ذكرى وفاة أديب نوبل.. كيف دافع نجيب محفوظ عن اتهامه بالإساءة للرموز الدينية
تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT
«أولاد حارتنا» هي واحدة من أهم روايات الأديب العالمي نجيب محفوظ، وقد أحدثت ضجة واسعة عند صدورها بسبب ما اعتبره البعض إهانة للرموز الدينية، وفي ذكرى وفاته، نستعرض دفاع الأديب عن روايته الشهيرة، التي كانت من بين الأسباب التي أدت إلى حصوله على جائزة نوبل في الأدب.
أولاد حارتنابعد حصول الأديب العالمي على جائزة نوبل عام 1988، أجرى معه الإعلامي جمال الشاعر، لقاء تليفزيوني عبر شاشة التليفزيون المصري، وتطرق «محفوظ» في حديثه عن رواية أولاد حارتنا، والتي وجهت له عدة اتهامات كان أبرزها الإساءة للرموز الدينية.
ودافع نجيب محفوظ عن روايته قائلًا: «اتهدم العمل من أوله لآخره بسبب خطأ في القراءة، الأدب الرمزي له طريقة في القراءة، لازم وأنت بتقرأ الرمز تعتبره الرمز فقط مش المرموز له، الغلط جه من هنا، وبعدين حتى لو الرموز في الرواية الناس بتعتقد أنهم بيعادلوا صورة الأنبياء، نبص الرموز دي عملت إيه في الحارة، كل واحد عمل ثورة للخير».
الإنجاز اللغوي والأثر الذي يتركه الأديب في أدبه، من أهم متطلبات الحصول على «نوبل» في الأدب، وخلال اللقاء نفسه كشف الأديب العالمي عن الأعمال التي كانت وراء حصوله على الجائزة وتحققت بها هذه الشروط، وهي:
- الثلاثية الشهيرة، والتي تتكون من 3 قصص أدبية وهم: بين القصرين، قصر الشوق والسكرية.
- رواية ثرثرة فوق النيل
- رواية دنيا الله
- رواية أولاد حارتنا، وحسبما ذكر «محفوظ» أن المسئولون عن الجائزة، أكدوا أن هذه الرواية تدل على بحث الإنسان الدائم للقيم الروحية ليس على القيم المادية، ولولا هذا الأمر لما كان حصل على الجائزة.
رحل نجيب محفوظ عن الدنيا، في الـ30 من أغسطس عام 2006، عن عمر ناهز الـ95 عامًا بعد رحلة فنية وأدبية طويلة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: نجيب محفوظ الأديب العالمي جائزة نوبل أولاد حارتنا أولاد حارتنا نجیب محفوظ
إقرأ أيضاً:
نكهة اللبان
كان مازن يبحث عن كتابٍ يؤنسه في رحلته المقبلة إلى صلالة. لا يريد شيئًا عابرًا يقضي به الطريق الطويل في حافلة المسافرين من مسقط إلى ظفار، بل رفيقًا يعيد إليه الشغف الأول بالقراءة؛ كتابًا يفتح له بابًا إلى عوالم لا تُرى، كما فعل زقاق المدقّ يومًا، حين سحره نجيب محفوظ بكلماته الأولى:
«الإنسان إذ يفقد جوهرة الحب اللامعة لا يتصور أنه سيسعد بالعثور عليها مرةً أخرى.»
أو كما حدث حين سمع مظفّر النواب يصدح في المنفى:
«أنتَ كما الإسفنجة، تمتصّ الحانات ولا تسكر»
كان يبحث عن ذلك الرجف الخفيّ، عن قشعريرة البداية. لا شيء أقلّ من ذلك.
لكن، ويا للأسف، حتى في أوسع مكتبات المدينة، لم يجد ضالّته. تصفّح الجديد والقديم، العربي والمترجَم، الشعر والرواية، ومع ذلك بقي الشعور بالظمأ كما هو. كأن كل ما هو مطروح قد مرّ بروحه من قبل، فلم يعد شيءٌ يدهشه.
سأل نفسه: أهو الملل؟ فقدان الشغف؟ أبلغ به الركود الروحي هذا الحد؟
أم أن من قرأ المعرّي، وطه حسين، وحنّا مينه، ولوركا، وماركيز، وبلزاك... لم يعد شيءٌ يُدهشه؟
ترى، هل يخدعه الأدب من جديد؟
وماذا عن الشراع والعاصفة؟
هل كانت عظيمة فعلًا أم مجرد بوابة لذاكرته الناشئة، حين كان كلُّ كتابٍ اكتشافًا للذات؟
قرأ عن البحر والصحراء، عن الزمن المفقود والعشّاق التائهين، عن الجبال وسكّانها، عن كلّ شيءٍ تقريبًا... لكنه شعر أن معين الأدب قد نضب، أو أن الدهشة فرّت منه، ولم تعد تعرف الطريق إليه.
ساعةٌ ونصف الساعة قضاها بين أرفف الشعر والرواية وكتب الرحلات والمذكّرات والسيّر، وذلك النوع من الكتب الذي يسميه صديقه الناقد «الأدب النخبوي».
