عربي21:
2025-05-01@16:17:12 GMT

استمرار المقاومة الفلسطينية في الميزان الإسرائيلي

تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT

مرّ نحو إحدى عشر شهراً على بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ولم تحقق حكومة نتنياهو أي هدف من أهدافها المعلنة وغير المعلنة. وبين فترة وأخرى تعلن إسرائيل عن نصر وهمي، جنباً إلى جنب مع استمرار عمليات الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، والتي أدت إلى سقوط أكثر من (41) ألف شهيد، و(100) ألف فلسطيني بين جريح وأسير ومغيب فلسطيني، جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ؛ في مقابل ذلك كان لعملية "طوفان الأقصى": واستمرار المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية  تداعيات وآثار متشعبة على إسرائيل .



تداعيات المقاومة

 رغم انحياز غالبية الإسرائيليين لتوجهات حكومة نتنياهو في استمرار جرائم الحرب وعمليات الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني واعتبار ذلك بمثابة نصر نوعي، إلا أن استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية ألحقت بالجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة بالعتاد والضباط والجنود؛ يبدو أن الخسائر الحقيقية التي ألحقها طوفان الأقصى بالجيش الإسرائيلي تتجاوز كثيرا الخسائر الأولى التي تم إحصاؤها في أول أيام الطوفان.

وبحسب الأرقام الرسمية الإسرائيلية فإن خسائر الجيش الإسرائيلي تواصلت مع تواصل الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ نحو إحدى عشر شهراً، ولم تتوقف هذه الخسائر على آلاف القتلى والجرحى من الجنود الذين قتلوا وأصيبوا بأرض المعارك،ناهيك عن تدمير عشرات الدبابات والآليات العسكرية، تلك الخسائر أدت بدورها إلى طلب مئات الضباط والجنود التسريح من الخدمة العسكرية ورفض مئات المجندات مواصلة الخدمة في الجيش وانتحار عدد آخر من الجنود، هذا عدا عن الخسارة التي لحقت بصورة الجيش والأزمات السياسية غير المسبوقة التي تسبب بها طوفان الأقصى بين الجيش والقوى السياسية المختلفة في إسرائيل.

رغم انحياز غالبية الإسرائيليين لتوجهات حكومة نتنياهو في استمرار جرائم الحرب وعمليات الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني واعتبار ذلك بمثابة نصر نوعي، إلا أن استمرار عمليات المقاومة الفلسطينية ألحقت بالجيش الإسرائيلي خسائر كبيرة بالعتاد والضباط والجنود؛ يبدو أن الخسائر الحقيقية التي ألحقها طوفان الأقصى بالجيش الإسرائيلي تتجاوز كثيرا الخسائر الأولى التي تم إحصاؤها في أول أيام الطوفان.كما ألحقت المقاومة الفلسطينية أضرارا جسيمة باقتصاد إسرائيل، وكبدت مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والأسواق وفروع العمل خسائر مالية فادحة، بسبب الإجراءات الاقتصادية المختلفة وسياسات حكومة بنيامين نتنياهو منذ تشرين الأول / أكتوبرالماضي؛ وتسببت الحرب في إجلاء ما يقارب 300 ألف إسرائيلي من منازلهم من الجنوب والشمال، حوالي (40) في المائة منهم لم يعودوا إلى منازلهم حتى اللحظة، حيث تم إيواؤهم في (438) فندقا ومنشأة ، وهو ما كلف الوزارات الحكومية نحو ملياري دولار أمريكي.

ويعتقد محللون اقتصاديون في إسرائيل، أن تركيبة العجز المتفاقم في الموازنة، الذي وصل إلى أكثر من (6) في المائة، من الناتج المحلي الإجمالي، يتوقع أن يتجاوز الـ (7) وستة أعشار في المائة في نهاية 2024.

