في ظل الأوضاع السياسية المتوترة في السودان، يبرز التوظيف السياسي للدين كأداة إستراتيجية أساسية في سياسات حكومة عبدالفتاح البرهان. يعكس هذا التوظيف كيف يمكن أن يُستخدم الدين لتأصيل السلطة السياسية وتعزيز الإستراتيجيات الحكومية. التوظيف السياسي للدين يتجلى في عدة أبعاد، من بينها كيفية تبرير السياسات العسكرية، تعزيز شرعية الحكومة، وإدارة الصراعات الداخلية والخارجية.


يُعتبر الدين من العناصر المركزية في الفكر السياسي لحكومة البرهان، التي ينتمي رئيسها إلى خلفية إسلامية ترتبط بالإخوان المسلمين. في هذا السياق، يُستخدم الدين ليس فقط كأداة لتحفيز الدعم الشعبي ولكن أيضًا كوسيلة لتبرير السياسات والممارسات الحكومية التي قد تكون مثيرة للجدل. هذا التوظيف السياسي للدين يمكن أن يُفهم كآلية لتعزيز الاستقرار الداخلي من خلال تحقيق توافق بين الحكومة والأفراد الذين يشاركونها نفس الأيديولوجيا.
أحد الجوانب الرئيسية للتوظيف السياسي للدين في حكومة البرهان هو استخدام الدين لتبرير السياسات العسكرية. يُنظر إلى الصراعات الداخلية والخارجية من خلال عدسة دينية، حيث يُصاغ الصراع كجزء من “جهاد” أو معركة أيديولوجية. هذا الاستخدام للدين يقدم تبريرًا للأعمال العسكرية، ويعزز من شرعية الحكومة في مواجهة المعارضة. من خلال هذا التوظيف، تسعى الحكومة إلى تحويل الصراع إلى قضية دينية، مما يزيد من صعوبة معارضتها ويحشد التأييد حول سياساتها.
إضافة إلى ذلك، يُستخدم الدين كأداة لتعزيز شرعية الحكومة. من خلال الإشارة إلى المبادئ الإسلامية وتعزيز الالتزام بالدين، تسعى الحكومة إلى تأصيل سلطتها بشكل يتماشى مع القيم الدينية للشعب السوداني. في هذا الإطار، يُعتبر تأييد رجال الدين والمشايخ جزءًا من الإستراتيجية السياسية للحكومة، حيث يُعزز هذا التأييد من الصورة العامة للحكومة كحامية للقيم الدينية، مما يساعد في تعزيز الاستقرار السياسي وتخفيف الضغوط الداخلية.

في سياق الصراعات الداخلية، يُستخدم الدين أيضاً لتوجيه الخطاب السياسي والحشد. وتُسهم الخطابات الدينية في تعبئة القواعد الشعبية ضد المعارضين، حيث يُصوّر هؤلاء المعارضون كأعداء للدين والأمة. هذا الاستخدام للدين يعزز من الهوية الجماعية حول قضايا معينة ويزيد من الاستقطاب الداخلي، مما قد يصعّب من إمكانية التوصل إلى تسويات سياسية سلمية.
إضافة إلى ذلك، يلعب الدين دوراً في إدارة الصراعات الخارجية. من خلال الإشارة إلى الأبعاد الدينية للصراعات مع دول أو قوى خارجية، يمكن للحكومة أن تُعزز من موقفها الداخلي، وتدعم إستراتيجياتها الدبلوماسية والعسكرية. الدين هنا يُستخدم كوسيلة لتبرير السياسات الخارجية ولتأكيد موقف السودان كقوة تتبنى قيمًا إسلامية في مواجهتها للتحديات الدولية.
ومن الأمثلة البارزة على التوظيف السياسي للدين هو الفتوى الصادرة عن فقيه السلطة عبدالحي، الذي أفتى بجواز قصف المدنيين بالطيران، إذا لجأت قوات الدعم السريع إلى استخدام الأماكن السكنية كملاذات. وتعتبر هذه الفتوى تجسيداً واضحاً لكيفية استخدام الدين لتبرير سياسات عسكرية قد تكون غير مقبولة من الناحية الإنسانية، من خلال اعتبار المدنيين الذين يحتمون بالأماكن السكنية جزءًا من الصراع، فيُقدم الدين كتبرير لاستخدام القوة العسكرية ضد هؤلاء المدنيين، مما يعزز من صعوبة معارضة هذه السياسات ويزيد من تعقيد جهود السلام.
ومع ذلك، فإن التوظيف السياسي للدين لا يخلو من المخاطر. ويمكن أن يؤدي استخدام الدين كأداة سياسية إلى زيادة الاستقطاب الاجتماعي، وتعميق الصراعات الداخلية، وتعزيز الفجوات بين مختلف الجماعات. ففي سياق السودان، حيث يتواجد تعدد ديني وإثني، قد يسهم هذا التوظيف في تفاقم التوترات بين الجماعات المختلفة ويزيد من تعقيد جهود تحقيق الاستقرار والسلام.
لحل هذه التحديات، من الضروري أن يتبنى المجتمع الدولي والمحلي نهجاً يشمل الحوار والتفاهم بين مختلف الأطراف. قد يتطلب ذلك تعزيز الجهود الرامية إلى توحيد المعارضة المدنية والعسكرية، والعمل على تقليل الاستقطاب وتعزيز التسامح الديني والثقافي. فمن خلال دعم مبادرات السلام والتفاهم المشترك، يمكن تقليل تأثير التوظيف السياسي للدين وتعزيز الاستقرار في السودان.
يُعد التوظيف السياسي للدين في حكومة البرهان أداة فعالة ولكن معقدة. من خلال فهم كيفية استخدام الدين لتبرير السياسات وتعزيز السلطة، ويمكننا إدراك أبعاد الصراع بشكل أعمق وتحديد إستراتيجيات أكثر فعالية لتحقيق الاستقرار والسلام في السودان والعمل الجاد لهزيمة الإسلام السياسي في السودان.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية أحداث السودان الصراعات الداخلیة استخدام الدین هذا التوظیف فی السودان من خلال

إقرأ أيضاً:

تاجر يستغل نفوذه لعرقلة مشروع المستشفى التعليمي بمدينة عدن

تاجر يستغل نفوذه لعرقلة مشروع المستشفى التعليمي بمدينة عدن

مقالات مشابهة

  • لقد أساء الإخوان المسلمون وجه إسرائيل
  • القرصنة من العمل اللصوصي إلى التوظيف السياسي والحربي.. قراءة في كتاب
  • التجمعات الحزبية في ليبيا توقّع مذكّرة اتفاق لتعزيز الاستقرار السياسي
  • الحرب في السودان: تعزيز فرص الحل السياسي في ظل فشل المجتمع الدولي
  • بيان من المكتب السياسي للحزب الإشتراكي الديمقراطي الوحدوي (حشد الوحدوي)
  • صندوق النقد الدولي: الحكومة المصرية أحرزت تقدما كبيرًا في السياسات اللازمة لاستكمال المراجعة الرابعة
  • تاجر يستغل نفوذه لعرقلة مشروع المستشفى التعليمي بمدينة عدن
  • البيانات في عصر الذكاء الاصطناعي: قوة محركة لصنع السياسات وتعزيز الابتكار"
  • السودان: اجتماع مشترك لتعزيز المساعدات الصحية والإنسانية
  • هل من أستاذ يزيل جهلي السياسي في قضية الحرب علي السودان؟