في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها النساء النازحات في السودان نتيجة الحرب، برزت أصوات نسائية تُعبِّر عن ألم ومعاناة النساء اللواتي تُرِكن لمواجهة القهر والجوع. أحد هذه الأصوات هو صوت امرأة نازحة شكت للبرهان، قائد الجيش السوداني، من سوء الأحوال والمعيشة، قائلة: "تعبنا يا برهان، تعبنا. اتشردنا سنة كاملة، بيوت ما عندنا، قاعدين في الشارع.

"

هذه الكلمات ليست مجرد تعبير عن معاناة فردية، بل هي صوت لآلاف النساء السودانيات اللاتي يُجبرن على العيش في ظروف قاسية. لكن تجاهل هذه الأصوات يُعدّ جريمة سياسية تُضاف إلى الأزمات التي تواجه السودان. عدم الاستماع إلى هذه الأصوات ومنحها القيمة التي تستحقها يشير إلى فشل أخلاقي وسياسي للقيادة العسكرية. ويؤكد وجود حراك شعبي واسع النطاق ضد الحرب.

إسكات أو تجاهل أصوات النساء النازحات يساهم في خلق هزيمة معنوية للجيش والقيادات السياسية. فهذه الأصوات تمثل قوى احتجاجية صامتة، تتحدى استمرار الحرب وتُطالب بالسلام. عدم الاستجابة لمطالبهن أو تجاهلهن سيعزز من عزل السودان دوليًا، ويؤدي في النهاية إلى فقدان الشرعية المحلية والدولية لهذه القيادات.

تبقى هذه الأصوات شهادة على الرفض الشعبي للحرب، وتجاهلها لن يؤدي إلا إلى تقويض شرعية القادة الحاليين وزيادة الضغط عليهم داخليًا وخارجيًا.
في الأدب السياسي المعاصر، يمكن توصيف تجاهل أو إهمال أصوات النساء في الشأن العام، وخاصة في ظروف النزاعات والحروب، على أنه شكل من أشكال "الإقصاء السياسي" أو "التهميش الممنهج". هذا الإقصاء لا ينحصر في الصمت عن قضايا معينة فحسب، بل يُعَدّ أيضًا "عنفًا سياسيًا غير مباشر"، حيث يُستبعد جزء كبير من المجتمع من عملية اتخاذ القرار والتأثير على مجريات الأمور.

"الإقصاء السياسي" يعني في جوهره حرمان مجموعة معينة من حقها في المشاركة الفاعلة في الشؤون العامة، سواء من خلال تجاهل مطالبها، أو عدم تمثيلها بشكل عادل، أو تقليل من شأن معاناتها وأصواتها. في حالات النزاع مثل السودان، يُعد هذا النوع من الإقصاء بمثابة "جرح معنوي" للشعب، حيث يتم تجاهل الاحتياجات الأساسية للمواطنين والتهرب من المسؤوليات تجاههم.

هذا الإقصاء يؤدي إلى "هزيمة معنوية" للقوى السياسية التي تمارس هذا النوع من العنف السياسي، ويؤدي تدريجيًا إلى "عزلة دولية" لتلك القوى، حيث تفقد الشرعية والاحترام على المستويين المحلي والدولي. تتفاقم العزلة مع استمرار تجاهل الأصوات الناقدة، مما يضع القيادة في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية.

لذا، يمكن اعتبار إهمال أصوات النساء في مثل هذه الظروف ليس فقط جريمة سياسية، بل أيضًا مؤشرًا على ضعف السلطة وفشلها في الاستجابة لمطالب الشعب، مما يُسرع من زوال تلك السلطة ويعزز العزلة السياسية لها.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أصوات النساء هذه الأصوات

إقرأ أيضاً:

مسؤولة أممية تدعو إلى "حماية فورية" لنساء السودان

وصفت مسؤولة أممية عائدة من زيارة للسودان، الجمعة، معاناة النساء والفتيات النازحات هربًا من الحرب، مندّدة بتجريدهن "من كل ضرورياتهن الأساسية" ومواجهتهن نقصًا حادًا في الأغذية والمياه والأمان.