لقد تعطل الاقتصاد الإسرائيلي وتكبد خسائر فادحة منظورة، منذ تشرين الأول /أوكتوبر الماضي بلغت أكثر من (75)  مليار دولار حتى  أب /أغسطس الماضي، وستصل قيمة الخسائر التراكمية إلى (90) مليار دولار في نهاية العام الجاري 2024، جنباً إلى جنب مع استمرار ارتفاع فاتورة الديون والعجز في الموازنة وإغلاق  المئات من المنشئات الاقتصادية الإسرائيلية، وهذا يعتبر بحد ذاته  خسارة إسرائيلية إستراتيجية للمجتمع والاقتصاد الإسرائيلي، ولايمكن تعويضها بأي شكل من الأشكال عبر المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية، التي تصل إلى ثلاثة مليارات وثلاثمائة مليون دولار، لكن الخسائر الإستراتيجية بالنسبة لإسرائيل تتمثل بفرار عشرات الآلاف من اليهود الإسرائيليين الشباب إلى دول الغرب، وثمة اعتقاد بعدم عودتهم  

تجريم إستراتيجي

إضافة إلى الخسارة التراكمية التي تكبدها الجيش ولاقتصاد الإسرائيلي وارتفاع منسوب الهجرية اليهودية المعاكسة بفعل المقاومة الفلسطينية، تغيرت صورة إسرائيل النمطية وخاصة بين شعوب العالم، على أنها واحة ديمقراطية في الشرق الأوسط؛ ولأول مرة منذ إنشاء إسرائيل قبل أكثر من ستة وسبعين عاماً، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أخيراً مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" ووزير العدوان الإسرائيلي "يوآف غالانت" بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، ما يعتبر خطوة هامة وتجريم استراتيجي لإسرائيل؛ يبنى عليه لجهة الطلب في جر مجرمي الحرب الإسرائيليين إلى العدالة الدولية باليات ووسائل متسارعة لنيل عقابهم، فهل ستكون قرارات محكمتي الجنائية والعدل الدوليتين نقطة البداية؟

ومع استمرار رفع دعاوى على إسرائيل للمنظمات الدولية من قبل عدد من دول العالم لارتكابها عمليات إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني، يزداد الهلع الإسرائيلي، خاصة وان عدد من دول العالم، وفي مقدمتها مملكة النرويج لوحت باعتقال قادة إسرائيليين على خلفية إدانتهم من قبل منظمات دولية والمطالبة باعتقالهم، في وقت غاب فيه أي فعل عربي وإسلامي شعبي ورسمي حقيقي لنصرة الشعب الفلسطيني.

*كاتب فلسطيني مقيم بهولندا

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العدوان الفلسطينيين المقاومة احتلال فلسطين مقاومة عدوان رأي مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الفلسطینیة بحق الشعب الفلسطینی بالجیش الإسرائیلی الجیش الإسرائیلی طوفان الأقصى قطاع غزة أکثر من

إقرأ أيضاً:

غزة العصية على الانكسار.. قراءة إسرائيلية وغربية لصمودها الأسطوري

على الرغم من حرب الإبادة المستمرة على القطاع منذ أكثر من عام ونصف، ورغم الدمار الشامل والنزوح المتكرر لسكان القطاع؛ إلا أن غزة مازالت صامدة ترفع رأسها وسط الركام بعزة وشموخ وإباء في صورة غير مسبوقة في تاريخ الصراع، ومازالت مقاومتها صامدة تذيق العدو ما لم يكن يتوقعه أو يطيقه. لذا، يتساءل الكثير عن أسباب هذا الصمود الأسطوري الذي أذهل العدو قبل الصديق.

وفي هذا المقال نقدم قراءة إسرائيلية وغربية تفسر وتحلل أسباب ما نراه اليوم في غزة الأبية والذي سيكون فاتحة صفحة جديدة ومشرقة في تاريخ الصراع والمنطقة:

1 ـ هاريسون مورجان: "المقاومة العنيدة لحماس"، معهد الحرب الحديثة، أكاديمية ويست بوينت، 27/2/2025.

2 ـ إيان سليزنجر: "رسم خرائط للمجهول: إدارة إسرائيل لأنفاق غزة"، مجلة الجغرافيا السياسية، عدد:1 مجلد:25، 2020.

3 ـ جون سبنسر، "استراتيجية حماس السياسية والعسكرية تعتمد على الأنفاق"، معهد الحرب الحديثة، أكاديمية ويست بوينت، 18/1/2024.

4 ـ أتار بورات، "لماذا تستمر المقاومة الفلسطينية؟: نظرة متعمقة على منطق حماس"، جيروزاليم بوست، 27/1/2025.

