين، حول الصراع والتسابق في النفوذ والسيطرة علي الحكم والمصالح، خدمه لأهداف دوائر وارتباطات خارجيه علي المستوي الأقليمي والدولي، تسعي لتشكيل المشهد السياسي لاستغلال ونهب موار وثروات السودان عبر وكلائها المحليين، من خلال اطاله أمد الحرب وتغذيتها يالسلاح والتجهيزات والمسيرات والعتاد والدعم السياسي،وتعريض السودان لمخاطر الانقسام والتفكك،وزيادة حدة الاستقطاب والاحتقان السياسي والعرقي والقبلي والجهوي، وخطاب الكراهيه والعنصريه وقانون الوجوة الغريبه ،ودعوات مثلث حمدي ودوله النهر والبحروشرق السودان، من الداعمين للجيش انعكاسا للتباين المجتمعي بين حكومه الأمر الواقع والحكومه الموازيه للدعم السريع، وتكرار السيناريو الليبي اليمني وخطورته بتكوين حكومتين في بلد واحد،وامامنا التجارب في الصومال وسوريا والعراق،كما ان الطرفين متورطين في جرائم الحرب وجرائم الابادة الجماعيه،والجرائم ضد الانسانيه التي تنفي اي مشروعيه للحديث عن السيادة الوطنيه،في ظل نزوح ولجوء أكثر من 13 مليون، وضعف هذا العدد يعاني أزمه جوع حادة، ويوجد حوالي 26 مليون يحتاجون مساعدات انسانيه عاجله، وانهيار قطاع الخدمات الصحيه والتعليميه، والانتاج الزراعي والصناعي والدمار الهائل للبني التحتيه ووسائل الانتاج والانتهاكات البشعه والفظيعه لحقوق الانسان، ما يحث في السودان واحدة من أكبرالمآسي والكوارث الانسانيه في العصر الراهن،البرهان يحاول تكريس حكم العسكر،واعادة انتاج الأزمه بدعم الفلول والموالين للنظام البائد، لعودة الاسلاميين للمشهد السياسي مجددا من خلال تعيلات الوثيقه الدستوريه الفافدة لاي اساس دستوري وقانوني شرعي بعد انقلاب 25 أكتوبر، والهدف عودة التمكين والسيطرة علي ادارة الدوله ،والغاء لجنه فض الأعتصام بديلا عنها بلجنه انهاء الحرب، والدعوة لاحياء الدوله الدينيه وسيادة تشريعاتها، واستكمال مهام الحرب ،كما ان حكومه الأمر الواقع رفضت كل المبادرات الداعيه للحوار والتفاوض لوقف الحرب في جدة والمنامه وجنيف،والمطلوب اجبار الطرفين للجلوس للتفاوض لوقف الحرب والممرات الآمنه لتدفق المساعدات الانسانيه لسد النقص في الغذاء والدواء وللحد من المجاعه وحمايه المدنيين، وتعمل علي اسنمرارها،بالاصرارعلي الحسم العسكري وتسخين الجبهات لتحسين الوضع العملياتي، بتأثير فلول النظام البائد الذين بسيطرون علي مفاصل الدوله والكتائب الأرهابيه،وعلي البرهان وقبادة الجيش بعد ان عادوا للسلطه، لاستمرار الحرب وللثأر وتصفيه الخصوم ومكتسبات ثورة ديسمبر،ومليشيا الدعم السريع المجرمه متهمه، بارتكاب جرائم القتل والاغتصاب والعنف،والتعذيب والانتهاكات والنهب والسرقه، تحاول التغطيه علي جرائمها وتناور مع حلفائها ياستخدام الغطاء المدني والعلمانيه الزائفه، لاخفاء نواياهم الحقيقيه بتوقبع ميثاق السودان السياسي في نيروبي، في محاول للضغط والابتزاز علي حكومه بورتسودان التي تعاني العزله، ولتسويق الكسب والتأييد والتطبيع الدولي والأقليمي حيث تابع المجتمع الدولي والأتحاد الأفريقي والأيغاد وأمريكا هذة المنصه ،بالرغم من المبادرات التي صدرت من مجلس الأمن والأتحاد الأوربي والأتحاد الأفريقي ومجلس حقوق الانسان، بعدم الاعتراف بحكومه