البرهان: نازحات القرير وبسوس السواحل
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
عندما صرخت البسوس بنت منقذ مستنجدةً بابن اختها جساس بن مرة اشتعلت حرباً ضروساً استمرت أربعين عاماً بين قبيلتين من قبائل العرب في جزيرتهم، كانت حرب داحس الغبراء، أو حرب البسوس صاحبة الناقة التي قتلها كليب بن تغلب أحد قادة القبيلة.
صرخة امرأة شقَّ القلوب، وفجَّرت الحروب، حقباً طوال، مات من مات وقتها أو بعدها بسبب الحرب أو بغيرها، لكنها ظلت جرحاً غائراً ذاكرة التاريخ، وصارت عنواناً للجهل عند قومٍ، وعنواناً للفراسة لدى قومٍ آخرين، وما بين العنوانين سالت دماء، وأهدرت كرامة، وسبيت نساء!.
وللحرب عناوين كثيرة؛ بسمون بعضها كبرياء، وبعضها حماقات، و لكل حربٍ أكثر من بسوس، و في كل حربٍ أحمق من جساس، وأكثر من حكايات وزوايا للنظر والعبرة والاعتبار.
بالطبع ليس كل النساء بسوس، ومثلما للحرب أكثر من راويةـ فكذلك للسلم أكثر من حكاية، وللنساء مواقف باذخة، فهنَّ الخصوبة والعطاء، وبهنَّ تتجمل السيرة و تحلو المسيرة، لأنهن هن أكثر من يدفع ثمن الحروب، فإن وقفت الجليلة بنت مرة مترددة ما بين نصرة زوجها الحبيب، وشقيقها المعتد، فقدت بنتها وابنها وقومها وورثت الفجيعة والهزيمة؛ فثمة نساء يقفن إلى جانب السلم.
في عام ٢٠١٤ عندما كانت حرب الأشقاء في جنوب السودان مشتعلةً دعت مجموعة من النساء كن ينشطن من أجل السلام إلى تنفيذ إضراب عبر الامتناع عن ممارسة الجنس مع أزواجهن لإرغام المتحاربين على وقف المعارك، وبينهم معسكرا الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه رياك مشار، اللذان كانا يتقاتلان وقتها لمدة عشرة أشهر.
اجتمعت النساء في العاصمة جوبا. وبين المواضيع الرئيسية: "إقناع كل النساء في جنوب السودان بحجب الحقوق الزوجية عن أزواجهن إلى أن يعود السلام.
وفي السودان انتشر يوم أمس تسجيل فيديو يظهر فيه الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وبعضٌ من قادة جيشه، خلال زيارة لقرية قوز ود هندي، بمنقطة القرير بالولاية الشمالية، كان البرهان يتفقد ضحايا كوارث السيول والأمطار، إلا أن مجموعةً من النساء أكدن أنهن ضمير الشعب المنكوي بالحرب العبثية، قطعن الطريق وذهبن نحو الجنرال وفي حلقوهن غصة، وفي أعينهن دموع، وفي ذاكرتهن دماء وفجائع، طالبن البرهان بوقف الحرب، أعلن لا للحرب، أكدنَّ أن دعوة السلام ليست دعوة حزبية، أو دعوةً تنطلق من أجل تحقيق أجندة سياسية على حساب الناس والوطن؟
لقد فقدن كل شيء، وصرن هائمات في العراء، ليس لديهن غير كرامتهن وعزهن وشموخهن، لذلك هتفن رغم كيد المتربصين، وغالبيتهم من عناصر الإسلاميين، الذين يريدون إراقة كل الدماء، إلا دماء أسرهم، حيث استبقوا الحرب بترتيب أوضاع الأسر، وابعادها إلى تركيا ومصر بعيداً عن حمى النيران ودوي المدافع، هاجرت نساؤهم وتركوا النساء الفقيرات اللائي لا حيلة لهن، لا يملكن غير الضمير!
