تسبب نزاع حول السيطرة على مصرف ليبيا المركزي في اضطرابات واسعة لإنتاج البلاد من النفط، والإنذار بالتحول إلى أسوأ أزمة منذ سنوات في بلد يعد مصدّرا كبيرا للطاقة، لكنه منقسم منذ فترة طويلة بين الشرق والغرب.

وتفاقم الخلاف عندما جرى الإطاحة بالمحافظ الصديق الكبير، مما جعل فصائل في الشرق تقدم على وقف إنتاج النفط بالكامل.



وصار الوضع متداخلا للغاية لدرجة أنه في حين يحتفظ الكبير بالسيطرة على الموقع الإلكتروني للمصرف المركزي، فإن مجلسا عينه المجلس الرئاسي يصدر بيانات عبر صفحة البنك الموثقة على موقع فيسبوك بحسب فايننشال تايمز.


وقد أصبح المصرف المركزي مشلولا بسبب اتباع سياسة حافة الهاوية التي تركته عاجزا عن إجراء معاملات لأكثر من أسبوع مما يهدد قدرته على القيام بالمهام الاقتصادية الأساسية، ولا يبدو أن أيا من الجانبين مستعدا لتقديم تنازلات مما يزيد من احتمالات تدهور الوضع يوما بعد يوم.

وسيواجَه أي تحرك لحل الأمور سلميا بتعقيدات يفرضها المشهد المنقسم إلى مؤسسات حكم متنافسة وتدعمها فصائل مسلحة متغيرة المواقف والولاءات.

والأسوأ من ذلك هو أن الخلاف يأتي في وقت تعثرت فيه الدبلوماسية الدولية في حل الأزمة السياسية الأساسية في ليبيا مع شغور منصب مبعوث الأمم المتحدة وغياب المؤشرات حتى الآن على نجاح القوى الأجنبية في كبح جماح الفصائل المتنافسة.


وقال جلال الحرشاوي الباحث بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة "لقد انتهى التوازن الذي ساد العامين الماضيين. والآن تحاول الأطراف الفاعلة بناء نفوذ جديد. لذا فمن المتوقع أن تتفاقم الأزمة إلى حد كبير".

صراع على السلطة
يشغل الكبير منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي منذ الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي في عام 2011 وأصبح محافظ البنك لاعبا رئيسيا بين قادة الفصائل والسياسيين الذين يخوضون صراعا بلا نهاية على السلطة.

ومع انهيار الدولة، ظل مصرف ليبيا المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط بعيدين عن الصراع مما كفل استمرار بعض وظائف الحكومة.

ويقضي القانون الليبي المدعوم باتفاقيات دولية بأنه لا بيع للنفط إلا عبر المؤسسة الوطنية للنفط على أن تنتقل العائدات إلى مصرف ليبيا المركزي حيث تستخدم لتمويل رواتب موظفي الدولة والهيئات الحكومية في البلاد.

وبدأ هذا المبدأ يتداعى في 2022 حين نصب رئيس حكومة الوفاق المعترف بها دوليا، عبد الحميد الدبيبة رئيسا جديدا للمؤسسة الوطنية للنفط، في تسوية فيما يبدو مع الفصائل الشرقية، مما أدى إلى تخفيف الضوابط على قطاع النفط.


لكن خلافا نشب بين الدبيبة والكبير حول الإنفاق وقضايا أخرى، وكان يبدو أن محافظ مصرف ليبيا المركزي يتقارب أكثر مع خليفة حفتر، اللواء المتقاعد الذي يسيطر على شرق البلاد.

ومن خلال التحرك لاستبدال الكبير، يلقى رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، بدعم من الدبيبة، بالسيطرة على الموارد المالية الهائلة في ليبيا في قلب الصراع ولا يستطيع أي من الجانبين التراجع بسهولة.

وقال تيم إيتون من تشاتام هاوس "وجهة نظري العامة هي أن هذه قضية سياسية وليست بيروقراطية. لكنها خطيرة للغاية. وفي غياب توافق الآراء، قد تتقوض فعليا أقوى مؤسسة متبقية في البلاد".

ويتعارض التخلص المعلن من الكبير فيما يبدو مع الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 الذي قامت عليه أسس تعامل المجتمع الدولي مع الفصائل الليبية على مدى عقد تقريبا.

