abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
تلقي البرهان ابان زيارته للولاية الشمالية متفقدا المتاثرين بالفيضانات، اكبر صفعة من دعاة لا للحرب. لانها هذه المرة لم تاتِ من السياسيين او النشطاء او المنظمات الانسانية او المجتمع الدولي، وانما من اكثر الشرائح المجتمعية تاثرا بهذه الحرب العبثية، وهم النساء.
والحال كذلك، يفترض ان ياتي دور الآخرين من السياسيين والنشطاء وخلافهم، كصدي لهذه الصرخة من المعاناة، وليس انابة عنهم وفرض الوصاية عليهم من خلال خطابات سياسية غض النظر عن كنهها، او عقائد ايديولوجية او افكار مسبقة لا يصدف انها متكلسة وعابرة للازمان، تدعي انها اكثر معرفة بمعاناة وحاجات الآخرين، اي اكثر دراية بالآخرين من الآخرين انفسهم!
وبالطبع هذا لا ينفي دور السياسيين والنشطاء، بل علي العكس فهو يؤكد دورهم، بوصفهم الاقدر علي توصيف المعاناة وتوظيفها الامثل في سياق اشمل. بل ويمكن ان نتقدم اكثر بقدرتهم علي النهوض بشعوبهم من الحضيض الي مراقي التطور، بذات القدر الذي يمكن ان يساهموا في تكريس الحضيض بخيانتهم لدورهم كما يفعل خدام الجنرالات والمشاريع الاستبدادية.
ومن هنا ياتي دور السياسيين كتالٍ من حيث الجوهر (هموم ومطالب الشعوب) ولو انهم في المقدمة من ناحية الشكل (القيادة) وصدق التوصيف والمعالجة للهموم وانجاز المطالب السالف ذكرها.
اذا صح ذلك يصح اكثر ان العساكر ليس لهم دور لا في الاحساس بمعاناة المواطنين ولا القدرة علي التعبير عنها، بقدر ما يتمثل دورهم النابع من استعداد وتكوين مسبقين، في توفير الامن والحماية من الاخطار الخارجية (الجيش) والاخطار الداخلية (الشرطة) واداء المهام الاستخباراتية (جهاز الامن).
وبما ان كل ما سلف لم يحدث سواء من السياسيين وعلي الاخص من العسكريين طوال مسيرتنا السياسية منذ الاستقلال، فكان لابد ان ننتهي الي هذا المصير البائس الذي يهدد بقاء الدولة وشعبها.
المهم، ما يلاحظ في زيارة البرهان ان هذه الدعوة النسوية الشجاعة، وهي بمثابة كلمة حق في وجه جنرال جائر، انها ازرت بدعاة الحرب من اصحاب (الشنبات والدقون والكروش والعمم والرتب) المحيطين به، قبل ان تدخل البرهان في حرج كبير، بعد ان نسفت الغرض الدعائي من هكذا زيارات مزيفة، تدعي القرب من المواطنين والاكتراث بمعاناتهم! كما درج كل القادة المجردين من الشرعية، لشرعنة وجودهم غير الشرعي عبر اللقاءات المصطنعة والهتافات المبيوعة والشهادات المجروحة والاستشهادات المفضوحة. والحالة هذه ومن اجل رفع الحرج عن البرهان الذي بُهت بهذه الدعوة الشجاعة الصادمة لايقاف الحرب ورفع المعاناة، ان تصدي لها نفر من المحيطين به والمستفيدين (من بزة اطفال السواد المانزل فوقن ملك، كما عبر حميد) وهم يصيحون، بحلاقيم متضخمة من كثرة الشحوم، وبقصد الطغيان علي الصوت النسوي الحنون، جيش واحد شعب واحد، كدعوة لاستمرار الحرب، لارضاء البرهان الممحون!