ومع ذلك لن يكف دعاة الحرب عن عزف ألحانهم المشروخة، وعن الرقص النشاز على إيقاع مارشات العسكر، سوف يستمرون في تلويث الفضاء العام، توزيع الثلاث ورقات، تجريم الجميع؛ لن يستثنون حتى نساء حادثة قوز ود هندي، نعم سيفعلون ذلك، وأياديهم تكون ممدودة لاستلام أموال ذهبٍ ملوث بالدماء ، بل أتخيلهم كيف يجلسون خلف شاشات كمبيوراتهم، أو يمسكون هواتفهم الغالية الثمن، يريقون حبر الحياء، يوزعون بطاقات الخيانة والعمالة لمن يشاؤون من غير حساب ، ثم يتمدد الفرد منهم/ن فوق لحافه الوثير، ويجذب بطانيته الدافئة كي يغطي جسده المقرور ببرودة التكييف، ينوم ضميره قبل أن تغمض العيون!
هل سمع البرهان، صيحات النساء المكلومات التائهات المشردات؟ هل أبصرت عيناه الأحزان في عيون النسوة الصادقات؟ أم يزوغ بصره، في غفلةٍ حتى يكشف الله عنه غطاءه ويكون بصره ذاك اليوم حديد؟ هل يرق القلب لآهات مكلومات؟ أم يلهيه عن ذلك تكبير المنافقين من الإسلاميين، ويغريه هتاف نائحات مستأجرات؛ يأتين إلى السواحل نزهة يصرخن خلالها برهةً في أذن البرهان بصرخة البسوس، ثم يعدن من حيث أتين من مدنٍ بعيدة تنوم وتصحى على مخدات الطرب؟!
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أکثر من
إقرأ أيضاً:
الولادة في زمن الحرب: وفيات وانفجار ارحام في طريق البحث عن مستشفى!!
لم تدر إنعام ذات الثلاثين عامًا، أن ولادتها هذه المرة ستكون الأخيرة، بعد أن أنجبت في السابق خمسة أطفال دون مشكلات أو مضاعفات، صباح الثلاثاء جاءها المخاض وهي في غرفة تبعد أمتاراً قليلة عن منزل والدة
منتدي الاعلام السوداني : غرفة التحرير المشتركة
اعداد وتحرير : صحيفة التغيير
الخرطوم :15 يناير 2025 - لم تدر إنعام ذات الثلاثين عامًا، أن ولادتها هذه المرة ستكون الأخيرة، بعد أن أنجبت في السابق خمسة أطفال دون مشكلات أو مضاعفات.
صباح الثلاثاء جاءها المخاض وهي في غرفة تبعد أمتاراً قليلة عن منزل والدة زوجها، التي جاء بها صراخ إنعام. يقول زوجها معتصم حسين لـ"التغيير".
أسرعت والدة زوجها إلى القابلة التي لم تكن موجودة بمنزلها، وذهبت إلى إحدى القرى المجاورة لتوليد امرأة أخرى.
عادت، مسرعة وطلبت من ابن شقيقها الذهاب للقرية وإحضار القابلة بعربته الكارو (عربة تجرها الحيوانات) وهي وسيلة النقل الوحيدة بعدما تم نهب جميع السيارات بالقرية من قبل "قوات الدعم السريع" التي هاجمت قرية الهشابة التابعة لمحلية القطينة في ولاية النيل الأبيض- جنوبي السودان.
حضرت القابلة ووجدت إنعام في حالة حرجة تتطلب نقلها إلى أقرب مركز صحي لإجراء عملية قيصرية، وبالفعل تم إسعافها إلى مركز صحي بالسيل، لكن الطبيب المعالج ذكر أن المركز لا تتوفر فيه الإمكانات اللازمة لإجراء العملية وطلب تحويلها إلى مستشفى الدويم.
وقبل وصولها إلى مستشفى الدويم أسلمت إنعام روحها إلى بارئها على بعد لحظات من الوصول ليتم قبرها في مقابر الهشابة.
أرقام مخيفة
لم تكن إنعام الوحيدة التي توفيت في حالة الولادة، بل هناك العشرات من النساء اللائي وجدن ذات المصير بسبب تعطل المشافي والرعاية الصحية للحوامل ووصلت الوَفِيَّات إلى أرقام مخيفة- بحسب مصدر طبي.