بورتسودان ورفض قيام اي حكومه في الأراضي التي يسيطر عليها الدعم السريع، وكلا الطرفين امتدادا للنظام البائد في السياسات والاستبداد والشموليه والفساد،والارتباط بالأجندات الخفيه، والمحاور الخارجيه المعاديه لرغبات وطموحات جماهير شعبنا، وثورته في الحريه والسلام والعداله والتغيير الحقيقي والجذري ومخاطبه جذور الأزمه المتعلقه بالديمقراطيه والتنميه المتوازنه،والعداله الاجماعيه والمواطنه المتساوبه وادارة التنوع، والتي تهدد وحدة وأمن واستقرار البلاد، وتعقيد الوضع السياسي والعسكري والأمني والاقتصادي والانساني، الذي بستدعي العمل الجاد لوقف الحرب وبذل الجهود للجلوس للتفاوض، والمحافظه علي الوحدة الطوعيه ووحدة التراب السوداني، وتجنب مزالق الانفصال والانقسام وانهاء المعاناة،وايصال المساعدات الانسانيه،البعث السوداني يعلن رفضه للأعلان الرسمي عن الاتفاق بمنح روسيادة، قاعدة في البحمر الأحمر،لما يمثله ذلك من انتهاك واعتداء صارخ علي السيادة الوطنيه للبلاد،من قبل سلطه اللجنه الأمنيه للنظام البائد بقيادة البرهان واعوانه من الفلول باستغلال الأمرالواقع لخدمه أجنداتها للأغراض العسكربه،والذي يفتح الباب للتدخلات الخارجيه الأقليميه والدوليه،ويضع البحر الأحمر في أتون الصراعات والتجاذبات والمصالح لهذة القوي، وابعاد وتبعات ذلك علي الدول المطله علي البحر الأحمر،وتهديد أمن واستقرار المنطقه وسلامه السودان وأمنه القومي،ومخاطر الحروب والنزاعات، ويعرض السودان لشروط التبعبيه والأرتهان للقوي الأجنبيه،والتقريط في مستقبله واستقلاله السياسي. تصعيد العمل الجماهيري القاعدي والنهوض بنضالاته لوقف التدخل الدولي لتقسيم البلاد، وبناء جبهه عريضه وواسعه من القوي الحيه السياسيه والمدنيه والمهنيه والنقابيه والمجتمعيه ولجان المقاومه لاسترداد الثورة وهزيمه مخططات الانقسام والانفصال وتفتيت البلاد،ورفض التسويات والصفقات المشبوهه والحلول الهشه،وابعاد العسكروالدعم السريع عن المشهد السياسي والاقتصادي،والتمسك بدورواردة شعبنا في استلام زمام المبادرة ،لوقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي، من اجل تحقيق اهداف الثورة في الحريه والسلام والعداله

حزب البعث السوداني
المكتب السياسي
1925/02/12  

مقالات مشابهة

  • البعث السوداني يرفض ويعارض حكومه الأمر الواقع والحكومه الموازيه
  • من أطلق الرصاصة الأولى؟ القصة الخفية وراء بداية الحرب في السودان – الحلقة الأولى
  • بحضور السفير القطري .. إفطار رمضاني بمسجد النور بمدينة بورتسودان – صور
  • الجيش السوداني يسيطر على أهم مستشفيات الخرطوم.. والقصر الرئاسي مسألة وقت
  • عاجل | وزير الخارجية السوداني للجزيرة نت: الحكومة الموازية وُلدت ميتة ولن يكون لها دور في مستقبل السودان
  • الجيش السوداني: سيطرنا على موقف شرونى المؤدى للقصر الجمهورى وسط الخرطوم
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (12 – 20)
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • قصة الطفلة وسام – رمز لأمل يتحدى النزوح ويعيد الحياة إلى مدارس السودان
  • محمد أبو شهاب وأمين عام "أطباء بلا حدود" يبحثان الأزمة الإنسانية في السودان