5 ـ ديفيد هيرست، "لماذا لن تستسلم حماس؟"، ميدل إيست آي، 22/4/2025.

6 ـ مارك ليفين وإريك تشيفيتز، " إسرائيل وفلسطين وشعرية الإبادة الجماعية من جديد "، مجلة بحوث الإبادة الجماعية، 22/4/2025.

نتائج لم يتوقعها أحد

قبل الحرب الحالية، قيّم القادة الإسرائيليون حزب الله على أنه التهديد الاستراتيجي الأكبر، فلديه من أربعين إلى خمسين ألف مقاتل نشط وأربعين ألفًا آخرين في الاحتياط، ومئتي ألف صاروخ منها صواريخ دقيقة بعيدة المدى قادرة على ضرب عمق إسرائيل، وخبرة قتالية واسعة في سوريا. وفي المقابل، كان لدى حماس قوة أصغر قوامها حوالي خمسة وعشرين ألف مقاتل، وترسانة تتراوح بين ثمانية عشر وثلاثين ألف صاروخ معظمها قصير المدى، وخبرة ميدانية أقل بكثير.

وصلت حماس إلى السلطة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006. وبعد صراع قصير وعنيف، طردت حماس حركة فتح من غزة عام ٢٠٠٧، مُرسّخةً بذلك هيمنتها المطلقة. ومنذ ذلك الحين، عززت حماس سيطرتها، وضمّت جميع الفصائل الفلسطينية المسلحة تقريبًا في غزة تحت هيكلها القيادي، مما مكّنها من انتهاج استراتيجية حرب شاملة وسط دعم شعبي ودون معارضة داخلية.ورغم هذه التباينات، مُني حزب الله بهزيمة عسكرية سريعة؛ بينما صمدت حماس في وجه حرب شرسة حتى وافقت إسرائيل على اتفاق وقف إطلاق نار كان مطروحًا فعليًا على الطاولة لأكثر من عام. هذا الصمود أمام أعتى قوة عسكرية في المنطقة والمدعومة دوليا من قوى إقليمية ودولية، أسبابه ما يلي:

وحدة القيادة والإرادة في غزة

وصلت حماس إلى السلطة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006. وبعد صراع قصير وعنيف، طردت حماس حركة فتح من غزة عام ٢٠٠٧، مُرسّخةً بذلك هيمنتها المطلقة. ومنذ ذلك الحين، عززت حماس سيطرتها، وضمّت جميع الفصائل الفلسطينية المسلحة تقريبًا في غزة تحت هيكلها القيادي، مما مكّنها من انتهاج استراتيجية حرب شاملة وسط دعم شعبي ودون معارضة داخلية.

لذلك، رغم ما عاناه المدنيون الفلسطينيون، لم يُترجم تدمير البنية التحتية في غزة والتكاليف الإنسانية للصراع إلى ضغط على حماس للتفاوض. وبدون وجود فصائل متنافسة تطالب بوقف إطلاق النار، يمكن لحماس مواصلة القتال إلى أجل غير مسمى طالما حافظت على إمدادات ثابتة من القوى البشرية والذخائر.

فشل إسرائيل في اختراق حماس استخباراتيا

تُعد غزة من أكثر مناطق العالم انعزالاً وتحكماً. وتُسيطر حماس على كل جانب من جوانب الحياة، من الحكم إلى الأمن، مما يسمح لها بتنظيم الحركة داخل القطاع بإحكام. والمنطقة معزولة إلى حد كبير عن النفوذ الخارجي، مع ضوابط صارمة على من يمكنه الدخول أو الخروج. ويعمل الأجانب، بمن فيهم الصحفيون وعمال الإغاثة والدبلوماسيون، تحت مراقبة حماس المشددة، مما صعّب على المخابرات الإسرائيلية إدخال عملاء أو تنمية أصول استخباراتية هناك. كما أمضت حماس عقوداً في تحديد هوية عملاء إسرائيل والقضاء عليهم. والنتيجة هي بيئة أكثر عدائية للعمليات الاستخباراتية مقارنة بلبنان.