اما ما يجعل هذه الدعوة لايقاف الحرب، وازالة التعب الذي فاق حد الاحتمال، تكتسب مصداقية لا تجاري، انها صدرت عن صوت مبحوح من الصفوف الخلفية، اي كمكانة محجوزة للمقموع صوتهم تاريخيا. والحال كذلك، بقدر ما يعبر هذا الصوت الموءود عن صدق المعاناة، بقدر ما يعبر عن فشل القيادات، مما يؤكد تضارب المصالح بين الطرفين (الحاكمين غصب وضحاياهم المحكومين). وبتعبير آخر، ان ذات القيادات المزيفة المتبلدة والمسؤولة عن خلق هذه المعاناة للغالبية، هي من يمنع الغالبية التعبير عن معاناتها سواء بالارهاب او التضليل الاعلامي.
لكل ذلك تعتبر هذه الدقائق المعدودة من المواجهة، بين البرهان من جهة، وهو في كامل زيه العسكري ومنصبه القيادي وعراه من الشرعية، والقلة من الانصار والارزقية المحيط به. ومن جهة، الصوت المقموع وهو يتحدي الصعاب والمخاطر من اجل الوصول واعلان الحقيقة في كامل وضوحها وشفافيتها وعريها، مهما كانت موجعة وفاضحة وصادمة. هي ملخص حياة السودانيين منذ ان اعتلي الجنرالات سدة السلطة، من غير شرعية ولا تاهيل ولا تنازل عنها ولو انطبقت السماء علي الارض.
فهذه العلاقة المتوترة التي يستولي فيها الجنرالات علي كامل السلطات ومقدرات البلاد، ويوظفونها من اجل استمرار حكمهم باي ثمن وكيفية، وبين ضحايا هذه الحكم الاعتباطي من بقية المواطنين، الذين يُحالون الي مجرد ديكور لتزيين أًبهة الحكم العسكري الكالح. تجعل مسالة الاستقرار والحياة الكريمة غير ممكنة، إلا ما يتجلي في مظاهر الخوف بالابتعاد عن الاحتكاك بالسلطة كل ما كان ذلك ممكنا، او بالخضوع لمنطق البوت الذي يجعل الحياة سلسلة من الحروبات التي لا تنتهي كتبرير للسيطرة العسكرية الشاملة، او افتقاد الحياة للطعم/الانشطة في احسن الاحوال (خليط من حيونة عدوان وهدر حجازي).
لكل ذلك لن يزيد استمرار الحرب وتعاظم كلفتها، إلا مزيد من المبررات الموضوعية لايقاف عجلتها، مهما تعارض ذلك مع رغبات ومصالح انصارها من الطرفين، اي شئ اقرب للنار المستعرة ان لم تجد ما تاكله اكلت صناعها قبل ان تفني.
وعندما يضاف الي مأساة الحرب مأساة الفيضانات وما تخلفه من كوارث علي الانسان والعمران والبيئة، وعندما يجتمع الي ذلك شبح المجاعة المخيم علي البلاد، وكل ذلك يُواجه بحالة عجز وشلل تام من قبل الحكومة (المضروبة) المنصرفة للحرب، التي بدورها توجه لها الموارد الشحيحة المستقطعة من الضرائب والجبايات بعد فراغ الخزينة العامة من عوائد الانشطة الانتاجية واموال الريع البترولي. لنصل لمفارقة حارقة وهي ان المواطن المحتاج للمساعدة، يُقتطع من جلده لتمويل انشطة الحكومة الحربية والسيادية! وعليه، كل ذلك يقول الكثير عن حماقة الاستمرار في الحرب، لانه لو تغاضينا عن ماساة الانسان البسيط (وهم الغالبية) الذي يعاني ويلاتها غصبا عنه، فان السلطة في بورتسودان نفسها ستعاني الاختناق وسيحاصرها الفشل من كل اتجاه. لانه كما سلف الواقع البائس يزداد قتامة يوما بعد يوم، وهو ما لن تصمد امامه الاكاذيب والوعود الجوفاء ومسكنات اللايفاتية.
