ليس حقيقياً أن مصر الفرعونية قد ماتت.. أو لم يتبق منها إلا أكوام مكدسة على أرفف المتاحف والمخازن كما يقول المفكر والكاتب جمال حمدان فى كتابه الأشهر شخصية مصر.. فقد فات حمدان أن تلك الحضارة العظيمة التى أبهرت آثارها العالم.. بناها وأسسها المصريون فى حضرة ملوك وقادة عظام.. عرفوا قيمة أرضهم وقدرات شعبهم.
فما غفل عنه جمال حمدان.. أنه رغم مرور آلاف السنين.. وآلاف الكوارث والانحدارات.. ورغم تغير الحكام وتتابع عصور الاحتلال.. إلا أن شيئاً ما بقى لم يتغير.. وهو الجين المصرى.. تلك القوة الخفية.. التى تظهر فجأة بين حين وآخر.. لتبهر العالم.. وتذكر الجميع بأن شعباً عظيماً يسكن هذا الوادى مهما دارت عليه الدوائر.. وعبقرية مصر الحقيقية تكمن فى شعبها.. تكمن فى ارتباطه بأرضه.. وقدرته على النهوض من الموت وليس المرض فحسب.. تكمن فى صلابته وقدرته على تحقيق المعجزات.. لكن للأسف هذه العبقرية.. معدن نفيس.. لا يظهر إلا بعد الكثير والكثير من الصهر والاحتراق.. فلابد أن يتحقق الشرط التاريخى لنراها.. وهو أن يوقن أعداؤها بأنها قد ماتت تماماً.. وأن أمر شعبها قد انتهى للأبد، ولم يعد موضع خشية.. هنا فقط تتحرك تلك الروح أو القوة الكامنة.. لتصدم وتفاجئ وتبهر العالم.
فقد ييأس المصريون.. قد يكفرون بحضارتهم والطاقة التى تمنحها لهم أرضهم.. حتى يظنون كباقى الأمم أن أمر مصر قد انتهى للأبد.. فتكون الصحوة مفاجئة للجميع حتى للمصريين أنفسهم.. ولك أن تتخيل أنك ولدت وقد احتل الهكسوس وطنك.. وسمعت عن موت آبائك وأجدادك فى محاولات وصفت باليائسة فى مواجهة ذلك الاحتلال.. تخيل أنك تعيش فى اضمحلال واحتلال مر عليه أكثر من ١٠٠ عام.. وقد انتشر الهكسوس وخدمهم كالسرطان فى كل شبر وركن من أرضك.. هل كنت حينها تؤمن بمقدم أحمس.. هل كنت تحلم بإبادة ذلك المحتل وقطع سيرته ونسله من على سطح الأرض وإلى الأبد.. لكنه حدث.. ماذا لو حدثتك وسط يأسك حينها عن مقدم حفيده تحتمس الثالث ليبنى إمبراطورية العلم والنور والمعرفة والسلام لجميع البشر.. تخيل أنك تغرق فى بعدك العربى.. ولا وجود لمصر التى نعرفها ويهابها الجميع.. وجاء طوفان التتار ليقتلع كل ما يقف فى وجهه.. هل كنت تتخيل أن ينتفض أبناء تلك الارض البسطاء الفقراء المقهورين من وسط الركام والموات لينقذوا العالم بعربه وعجمه من ذلك الطوفان النارى.. تلك هى مصر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: لوجه الله روح مصر مصر الفرعونية
إقرأ أيضاً:
الإعلام بين التنوير والتضليل
مع بداية كل عام جديد، تتنافس بعض البرامج الفضائية على جذب المشاهدين عبر استضافة المنجمين والفلكيين الذين يقدمون توقعاتهم لما سيحدث فى العام المقبل، وعلى الرغم من أن هذا النوع من المحتوى يحقق نسب مشاهدة مرتفعة، إلا أنه يثير جدلاً واسعًا فى الأوساط الدينية والثقافية، خاصة مع الهجوم الواضح الذى يشنه علماء الأزهر على مثل هذه الممارسات التى تتنافى مع تعاليم الدين الإسلامى.
لقد أكد علماء الأزهر مرارًا أن التنجيم ليس علمًا، بل خرافة مبنية على استغلال عقول الناس واهتمامهم بمعرفة المستقبل، وهو أمر محرم شرعًا ، والعبارة الشهيرة «كذب المنجمون ولو صدقوا» أصبحت شعارًا يتردد فى كل مرة يظهر فيها هؤلاء على الشاشات، حيث يشدد الأزهر على أن علم الغيب هو من اختصاص الله وحده، ولا يمكن لأى إنسان، مهما كانت ادعاءاته، أن يعرف ما سيحدث فى المستقبل.
ما يثير الاستغراب هو إصرار بعض الإعلاميين على تقديم هذا النوع من المحتوى، رغم أن الرسالة الإعلامية يجب أن تكون مسئولة وتهدف إلى تثقيف وتنوير المشاهدين، وليس تضليلهم.. هذه البرامج بدلًا من التركيز على تقديم محتوى هادف يُثرى العقول ويشجع على التفكير العلمي، أصبحت وسيلة لإثارة الفضول وزيادة نسب المشاهدة على حساب وعى الجمهور.
إن استضافة المنجمين والفلكيين لا تقتصر على تقديم توقعات شخصية أو عامة فحسب، بل تتعداها أحيانًا إلى استغلال الأزمات الاجتماعية والسياسية لزيادة تأثيرهم، فهم يقدمون وعودًا براقة أو تحذيرات مخيفة، مما قد يؤثر على نفسية الجمهور، خاصة فى أوقات الأزمات.
الإعلام باعتباره أحد أهم أدوات تشكيل الرأى العام، يجب أن يتحمل مسئوليته تجاه المجتمع فبدلاً من استضافة المنجمين، يمكن توجيه الجهود إلى استضافة خبراء حقيقيين فى مجالات العلوم والاجتماع والاقتصاد لمناقشة التحديات الحقيقية التى تواجه الناس وكيفية الاستعداد لها بطرق علمية وعملية.
ومما لا شك فيه يجب أن تكون هناك ضوابط واضحة تمنع استغلال الشاشات لنشر الخرافات، خاصة تلك التى تتعارض مع القيم الدينية والثقافية للمجتمع، كما يجب تعزيز وعى المشاهدين بخطورة الانسياق وراء هذه الادعاءات التى تفتقر إلى أى دليل علمي.
وفى النهاية.. الإعلام ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو شريك فى بناء وعى المجتمع ،وإذا اختار الإعلاميون التركيز على التفاهات والخرافات بدلاً من تقديم الحقائق، فإنهم يسهمون فى تجهيل الجمهور بدلاً من تثقيفه.
ولذلك دائما ما اؤكد ان المستقبل لا يُعرف بالتنجيم، بل بالعمل والعلم والإيمان تحية لقرار الأستاذ أحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، وقراره المحترم بمنع استضافة العرافين والمنجمين.