إقصاء أصوات النساء في النزاع السوداني: جريمة سياسية وتداعياتها على الشرعية والعزلة الدولية
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها النساء النازحات في السودان نتيجة الحرب، برزت أصوات نسائية تُعبِّر عن ألم ومعاناة النساء اللواتي تُرِكن لمواجهة القهر والجوع. أحد هذه الأصوات هو صوت امرأة نازحة شكت للبرهان، قائد الجيش السوداني، من سوء الأحوال والمعيشة، قائلة: "تعبنا يا برهان، تعبنا. اتشردنا سنة كاملة، بيوت ما عندنا، قاعدين في الشارع.
هذه الكلمات ليست مجرد تعبير عن معاناة فردية، بل هي صوت لآلاف النساء السودانيات اللاتي يُجبرن على العيش في ظروف قاسية. لكن تجاهل هذه الأصوات يُعدّ جريمة سياسية تُضاف إلى الأزمات التي تواجه السودان. عدم الاستماع إلى هذه الأصوات ومنحها القيمة التي تستحقها يشير إلى فشل أخلاقي وسياسي للقيادة العسكرية. ويؤكد وجود حراك شعبي واسع النطاق ضد الحرب.
إسكات أو تجاهل أصوات النساء النازحات يساهم في خلق هزيمة معنوية للجيش والقيادات السياسية. فهذه الأصوات تمثل قوى احتجاجية صامتة، تتحدى استمرار الحرب وتُطالب بالسلام. عدم الاستجابة لمطالبهن أو تجاهلهن سيعزز من عزل السودان دوليًا، ويؤدي في النهاية إلى فقدان الشرعية المحلية والدولية لهذه القيادات.
تبقى هذه الأصوات شهادة على الرفض الشعبي للحرب، وتجاهلها لن يؤدي إلا إلى تقويض شرعية القادة الحاليين وزيادة الضغط عليهم داخليًا وخارجيًا.
في الأدب السياسي المعاصر، يمكن توصيف تجاهل أو إهمال أصوات النساء في الشأن العام، وخاصة في ظروف النزاعات والحروب، على أنه شكل من أشكال "الإقصاء السياسي" أو "التهميش الممنهج". هذا الإقصاء لا ينحصر في الصمت عن قضايا معينة فحسب، بل يُعَدّ أيضًا "عنفًا سياسيًا غير مباشر"، حيث يُستبعد جزء كبير من المجتمع من عملية اتخاذ القرار والتأثير على مجريات الأمور.
"الإقصاء السياسي" يعني في جوهره حرمان مجموعة معينة من حقها في المشاركة الفاعلة في الشؤون العامة، سواء من خلال تجاهل مطالبها، أو عدم تمثيلها بشكل عادل، أو تقليل من شأن معاناتها وأصواتها. في حالات النزاع مثل السودان، يُعد هذا النوع من الإقصاء بمثابة "جرح معنوي" للشعب، حيث يتم تجاهل الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتهرب من المسؤوليات تجاههم.
هذا الإقصاء يؤدي إلى "هزيمة معنوية" للقوى السياسية التي تمارس هذا النوع من العنف السياسي، ويؤدي تدريجيًا إلى "عزلة دولية" لتلك القوى، حيث تفقد الشرعية والاحترام على المستويين المحلي والدولي. تتفاقم العزلة مع استمرار تجاهل الأصوات الناقدة، مما يضع القيادة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.
لذا، يمكن اعتبار إهمال أصوات النساء في مثل هذه الظروف ليس فقط جريمة سياسية، بل أيضًا مؤشرًا على ضعف السلطة وفشلها في الاستجابة لمطالب الشعب، مما يُسرع من زوال تلك السلطة ويعزز العزلة السياسية لها.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أصوات النساء هذه الأصوات
إقرأ أيضاً:
الوحدة الوطنية وحرية التعبير، بين صلابة الدولة وصوت الشعب
#سواليف
#الوحدة_الوطنية و #حرية_التعبير، بين #صلابة_الدولة و #صوت_الشعب
كتب .. المحامي #علاء_هاني_الحياري
عضو الملتقى الوطني للدفاع عن الحريات
وسط زخم الأحداث التي تعصف بالمنطقة، يبرز تماسك الجبهة الداخلية كأهم أسلحة الدولة في مواجهة الأزمات. فالأوطان التي تفهم معادلة التوازن بين السلطة والشعب، والتي تتقن إدارة التنوع داخل صفوفها، هي التي تتمكن من تحويل التحديات إلى فرص، وتُبقي شعوبها متحدة حول مؤسساتها. هذه الوحدة ليست شعارًا أجوف، بل هي نتاج بيئة تحترم الحريات، وتشجع الحوار المسؤول، وتُدرك أن الأصوات المختلفة ليست تهديدًا، بل صمام أمان يحمي الدولة من الانزلاق إلى الفوضى .
