الرهان السوداني على المحور الروسي – الصيني: حدود الفاعلية!
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
أماني الطويل
لم تتوقف مساعي روسيا خلال العقدين السابقين للحصول على موطئ قدم عسكري في أفريقيا، وذلك عبر تفاوضها منذ العام 2008 مع الرئيس اليمني الأسبق علي عبد الله صالح لبناء قاعدة عسكرية في عدن تطل على منطقة القرن الأفريقي، والاتفاق مع جيبوتي على وجود عسكري روسي على أراضيها عام 2014، ومع إرتيريا عام 2018.
الأداء الروسي يذكّرنا بالتعبير الذي استخدمته صحيفة التايمز البريطانية عام ١٨٨٤ أثناء تغطيتها لمؤتمر برلين بعنوانها "الاندفاع نحو أفريقيا" وهو ما ساهم في تقسيم أفريقيا في هذا التوقيت بين دول أوروبا الكبرى آنذاك، وإذا كانت الموجة الثانية من هذا "الاندفاع" قد انتهت بنهاية الحرب الباردة، فإنّ ما نشهده في السنوات الأخيرة يمكن أن نعتبره الموجة الثالثة لهذا التنافس العالمي، حيث يتواجد في منطقة الساحل الأفريقي ما يقارب من 46 موقعًا عسكريًا للولايات المتحدة في القارة الأفريقية، فضلًا عن إدارة 16 دولة بما فيها الهند، الصين، اليابان، تركيا، وإسرائيل لـ19 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي.
في هذا السياق، فربما تبدو أهم مخرجات منصة جنيف بشأن السودان التي تمت بهندسة أمريكية وإقليمية هو الكشف عن الخيارات الأخيرة لرئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، إذ إنّ رفض فكرة واشنطن في حسم الصراع بآلية التفاوض من جانب الجيش السوداني تعني تعويله على دعم تسليحي ضخم من روسيا قد يضمن تغيير الموازين العسكرية على الأرض، وذلك طبقًا للتفاعلات السودانية الأخيرة مع موسكو.
السؤال هنا ما هي حدود فاعلية روسيا في تحقيق أهداف البرهان، وما هي المكاسب للطرفين في حال بلورة تحالف ثنائي أو حتى ثلاثي بوجود الطرف الصيني.
في البداية؛ أشير إلى أنّ لجوء النظام السياسي السوداني منذ عام ١٩٨٩ إلى المعسكر الشرقي ليس بجديد، إذ إنّ هذا المعسكر قد أنقذ نظام البشير أكثر من مرّة، ذلك بعد تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب في تسعيينيات القرن الماضي ووقوع عقوبات دولية عليها، فلجأت الخرطوم إلى كل من الصين وماليزيا اللذين قدّما دعمًا كبيرًا خصوصًا في مجال الاستثمارات البترولية ووفرت للبشير ونظامه دعمًا غير محدود على الصعيد الاقتصادي.
في التوقيت الراهن يشكل البحر الأحمر لموسكو أهمية كبرى نظرًا لإستراتيجيتها المعلنة منذ ٢٠١٥ بالتوسّع البحري من جهة وتعميق العلاقات الروسية الأفريقية من ناحية أخرى، وطبقًا لذلك فإنّ هدف موسكو الراهن هو إحياء الاتفاق الذي تم بين الخرطوم وموسكو بهذا الشأن عام ٢٠١٧ وهو الاتفاق الذي يتيح إقامة منشأة بحرية روسية في السودان قادرة على استقبال سفن حربية تعمل بالطاقة النووية، وتستوعب ما يصل إلى 300 عسكري ومدني، ويسمح لها باستقبال أربع سفن في وقت واحد، وتستخدم القاعدة في عمليات الإصلاح وإعادة الإمداد والتموين وكاستراحة لعناصر البحرية الروسية.
