في خطوة جديدة نحو المضي في طريقها للوصول إلى الحياد الصفري الكربوني بحلول 2050، أعلنت سلطنة عُمان ممثلة بهيئة البيئة خلال الأسبوع الماضي عن الانتهاء من إعداد المسوّدة النهائية للإطار السياسي العام لتسجيل وإصدار شهادات خفض الكربون وفقًا للبند السادس من اتفاقية باريس، ويعزز هذا الإطار مسار سلطنة عُمان نحو مستقبل خالٍ من الانبعاثات الكربونية، كما تحمل هذه الخطوة أهمية في دعم التكامل ما بين الاستدامة البيئية والمالية الاقتصادية، حيث تسعى سلطنة عُمان من خلال هذا الإطار إلى أن تصبح مركزا بارزا لتجارة الكربون في الشرق الأوسط، وتواكب بذلك الاهتمام العالمي المتزايد بأسواق الكربون الطوعية مما يعزز جهود الحياد الصفري والتزامات سلطنة عمان الدولية ضمن "اتفاقية باريس" التي دعت الاقتصادات العالمية عبر السياسات والتشريعات وإعادة تشكيل النماذج الاقتصادية لخفض الانبعاثات واحتواء ظاهرة الاحترار العالمي.

ضمن سعيها للمساهمة بدور كبير في جهود العالم لاحتواء تبعات التغير المناخي، انضمت سلطنة عمان لاتفاقية باريس بعد التصديق على الاتفاقية بموجب المرسوم السلطاني رقم 28/ 2019، وتعمل الاتفاقية على تعزيز الخطط الوطنية بشكل متزايد لمعالجة تغير المناخ من خلال تقرير المساهمات المحددة وطنيا، ومن بين المساهمات التي تحددها كل دولة أن يتخذ كل بلد إجراءات تهدف إلى الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وبناء القدرة على التكيف مع آثار ارتفاع درجة حرارة المناخ. ويأتي إعداد الإطار السياسي التزاما من سلطنة عمان بمساهماتها المحددة وطنيًا في اتفاقية باريس واهتمامها بالمشاركة في التعاون الدولي الطوعي لسوق الكربون، وقدمت سلطنة عمان الإصدار الأول للمساهمات المحددة وطنيا في عام 2015 وتعهدت بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بين عامي 2020 و2030، وكجزء من الإصدار الثاني لمساهمات سلطنة عمان المحددة وطنيا، والمقدمة في يوليو من عام 2021 قامت السلطنة بوضع خطط محددة لتحقيق هذا الهدف وفقا لمستهدفات الاستدامة في رؤية «عُمان 2040»، كما توجت سلطنة عُمان جهودها نحو الحد من التغيرات المناخية بإقرار استراتيجيتها الوطنية للوصول للحياد الصفري بحلول عام 2050، واستراتيجيتها الوطنية للطاقة لتقليل انبعاثات الكربون من قطاع الطاقة وتعزيز الانتقال التدريجي إلى اقتصاد منخفض الكربون بهدف تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 7 بالمائة بحلول عام 2030.

ما هي أسواق الكربون وما الفرص التي توفرها وتجعلها سوقا مستهدفة؟

يرتبط الاهتمام بأسواق الكربون بجهود تعزيز الاستدامة البيئية وإمكانية تحقيق عائدات من خلال إدارة أرصدة الكربون في نفس الوقت، وهناك أنواع عديدة من أسواق الكربون وسياسات عديدة تتبعها الدول، ويتم من خلالها إدارة خفض الكربون وفقا لأنظمة وتوجهات الدول ومتطلباتها التنموية، فهناك دول تتبنى سياسة التسعير الإجباري للكربون، والذي يحدد سعرا للانبعاثات يتم دفعه من خلال ضرائب محددة تلتزم بها الشركات التي تسبب انبعاثات مرتفعة أو يكون عليها أن تقوم بتقليص الانبعاثات أو حجم نشاطها، أما أسواق الكربون الطوعية فهي تمثل توجها متزايدا من قبل العديد من الدول، ويعتمد إنشاء هذه السوق الطوعية على إصدار شهادات معتمدة تحدد مستويات الانبعاثات الكربونية للشركات والكيانات المختلفة، ومع تباين معدلات الانبعاثات، ينشأ العرض على أرصدة الكربون من خلال وجود رصيد كربون أقل من الشركات أو الجهات ذات الانبعاثات المنخفضة، كما ينشأ الطلب من الجهات ذات مستويات الانبعاثات الكبيرة، وباستخدام الشهادات المعتمدة لأرصدة الكربون يتم إدراج حجم الأرصدة في سجلات، ويمكن تبادل الأرصدة وبيعها وشرائها بين الجميع، وهو ما يكوّن أسواق الكربون الطوعية.

