عادل الباز: مقايضة الخرطوم بالفاشر!!
تاريخ النشر: 31st, August 2024 GMT
1 في حديثه الأخير مع مجموعة من الصحفيين ببورتسودان، استوقفتني جملة للرئيس البرهان قال فيها إنهم رفضوا (مقايضة الخرطوم بالفاشر.)!! ياترى ما الفكرة ومن هم الذين طرحوها؟ ولماذا ومتى، كل تلك الاسئلة اجاباتها غائبة عني، فطفقت اسأل الذين حضروا ذلك اللقاء من الصحفيين إن كانت هناك تفاصيل أخرى أو معلومات لم تنشر بعد اللقاء حول موضوع المقايضة تلك.
الحقيقة أن هذا الموضوع لم يتم التطرق له نهائياً في الميديا أو تنشر معلومة عنه أو تصريح في أي من الوسائط الإعلامية وقد أرهقني البحث، كما لم يرد على لسان أي متحدث من المتحدثين الأغبياء بتاعين الدعم السريع ولا متحدثي تقدم الذين لا يقدمون أية معلومات مفيدة ويرددون بـ(ببغاوية) كل ترهات متحدثي الجنجويد. سألت مقربين من الدعم السريع فعرفت أنهم لم يسمعوا بالموضوع..لم تبق جهة لم اتصل بها سوى الرئيس البرهان نفسه، وبما أن طريقي غير سالك مع الرئيس فضلت أن اذهب لتحليل تصريحاته حول الموضوع محاولة مني لفهم أعمق لموضوع المقايضة هذا.
2
ترى من الذى طرح مقايضة الخرطوم بالفاشر؟ من الواضح أن هذا الموضوع طرح من جهة ما في غرف مغلقة أو محادثات سرية أو عبر وسطاء، والجهة الوحيدة التي يمكن أن تطرح مثل تلك الفكرة هى متمردو الدعم السريع. لماذا.؟ لأن هذا المقترح من مصلحتهم ويخرجهم من مأزق الحرب كلها ويحققون مكاسب شتى إذا ما قُدر لهذا المقترح أن يجد سبيلاً للنفاذ…كيف؟.
مثلاً إذا وافقت الحكومة على فكرة المقايضة وهي تقوم على أن يُخلي متمردي الجنجويد الخرطوم ويغادرون لدارفور بكامل عتادهم، أي أن تستحوذ المليشيات على دارفور بينما يسيطر الجيش على باقي السودان ويعني ذلك أن الحكومة قبلت بتقسيم البلاد وبانفصال دارفور وتسليمها للمليشيات، وهذا يمثل الآن أقصى أماني المليشيا، دولة على نموذج دولة حفتر (بنغازي/ الفاشر) ولا يشترط الاعتراف بها ولكن العالم سيتعامل معها كذلك، كما تعامل مع حفتر وأرض الصومال، ريثما تستعيد المليشيات وحلفائها توازنهم فينهضون مجدداً لإكمال مخطط ابتلاع السودان كاملاً.
إذا حدثت تلك المقايضة إلى جانب الدولة الحفترية تكون المليشيا حققت عدة أهداف.
أولاً: احتفظت بقوتها وسلاحها إضافة لاستحواذ على إقليم كامل في حجم فرنسا مما يمهد لقيام دولة العطاوة المنتظرة.
ثانياً: مجرد الموافقة على هذه الفكرة سيحدث شرخ بين الجيش وحلفائه من الحركات المسلحة الذين سيتهمون الجيش أنه تخلى عنهم وتركهم لضباع الجنجويد الذين لن يتوانى في إبادتهم بدارفور كما فعلوا ويفعلون الآن.
ثالثاً: بفعل تلك المقايضة تكون المليشيات قد سيطرت على كامل دارفور وشكلت تهديداً مباشراً للولايات الشمالية، إذ سيصبح الطريق مفتوحاً من الدبة إلى الفاشر، وحين تحين اللحظة المناسبة ينقضون على الولاية الشمالية بكاملها، بالطبع لن يتذكروا اتفاقهم ولا مقايضتهم.. لأن خيانتهم بلا سقف ولا أخلاق.