أما ملامح الاتفاق الجديد بين الطرفين فهي تتعلق بتعزيز الوجود الروسي في السودان من خلال 5 وحدات، منها وحدة عسكرية تُعنى بالعلاقات العسكرية الخاصة بالأسلحة والتدريب، وأخرى أمنية تعمل في حماية المنشآت أو الأفراد، إضافة إلى الوحدة التعدينية وهي تضم عددًا من الشركات العاملة حاليًا في مجال تعدين الذهب أو اليورانيوم أو الكروم والمعادن الأخرى، إلى جانب الوحدة العقارية التي تعمل في مجال البناء وغيره، والوحدة الزراعية العاملة في مجال التنمية الزراعية والحيوانية.
على الصعيد الصيني، هناك زيارة مرتقبة للفريق عبد الفتاح البرهان مطلع سبتمبر/أيلول المقبل إلى الصين، ومن المتوقع أن تسفر عن اتفاقات ذات طبيعة اقتصادية للسودان، إذ إنّ بكين تملك بالفعل وجودًا بحريًا بالبحر الأحمر في قاعدتها بجيبوتي.
في هذا السياق قد تكون الفاعلية كبيرة لكل من روسيا والصين في تحقيق أهداف الجيش السوداني مرحليًا، إذ إنّ تسليح الجيش بالتأكيد من شأنه أن يحسن موقفه العسكري والسياسي، ولكن هل يمكنها بالفعل أن تساهم في إنهاء الحرب السودانية؟.. أم تتحول السودان لميدان تصفية للحسابات بين الغرب، وخصوصًا بين الولايات المتحدة وكل من روسيا والصين.
غير خافٍ أنّ زيارة الوزير عباس كامل مدير المخابرات المصرية إلى بورتسودان مؤخرًا كان أحد أغراضها هو الشواغل الأمريكية والمصرية السعودية المشتركة بشأن وجود عسكري روسي على سواحل متاخمة لهما.
وقد تكون الشواغل الإقليمية، خصوصًا المصرية غير مرتبطة بمخاوف من روسيا كالحال على الصعيد الأمريكي السعودي ولكنها مرتبطة بما يعنيه ذلك من تصاعد التوتر في البحر الأحمر في ضوء الوجود العسكري الأمريكي في هذا البحر وتداعيات ذلك على الأمن المصري خصوصًا أمن قناة السويس.
وهكذا فإنّ الاندفاع نحو أفريقيا من الجانب الروسي هذه المرة قد يكون مفيدًا للجيش السوداني على المدى القصير، أما على المديين المتوسط والبعيد فقد يحوّل السودان إلى مسرح من مسارح الصراع الدولية، وهي خسائر للسودان وأفريقيا معًا.
(خاص "عروبة 22")
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من روسیا فی مجال فی هذا
إقرأ أيضاً:
بريطانيا وصمود .. محاولة الإلتفاف على الدولة والشعب السوداني
على هامش مؤتمر لندن
بريطانيا وصمود .. محاولة الإلتفاف على الدولة والشعب السوداني
تقرير: مجدي العجب
مازالت بريطانيا تمارس غيها السياسي والتآمري على الدولة السودانية ولازالت تظن ظناً آثما أن السودان تحت وصاياها حتى. فكانت حركات سفيرها السابق لدى السودان عرفان صديق الرجل الذي نصب نفسه حاكما عاما على السودان لما وجده من فراغ سياسي وهشاشة أمنية في البلد إبان حكومة حمدوك، فقد رتب الرجل كل شيئ وظل يقود مجموعة من الساسة “القطيع” الذين سلموه زمام أمرهم وأمر البلاد.
لذا فقد ظنت بريطانيا أنها تملك “قطيعا” من الساسة السودانيين يمكن أن تحقق عبرهم أهدافها الاستعمارية والعودة من جديد عبر بوابة هولاء الساسة. لذلك عبر مؤتمرها الأخير والذي أطلق عليه مؤتمر “لندن” تقول إنهاء لإنهاء الصراع في السودان الجملة التى تعيها المملكة المتحدة جيدا وبهدف حشد المجتمع الدولي، ولكن من سوء طالع هذه الخطوة أن الحكومة السودانية أدركت “الفخ” المنصوب لها جيدا، لذلك أبدت اعتراضها عليه منذ البداية والاعتراض الأقوى كان هو تنظيم بريطانيا للمؤتمر برغم عدم دعوتها للمؤتمر وهذا توضح بجلاء النية المبيتة من هذه الخطوة العرجاء التى تخطوها المملكة المتحدة.
