ما هو مؤكد أن إيران لم ترغب في أن تطبق نموذجها في إدارة شؤون الحكم وتصريف شؤون الشعب في الدول التي قُدر لها أن تهيمن عليها وبالأخص العراق.
ما يفكر فيه مرشدها ويعلن عنه أحيانا جنرالاتها هو أن العراق هو مكافأة حرب. لا أقصد هنا الغزو الأميركي الذي تعاونت إيران من أجل إنجاحه وتمرير الكثير من أجنداته حسب، بل وأيضا وهي الأهم حرب الثمان سنوات التي اعترف الخميني أنه وافق على إيقافها وهو يتجرع السم.ليست إيران دولة ناجحة. هي دولة حرب والعلاقة بها بالنسبة لدولة متهالكة مثل العراق ليست نافعة. ومن أولى مظاهر تلك العلاقة الضارة إنها سعت إلى تكريس الموقف السلبي لأتباعها في العراق من مسألة إقامة دولة جديدة على أنقاض الدولة التي حطمها الاحتلال.
شجعت إيران أولئك الأتباع على المضي في الالتزام بالفتوى التي تحث على عدم إقامة دولة شيعية قبل ظهور الإمام الغائب الذي يحق له وحده إقامة دولة العدل.
ولأن الأحزاب والكتل السياسية مستفيدة من وضع اللادولة في العراق فإن أحداً من أفرادها لم يتساءل "لماذا لم يتلزم الإيرانيون بتلك الفتوى حين أقاموا دولة مؤسسات قوية تعالج مشكلات مواطنيها الدنيوية برؤية قريبة من منظور القانون الوضعي ولم تحتكم إلى الشريعة في كل شيء؟"
الأخطر من ذلك السؤال سؤال هو "كيف تم ضبط الحرس الثوري التابع مباشرة للمرشد الأعلى في إطار الدولة ولم يتحول سلاحه إلى سلاح منفلت كما هو سلاح ميليشيات الحشد الشعبي في العراق وميليشيا حزب الله في لبنان وميليشيا الحوثي في اليمن وكلها تتبع الحرس الثوري وتنفذ تعليماته في الحرب والسلم؟"
حين استلم الخميني السلطة في إيران بعد سقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي كان في ذهنه أن يعيد بناء امبراطورية فارس لذلك فإنه لم يلتفت إلى ما يقوله المذهب، بل أنه التف على المذهب حين منح نفسه لقب الولي الفقيه. وهو ما دفعه إلى الحفاظ على إيران كما تركها الشاه. صحيح أنه أمر بإعدام عدد من ضباط النظام السابق الكبار غير أنه لم يلغ الجيش الإيراني. صحيح أنه وهب المعممين نوعا من السلطة غير أنه لم يسمح لهم باختراق الدولة وبالأخص مؤسساتها الاقتصادية والبازار.
لقد شعر الخميني أن عليه أن يقود دولة قوية في المنطقة. كانت شرطيها بتكليف غربي لتكون شرطيها بسبب عدائها للغرب. ظلت إيران ملتزمة بموقفها السياسي من دول المنطقة بالرغم من انقلابها على تحالفاتها. ما يهم في الأمر أن إيران صارت أكثر خطورة على أمن واستقرار دول المنطقة في زمن الخميني مما كانت عليه في زمن الشاه. وبالرغم من أن الخميني كان قد عُرف بتشدده الطائفي والعرقي، فإن إيران لم تدخل في عهد الجمهورية التي أسسها في نفق الحروب الأهلية ولم تشهد مذابح طائفية.
كان الخميني مجرما في تصفية أعدائه لكن على أساس الولاء وهو ما لم يفهمه أتباعه في العراق الذين افتتحوا عهدهم في العراق بحرب أهلية امتدت ما بين 2006 و2008 راح ضحيتها الكثير من الأبرياء الذين قُتلوا أما على الأسم أو على الهوية أو على الجهة التي ينتسبون إليها أو على شبهات الإنتماء إلى النظام السابق وهو ما أغرق العراق في فوضى لم تنته حتى الآن. ذلك لأنها لا تزال تسد الطريق أمام قيام دولة القانون بعد أن تقاسم حيتان الفساد وزعماء الميليشيات ثروات البلد.
في أسوأ الأحوال يتمنى المرء لو أن أتباع إيران في العراق قلدوها في بناء دولة مؤسسات. يتمنى المرء لو أن السلاح كله بيد الدولة كما هو الحال في إيران إذ لا يستقوي الحرس الثوري على الدولة ويقصف منزل رئيس الوزراء مثلما فعل الحشد الشعبي يوم قصف منزل رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي. يتمنى المرء لو كان الفساد في العراق مقننا مثلما هو في إيران التي لا تتعرض أموال الشعب فيها للسرقات اليومية.
واقعيا فإن إيران لم تبن نموذجاً سياسياً مبتذلاً وتافهاً في العراق هو صورة عن نظامها السياسي، بل تركت أتباعها تحت حماية أمريكية يعبثون بالعراق الذي اعتبرته مكافأة حرب. يعنيها من العراق شيئان. ثروته وقد صارت ملكها، والولاء الطائفي الذي أدهشها أن أتباعها قد ابتكروا له صوراً فاقت توقعاتها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران فی العراق
إقرأ أيضاً:
باحث إيراني:كل ذيل هو خائن..الحشد الشعبي عبارة عن (ذيل) لتحقيق مصالح إيران في العراق والمنطقة
آخر تحديث: 22 دجنبر 2024 - 9:34 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- نفى الباحث في الشأن الإيراني، مجتبى حيدري، اليوم، علاقة طهران بالحشد الشعبي، مشيراً إلى أن قرار حله خيار عراقي، لكن ما دامت المقاومة موجودة فإن إيران ستواصل دعمها.وقال حيدري،في حديث صحفي إن “قرار حل الحشد الشعبي من غير المعلوم تنفيذه، وأساساً المقاومة هي ذاتية في العراق وليس لإيران علاقة بها، بل هي تدعم المقاومة لكنها ليست هي من أسسها!!!، لذلك إيران ترى أن هذا خيار عراقي!!، وما دامت المقاومة موجودة فإن إيران سوف تدعمها“.وأضاف أن “الحكومات العراقية المتعاقبة كانت تطلب من إيران – على اعتبار لديها علاقة طيبة مع الحشد – بالدخول على الخط والتحدث معهم للتقليل من حدة التوتر وخاصة في قضية استهداف القوات الأميركية في العراق، وإيران كانت تتفهم تلك المطالب”.وأوضح حيدري، أن “طهران تدرك أن استقرار بغداد سيساعدها أيضاً، في ظل وجود مشكلات داخلية وحصار عليها، لذلك أمن العراق سيؤثر على إيران إيجاباً، أما إذا حدثت مشكلات في العراق فهذا سيؤثر سلباً عليها”.وأكد أن “قضية الحشد مرتبطة بالعراق وليس بإيران، فهو خيار عراقي، وفي ظل ما يجري الآن من أحداث، من المستبعد أن يطلب أحد بحل الحشد، خاصة في ظل وجود مخاطر على العراق والجميع يعلم بهذه المخاطر وخطورة الأوضاع، لذلك العراقيين أنفسهم سيدعمون المقاومة”.