مقالات ذات صلة الصبيحي .. ارفعوا الحد الأدنى الأساسي لراتب تقاعد الضمان 2024/12/23إن حرية التعبير ليست فقط حقًا مكفولًا، بل أداة استراتيجية لبناء شراكة واعية بين الشعب والمؤسسات . كما أن الأصوات النقدية التي تُعبر عن تطلعات المجتمع، مثل أحمد حسن الزعبي، تمثل ركيزة حيوية في هذا السياق.
الزعبي ليس مجرد كاتب يحمل قلمًا ناقدًا، بل هو صورة لمعاناة الشعب وآماله، صوت يعكس نبض الوطن بصدقٍ وأمانة ، اعتقاله وأمثاله يُثير تساؤلات عميقة حول قدرة الحكومة على استيعاب الاختلاف واستثمار النقد كمصدر قوة لا ضعف. فكيف لحكومةٍ تطمح إلى التفاف شعبها حولها أن تضيق ذرعًا بأصوات أبنائها الذين يحملون همّ الوطن؟
وحيث أن إدارة التنوع داخل المجتمع لا تعني التهاون مع أمن الدولة أو السماح بالتحريض ، لكنها أيضًا لا تُبرر التضييق على الرأي الحر أو التعامل مع النقد على أنه تهديد .
وإن إغلاق أبواب الحوار أو تقييد التعبير يُنتج شعورًا متزايدًا بالاغتراب لدى المواطنين، ويُضعف من جسور الثقة التي يُفترض أن تربطهم بمؤسساتهم ، وإن ما تحتاجه الحكومة اليوم هو إعادة خلق وعي اجتماعي سياسي يقوم على احترام التعددية، وإطلاق مساحة أوسع للنقاش الوطني، لا أن تُقصي أحدًا ولا تترك الآخر في دائرة العزلة أو التهميش.
ومن هذا السياق، فإن إطلاق سراح أحمد حسن الزعبي وغيره من معتقلي الرأي يُمثل خطوة رمزية وعملية في آنٍ معاً . هذه الخطوة ستُعيد للحكومة جزءًا من الثقة المفقودة، وتُظهر استعدادها لتبني سياسات أكثر انفتاحًا ومرونة. حيث لا يمكن الحديث عن وحدة الصف الوطني في ظل وجود أفراد يعبرون عن نبض الشعب خلف القضبان، ولا يمكن بناء جسور الثقة دون الاعتراف بأهمية الأصوات الحرة في تطوير الدولة وتقويم مسار مؤسساتها.
في حين ان التوصيات هنا ليست مجرد إجراءات تقنية، بل دعوة لإعادة صياغة الأولويات الوطنية. فالمصلحة العليا تتطلب تبني سياسات توازن بين صلابة الدولة في مواجهة التحديات وحماية حقوق الأفراد في التعبير عن آرائهم دون خوف أو قيد.
الحوار الوطني الشامل، إطلاق سراح معتقلي الرأي كخطوة تصالحية، وتعديل التشريعات وعلى رأسها قانون الجرائم الالكترونية بما يُحصّن الحريات دون المساس بأمن الوطن والمواطن ، هي ملامح مستقبل يُبنى على الثقة والتكامل بين الشعب والحكومة .
في نهاية المطاف، الأوطان التي تُصغي لأبنائها، تحتضن نقدهم، وتُعيد دمجهم في عملية البناء الوطني، هي الأوطان التي تصمد أمام أعنف الأزمات. أما التي تُقصي الأصوات الصادقة، فإنها تُغامر بتماسكها، وتُضعف نفسها من الداخل، مهما بدا ظاهرها قويًا.