وأشار تقرير "حالة واتجاهات تسعير الكربون 2024" الذي أصدره البنك الدولي هذا العام إلى أن إيرادات تسعير الكربون في عام 2023 سجلت رقماً قياسياً قدره 104 مليارات دولار. وقد تم تفعيل 75 أداة لتسعير الكربون على مستوى العالم. وتم استخدام أكثر من نصف حصيلة الإيرادات لتمويل البرامج المرتبطة بالمناخ والطبيعة.

كما أوضح التقرير أن نظم التجارة في الانبعاثات -التي يشار إليها أحيانا بنظم السقوف والمبادلات أو أسواق الكربون- تتضمن وضع حد أقصى لمجموع الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، وتسمح للصناعات ذات الانبعاثات المنخفضة ببيع مخصصاتها الزائدة لجهات أكبر من حيث التسبب في الانبعاثات.

ويشير البنك الدولي إلى أنه مع زيادة عدد الشركات التي تتبنى أهداف الانبعاثات الصفرية من المتوقع أن يرتفع الطلب على تبادل أرصدة الكربون بشكل كبير في السنوات المقبلة. وتشهد منطقة الشرق الأوسط نموا متزايدا لأسواق الكربون الطوعية، وإنشاء شركات استثمار متخصصة في تداول بيع وشراء أرصدة الكربون من خلال أسواق فورية أو منصات إلكترونية لتداول أرصدة الكربون وفق العرض والطلب، ويتيح التقدم في تنفيذ خطة الحياد الصفري لسلطنة عمان الاستحواذ على حصة جيدة من أسواق الكربون الإقليمية، حيث تستهدف سلطنة عمان القيام بخفض متواصل في انبعاثات الكربون من خلال التوسع في المصادر المتجددة للطاقة، مثل: الهيدروجين الأخضر ومحطات إنتاج الطاقة المتجددة، وزيادة استخدام الطاقة النظيفة في مختلف القطاعات لخفض الانبعاثات من كافة القطاعات المستهدفة. وسيكون النجاح في خفض الكربون وتشجيع عدد متزايد من الشركات على تبني أهداف الاستدامة البيئية أساسا جيدا لتجارة الكربون.

وتملك سوق الكربون الطوعية إمكانيات للنمو لأنها يمكن أن تشمل عديدا من القطاعات، فهي لا تقتصر فقط على الشركات العاملة في الأنشطة التقليدية، مثل: النفط والصناعة، لكن تبادل أرصدة الكربون يمتد أيضا لقطاعات، مثل: الزراعة والحراجة والغابات، والتي تمثل إحدى الركائز المهمة لمكافحة التغير المناخي، وقد رصدت دراسة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" عمل العديد من المشروعات الحرجية على تحسين جاذبيتها المالية ونجاح بعضها في الحصول على استثمارات أكبر عن طريق بيع أرصدتها من الكربون.

ومن هنا تأتي أهمية التوسّع في مشروعات، مثل: زراعة الأشجار وحماية المحميات الطبيعية، كما يشكّل بيع أرصدة الكربون مصدر تمويل للمشروعات التي لا يمكن تنفيذها بسبب قلة التمويل، حيث يمكن استخدام العائدات في التوسع في مشروعات حرجية تعزز المحافظة على البيئة. ويشير التقرير إلى أن الاستثمار في المشروعات الحرجية له دور مهم في إزالة الكربون من الغلاف الجوي مع تحقيق عائدات مالية للمستثمرين، ولهذا شهدت السنوات الأخيرة إنشاء صناديق متخصصة في هذا المجال.

ويرصد التقرير أن عائد بيع أرصدة الكربون الطوعية كان نحو 400 مليون دولار أمريكي في الفترة 2019-2017 من خلال 105 ملايين (مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون) من أرصدة الكربون المخصصة للحراجة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: انبعاثات الکربون أرصدة الکربون سلطنة عمان الکربون من من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

«مجموعة عمران» تبرز مكانة سلطنة عُمان كوجهة سياحية وفنية في أسبوع التصميم

«عمان»: واصلت مجموعة عمران تنظيم «أسبوع عمان للتصميم» في يومه الثاني، حيث انطلقت أعماله مساء أمس، تحت رعاية صاحب السمو السيد مروان بن تركي آل سعيد، محافظ ظفار، بالتعاون مع الجمعية العُمانية للتصميم، بهدف تعزيز مكانة سلطنة عُمان كوجهة فنية وثقافية عالمية، إضافة إلى إبراز دور الإبداع والتصميم في إثراء التجربة السياحية وتعزيز الاستدامة البيئية من خلال دمج الإبداع في مختلف جوانب الحياة.