الاقتصاد الحربي المُستدام لحماس

سبب رئيسي للصمود الأسطوري لحماس هو قدرتها على تحمّل صراع طويل الأمد. فقد طورت حماس نظامًا لوجستيًا مبتكرًا ومكتفيًا ذاتيًا إلى حد كبير، سمح لها بمواصلة القتال دون الاعتماد على إعادة الإمداد الخارجي. وقد تمحورت استراتيجية حماس للتمويل المُستدام المُستدام حول ثلاثة عوامل رئيسية:

1 ـ الإنتاج الأسلحة داخل القطاع:

على مر السنين، استثمرت حماس بكثافة في تصنيع الأسلحة محليًا، مما سمح لها بإنتاج صواريخ مضادة للدبابات، وقذائف هاون، وعبوات ناسفة بدائية، وحتى صواريخ بعيدة المدى دون الاعتماد على موردين أجانب. وقد مكّنتها هذه الصناعة المحلية من مواصلة العمليات القتالية حتى في الوقت الذي استهدفت فيه إسرائيل مخزوناتها قبل الحرب.

2 ـ تحويل القصف الإسرائيلي إلى مورد لمجهودها الحربي:

بعد كل اشتباك مع القوات الإسرائيلية، كان مقاتلو حماس يمشطون الحطام بحثًا عن أسلحة صغيرة وذخائر وذخائر غير منفجرة. وخلال عمليات تبادل الأسرى الأخيرة، عرضت حماس علنًا بنادق إسرائيلية ومعدات عسكرية أخرى استولت عليها، كدليل على جهودها المنهجية في البحث عن المخلفات في ساحة المعركة. فقد وفّرت آلاف القنابل غير المنفجرة وقذائف المدفعية التي أُلقيت على غزة لحماس إمدادًا لا ينضب تقريبًا من المواد المتفجرة، التي أعاد مهندسوها استخدامها في أسلحة جديدة. وبدلًا من أن تُعيق الغارات الجوية الإسرائيلية حركة حماس، استغلتها حماس لدعم عملياتها.

متاهة الأنفاق "مترو غزة"

ينظر صناع القرار الاستراتيجيين في إسرائيل إلى الأنفاق على أنها تهديد خطير لأنها تقنية تستخدم الخصائص المادية للأرض لتخريب أجهزة المراقبة والحساب الإسرائيلية للتأمين ضد الخطر. وهي ناقلات لا يمكن التنبؤ بها أو مراقبتها أو رسم خرائط لها، يمكن لمقاتلي حماس من خلالها التهرب من النظام الإسرائيلي القوي المتمثل في الأسوار الحدودية، ومراقبة البصر والاتصالات، وجمع المعلومات الاستخباراتية البشريةHUMINT  لتنفيذ هجمات مفاجئة داخل إسرائيل.

وبهذه الطريقة، تسخر أنفاق حماس من القوة السطحية لإسرائيل التي تعرف كل ما هو فوق الأرض في غزة وقد زعزعت من ثقة إسرائيل في قدرتها على إدارة المخاطر الجيوسياسية من خلال تقنيات السيطرة على الأراضي. وكشفت عن وجود غزتين: إحداهما فوق الأرض، والأخرى مدفونة عميقًا تحتها. وهو وضع لا سابق له ولا مثيل في السياق الأوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وطالما شكلت الأنفاق تحديا للجيوش التقليدية. وشهدت الجيوش البريطانية والألمانية تدمير أفواج بأكملها بسبب تكتيكات الأنفاق. وفقدت الولايات المتحدة بسببها عددا لا يحصى من الرجال في حرب فيتنام.

قد يكون الحجم الهائل لشبكات حماس السرية، بمجرد اكتشافها بالكامل ، يتجاوز أي شيء واجهه جيش حديث على الإطلاق. والأهم من حجم الأنفاق في غزة، أن الحرب بين إسرائيل وحماس هي الحرب الأولى التي جعلت فيها حركة مقاومة شبكتها السرية الواسعة محورا محددا لاستراتيجيتها السياسية والعسكرية الشاملة.

يمكن القول إنه لا يوجد جيش في العالم مستعد جيدا للتحديات التكتيكية تحت الأرض مثل الجيش الإسرائيلي؛ لكن التحدي الاستراتيجي مختلف تماما، كما أنها تنطلب وقتا للعثور على الأنفاق وتدميرها في صراع تهدف فيه استراتيجية حماس إلى الحد من الوقت المتاح لإسرائيل لشن حملتها.