وقالت المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية، ليلى بكر: "نعلم جميعًا أن الحرب بشعة، لكن هذا واحد من أبشع الأوضاع التي شهدتها في مسيرتي المهنية".

وأضافت: "تخيّلوا الآلاف من النساء مكتظات في ملجأ حيث لا توجد مياه نظيفة، ولا نظافة، ولا طعام كافٍ لوجبتهن التالية، ولا رعاية طبية لهؤلاء النساء النازحات".

والحرب مستمرة في السودان منذ أكثر من 16 شهرًا بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وقد أوقعت عشرات الآلاف من القتلى وأدت، وفقًا للأمم المتحدة، إلى واحدة من أسوأ أزمات النزوح في العالم.

ونزح أكثر من عشرة ملايين شخص داخل السودان أو لجأوا إلى البلدان المجاورة منذ اندلاع المعارك، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

وقالت بكر: "إن النزاع يضرب بقوة قلب السودان"، مندّدة بنقص تمويل جهود الدعم الإنساني.

من الأردن، أطلعت بكر الصحفيين في مقر الأمم المتحدة في نيويورك عبر الفيديو على ما شهدته خلال زيارتها إلى السودان.

وروت المسؤولة الأممية مجريات لقائها بامرأة تبلغ 20 عامًا في مركز إيواء مكتظ في بورتسودان.

وقالت بكر: "كانت خجولة، طلبت منها أن تجلس بجانبي"، وأضافت: "روت لي ما حدث وهي تهمس في أذني بلطف شديد، أنها تعرضت للاغتصاب".

وتابعت بكر بصوت متهدّج أن الشابة النازحة زينب "تعرضت للاغتصاب أثناء فرارها من منزلها في الخرطوم، حيث فقدت كل شيء. كانت هي المعيلة الوحيدة لأسرتها، وهذه امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا وكان ينبغي أن تكون في أوج نشاطها وحياتها"، وفقًا للموقع الإلكتروني للأمم المتحدة بالعربية.

وأضافت بكر: "لقد عانت (زينب) 15 شهرًا من الصمت والألم حتى أتت إلى ذلك المركز. وهناك تمكنت من الحصول على المشورة النفسية الاجتماعية".

ودعت بكر إلى تعزيز جهود الدعم، لافتة إلى أنها شاهدت "حاضنات أطفال تغصّ" بالرضع، أحيانًا برضيعين أو ثلاثة معًا، وغرف عمليات تفتقر لأبسط وسائل مكافحة العدوى ومخزون محدود من الأدوية.

وقالت إنها من خلال لقاءاتها مع النساء في السودان وما استمعت إليه منهن مباشرة: "فإن ما يرغبن فيه أكثر من أي شيء آخر، أكثر من الماء، وأكثر من الطعام، هو الحماية الفورية من الحرب المستعرة".

مقالات مشابهة

  • الإمارات تخصص 10.25 مليون دولار لدعم النساء المتضررات من الصراع في السودان
  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو يستغل الأصوات المتطرفة لإقرار خطة تهجير سكان غزة
  • جريمة تهز اليمن .. مدمن كحول يقتل طفلته بضربها حتى الموت بعد شكواها لمدير الأمن الذي تجاهل مأساتها
  • مسؤولة أممية: النساء والفتيات في السودان جردن من ضرورياتهن الأساسية
  • الإمارات تقدم 10 ملايين دولار للأمم المتحدة لدعم النساء المتضررات من النزاع في السودان
  • التحول الديمقراطي – الأمل وعقبة إقصاء الإسلاميين في سياق المواطنة
  • «الفاو»: تحديات تواجه إيصال الغذاء للمتضررين من النزاع والفيضانات بالسودان
  • مسؤولة أممية تدعو إلى "حماية فورية" لنساء السودان
  • الفئات الأكثر تضررا من الحرب في السودان
  • السودان: النزاع والفيضانات وتحديات الوصول تعرقل جهود منظمة الأغذية والزراعة