قبل 4 أعوام تُوفي الدكتور أبو بكر عبد المنعم رمضان، الأستاذ المتفرغ بقسم المواقع والبيئة بهيئة "الرقابة النووية الإشعاعية" في مصر، أثناء حضوره ورشة عمل تنظمها الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول التلوث البحري في المغرب.

وقبل أن يتم إعلان أسباب الوفاة، التي تبين لاحقا أنها جاءت نتيجة أزمة قلبية، استبقت وسائل التواصل الاجتماعي أي تحقيقات، وتم تبني رواية أن هناك مَن يقف خلف اغتيال عالم نووي مصري في المغرب، ليتم وصف الرجل الذي تخرج في كلية الزراعة، والذي كانت أبحاثه ذات طبيعة بيئية، بأوصاف أبعد ما تكون عن قدراته وإنجازاته العلمية.

وتكرر الشيء ذاته قبل أيام، مع وفاة الباحثة المصرية الشابة ريم حامد بفرنسا، ليتم أيضا تحميل الحدث أكثر مما يطيق، وتطفو نظرية المؤامرة على السطح، ليذهب محللو وسائل التواصل إلى أن حامد قد اغتيلت، على الرغم من أنها تعمل في مجال بحثي شائع وهو"البايوتكنولوجي"، وهي تفسيرات على ما يبدو جاءت متأثرة برواية اغتيال العالمة المصرية الشابة سميرة موسى بأميركا في خمسينيات القرن الماضي.

وحملت تلك الرواية الكثير من التفاصيل التي يُجمع خبراء، تحدثوا للجزيرة نت، على أنها خلت من الحقائق، وتكاد تكون الحقيقة الواحدة، مقابل سيل من المبالغات، هو أن سميرة موسى تُوفيت، لكن كل ما يحيط بأسباب الوفاة وملابساتها، بل وحتى مسار الباحثة العلمي، لا يعدو أن يكون "مبالغات" لا أساس لها من الصحة.

المبالغة الأكبر هي تلك التي تتحدث عن أن من أسباب اغتيالها نجاحها في تحويل عناصر رخيصة مثل النحاس لعناصر مشعة (ويكيبيديا) مبالغة "أول معيدة"

ووُلدت سميرة موسى في محافظة الغربية (إحدى محافظات دلتا النيل في مصر) في 3 مارس/آذار 1917، وفقدت والدتها وهي طفلة صغيرة بسبب السرطان، وانتقلت بعد وفاة والدتها إلى القاهرة مع والدها، حيث نشأت ودرست في المدرسة الابتدائية والثانوية.

وعلى الرغم من تحقيقها درجات عالية جدا في التعليم الثانوي، كانت تسمح لها بدراسة الهندسة، فإنها أصرت على الانضمام لكلية العلوم بجامعة القاهرة.

وتخرجت بدرجة البكالوريوس عام 1939 مع مرتبة الشرف الأولى، ليؤهلها ذلك للانضمام إلى أعضاء هيئة التدريس في وظيفة معيدة، ليتردد في هذا الإطار عند استعراض سيرتها الذاتية، أنها أول معيدة في تاريخ كلية العلوم بالجامعة، وهذه معلومة خاطئة، كما يصفها د. ماهر القاضي، الأستاذ المساعد في قسم الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة كاليفورنيا-لوس أنجلوس الأميركية في تصريحات للجزيرة نت.

والقاضي مدرس مساعد سابق في قسم الكيمياء بجامعة القاهرة، وناشط مهم في مجال تتبع تاريخ الجامعة بالاستعانة بمصادر عربية وأجنبية، وهو ما جعله يجزم بأن موسى لم تكن أول معيدة.

وسبق ونشر على صفحته بموقع "فيسبوك" صورة يعود تاريخها إلى 1931، أي قبل 8 سنوات على تخرج موسى في الكلية، وكانت تضم أعضاء هيئة التدريس بقسم الكيمياء، وبينهم الدكتورة زينب كامل حسن، التي تم وصفها في الصورة بأنها أول معيدة في تاريخ كلية العلوم.