والحصول على قبول دولي لمحافظ مصرف ليبيا المركزي أمر بالغ الأهمية، ذلك لأن عائدات النفط الليبي المستحقة للمؤسسة الوطنية للنفط تُدفع بالدولار في حسابها بالمصرف الليبي الخارجي في نيويورك قبل أن تنتقل إلى حساب حكومة طرابلس في مصرف لبيبا المركزي.

وحتى الآن، يبدو أن مجلس الإدارة الجديد الذي أعلنه المنفي غير قادر على السيطرة على العمل داخل المصرف. وفي مؤتمر صحفي يوم الأربعاء الماضي، طلب المجلس من الصديق الكبير تسليم الرموز التي تسمح له بإجراء التحويلات.

كما حث البنوك الليبية على دفع رواتب العاملين بالدولة من احتياطياتها ووعد بسدادها عندما يبسط سيطرته الكاملة على المعاملات.

ورد الكبير ببيان على موقع مصرف ليبيا المركزي طلب فيه من البنوك تجاهل تعليمات الأشخاص الذين ينتحلون صفة أعضاء مجلس الإدارة.

وإذا طال أمد الصراع من أجل السيطرة على عمل المصرف، فإن جميع رواتب موظفي الدولة والتحويلات بين البنوك وخطابات الاعتماد اللازمة للواردات ستصبح مستحيلة، مما سيؤدي إلى تجميد الاقتصاد وتجارة ليبيا مع الدول الأخرى.

وقال موظفون في بنكين بشرق ليبيا إن عمليات المقاصة للبنوك الموجودة في غرب البلاد توقفت، إلى جانب معالجة التحويلات الأجنبية. كما توقف دفع رواتب العاملين بالدولة.

وفي غضون ذلك، سيؤدي إغلاق حقول النفط في شرق ليبيا إلى حرمان مصرف ليبيا المركزي من أي أموال جديدة تدريجيا فضلا عن تقليل المكثفات المتاحة لمحطات الطاقة، مما يهدد بعودة انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة قريبا.

كل هذا يزيد من الصورة المستقبيلة تشاؤما أمام الليبيين ويفاقم خطر لجوء الفصائل المسلحة إلى القتال مجددا بعد وقف إطلاق النار قبل نحو أربع سنوات والذي أنهى آخر موجة كبيرة من الأعمال القتالية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة دولية ليبيا النفط مصرف ليبيا حفتر ليبيا النفط حفتر مصرف ليبيا الديبة المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مصرف لیبیا المرکزی الوطنیة للنفط

إقرأ أيضاً:

أزمة إدارة المصرف المركزي قد تدفع ليبيا إلى الفوضى مجددا

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفي إيشان ثارور تناول الأزمة في ليبيا بخصوص المصرف المركزي وانعكاساته الميدانية والسياسية.

وقال ثارور، إن الأخبار الواردة من ليبيا التي تميل إلى جذب الانتباه الدولي غالبا ما تنطوي على مأساة وكارثة صارخة. إذا لم تكن الحرب الأهلية المروعة التي هزت الدولة الغنية بالنفط في شمال إفريقيا لسنوات وقسمتها إلى قسمين، فهي غرق المهاجرين الذين خرجوا من سواحل ليبيا التي لا تخضع لدوريات جيدة أو الفيضان التاريخي الذي قتل الآلاف في مدينة درنة قبل عام.

وأضاف، أنه مع ذلك، في الأشهر الأخيرة، كانت الدراما الكبيرة التي تجتاح البلاد أكثر غموضا، وتشكلت من خلال الصفقات السرية، والتحويلات في السوق السوداء، والتهريب غير المشروع. ولكن الأمر لا يقل أهمية وخطورة. فقد أدت الأزمة المستمرة بشأن السيطرة على البنك المركزي الليبي إلى شل الاقتصاد وأثارت مخاوف جديدة من الصراع.



وانخفضت صادرات النفط بشكل حاد في الأسابيع الأخيرة، في حين يواجه الليبيون العاديون طوابير طويلة في محطات الوقود، وقيودا على قدرتهم على سحب النقود من البنوك، وانهيار شبكة الكهرباء.

ويقول الخبراء إن الاضطرابات هي نتيجة للخلاف الذي اندلع في آب/ أغسطس ولكنه كان يتطور منذ فترة طويلة. فقد شهدت خطوة من جانب القوات القريبة من رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، الذي يقود الحكومة في غرب ليبيا، ومركزها العاصمة طرابلس، اختطاف مسؤولين في البنك المركزي ودفعت محافظ البنك لفترة طويلة، صادق الكبير، إلى الفرار إلى منفى اختياري في تركيا.