ورقة الرهائن

مثلت ورقة الرهائن سببا رئيسيا لقدرة حماس على تحمل حرب طويلة، ومنحتها نفوذًا استراتيجيًا غيّر جذريًا الديناميكيات السياسية والعسكرية للصراع. وأجبرت إسرائيل على اتخاذ قرارات عسكرية وسياسية صعبة، إذ كان عليها موازنة أهدافها الهجومية مع جهودها لاستعادة الأسرى أحياء.

ينظر صناع القرار الاستراتيجيين في إسرائيل إلى الأنفاق على أنها تهديد خطير لأنها تقنية تستخدم الخصائص المادية للأرض لتخريب أجهزة المراقبة والحساب الإسرائيلية للتأمين ضد الخطر. وهي ناقلات لا يمكن التنبؤ بها أو مراقبتها أو رسم خرائط لها، يمكن لمقاتلي حماس من خلالها التهرب من النظام الإسرائيلي القوي المتمثل في الأسوار الحدودية، ومراقبة البصر والاتصالات، وجمع المعلومات الاستخباراتية البشريةHUMINT لتنفيذ هجمات مفاجئة داخل إسرائيل.واستخدمت حماس الرهائن سلاح نفسيا ضد المجتمع الإسرائيلي. وواصلت مقاطع الفيديو الدورية التي تُظهر بقاء الرهائن على قيد الحياة وسيلة ضغط مؤثرة على إسرائيل للتفاوض مع حماس. وقد أثبتت استراتيجية الرهائن أنها أكثر قيمة من الناحية الاستراتيجية من قوة حزب الله النارية. ومكنتها من انتزاع تنازلات من إسرائيل، مما يثبت أن النفوذ السياسي والنفسي والدبلوماسي لحماس لا يقل أهمية عن قوة النيران في ساحة المعركة.

قدسية الأرض والتمسك بها

لو كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مكان أهل غزة لغادر إلى المنفى منذ زمن بعيد، كما فعل بعد محاصرة قوات منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الغربية عام ١٩٨2، ولكانت فتح قد سافرت إلى الخارج بحلول ذلك الوقت. أيًا من هذه السوابق لا ينطبق على حماس، لماذا؟:

1 ـ إذا كان انهيار الجيش الإسرائيلي في ٧ أكتوبر قد غيّر إسرائيل إلى الأبد، فإن تدمير غزة غيّر القضية الفلسطينية إلى الأبد. إذ أصبحت أرضًا مقدسة للفلسطينيين في كل مكان.

2 ـ لا توجد عائلة في غزة لم تفقد أقاربها أو منازلها في هذه الحرب. ولا يمكن فصل حماس ولا أي من فصائل المقاومة الأخرى عن الشعب الذي تقاتل من أجله.

3 ـ مع تزايد المعاناة الجماعية، تتزايد الإرادة الجماعية للبقاء على أرضها، كما أظهر المزارعون العزّل في جنوب الخليل.

4 ـ لا يوجد شئ أكثر إقناعًا لضرورة مقاومة الاحتلال من سلوك الدولة الإسرائيلية نفسها. إنها دولة غازية غامضة، مستمرة، وسامّة لمساحة الآخرين.

لا بديل للفلسطينين عن المقاومة والصمود

تسعى إسرائيل دائما إلى مزيد من السيطرة. وحركة الاستيطان الإسرائيلية أكثر نشاطًا في أوقات السلم منها في أوقات الحرب، كما يُظهر تاريخ الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بعد اتفاقيات أوسلو. ولا يمكن لإسرائيل أن تلتزم بحل الدولتين، لأنه لم يكن هناك سوى دولة واحدة في أذهان مؤسسيها وأحفادهم. وإن ما يقوم به إيتمار بن غفير، وبتسلئيل سموتريتش، ونتنياهو، مجتمعين، ليس إلا "إتمام" مهمة إبادة الفلسطينيين من "أرض إسرائيل" التي بدأها ديفيد بن غوريون. إنها خرافة متكررة ومُريحة، يغذيها الصهاينة الليبراليون، تُفرّق بين قبائل إسرائيل المختلفة بشأن القضية الفلسطينية، لعدم وجود اختلافات جوهرية. وهذا أصدق اليوم مما كان عليه وقت اغتيال إسحاق رابين.