رابعاً: سيسيطرون على كل مناجم الذهب، من جبل عامر إلى جبال سنقو، غير الثروات والمعادن الأخرى التي تكتظ بها دارفور. وحينها يفتحون دارفور لحلفائهم لنهبها بالكامل. حين تحتكر الثروات وتتدفق على آل دقلو، تنفتح شهيتهم لابتلاع دول أخرى في الإقليم أولها دولة كاكا المتصدعة أصلاً واحتمال العبور للنيجر، وأصلاً أفريقيا الوسطى في مرمى نيرانهم، هنا تحقق أحلام تأسيس إمبراطورية العطاوة الكبرى بقيادة آل دقلوا ، ولما لا .. المقاتلون من عرب الشتات المرتزقة متوفرون بكثرة وكذلك الأموال المنهوبة، كذلك خزائن الحلفاء النهمين لنهب ثروات الشعوب، وكل ذلك سيتم تحت عين وحراسة وتغطية المجتمع الدولي المتستر أصلاً، بل المتماهي مع جرائم الجنجويد.
3
رفض السودان لتلك الفكرة وعرض المقايضة الغبية طبيعي، لأن السودان لا يكسب شيئاً وراء تلك المغامرة، بل يخسر كل شيء من الأرض، للحلفاء، للثروات، وأهم من هذا كله أن تلك الفكرة لن توقف الحرب بل ستزيدها ضراوة. ولكن هذا العرض في حد ذاته (المقايضة) يعطيك فكرة عن المدى الذي وصلت إليه أزمة الجنجويد في الحرب. فبعد فشل الانقلاب بالسيطرة على البلاد وكذلك فشلت الحرب في تحقيق هدف السيطرة، جاء عرض التقسيم (المقايضة)، وبعد الادعاءات بالسيطرة على 80% من البلاد (الأمر الذي فنده د. مزمل أبو القاسم) يكتفون الآن بدارفور وغداً قد يكتفون بمعبر (أدري).. ومن يدري!!.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
خارطة طريق نحو استقرار السودان بعد تحرير الخرطوم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بعد أن نجح الجيش السوداني في استعادة الخرطوم، بدا وكأن صفحة جديدة تُفتح في تاريخ البلاد، لكنها ليست صفحة بيضاء تمامًا، إذ ما زالت السطور مليئة بالتحديات والمخاوف من اضطرابات قد تعرقل مسيرة الاستقرار. فالنصر العسكري، مهما كان عظيمًا، لا يضمن وحدة تحقيق السلام، بل يظل نجاح المرحلة القادمة مرهونًا برؤية واضحة وإرادة سياسية قادرة على بناء دولة متماسكة. وهنا يبرز السؤال الأهم: كيف يرى الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان مستقبل السودان؟ وهل تكون هذه المرحلة بداية لشراكة حقيقية بين المكون العسكري والمدني، أم أن الصراعات ستواصل فرض الفوضى؟.
البرهان، الذي قاد الجيش خلال واحدة من أعقد الفترات في تاريخ السودان، يدرك أن المعركة لم تنتهِ بعد. ففي تصريحات سابقة له شدد على أن إعادة إعمار السودان تتطلب تضافر الجهود الوطنية والإقليمية والدولية، مؤكدًا أن الاستقرار لن يتحقق إلا بإقامة دولة مدنية قوية قادرة على استيعاب الجميع. لكن تحقيق هذه الرؤية يظل مرتبطًا بمدى قدرة الجيش والقوى المدنية على تجاوز صراعات الماضي والبحث عن أرضية مشتركة تمهد لبناء سودان جديد.
وليس خافيًا أن تجربة السودان مع الشراكة بين المكونين العسكري والمدني لم تكن سلسة في السابق، فقد شهدت البلاد انتكاسات سياسية عدة بسبب غياب الثقة والصراع على السلطة. ومع ذلك، فإن الظروف الحالية قد تدفع الجميع إلى إعادة التفكير في شكل العلاقة بين الطرفين، فالحكم العسكري وحده لن يجلب الاستقرار، كما أن القوى المدنية لا تستطيع قيادة البلاد في ظل غياب مؤسسة أمنية قوية. هذه المعادلة تجعل من التوافق بين الطرفين ضرورة وليس خيارًا، إذ أن أي محاولة لإقصاء طرف على حساب الآخر لن تؤدي إلا إلى إعادة إنتاج الأزمة من جديد.