اما الرهان علي الدعم الروسي او الايراني او الصيني، فبقدر ما ان التجارب اثبتت انه غير مجدٍ إلا في زيادة المآسي دون حسم الحرب، ودونكم مشكلة الجنوب التي استمرت لمدة نصف قرن من غير حسم عسكري، إلا انه يفتح الباب امام مليشيا الجنجويد لاستقطاب الدعم من المحور المناوئ، وهو اقدر واخطر بما لا يقاس مقارنة مع المحور الآخر. وهو ما يعني ان الانخراط في لعبة المحاور والاستعانة ببعضها ضد الآخر سلاح ذو حدين، وغالبا ما يصبح مستخدمه اداة في مشروع الغير، بعد ان كان له مساحة للمناورة في اللعبة الدولية تعظم من مكاسبه وتقلل من منسوب الاخطار.
وعليه، العناد والمكابرة والعيش في الاوهام برجوع الاوضاع الي سالف عهدها (ليسيطروا علي السلطة عضوضيا ويتصرفون في موارد البلاد كما يشاؤون) سواء من جانب قيادة الجيش او الكيزان، لن يورِّث البلاد والعباد إلا مزيد من الخسائر علي كافة الاصعدة وبما فيها الجانب العسكري. وبدل عن ذلك عليهم الركون لصوت العقل ولو لمرة واحدة، ومن ثمَّ التحرر من شهوة السلطة المطلقة بالحصول علي كل شئ مهما كانت الاثمان، والتوجه فورا للبحث عن اي كيفية لايقاف الحرب العدمية باقل الخسائر، ويكفي ما سببوه لهذه البلاد واهلها طوال عهد الانقاذ الظلامي. كما انه ليس هنالك وجه للعدالة، ان يفرض نفسه سيد مطاع، من تسبب في كل هذه المآسي والدمار، لتخضع له كامل البلاد واهلها كأن شيئا لم يكن، بل وليعيد ذات نهج الاستبداد والاكاذيب والجرائم والانتهاكات والفساد، وكأن علي الشعب السوداني ان يجسد اسطورة سيزيف ليحمل صخرة الانقاذ المهلكة الي الابد.
واخيرا
يبدو ان البرهان شأن البشير شأن كل جنرال يسطو علي السلطة. ومن حينها يعتبرها احد املاكه الشخصية (كالعربة والمنزل والبدلة والتلفون) مما لا يحق لاحد/جهة منازعته اياها، وإلا اصبح عدوه الوجودي. والمؤسف عبر هذا المعيار الخاص، يقيس كل الامور وينسج كافة العلاقات ويخوض كل الحروبات. فهل والحال كذلك نستغرب رهن البلاد وشعبها لمصلحته؟ لطفك يارب القصة ضاقت تب، ودمتم في رعايته.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: لایقاف الحرب هذه الدعوة کل ذلک
إقرأ أيضاً:
برنامج الامم المتحده الانمائي : الاقتصاد السوري بحاجه الى 55عاما للعوده الى المستوى الذي كان عليه في 2010قبل الحرب
الجمعة, 21 فبراير 2025 10:14 ص
بغداد/المركز الخبري الوطني
كشف تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن الاقتصاد السوري يحتاج إلى 55 عامًا للعودة إلى مستواه في عام 2010، قبل اندلاع الحرب. وأشار التقرير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش بنسبة 64% منذ 2011، بينما فقدت الليرة السورية ثلثي قيمتها خلال 2023، مما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم إلى 40% في 2024.
التقرير وضع سيناريوهات مختلفة لمسار التعافي، موضحًا أنه في حال تنفيذ إصلاحات جريئة وتحقيق استقرار سياسي واقتصادي، يمكن أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 13% سنويًا حتى 2030، لكنه سيظل أقل من مستواه قبل الحرب. في المقابل، إذا استمر عدم الاستقرار، فقد ينكمش الاقتصاد بنسبة 7.68% سنويًا، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية والاقتصادية.