قصة الكهرباء في لبنان، وساعات التغذية الأربع بأحسن أحوالها، وصولًا إلى العتمة الشاملة، لا تتعلّق بباخرة فيول عراقي تأخّر وصولها أو أموال مستحقّة للعراق تأخّر دفعها، القصة أعظم من ذلك بكثير، وتتعلّق بمغارة كبيرة، تبخّرت بدهاليزها مليارات الدولارات، دُفعت من أموال الشعب على قطاع الكهرباء على مدى عقود، تجاوز مجموعها 42 مليار دولار منذ العام 1992، أي ما يوازي نصف الدين العام، ولم تنتج سوى التقنين القاسي، وصولًا إلى العتمة الشاملة مؤخّرًا.



قدّر البنك الدولي التحويلات السنويّة من الميزانية إلى مؤسسة كهرباء لبنان بمتوسط بلغ 3.8% من الناتج المحلّي الإجمالي للبنان في العقد الأخير، أي ما يقارب نصف العجز المالي العام. بين 1992 و2018، شكّلت التحويلات إلى مؤسسة كهرباء لبنان أكثر من 40 مليار دولار من الدين العام في البلاد، وفق تقرير صادر عن البنك الدولي. أكثر من نصف المبلغ أي ما يوازي 24مليار دولار أُنفق على الكهرباء منذ العام 2009 ولغاية العام 2020، خلال تعاقب وزراء "التيار الوطني الحر" على وزارة الطاقة. قُدّمت الكثير من الخطط خلال تلك السنوات لحل أزمة الكهرباء، وكلُّها فشلت ليس في تأمين الكهرباء 24/24 كما وعدوا، بل في رفع ساعات التغذية. هذا الواقع جعل المؤسسات الدوليّة تشترط أولوية الإصلاح في قطاع الكهرباء، نظرًا لكلفته الباهضة والفشل في تأمين الكهرباء.

تعرفة الكهرباء من شبة مجانيّة إلى باهضة
وزراء تعاقبوا على حقيبة الطاقة، طالبوا بتصحيح تعرفة الكهرباء، مؤكّدين أنّ تعرفة الكهرباء المتدنّية على مدى سنوات، حالت دون تحقيق توازن مالي في مؤسسة كهرباء لبنان، وأنتجت عجزًا متراكمًا بفعل الفارق بين سعري إنتاج الكهرباء ومبيعها، والذي كان يُغطّى بتحويلات من الخزينة العامة. قرار تثبيت تعرفة الكهرباء اتُخذ عام 1994، عندما كان سعر برميل النفط عالميًا 20 دولارًا أميركيًا، وعلى رغم التغير الكبير الذي طرأ على سعره وصولًا إلى 100 دولار عام 2022، بقيت التعرفة على حالها، إلى أن اتخذ وزير الطاقة الحالي وليد فياض قرارًا برفع تسعيرة الكهرباء إلى حدود كبيرة، ولكنه وعدّ اللبنانيين بأنّ رفع التعرفة
سيقابله رفع التغذية ما بين 8 إلى 10 ساعات يوميًّا في البداية، على اعتبار أنّ رفع التسعيرة سيمكّن مؤسسة كهرباء لبنان من شراء المحروقات من أموال الجباية. بالفعل سلك رفع التعرفة مساره، من ضمن خطة الطوارئ الكهربائيّة، والتي أقرّها مجلس إدارة كهرباء لبنان وصادقت عليها وزارتا الطاقة والمال، والتي تنصّ بشكل واضح على تزامن الخطوتين، أي رفع التعرفة والتغذية. لكن رغم المبالغ الكبيرة التي يدفعها المواطن بالدولار كبدل اشتراك ومصروف وفق التعرفة الجديدة، بقيت الأزمة على حالها، ولم ترتفع ساعات التغذية عما كانت عليه قبل رفع التعرفة، لا بل تراجعت إلى حدود صفر كهرباء. السؤال الذي يستنتج من قصة التعرفة بنسختها القديمة شبة المجانية والجديدة الباهضة: إذا كانت تسعيرة الكهرباء المنخفضة على مدى سنوات سببًا في عجز المؤسسة عن دفع ثمن الفيول، لماذا اليوم بعد رفع التعرفة لا يدفعوا ثمن الفيول من أموال الجباية؟  

كتاب إلى مؤسسة كهرباء لبنان
بصفتي مواطنة أسدّد فواتير الكهرباء الباهضة، قبل أن أكون صحافيّة، طرحت السؤال نفسه، ووجّهته مباشرة إلى المعني به، أي مؤسسة كهرباء لبنان، استنادًا إلى الحق الذي يتيحه لي ولكلّ مواطن قانون "الحق بالوصول إلى المعلومات" الصادر في 2شباط 2017 ومرسومه التطبيقي في تموز 2020. وجّهت كتابي في السادس عشر من تموز الماضي، سجّلته في قلم مؤسسة كهرباء لبنان، كان ذلك من ضمن برنامج تدريبي حول الشفافيّة المالية، خضته مع مؤسسة "مهارات" بالتعاون مع "معهد باسل فليحان المالي" واخترت تعرفة الكهرباء كتحقيق أعمل عليه.  

حتّى تاريخ كتابة هذا المقال، لم يكن قد وصلني بعد الردّ على كتابي، علمًا أنّ المهلة بحدّها الأقصى انقضت منذ أكثر من أسبوع، إذ أعطى القانون في المادة 14 منه مهلة للرد على طلب الحصول على معلومات "خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ تقديمه، ويجوز تمديد هذه الفترة لمرة واحدة ولمدة لا تزيد عن خمسة عشر يومًا، اذا كان الطلب يتضمّن عددًا كبيرًا من المعلومات، أو كان الوصول الى المعلومة يستوجب مراجعة طرف ثالث أو إدارة أخرى".  

المعلومات التي طلبتها في كتابي، تضمنت مجموع المبالغ التي دخلت إلى حساب مؤسسة كهرباء لبنان بفعل جباية فواتير ومستحقات الكهرباء من المشتركين وذلك منذ بدء تطبيق قرار رفع التعرفة، استنادا الى "خطة الطوارئ الوطنية للقطاع". كما تضمنت المعلومات المطلوبة عدد أشهر أو سنوات الجباية المتأخرة وما إذا كانت التعرفة الجديدة قد حققت التوازن المالي في المؤسسة، أم بقي العجز، وكم نسبته، ونسبة الزيادة في عدد ساعات التغذية بالتيار الكهربائي، مقارنة مع عدد الساعات قبل رفع التعرفة، وكيفية توزيعها على الأقضية والمحافظات، وكلفة إنتاج الكيلواط -ساعة في معامل مؤسسة كهرباء لبنان، وكلفة المصاريف الثابتة ونسبتها من مجمل الفاتورة، ونسبة الهدر التقني وغير التقني في شبكة الكهرباء، وعدد الإشتراكات الملغاة بعد رفع التعرفة، وكذلك عدد المشتركين الذين خفّضوا قدرة العدادات، ومجموع الفاتورة المستحقة ثمن الفيول العراقي، وما إذا كانت الأموال الموجودة في حساب مؤسسة كهرباء لبنان في مصرف لبنان تُغطي قيمة هذه الفاتورة.

المعلومات المتعلّقة برفع التعرفة وأسباب عدم تأمين الفيول بأموال الجباية لم تصلنا، والأرجح لن تصل، عسى أن يكشف القضاء ما عجزنا عنه، بتحقيقاته التي بدأها مؤخّرًا، بناءً على طلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي  من رئيس هيئة التفتيش المركزي، إجراء تحقيق فوري بموضوع الانقطاع الكلّي للتيار الكهربائي.  
  المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: مؤسسة کهرباء لبنان تعرفة الکهرباء ساعات التغذیة رفع التعرفة

إقرأ أيضاً:

موقع إيطالي: الأسلحة الألمانية في أوكرانيا باهظة وفاشلة

ألقى موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي الضوء على ما أسماه ضعف أداء الأسلحة الألمانية في أوكرانيا، ونسب إلى تقرير مسرّب من السفارة الألمانية في كييف وصفه لأداء هذه الأسلحة بأنه "مدمِّر"، مشيرا إلى فشل نظم متقدِّمة منها في التكيف مع قسوة الحرب.

وقال الكاتب روبيرتو فيفالديللي، في تقرير نشره الموقع الإيطالي، إن الحرب في أوكرانيا وضعت الأسلحة التي قدّمتها ألمانيا لكييف تحت اختبار صارم، والنتائج حتى الآن ليست مشجعة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2موقع إيطالي: المقاتلة الروسية سو-75.. من نموذج واعد إلى مشروع وهميlist 2 of 2صحف غربية: مأساة السودان لا تحظى بالاهتمام العالمي اللازمend of list

فقد كشف تقرير عسكري ألماني، أوردته مجلة "دير شبيغل"، عن وجود أوجه قصور خطيرة في أنظمة التسليح التابعة لـ حلف الناتو المستخدمة على الجبهة الأوكرانية.

وأوضح الكاتب أن التحليل، الذي يستند إلى وثيقة رسمية صادرة عن سفارة ألمانيا في كييف، يصف أداء تجهيزات مثل المدفع الذاتي الدفع بانتسرهاوبيتسه 2000 -المتطور من الناحية التكنولوجية لكنه هش- بأنه "مدمّر".

كما أن الدبابات من طراز ليوبارد، إلى جانب أنظمة الدفاع الجوي مثل آيريس-تي وباتريوت، تعاني – بحسب تحقيق دير شبيغل – من مشاكل تتعلق بندرة الذخيرة وتقادم الأنظمة.