وليست هذه هي المبالغة الوحيدة، بل إن المبالغة الأكبر هي تلك التي تتحدث عن أن نجاحها في تحويل عناصر رخيصة مثل النحاس إلى عناصر مشعة، كان من بين الأسباب التي وضعهتا في بؤرة الاهتمام، ودفعت إلى اغتيالها.

ويقول متعجبا "من أين جاؤوا بهذا الكلام الذي لا يوجد له أي أساس علمي، والذي لم يتحقق إلى الآن رغم التطور العلمي الرهيب؟".

ولا يبخس القاضي العالمة الراحلة حقها في أنها كانت صاحبة اهتمام علمي مبكر بتوظيف الفيزياء النووية في العلاجات الطبية، لكنه أشار في الوقت ذاته، ووفق ما هو منشور من أبحاث، إلى أنها لم تصل إلى اختراقات تجعلها في بؤرة الاهتمام العالمي.

ولا يريد القاضي نفي أو تأكيد اغتيالها، مضيفا أنه "في ظل تصاعد الصراع العربي الإسرائيلي في فترة الخمسينيات، قد يكون التخوف المبالغ فيه من عمل مصرية في الأبحاث النووية، قد دفع إلى اغتيالها، لكن لا توجد حقائق دامغة تؤكد هذا الاغتيال، كما أن إنتاجها العلمي لا يحمل اختراقات توجد مبررا للقيام بذلك".

صورة من رسالة الدكتوراه التي نالتها د. سميرة موسى من جامعة لندن عام 1948 (جامعة لندن) صناعة صورة نمطية

ولا يرى عالم الفيزياء النووية والمستشار العلمي بشركة "هاليبرتون" علي عبده، هو الآخر، أي اختراقات لافتة في الإنتاج العلمي للدكتورة سميرة موسى، مشيرا إلى أن ظروف وفاتها الغامضة فتحت الباب لسيل من المبالغات، وهو نفسه ما حدث مع أستاذها الدكتور مصطفى علي مشرفة.

ويقول للجزيرة نت "الدكتور مشرفة والدكتورة سميرة موسى كان لهما شأن كبير في العلم، لكنهما في الوقت نفسه لم يصلا لاختراقات مهمة، مثلما يردد عامة الناس، الذين وقعوا أسرى دعايا الحقبة الناصرية التي كانت تقوم بتضخيم كل شيء، لإظهار أن تلك الحقبة مستهدفة".

ومثلما ذهب القاضي، لا يملك عبده حقائق تنفي أو تؤكد اغتيال سميرة موسى، لكنه يؤكد أن العقل المصري أميل إلى تصديق الاغتيال لوقوعه أثيرا لصورة نمطية نجح الإعلام والدراما في تصديرها، بدليل أن شقيق الدكتور مشرفة نشر كتابا نفى فيه اغتيال شقيقه، وأكد وفاته في ظروف طبيعية، ومع ذلك يصر الكثيرون على تصديق رواية الاغتيال.

ويوضح أنه "باستثناء حادثة اغتيال الدكتور يحيى المشد في فرنسا، المثبته كواقعة اغتيال لدوره في البرنامج النووي العراقي، لا يوجد في تقديري عالم مصري توصل لاختراقات تدفع لاغتياله".

ويضيف "سميرة موسى عندما تُوفيت كانت قد أنهت الدكتوراه قبلها بفترة قصيرة، ولم يمهلها القدر وقتا لإظهار أي اختراقات، فالباحث في مرحلة الدكتوراه يتعلّم طريقة التفكير السليم، وتكون الإنجازات دوما بعد الدكتوراه".