وتوقف البنك المركزي، الذي يعد المستودع القانوني الوحيد لثروات ليبيا المولدة من النفط، عن العمل. وأغلقت صادرات النفط بسرعة.

وقال الكبير، في إسطنبول، الخميس الماضي، إن ليبيا أصبحت معزولة بشكل أساسي عن النظام المالي العالمي.

وأضاف في تصريحات لوكالة رويترز أن "جميع البنوك الدولية التي نتعامل معها، أكثر من 30 مؤسسة دولية كبرى، علقت جميع المعاملات. تم تعليق جميع الأعمال على المستوى الدولي. لذلك، لا يوجد وصول إلى الأرصدة أو الودائع خارج ليبيا".

في جذوره، يدور الخلاف حول مخططات سماسرة السلطة المتنافسين على عائدات النفط في دولة بها أكبر احتياطيات نفطية في إفريقيا. فصيل الدبيبة على خلاف مع فصيل خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا وأقام علاقات عميقة مع قوى أجنبية مثل روسيا والإمارات.

في نهاية الحرب المدمرة في البلاد، حاول حفتر شن هجوم للاستيلاء على طرابلس، لكنه فشل في النهاية عندما سارعت تركيا إلى تقديم المساعدات العسكرية والدعم للحكومة في طرابلس.

واستقر وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بوساطة دولية في عام 2020 في حالة سلام غير مستقر، حيث يخوض الدبيبة وحفتر معاركهما من خلال وسائل أخرى - في الوقت الحالي.

وبين ثارور، أن الجهود التي تقودها الأمم المتحدة لحل النزاع جارية. ولكن هذا الوضع يذكرنا بالحالة الخطيرة التي تعيشها ليبيا، التي ترنحت من الأزمة إلى الكارثة منذ الثورة الدموية والحملة التي دعمها حلف شمال الأطلسي والتي أطاحت بالدكتاتور الليبي معمر القذافي في عام 2011.



ولم تشهد البلاد حكما مستقرا منذ ذلك الحين، وهي الآن ممزقة بين كيانين سياسيين متنافسين ومجموعة من الجماعات المسلحة.

وقد برز آل الدبيبة وحفتر كعشائر قوية شبه أسرية، تتنافس على النفوذ على المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط، والتي تتدفق من خلالها معظم عائدات النفط الليبية.

ويقول المحللون إن تلاعب آل الدبيبة بالبنك لتحقيق غاياته جعل الكبير يرحب بحفتر، الذي يُزعم في الوقت نفسه أنه يرأس شبكات واسعة من التهريب غير المشروع، وفق زعم كاتب المقال.

"لقد زرع الكبير بذور زواله"، كما أوضحت مجلة الإيكونوميست. "في البداية، اشترى كبار منافسيه: الأشخاص الذين ثاروا ضد الدكتاتورية وبعد القذافي، تضاعفت رواتب الدولة تقريبا إلى 2.4 مليون في بلد يبلغ عدد سكانه 7 ملايين نسمة. ويقال إن البنك مول أمراء الحرب، ودفع رواتب المقاتلين الذين حاصروا طرابلس ودافعوا عنها".

وأضافت المجلة الأسبوعية البريطانية: "عندما انتهى القتال في عام 2020، مول الكبير مخططاتهم الضخمة على نحو متزايد للاستفادة من عائدات النفط الضخمة في ليبيا. لقد دفع مليارات الدولارات لاستيراد الوقود بأسعار السوق، ودعمه لجعله الأرخص في العالم، ثم سمح بتهريبه برا وبشكل متزايد بواسطة ناقلات النفط إلى أوروبا. وكلما زاد المال والسلطة التي جمعها المتلقون، زاد ضعفه. وعندما حاول كبح جماح المال، كان الأوان قد فات".

لقد بدأت الضغوط العميقة تظهر. كتب الباحث في الشؤون الليبية ولفرام لاشر في مقال مطول لمجلة "نيو لاينز"، مشيرا إلى مجموعة متزايدة من الأدلة بشأن نهب الدولة الذي قام به كلا الطرفين، وخاصة حفتر، "يبدو أن الترتيبات التي تربط بين الشرق والغرب تقترب من نقطة الانهيار".