وأيضا من حسن حظ السودان أن عدد من الدول التي كانت شاهد عيان للمؤتمر أبدت اعتراضها أثناء الانعقاد، الأمر الذي أفشل مساعي بريطانيا غير الحميدة.
ولم تدع الحكومة السودانية للمشاركة، وقد احتجت على ذلك لدى المملكة المتحدة منتقدة نهج الحكومة البريطانية الذي يساوي بين الدولة السودانية ذات السيادة والعضو بالأمم المتحدة منذ 1956، ومليشيا إرهابية ترتكب الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية والفظائع غير المسبوقة ضد الشعب السوداني.
+ موقف بريطانيا المعادي للسودان:
الوزير الأسبق والقيادي بالحركة السياسية والمجتمعية عثمان واش قال إن الغرب الاستعماري ترك شأن مستعمراتها السابقة للمستعمر السابق، والسودان شأنه عند بريطانيا كما يظنون. وأضاف واش في حديثه لألوان قد لعب السفير البريطاني في الانتقالية قيادة الدفة السياسية، حتى مذكرة استدعاء القوات الأممية التى كتبت بقلم السفير آنذاك. وأردف لم تتخلف بريطانيا يوما عن الموقف المعادي للحكومة الحالية في السودان أو الإنقاذ الراحلة لسبب واحد هو أن المستعمر لا يرضى الاستقلال الفعلي لتوابعه إلا شكلا، فالمعركة التي تديرها الإمارات اليوم بالوكالة نجد أن بريطانيا شريكا أصيلا فيها. واستدرك: ولكن ضعف التحضير تسبب في الفشل الذي صاحب مخرجات المؤتمر، علما بأن مواقف الدول العربية المشاركة متباينة، فالمملكة التي رعت لقاءات جدة تعتقد أن لها حظوة بعد مناداة أمريكا لها في قضايا أكبر من الهم السوداني كما حصل في الوساطة بين روسيا و أمريكا في الشأن الأوكراني ولا تريد أن تتخلى عن شأنها المحلي في البحر الأحمر.
وذهب واش في حديثه: أما مصر ذات تاريخ في المنطقة العربية ولا تريد لإمارة رغم ثرائها تملي عليها مواقفها السياسية، والعالم يتشكل اليوم بعد عصر ترامب ولا أحد من المكونات العربية يريد أن يسير خلف بريطانيا وأوربا التي تخلت عنها أمريكا.
+ الاستعمار الأحدث:
ولكن القطب الإتحادي الشريف الأمين الهندي يرى أن مؤتمر لندن محاولات للاستعمار الحديث. وقال الهندي في حديث خص به ألوان: مؤتمر لندن يمثل النظام العالمى الجديد (الاستعمار الأحدث قبله الاستعمار الحديث بعد استقلال دول العالم الثالث وقبل ذلك الاستعمار المباشر).
وأوضح: يختلف الاستعمار الأحدث بوجود ثلاثة مجموعات – العالمية والاقليمية والمحلية (كرازايات).
التخطيط تقوم به القوى العالمية وتتكون من دول الاستعمار الغربي القديمة بقيادة أمريكا والتمويل تقوم دول الإقليم، إمارات سعودية والمجموعة المحلية واجهة فقط (تمامة جرتق). وزاد: المجموعة المحلية تمثل مصالح الاقليمية والعالمية وفي الغالب يتم التخلص منها بعد أن فقدت احترام الشعب (الجلبي، كرزاى، البرادعى، أشرف). وختم حديثه لنا قائلا: المؤتمر دليل على عجز هذه المجموعات و قصورها الفكرى والسياسي.
+ إلتفاف على الدولة والشعب:
اذاً فقد كان المؤتمر محاولة من المملكة المتحدة للإلتفاف على الدولة والشعب السوداني، الأمر الذي وجد معارضة قوية من داخل أروقة المؤتمر، وقد أفشل ولم تستطع محاولة الإلتفاف إخراج مخرجات أو بيان مشترك.
الوان
إنضم لقناة النيلين على واتساب