يحيى المشد (ويكيبيديا) قراءة في الإنتاج والمسيرة

ويتبيّن بشكل واضح ما ذهب إليه القاضي وعبده، من خلال القراءة التحليلية للمسيرة العلمية والإنتاج العلمي للدكتورة سميرة موسى، والذي خص به الدكتور عبد الناصر توفيق، رئيس المركز المصري للفيزياء النظرية، موقع "الجزيرة نت".

وبدأت سميرة موسى مسيرتها في الدراسات العليا بعد التخرج في كلية العلوم جامعة القاهرة عام 1939، حيث قدمت في 1942 للجامعة نفسها رسالتها للحصول على درجة الماجستير في العلوم، والتي كان موضوعها "الحمل أو التوصيل الحراري للغازات"، ثم أرسلتها جامعة القاهرة في بعثة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة لندن، وعام 1948 أنهت رسالة الدكتوراه وكانت بعنوان "دراسة التأين بواسطة إشعاعات الجهد العالي داخل غرف التأين ومدى اعتماده على مواد العزل، وكذلك البحث في طريقة ممكنة لقياس جودة الإشعاعات"، وبعد 3 أو 4 أعوام، أي في ﻋﺎم‬ 1951 حصلت على ﻣﻨﺤﺔ‬ دراﺳﻴﺔ‬ من‬ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ‬ ﻓﻮﻟﺒﺮاﻳﺖ الأميركي.‬

ويقول توفيق "يبين هذا المسار اﻷكاديمي بوضوح أنها حصلت علي درجة الدكتوراه خلال 10 أعوام من تخرجها، وهي بهذا تتشابه مع معظم الباحثين في التخصص ذاته، ويمكن بسهولة تصنيف الموضوعات العلمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه ضمن التيار التقليدي للأبحاث الفيزيائية التجريبية في نهايات النصف الأول من القرن العشرين".

ويستطرد "وحتي في هذا الإطار الفيزيائي التجريبي، يبدو أنها وظّفت التجهيزات المعدة سلفا ولم تُدْخِل عليها تصاميم تجريبية مبتكرة، وظهر ذلك أيضا عند تفسيرها للنتائج التجريبية، ويتضح ذلك جليا في متن رسالتها للدكتوراه، حيث اعتمدت حصرا على نظريات ونماذج وضعها علماء آخرون، وهذا التقييم لا يقلل استحقاق التنويه والإشادة، لكنه يوضح أيضا أن إنتاجها العلمي يستأنس بالممارسات التقليدية في أبحاث علمية مشابهة، ولا يوجد ما يؤشر على أنه حاد عنها".

وينتقل توفيق من مرحلة الدكتوراه إلى ما بعدها بـ4 أعوام حيث نشرت في تلك الفترة 4 أبحاث هي:

ورقة بحثية في عام 1949، بالمشاركة مع " س. و. واتسون"، نُشرت في دورية "ذا بريتش جورنال أوف راديولوجي"، وكانت مستقاة من رسالة الدكتوراه. ورقة بحثية في عام 1950، بالإشتراك مع المؤلف السابق، وفي الدورية نفسها، وهو بحث مشابه للبحث السابق. ورقة بحثية في عام 1951، نُشرت في المجلة المصرية "وقائع الجمعية المصرية للرياضيات والفيزياء"، وكانت تدور في نفس إطار البحثين السابقين. تطورت الموضوعات العلمية قليلا عام 1952، ونشرت بحثا في دورية "النيوكليونيات" بعنوان "مقارنة جرعات الهواء والأنسجة لأشعة جاما الراديوم"، وكان ذلك بمشاركة كل من مايكل تيربوجوسيان ووليام إيتنار.

ويقول توفيق "لا يحتاج الأمر لجهد كبير لتأكيد التقييم السابق بأن المسار البحثي مضى على المنوال ذاته، سواء قبل أو بعد حصولها على درجة الدكتوراه في عام 1948".

أمنيات بعيدة عن الواقع

ومع أن اهتمامات موسى كانت محددة، كما كشف استعراض توفيق لرسالة الدكتوراه وأبحاث ما بعد الدكتوراه، فإن المواقع الإلكترونية، سواء غير موثوقة المصدر أو التابعة لمؤسسات رسمية، تزخر بتقييمات مفرطة، ويبدو أنها أقرب للأمنيات منها لواقع الأمر.

ويقول توفيق "مثلا ليس في المنشورات والأبحاث العلمية للدكتورة سميرة موسى ما يُعطي أي جهة الحق بإدعاء قدرتها على تحويل العناصر الخاملة لعناصر مشعة، وهذا الادعاء أقرب إلى العلوم المزيفة منها للفيزياء أو الكيمياء، حيث لا توجد معادلة سحرية تصف هذا التحول".

ويضيف أنه "لا توجد في منشوراتها العلمية أيه محاولة لاشتقاق أية معادلة رياضية، ولعل طبيعة تخصصها التجريبي لا تستلزم ذلك، وأيضا تجدر الإشارة إلى أنه لم يحدث، حتى بعد مرور ما يزيد عن 7 عقود من التطورات العلمية المذهلة، أن توصل أحدهم لمثل هذه المعادلة".

أما عن الاهتمامات الأخرى، التي ارتبطت باسم الدكتورة موسى مثل توظيف الفيزياء النووية في العلاجات الطبية أو في تحقيق السلام، فقد كانت كل هذه الأفكار ترددها حركة علمية مجتمعية عالمية ظهرت مباشرة بعد تفجير مدينتي هيروشيما ونجازاكي بقنبلتين نوويتين أميركيتين خلال الحرب العالمية الثانية، وقادها أبرز العلماء والفلاسفة والرؤساء حتى وصلنا للخطاب الشهير للرئيس أيزنهاور في عام 1953، وبعد ذلك مساهمات ألبرت آينشتاين وبرتراند راسل في عام 1955.

ويقول توفيق "ما حدث أن الدكتورة سميرة موسى تبنت مثل هذه الأفكار مثلها مثل الكثيرين والكثيرات ممن عاصروها".

ويؤكد، بعد هذا الاستعراض المفصل، أنه "من المفيد التأكيد أن دورنا ليس نفي أن يكون الحادث المروري المأساوي الذي أدى لوفاتها مدبرا، ولا نريد تبرأة أو اتهام أحد، لكن يبدو الآن جليا أن الربط بين الحادث والقدرات العلمية الخارقة للضحية بحاجة لمبررات ليست موجودة في إنتاجها العلمي".

ويضيف "في المقابل يرى بعض الخبراء الأمنيين أن حديثها المتكرر وحماسها الشديد لامتلاك مصر أسلحة نووية، وبناء مختبرات نووية، ونقل التقنيات النووية لمصر، وما شابهها، والتي لم تكن ضمن تخصصها العلمي الأصيل، قد جلب لها المتاعب والتي وللأسف الشديد، أودت بحياتها".

الرحلة المجهولة إلى كاليفورنيا

وكما أُحيطت مسيرتها العلمية بسيل من المبالغات والشائعات، تكرر الشيء ذاته مع حادثة وفاتها الغامضة، كما تقول الباحثة الأرشيفية الجزائرية بهيجة عمر، والتي أجرت استقصاء حول ظروف وفاتها.

وتقول عمر للجزيرة نت "من الشائع أنها تُوفيت في كاليفورنيا، وهذا لم يحدث، فالوفاة حدثت في وسط أميركا قبل أن تصل إلى وجهتها".

ولم تعثر عمر في أوراق التحقيقات، التي اطلعت عليها من مصادرها الأرشيفية، ما يشير من قريب أو بعيد إلى سبب الرحلة التي قطعتها بالسيارة من سانت لويس قاصدة كاليفورنيا، وأنه لا توجد إشارة من قريب أو بعيد إلى أنها كانت متجهة لزيارة بعض المختبرات النووية في كاليفورنيا، كما هو شائع.