"لا توجد إحصائية دقيقة لوفيات الأمهات بسبب الولادة، لانقطاع الإنترنت وانعدام الرعاية الصحية الأولية وتوقف المشافي في عدد كبير من ولايات البلاد". يقول المصدر.
وذكر أنه كان شاهداً على عدد من الوَفِيَّات في المشفى الذي يعمل فيه منذ اليوم الأول للحرب.
حالات مماثلة
ورصدت "التغيير"، عدداً من وَفِيَّات النساء الحوامل بسبب صعوبة الوصول إلى المشافي في ظل الحصار الذي يفرضه طرفا الصراع على تحركات المواطنين خاصة المناطق التي تشهد اشتباكات متكررة.
وفاقمت حرب 15 أبريل 2023، من معاناة النساء الحوامل في السودان بعد خروج أكثر من (80%) من المشافي عن الخدمة، مما اضطر بعضهن للولادة في المنازل ودور الإيواء.
وقبل اندلاع الحرب لم يكن وضع السودان أحسن حالًا، حيث سجل أعلى معدل وَفِيَّات للأمهات أثناء الولادة في العالم.
وأشارت إحصاءات وزارة الصحة الاتحادية إلى أن هناك 100 حالة وفاة بين كل 10 آلاف حالة ولادة في البلاد، وهذا ما أكدته منظمتا الصحة العالمية واليونيسف، اللتان ذكرتا أنه تم تدمير خدمات صحة وتغذية الأمهات والأطفال في السودان، ما يترك حوالي 14 مليون طفل في حاجة لإغاثة إنسانية عاجلة.
وأقر وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم، خلال اجتماع اللجنة الإقليمية لمنظمة الصحة العالمية في القاهرة أكتوبر 2023، بضعف مؤشرات صحة الأم والطفل، التي تتضمن وَفِيَّات الأمهات والأطفال وسوء التغذية.
النزيف الحاد
وتقول أخصائية النساء والتوليد صفاء محمد، إن أغلب وَفِيَّات الأمهات بسبب النزيف الحاد بعد الولادة بالمنزل لتأخر إسعاف الحالة، وعندما تصل تكون في وضع حرج يصعب إنقاذ حياتها.
وأضافت في حديث لـ"التغيير"، أن مشافي ولايات السودان المختلفة تعاني من نقص حاد في الدَّم بعد توقف المعامل المركزية وغياب الأدوية المنقذة للحياة.
ورأت اختصاصية النساء والتوليد، أن الحوامل يفضلن الولادة بالمنزل لعدم توفر الأموال بعد أن فقد أزواجهن أعمالهم بسبب الحرب، لذلك تلجأ أغلب النساء الحوامل للقابلات، ولا يكون خِيار الذهاب إلى المستشفيات إلا بعد فوات الأوان.
الولادة بالمنزل
وتؤكد التقارير أن أغلب الوفيات وسط النساء الحوامل بسبب الولادة بالمنازل التي تقوم بها القابلات لعدم توفر المتطلبات الأساسية لسلامة الأم وجنينها، وفي حالة حدوث أي طارئ لا يمكن إنقاذ الموقف.
وتقول القابلة نفيسة علي، إنهن يمارسن مهنتهن بأمانة ومسؤولية، يكرسن أنفسهن لأي حالة ولادة في المناطق التي يعملن فيها.
وأضافت لـ"التغيير"، أنها استطاعت توليد عشرات النساء في مراكز النزوح بعد توقف العديد من المشافي من المنطقة التي تعمل بها.
وتابعت: "لضيق ذات اليد نضطر أن نجري ولادة في مناطق النزوح داخل "الرواكيب والخيام" وتتم الولادة بسهولة، ولكن أحيانا تحدث تعقيدات تتطلب تدخلا جراحيا وتتحول الولادة المستعصية إلى عملية قيصرية نضطر بعدها لنقل الأم إلى المستشفى.
وعزت نفيسة وَفِيَّات الحوامل في حالة الولادة إلى انعدام وسائل النقل لإسعافهن في حالة حدوث أمر طارئ، وهذه الظروف فرضتها الحرب، لأننا في الوضع الطبيعي نعمل تحت إشراف طبي بالمستشفيات.
