#تأملات_قرآنية
د. #هاشم_غرايبة
يقول تعالى في #آية_الكرسي وهي الآية من سورة البقرة: “من ذا الذي يشفع عنده الا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء”.
استعماله تعالى لـ (من الاستفهامية) في موضع الاستفهام الاستنكاري، جاء ليقطع الأمل الذي يعزي به العصاة المكابرون من بين المسلمين أنفسهم قائلين: بما ان الله غفور رحيم، ونحن من أمة حبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم فسيقبل شفاعته فينا يوم القيامة حينما يقول: أمتي أمتي، صحيح أن شفاعته صلى الله عليه وسلم ستكون الملاذ الأخير لمن خفت موازينه، لكنها ليست مطلقة، بل وفق من أذن الله لهم بالشفاعة فيهم.
فقد منح الله البشر جميعا الفرصة كاملة في حياتهم الدنيا، للعمل الصالح من أجل استحقاق الجنة التي خلقها لهم، ولما كانت من علم الغيب، فقد عرّفها لهم وصفا بكتابه الكريم، وحِسّياً بشيء بسيط من أطايبها من خلال ما رزقهم من طيبات في الدنيا.
ولما كان قد أسقط ذريعتهم بأنهم كانوا جاهلين، بعد أذ أرسل اليهم رسلا مبشرين لمن ابتغى الصلاح والتقوى، ومنذرين من أعرض وكذب بالدين. فما عاد لأحد من عذر، فكلٌّ سينال ما وُعِد وحسبما اختار، لذلك فما تنفعهم شفاعة الشافعين.
ان كرم الله ورحمته لا حدود لهما، فقد فضل الناس بعضهم على بعض درجات، وذوي الدرجات العلى منهم كرمهم بالشفاعة لغيرهم ممن لم تسعفهم أعمالهم في ترجيح ميزانهم، لكنه في هذه الآية يبين أن الشفاعة ليست حقا مكتسبا لمن أكرمهم بتلك المنزلة، بل هي خاضعة لإذنه وموافقته، فهنالك بعض الناس استحقوا مقت الله فخرجوا من رحمته، فلا تقبل الشفاعة فيهم مهما كان الشفيع عالي الدرجة.
لذلك فهذه الآية من شأنها أن تنبه وقبل فوات الأوان، بعضاً ممن ظلموا أنفسهم بكثرة المعاصي، ويرجون الشفاعة كونهم ينتمون الى الاسلام من غير العمل بموجب تشريعاته، من شأنها ان تجعل اوصالهم ترتعد خوفا من احتمالية رفض شفاعة الشافعين فيهم.
ثم يبين الله تعالى أنه يعلم كل ما يتعلق بماضي البشر ومستقبلهم، سواء أفعالهم أو أقوالهم وحتى سرائر نفوسهم، هذا العلم علم خبير متيقن، ومراقب لصيق، وعالِمٍ بالقادم المغيب عنهم لكنه له مكشوف.
هنا يبين الله للذين سيتلون القرآن في قادم الزمان وعلى تقلب الدهور، ان كل ما يصيبه الناس من معرفة وينالونه من علم، إن هو نزر بسيط من علمه، شاء أن يعلمهم إياه بتقديره ووفق قانون (سنة كونية) وضعه في سابق علمه، ولو شاء أن لا يعلموه ما علموه ولو قضوا دهورا في البحث العلمي والتجريب.
على سبيل المثال اعتقد العلماء الأقدمون أن المعادن أصلها واحد وبالإمكان تحويل العناصر الدنيا الى الذهب، بالطبع خاب ظنهم لكن الله ألهمهم في جهودهم هذه معرفة الكيمياء، فاكتشفوا كثيرا من القوانين التي تحكم علاقاتها، كما كانت تجاربهم مثمرة في اكتشاف كثير من السنن الكونية (القوانين الطبيعية) كالجاذبية والمغناطيسية الأرضية والاحتكاك …الخ، لم يعطهم الله العلم الذي به يتحكمون بهذه القوانين لأن ذلك سيتيح لهم التحكم في السنن الكونية المحكمة الدقة فيفسد النظام الكوني، لكنه ذللها لهم لكي يستعملوها في مخترعات افادت الناس في تسهيل أمور معيشتهم.