حماية الأقصى من مؤامرات الاحتلال

يعلم الفلسطينيون في غزة أنهم حائط الصد الأخير ضد مخططات الاحتلال بشأن القدس والمسجد الأقصى؛ فإسرائيل لن تتوقف أبدًا عن فرض هيمنة دينها على جميع الأديان الأخرى. وفي عيد الفصح، يكون المسيحيون ضحايا لهذه الممارسات الاستيطانية بقدر المسلمين. ويشهد المسجد الأقصى إقبالاً متزايداً من اليهود للصلاة، إذ دخل أكثر من 6000 يهودي ساحاته للصلاة منذ بدء عيد الفصح اليهودي هذا العام، أي أكثر من جميع المصلين اليهود الذين زاروه خلال أعياد العام الماضي. وليس من قبيل المصادفة أن يحدث ذلك في الوقت الذي صوّتت فيه المحكمة العليا الإسرائيلية بالإجماع على رفض التماس قدمته عدة منظمات حقوق إنسان تطالب باستئناف إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.

إن إسرائيل، بجميع أشكالها، الدينية والعلمانية، تسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني إبادة جماعية بكافة صورها: بشرية وجغرافية ودينية وقومية وثقافية وكافة معاني الحق في الحياة التي أقرتها المواثيق الدولية.

مصير حماس هو مصير فلسطين والفلسطينيين

إن استسلام حماس، ومعها غزة اليوم، يُعدّ استسلامًا للقضية الفلسطينية نفسها. ليس لأن جميع الفلسطينيين متدينون، أو لأن فتح لا تحظى بشعبية؛ بل لأن المقاومة تُمثل السبيل الوحيد لإنهاء الاحتلال. وإن حجم المعاناة التي أنزلتها إسرائيل بجميع الفلسطينيين، في غزة والضفة الغربية والقدس وداخل إسرائيل على حد سواء، يعني أن مصير حماس هو مصير فلسطين أيضًا. لكن حماس تختلف عن فتح في كونها منظمة دينية. لقد بدأت هذه الحرب بسبب اقتحامات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى. وقد لجأ الفلسطينيون في غزة إلى دينهم لفهم المذبحة التي تعرضوا لها.

المقاومة هي الحمض النووي للشعب الفلسطيني

ترتكز الروح الفلسطينية على مقاومة إسرائيل، وتبني هويتها بأكملها على معارضتها. روح يمكن صياغتها في جملة واحدة: إسرائيل هي الشر الكوني النهائي، وهي مصدر كل ما هو خطأ في العالم، ومعنى الحياة بالنسبة للفلسطيني هو محاربة إسرائيل والتضحية بالنفس لإحداث أكبر قدر ممكن من الدمار فيها. وهو معنى أكده زعيم حماس في خطاب ألقاه بعد إعلان وقف إطلاق النار، قائلاً: "سنمضي على نهج القادة الشهداء حتى ننال النصر أو الشهادة إن شاء الله".

من وجهة النظر الفلسطينية، كل خسارة في حياة المقاومة هي تضحية من أجل القضية الأسمى، مما يجعل التضحية ليست مقدسة فحسب، بل سببًا للاحتفال أيضًا. وكلما زادت معاناة الفلسطينيين، زاد "صمودهم" أو قدرتهم على الصمود.

في هذا الإطار الفكري، يكاد يكون من المستحيل ردع الفلسطينيين، لأنهم لا يربطون بين الفعل والنتيجة. إنهم يرون المعاناة التي يتحملونها هي جزء من الثمن الذي يدفعونه مقابل "صمودهم" البطولي. وهم يوقنون بأن غزة سيُعاد بناؤها في المستقبل، وأنهم سينتصرون. ويتجلى شعار "الليل أحلك ما يكون قبل الفجر" في معظم مقاطع الفيديو الدعائية الصادرة من غزة هذه الأيام. لهذا السبب يعتبرون أنفسهم منتصرين حقًا.