ورغم استعادة الجيش السيطرة على الخرطوم، فإن مناطق أخرى لا تزال تشكل بؤرًا قابلة للاشتعال، مما يجعل الاستقرار الشامل تحديًا معقدًا. فإقليم دارفور، الذي شهد لعقود نزاعات دامية، لا يزال مسرحًا للتوترات العرقية والصراعات المسلحة، خاصة في مدن مثل الجنينة ونيالا. أما جنوب كردفان والنيل الأزرق، فتعانيان من توترات بين الحكومة والحركات المسلحة، مدفوعةً بالتهميش السياسي والاقتصادي. وحتى شرق السودان، رغم هدوئه النسبي، يظل عرضة لاضطرابات قبلية وتنافس على الموارد قد يهدد استقراره في أي لحظة.
إن مواجهة هذه التحديات تتطلب حلولًا تتجاوز المقاربة الأمنية التقليدية، فالسودان بحاجة إلى رؤية تنموية شاملة تضمن توزيعًا عادلًا للثروة، وإصلاحات جذرية في القطاع الأمني تضمن إعادة هيكلة القوات المسلحة ودمج الفصائل العسكرية في جيش وطني موحد. كما أن إطلاق حوار وطني يجمع كل المكونات السياسية والقبلية بات ضرورة لا غنى عنها لصياغة رؤية وطنية متكاملة. وبينما تبدو المصالحة الوطنية خيارًا صعبًا في ظل تراكمات الماضي، فإن تجاهلها قد يؤدي إلى إعادة إنتاج النزاعات بشكل أكثر تعقيدًا.
ورغم كل التعقيدات، فإن السودان اليوم أمام فرصة قد لا تتكرر، فإما أن يكون تحرير الخرطوم خطوة أولى نحو بناء دولة مستقرة تتجاوز أزمات الماضي، أو تظل البلاد عالقة في دوامة الصراعات التي عطّلت تقدمها لعقود.
وبينما لا تزال التحديات قائمة، يبقى الأمل معلقًا على قدرة السودانيين، مدنيين وعسكريين، على تجاوز خلافاتهم والعمل معًا من أجل مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.
رغم أن تحرير الخرطوم كان خطوة كبيرة نحو استعادة الدولة، إلا أن أول اختبار حقيقي سيواجه البرهان هو التعامل مع الوضع في إقليم دارفور، الذي لا يزال يعاني من توترات عرقية وصراعات مسلحة معقدة. فالإقليم، الذي كان ساحةً رئيسية لمعارك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يشهد اليوم تناميًا في المطالبات بالانفصال، مدفوعةً بالشعور بالتهميش والدمار الواسع الذي خلفته الحرب، وإذا لم تتحرك الحكومة سريعًا لمعالجة هذه الأزمة عبر حلول تنموية وسياسية حقيقية، فقد تجد نفسها أمام سيناريو شبيه بما حدث في جنوب السودان، حيث قاد التهميش والإقصاء في النهاية إلى الانفصال. على البرهان أن يدرك أن الحسم العسكري وحده لن يكون كافيًا، بل يجب أن يكون هناك مسار سياسي واضح يدمج دارفور في مستقبل السودان بطريقة عادلة ومستدامة.
وفي ظل هذه التحديات، يبقى السؤال المطروح هل انتهت ميليشيات الدعم السريع تمامًا، أم أنها لا تزال قادرة على تهديد مستقبل السودان؟ رغم الضربات القوية التي تلقتها هذه القوات خلال الحرب، وتفكك بنيتها القيادية، إلا أن خطرها لم يختفِ تمامًا، إذ لا تزال بعض وحداتها منتشرة في جيوب داخل دارفور والمناطق الحدودية، حيث قد تعيد ترتيب صفوفها أو تلجأ إلى حرب العصابات لإطالة أمد الصراع. كما أن أي دعم خارجي محتمل أو تحالفات جديدة قد يمنحها فرصة للعودة إلى المشهد، مما يعني أن الجيش السوداني لا يزال بحاجة إلى استراتيجية طويلة الأمد للقضاء على أي تهديد محتمل، سواء عبر الحلول العسكرية أو تفكيك البيئة الحاضنة لها سياسيًا واقتصاديًا.