هنالك امور كثيرة لم يشأ الله للبشر ان يعلموها، لأنهم لو علموها لبغوا فيها، ولأفسدوا التوازنات الدقيقة، لذلك لن يفهموها أصلا، ولن ينفعهم بحث ولا تجريب مهما حاولوا، ومن الأمثلة عليها الروح والموت والحياة وكيفية تدبير معاشات الخلائق وأرزاقها، لأن هذه متعلقة بالخلق والذي هو شأنه وحده، ولذلك فالباب دونها مغلق.
هكذا يفتح الله ما يشاء وعلى من يشاء أبواب العلم التي تنفعهم ويغلق عليهم ما يفسد ويضر وبحكمته المطلقة، لكن الإنسان كان أكثر شيء جدلا، فيتوجه لما يضره أكثر مما ينفعه. مقالات ذات صلة غيشان يكتب .. تفاصيل ما فعله أحمد حسن الزعبي 2023/08/10
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: آية الكرسي
إقرأ أيضاً:
إياك وفعل هذا الأمر حتى لا يفضحك الله في بيتك.. أمين الفتوى يوضحه
قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن تتبع عورات الآخرين من الأخلاق السيئة والأمور المحرمة التي تزرع الأحقاد في النفوس وتُشيع الفساد في المجتمع.
وأضاف "الورداني"، في فتوى له، أنه بدلا من أن تكشف سرك؛ تكلم وتحاور مع أهل بيتك، أو هناك حل آخر، وهو عندما تشعر أنك تريد أن تحكي أسرارك؛ دونها في مذكرة، حاول أن تكون صاحب حكمة، وكن حريصا على ألا يطَّلع أحد على هذا الكلام الذي دونته”.
وتابع: “أن من كان حريصا على أن يسمع ويتتبع عورات الآخرين تحدث له ثلاث مصائب، وهي:
الأولى: بدلا من أن يغير من نفسه للأفضل تأتي نفسه الأمارة بالسوء وتجعله يتتبع أسرار الآخرين حتى تهون عليه بلوته، ولكن ستزيد عليه نكبته وسيكون كسولا أن يغير من نفسه شيئا.
الثانية: أكثر أمر يمحق البركة فى الحياة هو تتبع عورات الآخرين لأنه يشعر أن المجتمع ملوث مثله.
أما المصيبة الثالثة: أنه يهون عليه سره فيقول “ما كل الناس بتحكي أسرارها”، فهو بذلك يكشف ستر الله عليه".
والدليل على ذلك حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته».
هل تتبع عورات الناس حرام؟قالت دار الإفتاء المصرية، إنه فيما ورد في الكتاب والسُنة النبوية المُطهرة، ينبغي تجنب الخوض في أعراض الآخرين ، وعدم الاستهانة بتتبع عورات الناس وعيوبهم.
وأوضحت «الإفتاء» عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، في إجابتها عن سؤال: «هل تتبع عورات الناس حرام، وكيف التوبة من ذلك؟»، أنه لا يجوز تتبع عورات الناس؛ لأن تتبع عورات الآخرين من الأخلاق السيئة والأمور المحرمة التي تزرع الأحقاد في النفوس وتُشيع الفساد في المجتمع.
وأضافت أنه يجب على من تتبع عورات الناس التوبة والإنابة والتحلل بطلب العفو والمسامحة ممن ظلمهم بتلك الطريقة إذا علموا بما جناه، وإلا فليتب فيما بينه وبين ربه، ويستغفر لهم، ولا يحمله ما اطَّلَع عليه على بغض الناس ولا الحط من قدرهم.
واستشهدت بما قال رسول الله - صلى الله عليه وآله سلم-: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه.