تناول تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، الانتخابات التشريعية القادمة في جورجيا، والتي سوف تجري في 26 تشرين الأول/ أكتوبر، القادم إذ يخشى الكثيرون فوز حزب "الحلم الجورجي" الحاكم، والذي يميل إلى تقوية العلاقات مع روسيا، وبالتالي القضاء على آمال ذلك البلد الصغير بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

وقالت الصحيفة في تقريرها، إن هناك انقسامات كبيرة في الرأي العام بشأن مستقبل البلاد، إذ يعتبر بعضهم أن حالة الصراع والخلاف مع موسكو قد أثرت بشكل كبير، وقد يمنع استمرارها عودة الأقاليم الانفصالية التي احتلتها روسيا في العام 2008.



ومع احتلال القوات الروسية لـ 20 بالمئة من أراضي البلاد، لا تقيم جورجيا من الناحية الفنية علاقات دبلوماسية مع روسيا، وذلك رغم أن الحدود لا تزال مفتوحة، بالإضافة إلى استمرار وصول الرحلات الجوية المباشرة التي تنزل آلاف السياح الروس كل يوم، وفقا للصحيفة.



ونقلت الصحيفة آراء بعض الجورجيين إذ تقول الصيدلانية، فاطمة بابياشفيلي، إنها تنوي التصويت لصالح حزب الحلم الجورجي الحاكم، بقيادة الملياردير بيدزينا إيفانشفيلي، والسبب الرئيسي، حسب كلامها "أنها تريد السلام مع روسيا الجارة بأي ثمن، وخاصة بعد مشاهدة الأهوال التي تتكشف في أوكرانيا".

وأضافت فاطمة، البالغة من العمر 65 عامًا، أنها تتفق مع الرسالة الرئيسية لإيفانشفيلي بأن "التصويت للمعارضة الموالية للغرب هو في الأساس تصويت لتجدد الصراع مع موسكو".

وقد تعهد حزب الحاكم في جورجيا، بحظر أكبر قوة معارضة في البلاد، المتمثلة في حزب "الحركة الوطنية المتحد"، إذا فازت في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

وكان ذلك الحزب المعارض قد أسسه ميخائيل ساكاشفيلي، الرئيس الجورجي السابق الذي سُجن لسنوات بتهمة إساءة استخدام السلطة، والذي تدهورت صحته في السجن، مما جعل العديد من منظمات حقوق الإنسان إلى إطلاق سراحه لأسباب طبية.

وقد تدهورت العلاقات بين تبليسي والغرب بعد أن أقر البرلمان الجورجي مشروع قانون "العملاء الأجانب" المثير للجدل، والذي فجر أسابيع من الاحتجاجات من جانب معارضين زاعمين إنه سيقيد حرية الإعلام، ويعرض فرص البالد في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي للخطر.

ويجبر القانون المنظمات غير الحكومية والمنصات الإعلامية التي تتلقى خمس تمويلها على الأقل من الخارج تسجيل نفسها على أنها "منظمات تسعى لتحقيق مصالح قوى خارجية".

وسبق ان حذرت بروكسل من أن تلك الخطوة سوف تخرج مساعي الدولة المطلة على البحر الأسود بشأن لانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عن مسارها، في حين فرضت واشنطن عقوبات عبر اتخاذ إجراءات لحظر التأشيرات وفرض عقوبات على أفراد على خلفية ذلك القانون، بالإضافة إلى درس فرض قيود على التعاون الدفاعي القائم منذ فترة طويلة.

وتابعت الصحيفة، "إدراكا لابتعاد جورجيا عن الغرب، لم يذكر إعلان قمة حلف شمال الأطلسي السنوي الشهر الماضي آفاق عضوية البلاد، وهو أول إغفال من هذا القبيل منذ عام 2008".

الغرب لم يقدم لنا شيء
من جانبه أوضح، نيكولوز سامخارادزي، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان والقيادي البارز في حزب الحلم الجورجي الحاكم، أن حكومة بلاده، التي رفضت فرض عقوبات اقتصادية على روسيا أو مساعدة أوكرانيا بالأسلحة، لابد أن تكون حذرة في علاقاتها مع الكرملين كمسألة تتعلق بالبقاء الوطني.

وزعم سامخارادزي أن الولايات المتحدة وحلفاءها لم يفعلوا أي شيء تقريبا في الحروب السابقة ضد روسيا لمساعدة بلاده، حيث قوات الاحتلال الروسية حاليا على بعد 500 متر فقط من الطريق السريع الرئيسي الذي يربط تبليسي بساحل البحر الأسود.

وقال سامخارادزي في تصريحات للصحيفة، "أستطيع أن أقول لكم بكل صراحة ووضوح، إننا خائفون من روسيا... تخيلوا سيناريو حيث يقوم الروس بتشغيل محرك مركبة مدرعة - وليس حتى دبابة - ووضعها على هذا الطريق السريع. ماذا نفعل كدولة؟ إذا أطلقنا النار، فهذه حرب مع روسيا. وإذا لم تطلق النار، فنحن لست دولة". 

وتابع، "لقد تعلمنا دروسنا، ونعلم أنه إذا اندلعت حرب أخرى بين روسيا وجورجيا، فسوف نكون وحدنا مرة أخرى".

وأما ماكا بوتشوريشفيلي، عضوة حزب الحلم الجورجي البارزة ورئيسة لجنة تكامل الاتحاد الأوروبي في البرلمان، فاعتبرت أن الاتهامات الغربية أن جورجيا تقف إلى جانب روسيا في الحرب في أوكرانيا غير مبررة.

وأردفت: "لم تتراجع جورجيا قط عن دعم أوكرانيا على الساحة الدولية.. ولكن أي نوع من العقوبات تستطيع جورجيا فرضه على روسيا للتأثير على روسيا؟.. أنه صفر تأثير".

وزادت: "لا نستطيع التأثير على الاقتصاد الروسي، ولكنهم يستطيعون التأثير على الاقتصاد الجورجي بشدة، ويمكنهم التأثير على الأمن الجورجي بشدة".


وفي المقابل، فإنه وبالنسبة للمعارضة الجورجية المجزأة، فإن إقالة الحكومة لن تكون بالمهمة السهلة، إذ أن رئيسة جورجيا سالومي زورابشفيلي، التي تتمتع بسلطات محدودة بموجب الدستور الجديد والتي حاولت وفشلت في منع قانون العملاء الأجانب، تحاول الآن التنسيق بين أحزاب المعارضة المختلفة. 

وبموجب قانون الانتخابات الجورجي، يتعين على أي حزب أو تحالف أحزاب أن يتجاوز عتبة 5 بالمئة للدخول البرلمان.



وقالت رئيسة حزب، الحركة الوطنية المتحدة، تينا بوكوتشافا أن: "أن توحيد كل قوى المعارضة المؤيدة للغرب هو مطلب عام في هذه المرحلة، وعلينا أن نرتقي إلى مستوى التحدي".

واعتبرت أن زعيم حزب الحلم الجورجي يسعى إلى أن يجعل من الانتخابات القادمة استفتاء للاختيار بين روسيا أو أوروبا، على حد قولها.

من جانبها، أكدت وزيرة الدفاع السابقة، تينا خيداشيلي، والتي ترأس منظمة "الفكرة المدنية" غير الحكومية، أن البلاد تواجه خطرًا قويًا يتمثل في أن تصبح دكتاتورية وتدور في فلك روسيا إذا فاز حزب الحلم الانتخابات.

وختمت بالقول: "سنفعل كل شيء حتى لا يحدث ذلك. كل شيء حرفيًا. مهما كان الأمر لاستعادة هذه البلاد. لن ينهي بيدزينا (إيفانيشفيلي) تاريخ هذه البلاد كدولة مستقلة. إنه أمر مستحيل".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية جورجيا روسيا الغرب روسيا الغرب الناتو جورجيا صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الاتحاد الأوروبی مع روسیا

إقرأ أيضاً:

كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!

••هل تنهض المجتمعات لخصائص ثقافية متأصلة فيها أم يعود الأمر لسبب آخر؟ إن هذا السؤال يحتل موقعاً مركزياً في البحوث الاجتماعية المعاصرة، ويراد به فحص الجدل الدائر حول أسباب النهضة والتقدم الاجتماعي، ولعل طرحه يعود لفترة أقدم حين اطمئن علماء الأنثروبولوجيا إلى فرضية علاقة القيم الثقافية بقضية النهضة في الحياة الاجتماعية من مناحيها كافة، فالبعض منهم وضع شرطاً أساسياً لتركيز عمليات النهضة، وهو تحصيل التعليم وبناء المؤسسات، ولكن أكبر انعطافة هددت وثوقيات الاجتماعيين حول دور القيم الثقافية واعتبارها المرتكز الأساس في نهضة الشعوب، كانت على يد جاك غودي (توفي 2015م) الأنثربولوجي الإنجليزي والمحاضر الأشهر في جامعة كمبريدج، وغودي ومنذ الستينيات حين أصدر كتابه «محو الأمية في المجتمعات التقليدية «1968م» استطاع هدم الأساس الذي تقوم عليه المركزية الأوروبية ابتداءً من عصر النهضة وحتى الآن، وهي فرضة تشدد على أن ثمة خصائص «أوروبية بالطبع» موروثة من الحضارات اليونانية واللاتينية ثم من الأديان يهودية ومسيحية كلها هي التي مكَّنت لهذا الغرب من إنجاز عمليات النهضة، وما أعاق هذه العمليات في المجتمعات الأخرى هو فقدانها هذه الخبرة الثقافية المستندة إلى العقلانية والتي تنتشي فيها روحانية الشرق، وبذا فإن العالم الغربي تقدم لأنه صنع تاريخاً علمياً تسنده قيم ثقافية مكتسبة من سياق معرفي خاص، هو سياق الذات الغربية من اليونان وحتى عصر التنوير لينتج نهضةً ثقافية شاملة، أما غودي فإنه يقف على النقيض من ذلك تماماً، ويرى أن هذه السردية معرضة دائماً إلى التزوير وطغيان الأنا أكثر منها حقيقة اجتماعية، ليقول في تحليله أن تقدم جزء من العالم في الوقت الذي يتزامن معه ركود في أجزاء أخرى لا يعود إلى الخصائص الثقافية المتأصلة في طرف وغائبة في آخر، بل إن مسألة التقدم خاضعة وباستمرار لديناميكيات يمكنها أن تتوفر وفق عمليات مستمرة من التحديث الذاتي.

•وغودي نشر في العام 2007م كتابه «سرقة التاريخ» وهو بيان متماسك عن الكيفية التي استطاعت بها أوروبا أن تنسب لنفسها تراثاً علمياً لا يخصها بالدرجة الأولى، بل الأمر يشبه «السرقة» وأنها بموجب هذا التراث المركب بعنف التدوين بنت عليه قيماً إنسانية، قالت أنها أوروبية، أوروبية فقط، ويشير غودي إلى أن هذه المركزية أجبرت بقية العالم على ارتداء أقنعة تفكير لا تبصر معالم للتقدم إلا من وجهة نظر غربية في الأساس، واستمراراً في مشروعه صدر كتابه «الشرق في الغرب» والذي يعد نظرية في فضح الإدعاء الغربي بامتلاك العالم وصناعته بل وصياغة قيمه بشكل أحادي ومطلق، وقد صدر هذا الكتاب في نسخته العربية بترجمة محمد الخولي، والحقيقة أنه لا عذر لمن يشتغلون في المسألة الاجتماعية متخصصون ومهتمون من الإطلاع عليه ودراسته ونقده، وذلك للفائدة العظمى، ليس فقط كونه يفضح عمليات التنهيب التي مارستها أوروبا على العالم، وكيف صنعت أقانيم خالدة تحط من قدر كل ما هو غير أوروبي، بل الفائدة الأكبر تعود إلى كونه منجز محكم التأسيس قوي الحجة، ولدقة أحكامه فإنه يطرح التساؤل حول، متى أصبح الأوروبيون على وعي بتفوقهم بالنسبة إلى سائر الأمم؟» وفي إجابته عن هذا السؤال يقدم لنا مادة تحليلية عميقة وذات تكوين متسق يفسر بها بعض المقولات التي صنعت هذا التمايز، بل ويقوم بتفكيكها بشكل منهجي عظيم. ويستمر الرجل في هدم التصورات الأوروبية حول مركزية الغرب ضد الشرق، ويرى أن حضارات أوروبا وآسيا نشأتا من أصل واحد، بل ويرى في منجزات الفكر السياسي الأوروبي المرتبط بتطور ظاهرته الاجتماعية كونها استندت على ترسانة فكرية هي أسس عمليات التطور الاقتصادي، فإنه يرى من ضمن مقولاته الهادمة لخديعة الغرب بأن الديموقراطية ليست صناعة غربية، فهو يرى أنه إذا كان القرن الخامس عشر هو بدايات هيمنة أوروبا على العالم، وهي هيمنة أفصحت عن نفسها بمقولة رئيسة وهي أن الشرق المتخلف يحتاج إلى النهضة، والتي لن تتم إلا على يد الغرب، فإن وسم الشرق بالتخلف لا يعدو إلا عملية احتيال ممتازة العرض، فالصين ظلت البلد الأقوى في صناعة البارود منذ زمن بعيد، وهي الصناعة التي مكنت لأوروبا التوسع وغزو العالم، ولولا البارود الصيني لما استطاعت القيام بهذا الكم من عمليات الغزو لعدد من البلدان، وهو هنا يشتبه بقوة في رواية التقدم الغربية تلك التي صنعت لنفسها مساراً خطياً يبدأ من بترارك «فرانشيسكو، أحد أعمدة التفكير الإنساني في عصر النهضة» وحتى ديكارت صاحب نظرية الشك وقواعد المنهج، ويرى الأمر مجرد خدعة، فكونها «أوروبا» اعتمدت في نهضتها على بناء أسطوريتها القومية، هي تلك التي استعادت اليوناني وأدمجته في ذاتها الاجتماعية لتقول بثبات عمليات النسب الحضاري فيها، والرجل محق فالأمر ليس إبداعاً أوروبياً فالحقيقة أن عمليات استثمار الماضي هي دينامية مستقرة في أي بناء اجتماعي متحرك.

•لقد تركز نقد غودي على «عصر النهضة» أو بالأدق على الجانب المظلم في هذه السردية، وأن الأمر ليس كما تعرضه المركزية الغربية وهي تبشر بحداثتها إبان عصر التنوير، وأنه لا صحة لهذه السردية القائلة بتواصل عمليات الانتقال الحضاري منذ اليونان وحتى إيطاليا النهضة، بل يرى أنها فترات عاشت فيها الذات الحضارية الأوروبية انقطاعاتها الكبرى، فسقوط الإمبراطورية الرومانية، وبدأ اعتناق شعوبها المسيحية، ثم ظهور عهد الإقطاع وما تلاه من تطور في الاقتصاد السياسي فإنه لا يمكن والحال كذلك أن نطمئن لوجود منظومة قيم ثقافية هي سبيل لأوروبا للحصول على التفوق الحضاري دون غيرها من الأمم..

•إن جملة المناقشات حول الغرب والشرق ظلت خامدة ودون تأثير إلى أن قام جاك غودي وبفضل قدراته استخدام مناهج التحليل التاريخية والتجريبية والمقارنة في علم الاجتماع من فتح مسارات جديدة لفهم هذه العلاقة، نعم هو يريد الذات الغربية محل للدرس، وليس الآخر، فالآخر يظل انعكاس لعمليات التحليل عنده، ولذا فإن سجالات النهضة العربية لن تفلح في بناء حقائقها دون الوقوف الجاد على جدل النهضة والتقدم في الكتابة الغربية، وغودي هو أحد أهم الأمثلة المنتجة لفهم جديد في سياق علاقات الغرب والشرق، بل إن حتى الفضاء السياسي الذي يصر على احتقاب نظرة متعالية ضد كل ما هو شرق، وبالتالي عربي هو الآخر فضاء يقوم على بنية معرفية أهم ملامحها الخديعة بوجود تفوق وامتياز غربي مطلق كونه عقلاني النزعة، ضد تخبط وتراجع مستمر لشرق عاطفي التوجه، والدعوة هنا أن نبنى فضاءً تداولياً بين المعرفي في الغرب والشرق، لا أن نكتفي بالصدى دون فهم حقيقي لجذور الوعي الغربي، حينها فقط ستكون أشغالنا مستقلة وليست مجرد ردود أفعال مكتومة.

غسان علي عثمان كاتب سوداني

مقالات مشابهة

  • القضاء يمدد عقوبة سجن رئيس جورجيا السابق ميخائيل ساكاشفيلي إلى 12 سنة ونصف
  • الحلم اللي مكملش .. طبيبان في الجنة يوم فرحهما
  • السقوط الحتمي
  • هل تصبح الهواتف المحمولة شيئا من الماضي؟.. زوكربيرغ يتوقع هيمنة النظارات الذكية على العالم الرقمي
  • المسيحية الصهيونية.. كيف تحولت إلى أداة سياسية؟
  • بعد نجاح العملية الجراحية له : فاعلي خير يقدموا (مليون وثلاثمائة وخمسون ألف ريال يمني) لأسرة الطفل ”ياسر مكحل“
  • الإفتاء: ترك المرأة الصلاة والصوم برمضان لهذا السبب لا ينقص من أجرها شيئا
  • الفياض يحسم الجدل: العراق لم يتلقَ شيئا رسميًا من أمريكا بخصوص الحشد
  • كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!
  • قاصر غادرت منزل والديها ولم تعد... هل من يعرف عنها شيئاً؟