ترسانة الناتو كلها

وتثير الوثيقة، التي تم تسجيلها خلال محاضرة أُلقيت أمام ضباط شباب من الجيش الألماني (البوندسفير)، الشكوك حول الفعالية القتالية الحقيقية ليس فقط للأسلحة الألمانية، بل للترسانة الكاملة لحلف الناتو.

إعلان

وأضاف الكاتب أن من بين الأنظمة الأكثر إشكالية المدفع ذاتي الحركة بانتسرهاوبيتسه 2000، إذ يُعتبر سلاحا استثنائيا، لكنه حساس جدا لدرجة أن موثوقيته في ظروف الحرب باتت محل شك.

أما الدبابة "ليوبارد 1 آي 5″، فعلى الرغم من مقاومتها، إلا أن درعها ضعيف للغاية، وغالبا ما تُستخدم كمدفعية بديلة في ساحة المعركة. أما الطراز الأحدث، ليوبارد 2 آي 6، فقد تبيّن أنه باهظ الثمن ومعقّد جدا من ناحية الصيانة الميدانية، مما يجعل إصلاحه مباشرة على الجبهة أمرا صعبا.

باهظة السعر ونادرة

وكشفت التحقيقات أيضا عن وجود حدود لأنظمة الدفاع الجوي الألمانية؛ فرغم أن نظام آيريس-تي يعمل بشكل جيد، إلا أن ذخيرته باهظة الثمن ونادرة، ورغم أنه يُصنَّف كسلاح من الطراز الرفيع، لكنه يُعتبر "غير كاف"، لأن مركبات نقله، المُنتجة من قبل شركة مان، قديمة وتفتقر إلى قطع الغيار اللازمة.

وأكد الكاتب أن التقرير كان حاسما عندما قال: "لا يكاد يوجد أي نظام ألماني كبير مناسب تماما للحرب". وتُعد الظروف القاسية للنزاع في أوكرانيا، والتي تتسبب في استهلاك مفرط للمعدات، أحد الأسباب وراء ذلك.

كما أن الجنود الأوكرانيين، الذين تم تدريبهم بسرعة في ألمانيا، لم يتوفر لهم الوقت الكافي لتعلّم صيانة هذه الأنظمة بشكل معمّق. وعلى الجبهة، تفتقر القوات إلى الهياكل اللازمة لإجراء إصلاحات سريعة، كما أن مراكز الصيانة تقع بعيدا عن مناطق القتال.

صعبة الصيانة

ولفت الكاتب إلى أن صعوبات الأسلحة الألمانية لا تُفاجئ الجميع. وكما يقول بعض المحللين، فإن التكنولوجيا المتقدمة في الأنظمة الألمانية تنطوي على تكاليف صيانة مرتفعة وهشاشة تجعل من الصعب التعامل معها في صراع عنيف.

أما الأنظمة الأبسط، مثل الدبابة القديمة "ليوبارد 1 آي 5" أو الأمريكية "إم 109 آي 3″، فتُفضّلها القوات الأوكرانية على النسخ الأحدث، وذلك تحديدا لسهولة صيانتها.

إعلان

وختاما يؤكد الكاتب أن هذا يُبرز أحد أوجه القصور في أسلحة حلف الناتو: فهذه الأسلحة صُممت لخوض صراعات دقيقة أو عمليات مكافحة التمرد، لكنها تبدو أقل ملاءمة في حرب شاملة، حيث تصبح البساطة وإمكانية الإصلاح الميداني عناصر أساسية.

مقالات مشابهة

  • النائب العام كمال بن بوضياف: اعتماد لجنة وطنية لمكافحة تبييض الأموال لتفعيل التعاون القضائي
  • مسعد لمؤسسة كهرباء لبنان: هل السبب الحقيقي وراء هذا الانهيار تقني أم أن خلفياته سياسية؟
  • نائب: 742 مليار جنيه للدعم في موازنة مصر الجديدة.. قفزة في الكهرباء وتضاعف لدعم الصادرات
  • موقع إيطالي: الأسلحة الألمانية في أوكرانيا باهظة وفاشلة
  • وثيقة تكشف فسادًا بمليار ريال في كهرباء إب
  • 72.6 بالمئة من صادرات قطاع السيارات التركي تذهب إلى أوروبا
  • موقع بريطاني يكشف.. هكذا يمكن تدمير حزب الله
  • مؤسسة اقتصادية تكشف مفاجأة بشأن المساعدات الأمريكية إلى أوكرانيا
  • كركي: زيادة تعرفة العلاج بالأشعة RADIOTHERAPY
  • مدير مؤسسة “الآبار” يقوم زيارة تحفيزية للنادي الرياضي القسنطيني