ويُعد «أسبوع عُمان للتصميم» منصة متميزة لعرض التفاعل بين التصميم المعاصر والتراث العماني، حيث تجمع الفعالية بين الأصالة والحداثة في تجربة فنية واحدة، وتوفر فضاءً للإبداع المحلي والدولي عبر معرض يضم مجموعة من الأعمال التي تعكس رؤية عُمان المتجددة والمستدامة.

ويتضمن الحدث -الذي يستمر حتى 25 يناير مشاركة أكثر من 40 فنانًا ومصممًا محليًا ودوليًا، يشاركون بـ 10 أعمال فنية من مختلف التخصصات، بما في ذلك منحوتات ضخمة، وتصاميم مبتكرة، وتطبيقات فنية تعتمد على استخدام المواد المعاد تدويرها. كما يتضمن الحدث 3 ورش عمل تفاعلية، تهدف إلى تعزيز قدرات الشباب العماني وتشجيعهم على الانخراط في مجالات التصميم والفن.

وفي هذا الإطار، قالت صاحبة السمو السيدة ميان بنت شهاب آل سعيد، رئيسة مجلس إدارة الجمعية العُمانية للتصميم: «يتميز أسبوع عُمان للتصميم» في نسخته الأولى بمشاركة نخبة من المصممين والفنانين بدعم المؤسسات والشركاء من القطاعين الحكومي والخاص مما يجسد روح التعاون في دعم منظومة الإبداع في عُمان، التي نلامسها من خلال الحس الإبداعي العماني المترسخ في التصاميم المعمارية والتناغم المبدع بين مختلف أنشطة التصميم والثقافة والفنون في سلطنة عُمان». وأضافت: «يأتي هذا الأسبوع كخطوة رائدة تعزز دور الجمعية العمانية للتصميم مع شركائها في تمكين الكفاءات الشبابية وتعزيز المحتوى المحلي وإبراز المواهب الثقافية والإبداعية، بما يرسخ مكانة السلطنة كمركز حيوي للفنون والتصميم على مستوى المنطقة والعالم. نطمح إلى استمرار هذه الجهود وتنميتها، بما يحقق رؤيتنا في رفد الاقتصاد الإبداعي وفتح آفاق جديدة للشباب العماني الطموح والمبدع».

من جانبه، قال الدكتور هاشل بن عبيد المحروقي، الرئيس التنفيذي لمجموعة عُمران: «نفخر في مجموعة عُمران بدعم واحتضان هذه المبادرة التي تعزز من إسهامات التصميم والفنون العمانية في القطاع السياحي. وتمثّل الفعالية خطوة مهمة في تحقيق رؤية مجموعة عُمران لتعزيز الثقافة والإبداع في السياحة العمانية، وتتماشى مع توجهاتنا لتقديم تجارب سياحية مبتكرة. يعد هذا الحدث بداية جديدة نحو تفعيل دور الإبداع، ونفخر بأن نكون جزءًا من هذا التوجه الذي يعكس رؤية وطنية طموحة تجمع بين الفنون والثقافة والاستدامة».

ويمتد هذا الحدث على مدى خمسة أيام، حافلة بالورش الفنية والمحاضرات التثقيفية، إلى جانب سوق المصممين الذي يعرض المواهب المحلية ويستعرض التوجهات المتنوعة في عالم التصميم، مما يسهم في إثراء التجربة الثقافية والسياحية للزوار والمشاركين على حد سواء.

مقالات مشابهة

  • سفير سلطنة عمان يكشف عن دور مصر الإيجابي بوقف الحرب على غزة
  • سفير سلطنة عمان يكشف عن دور مصر الإيجابي في وقف الحرب على غزة
  • سفير سلطنة عمان يشيد بدور مصر في وقف الحرب على غزة
  • حوكمة الموارد تحقق الاستغلال الأفضل للإنفاق الاستثماري والخدمي في سلطنة عمان
  • تحفة بريق عمان تسعى لدخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية
  • «مجموعة عمران» تبرز مكانة سلطنة عُمان كوجهة سياحية وفنية في أسبوع التصميم
  • دونالد ترامب من نجم هوليوودي إلى البيت الأبيض .. أبرز الأدوار التي ظهر فيها
  • منتدى الأعمال العماني السنغافوري يبحث التعاون التجاري والاقتصادي
  • الرقابة المالية تسمح بتشكيل مجموعة استشارية لدعم سوق الكربون المصرية
  • مكانة عُمان الدولية في "دافوس"