قال له يومًا:
«يا لها من تسميةٍ متغطرسة! أنتم، يا صديقي، تُشبهون علماء تصنيف النبات... و يا للعجب، لا تزال الطماطم من الفواكه، والتفاح ثمرة كاذبة!»
فكّر: من أين خرجت تلك الأقلام التي كتبت لنا الأدب العظيم؟
أليسوا أبناء الحقول والحارات والمقاهي الشعبية؟
ظلّ يقلب العناوين، متجنبًا رفوف التنمية البشرية و«الأكثر مبيعًا».
حتى الأدباء الذين أحبّهم - جبران، توفيق الحكيم، منيف - لم يعودوا يشعلون فيه شرارة الدهشة.
راودته فكرة: ماذا لو جرّب نوعًا جديدًا من الكتب؟ شيئًا لم يقرأه من قبل؟
ربما يجد فيه نكهة لم يألفها.
وفي زاوية معزولة من المكتبة، استوقفه غلافٌ أسود، تتوسّطه دوّامة حمراء كأنّها ثقبٌ زمني. ذكّرته بمسلسلٍ قديم: آلة الزمن.
كانوا يديرون العجلة ويهبطون في أعماق التاريخ. بسيط، لكنه طافح بالدهشة.
مدّ يده والتقط الكتاب.
لا اسم للمؤلف، لا عنوان.
شعر للحظة أن الدوّامة تتحرك بين يديه، كأنها تنبض... كأنها تتنفس.
اضطرب قلبه قليلًا، وأحسّ بانجذابٍ غريب، يشبه ذلك الذي شعر به حين قرأ أول قصة أفزعته، أو أول رواية غيّرت شيئًا في نظرته للعالم.
على الغلاف الخلفي، عبارةٌ واحدة:
«اقرأ بقلبك، تجد المتعة والدهشة.»
كم سمعها! وكم خذلته!
لكن شيئًا ما، دفينًا وعصيًّا على التفسير، دفعه ليفتح الكتاب.
لا مقدّمة، لا إهداء، لا فصول.
فقط دوّامات - بيضاء وسوداء وحمراء - واحدة في كل صفحة، تدور ببطء، ثم تتسارع كلما أطال النظر.
همّ بإعادته إلى مكانه... لكنه لم يستطع.
تسمّرت عيناه على الصفحة الأولى، وفي مركز الدوّامة، دائرة بيضاء، تنبض هي الأخرى.
وحين حدّق فيها، لم يرَ رسومات أو كلمات.
رأى ومضات من طفولته انبثقت كوميض برق:
بيت الطفولة.
رائحة البحر في مطرح.
يد أبيه المنمّشة.
ملامح أمّه الوادعة وهي تحكي له عن سندباد البحّار.
وصوتٌ قديم يهمس في أذنه:
«في البدء كانت الحكاية...»
قلب الصفحة.
كلماتٌ قليلة، كأنها تخرج من تلافيف الذاكرة:
«كان يا ما كان...»
«أيها السائل عن وطني، إنه الكلمات...»
«من يبدّد هذا الظلام؟ من يشعل جمرة المعنى؟»
«كلّما ازددتُ معرفة، ازددتُ وجعًا.»
ثم صُوَّر متقطعة:
ظلّ امرأة.
طفلٌ يلوّح لمركبٍ يغادر.
شجرة ليمون.
جدار طينيّ كُتبت عليه ذكريات وأحرف عربية.
ملعب ترابيّ في الحارة.
ثم سمع تهويدة أمّه:
«لومية يا لومية
مزروعة في الشمال
وعروقها في مسقط
ومظللة على عُمان...»
ثم - فجأة - انتهى كلّ شيء.
لا يدري كم مضى من الوقت.
الصفحات التالية كانت فارغة، والسابقة كذلك.
كأنّ ما رآه لم يكن موجودًا أصلًا، أو أن هذا الكتاب - بطريقة ما - قد نفض التراب عن كل ما سقط في بئر الذاكرة.
تنهد، وأعاد الكتاب إلى الرفّ المعزول.
لعلّ من سبقه تركه هناك عمدًا، كما سيفعل هو الآن.
لعلّه، مثله، أراد لغيره أن يقع في الدهشة.
وما زال مازن بحاجة إلى كتابٍ للرحلة.
مشى بين الأرفف بلا هدف، حتى قادته قدماه إلى قسم المجموعات القصصية.
لم يحبّها من قبل، لكنه بحاجة إلى شيء مختلف: أعمال قصيرة، مكثّفة، وقد تشدُّ القارئ - وهذا ما يحتاجه الآن.
سحب أول كتاب من الرف.
العنوان: العابرون فوق شظاياهم
الكاتب: عبد العزيز الفارسي
قلب الصفحات سريعًا، وقعت عيناه على هذه الجملة:
«وتختفين يا نكهة اللبان..»
استوقفته القصة، أجبرته على قلب الصفحة التالية، فقرأ:
«يا أيها القلب المدجج بالخواء: وطني المسافات التي نفت الغريب إلى أقاصي العاصفة»
أحس بقشعريرة خفيفة.
ابتسم، وهمس لنفسه:
ها قد عاد ذلك الرجف القديم.
سعد السامرائي قاص عراقي