إن الصبر ، أو الصمود، هو من ثوابت الفكر الإسلامي التي يعتمدها الفلسطينيون. صبر يعني أنه يمكنك الفوز على أي خصم إذا راهنت على الوقت وكنت أكثر تصميمًا منه. قد تعاني أكثر من خصمك؛ لكن إذا تمكنت من الصمود، فستنتصر في النهاية. قال باسم نعيم، أحد مسؤولي حماس: "إن الضربة التي بدأت في السابع من أكتوبر، وما تلاها من صمود ومقاومة، تثبت أن الشعوب قادرة على توفير الوسائل والظروف التي تناسبها لتحقيق أهدافها العظيمة في الحرية والاستقلال". وقال أيضا: "سيبقى السابع من أكتوبر مصدر فخر لشعبنا ومقاومتنا". وهذا يؤكد إيمانهم بأن المقاومة تُثمر بالفعل، لقد حققت حماس مكاسب سياسية في غزة والضفة الغربية من خلال "تحقيق" إطلاق سراح الإرهابيين من جميع الفصائل كجزء من الصفقة.

خلاصتان مهمتان

في ختام هذا المقال عن أسباب هذا الصمود الرائع والمذهل لغزة ومقاومتها الباسلة، نورد خلاصتان مهمتان ترتبطان بمستقبل الصراع ونتيجة المواجهة:

أولا ـ حماس أقوى استراتيجيا:

قال هاريسون مورجان في ختام دراسته: "الهزيمة السريعة لحزب الله ـ الذي كان يُعتبر في السابق ألد أعداء إسرائيل ـ تناقضت بشكل صارخ مع صمود حماس في غزة، وهي مفارقة استراتيجية صادمة لا تقل عن انتصارات الجيش الألماني المبكرة في الحرب العالمية الثانية، وتبرز عدم القدرة على التنبؤ بالحرب ومخاطر الاعتماد على افتراضات ما قبل المعركة. وقد أثبت أسر حماس لـ 251 رهينة في نهاية المطاف أنها أقوى استراتيجيًا من معظم ترسانة حزب الله، حيث أجبر الضغط الشعبي داخل إسرائيل الحكومة على التفاوض على إطلاق سراحهم، مما أثر على مسار الحرب.

بالنسبة للمتخصصين العسكريين، تُسلط هذه الحرب الضوء على مخاطر الافتراضات في الحرب، فقدرة حماس على مواجهة حملة إسرائيلية مدمرة في غزة والصمود أمام هذه الحرب الشاملة يجب أن تُشكِّل تحديًا للافتراضات حول إمكانيات المقاومة وقدراتها على تحمل صراع مُستدام. ولذلك، فمن المُرجَّح لن يكون "السابع من أكتوبر" القادم كالسابع من أكتوبر الحالي".

ثانيا ـ الشعب باق وإسرائيل إلى اضمحلال وزوال:

يقول مارك ليفين وإريك تشيفيتز بجامعة كاليفورنيا والمتخصصان في الإبادة الجماعية: "بغض النظر عن عدد من تقتلهم إسرائيل أو تشوههم أو تسجنهم أو تطردهم، فإن أي إبادة جماعية شبه كاملة للشعب الفلسطيني لن تدفعهم إلى "التخلي" عن هويته الوطنية وأحلامه. والنتيجة الأكثر ترجيحا هي أن إسرائيل، من خلال محاولتها تحقيق هذا الهدف المستحيل والإجرامي تماما، سوف تدمر نفسها، أو على الأقل ستنفي نفسها من المجتمع الدولي".

مقالات مشابهة

  • الصحة الفلسطينية: 52.418 شهيدًا حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي على القطاع
  • سويسرا تحظر حركة المقاومة الفلسطينية حمـ.ـاس
  • غزة العصية على الانكسار.. قراءة إسرائيلية وغربية لصمودها الأسطوري
  • الحرب على اليمن تستنزف الترسانة الأمريكية.. الخسائر كبيرة
  • إسرائيل تحصي خسائرها منذ 7 أكتوبر وأكبرها بصفوف النخبة والضباط
  • معهد الأمن القومي الإسرائيلي: لواء جولاني تكبد أكبر الخسائر في حرب غزة
  • التربية الفلسطينية: استشهاد 14.784 طالباً منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة
  • تقرير أمريكي: الحوثيون يقاومون الحملة الأمريكية بعناد رغم الخسائر والأضرار التي تلحق بهم (ترجمة خاصة)
  • بلجيكا: ليس لـ “إسرائيل” حق السيادة على الأراضي الفلسطينية
  • المقاومة الفلسطينية تكشف: فككنا عدد من أجهزة تنصت زرعها العدو بغزة