انفجار الرحم
وكادت هنادي علي، أن تفقد حياتها، بعد أن تعثرت ولادتها الطبيعية، مما اضطر القابلة التي كانت تباشر ولادتها إلى نقلها إلى أقرب مركز صحي نتيجة لمضاعفات ونزيف حاد.
"وقبل أن تصل إلى المركز الصحي انفجر رحمها في الطريق بعد أن تم إسعافها "بعربة كارو" كما يروى لـ(التغيير) زوجها "عباس فضل المولى".
"بعد أن وصلنا إلى المركز تم إدخال زوجتي لعملية مستعجلة بعد أن نزفت كثيرًا دمًا وتم نقل الدَّم إليها مباشرة، ولكن للأسف فقدنا الطفل، ولولا العناية الإلهية لفقدت زوجتي أيضًا. "يضيف".
وحرمت الحرب نساء السودان من أبسط حقوقهن، لعدم تقيد أطراف الصراع بخلق ممرات آمنة للمواطنين التي نص عليها القانون الدولي الإنساني".
وتقول رئيسة اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، د. هِبَّة عمر، إن الانهيار الصحي وراء ازدياد وَفِيَّات الأمهات الحوامل، اللاتي تعيش الآف منهن ظروفا إنسانية وصحية حرجة وبالغة التعقيد".
وتضيف: "الإحصائيات الموجودة الآن تمثل رأس جبل الجليد بعد خروج المستشفيات في (13) ولاية عن الخدمة بعد الحرب".
ولفتت إلى أن المشافي الموجودة حاليًا لا تتوفر فيها خدمة جيدة والكوادر غير مؤهلة، بالإضافة إلى انعدام الأدوية المنقذة للحياة وأدوية التخدير، وأكياس الدَّم".
وطالبت رئيسة نقابة أطباء السودان طرفي الصراع بضرورة فتح ممرات آمنة للنساء والأطفال واحترام القوانيين والمواثيق الدولية التي تنصت على هذا، وعدم حرمان النساء الحوامل والأطفال من الغذاء والوصول لأماكن العلاج".
وتوقعت هِبَّة عمر، ازدياد معدلات الوَفِيَّات وسط الأمهات بسبب انقطاع الاتصالات في السودان وصعوبة الوصول للكوادر الصحية عبر الهاتف بالإضافة لصعوبة الحركة في مناطق حظر التجوال في الفترة المسائية".
انعدام الغذاء
وساعد انعدام الغذاء في بعض ولايات السودان من إزياد حالات الوفاة خاصة المناطق التي توقفت فيها الرعاية الصحية للحوامل، في حين يوصي صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن تحصل الحوامل على 8 زيارات للطبيب خلال أشهر الحمل".
وتقول أخصائية التغذية نهى شمام، إن وضع النساء الحوامل في السودان سيء للغاية لعدم توفر الغذاء الكافي للأم وجنينها، لذلك نرى أن هناك ازديادا في حالات الإجهاض والوفاة وسط النساء الحوامل".
وتضيف: شمام لـ"التغيير"، "النساء قبل الحمل تحتاج إلى أنماط غذائية مغذية وآمنة لتكوين مخزون كافٍ لفترة الحمل، إذ تزداد الاحتياجات للطاقة والمغذيات في أثناء الحمل".
وتابعت: "من الضروري تلبية هذه الاحتياجات للمحافظة على صحة المرأة وطفلها داخل الرحم وعلى امتداد مرحلة الطفولة المبكرة".
مازال أطفال إنعام الخمسة ينتظرون عودة والدتهم ذات الثلاثين عامًا، ودائمًا ما يسألون والدهم عنها، لكنه لا يدري ماذا يقول، فقط يداري دموعه ولا يعرف كيف يخبرهم بأنها لن تعود أبدًا".
#SilenceKills #الصمت_يقتل #NoTimeToWasteForSudan #الوضع_في_السودان_لا_يحتمل_التأجيل #StandWithSudan #ساندوا_السودان #SudanMediaForum