وأضاف: "في غضون ذلك، يهدد تحسن وصول حفتر إلى الأموال بشكل كبير بزعزعة استقرار توازن القوى.

زأخبر صدام [ابن خليفة حفتر] المقربين أنه يسعى إلى تحويل الفصائل الليبية الغربية ضد بعضها البعض وشراء دعم قادة الميليشيات المختارين - وهي مهمة أصبحت أسهل بفضل الأموال التي لديه الآن تحت تصرفه.

كما أبلغ والده دبلوماسيين غربيين أنه ينوي القيام بمحاولة أخرى للاستيلاء على طرابلس".

وعلى مدار الأسبوع الماضي، زار البلاد عدد من كبار المسؤولين الإقليميين، بما في ذلك رئيس المخابرات التركية.

وهددت التوترات التقارب بين مصر وتركيا، اللتين تجدان نفسيهما على جانبي الانقسام الليبي. "لقد دعمت مصر والإمارات حفتر جزئيا بسبب أيديولوجيته المناهضة للإسلاميين التي تعارض اعتماد حكومة طرابلس على الميليشيات المرتبطة بحركة الإخوان المسلمين"، كما أشار مركز صوفان، وهو مؤسسة بحثية مستقلة للأمن العالمي، في مذكرة في وقت سابق من هذا الشهر. "

وأضاف، "على النقيض من ذلك، انخرطت تركيا في حركات إقليمية متأثرة بجماعة الإخوان المسلمين وتنظر إلى حفتر كشخصية يمينية مكرسة للحد من نفوذ أنقرة الإقليمي. من جانبها، ترى روسيا سيطرة حفتر على معظم حقول النفط الليبية كأداة في المنافسة العالمية لموسكو مع الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين، الذين يدعمون جميعا أوكرانيا".

وقال ثارور، إن الجغرافيا السياسية المتشابكة تخفي إحباط العديد من الليبيين الذين يريدون ببساطة درجة من الاستقرار السياسي.



وقال مستشار سابق للحكومة الليبية، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته: "إذا سألت أي ليبي عادي، فسيقول إننا بحاجة إلى حكومة واحدة، ونحتاج إلى انتخابات".

ولكنه أضاف أن أصحاب النفوذ في البلاد غير مهتمين بمثل هذه النتيجة. وقال المسؤول السابق: "لماذا يريد حفتر حكومة واحدة؟ يمكنه الآن طباعة النقود كما يحلو له، وتهريب النفط".

وقد يكون الافتقار إلى الاهتمام الغربي هنا خطيرا، وخاصة في الوقت الذي قد تمارس فيه القوى الأجنبية بعض الضغوط على الفصائل الليبية للانضمام إلى الصف بحسب ثارور.

كما كتب طارق المجريسي من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "قد يكون الدبلوماسيون مشغولين بمنع الحروب الأخرى في أوكرانيا وغزة من التحول إلى صراعات إقليمية وحشية. ولكن إذا كانوا مشغولين للغاية بحيث لا يغتنمون هذه الفرصة القصيرة، فقد ينتهي بهم الأمر إلى حكومة ثالثة قبل فترة طويلة".

مقالات مشابهة

  • خبير بـ«ميد أور» الإيطالية: استمرار أزمة المركزي تهدد خطر  زعزعة الاستقرار في ليبيا 
  • WP: أزمة إدارة المصرف المركزي قد تدفع ليبيا إلى الفوضى مجددا
  • الصغير: هنالك خلافات في مشاورات أزمة مصرف ليبيا المركزي
  • أزمة إدارة المصرف المركزي قد تدفع ليبيا إلى الفوضى مجددا
  • الكبير: أكثر من 30 مؤسسة كبرى أوقفت جميع التعاملات مع مصرف ليبيا المركزي
  • الصديق الكبير لرويترز: مصرف ليبيا المركزي معزول عن النظام المالي الدولي
  • الصديق الكبير: مصرف ليبيا لا يزال معزولاً عن البنوك الأجنبية
  • الأمم المتحدة تكشف آخر تطورات أزمة مصرف ليبيا المركزي
  • تقدم في المحادثات بين الفصائل الليبية لنزع فتيل أزمة مصرف ليبيا
  • دومة: تدخلات خارجية وعقبات دولية تعرقل حل أزمة مصرف ليبيا المركزي والانتخابات