ومن الشائعات أيضا التي تحيط بالوفاة هو أن شاحنة صدمت سيارتها من الخلف، وهذا غير مثبت في الأوراق، والتي تشير إلى أن الوفاة وقعت بسبب حادثة مرورية عادية، تسببت في وفاة موسى التي كانت تجلس خلف سائق السيارة، الذي لم يقفز منها كما هو شائع، وشخص يجلس بجوار السائق، وكان هو المسؤول على ما يبدو عن اصطحاب موسى إلى وجهتها التي لم يعرفها أحد.

ورغم أن الوفاة مسجلة في أميركا أنها ناتجة عن حادث مروري عادي، فإن عمر تراها وفاة غامضة، لم يتم كشف طلاسمها، والحل يأتي في تقديرها بمعرفة الوجهة التي كانت تقصدها موسى.

وعلى ذلك، فإن الحقيقة الوحيدة في رواية اغتيالها، أنها تُوفيت، وكل ما تم نسجه حول الوفاة لا يعدو أن يكون مبالغات وشائعات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات جامعة القاهرة کلیة العلوم سمیرة موسى للجزیرة نت أول معیدة لا توجد ت وفیت فی عام إلى أن

إقرأ أيضاً:

تحقيق يتحدى رواية جيش الاحتلال حول قتل الناشطة التركية الأمريكية

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، تقريرا، أعدّه مريام بيرغر، ولافدي موريس، وميغ كيلي، وجاريت لي، وسفيان طه، قدّموا فيه أدلّة عن مقتل الناشطة الأمريكية- التركية، عائشة نور إيجي، في بلدة بيتا، قرب مدينة نابلس. 

وأوضح التقرير، الذي ترجمته "عربي21" أنه: "في الوقت الذي اعترف فيه الجيش الإسرائيلي بمقتلها وأنه لم يكن مقصودا، إلا أن تحليل أشرطة الفيديو وفحص شهادات المشاركين في الاحتجاج ضد التوسع الإستيطاني في جبل صبيح في البلدة تظهر أن حدّة المواجهات خفّت، وأن المشاركين كانوا يتراجعون إلى أسفل التلّة التي حدثت فيها الاحتجاجات". 

وبحسب الصحيفة، فإنه: "جاء في التقرير، أن الناشطة عائشة نور، 26 عاما أخبرت زملاءها الناشطين بأنها تأمل بأن  تكون: الحامية الحاضرة، للفلسطينيين، في وقت يتصاعد العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

وتقول هيلين، وهي متطوعة أسترالية، في الستينات من عمرها، وكانت مع إيجي طوال اليوم: "قرّرنا معا أننا لا نريد أن نكون قريبتين من الفعل أبدا". مردفة: "لم يحم الحذر إيجي، فقد أطلقت عليها رصاصة قاتلة يوم الجمعة، في قرية بيتا، بعد مناوشة قصيرة حدثت بعد صلاة الجمعة". 

واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء الماضي، أن إيجي أصابتها "على الأرجح، رصاصة أحد الجنود ولكن عن غير قصد". وفي بيانه بيّن "حصل الحادث أثناء شغب عنيف، واستهدفت النيران محرضا رئيسيا".
 
لكن صحيفة "واشنطن بوست" قامت بالتحقيق ووجدت أن إيجي قد قُتلت بعد أكثر من نصف ساعة من ذروة المواجهات، وبعد حوالي 20 دقيقة من ترك المحتجين الشارع الرئيسي الذي يقع على بعد 200 ياردة عن جيش الاحتلال الإسرائيلي. ولم يقل شاب فلسطيني كان على بعد 20 ياردة من إيجي، وأصيب إن كان هو المستهدف. 

إلى ذلك، أضاف التقرير، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، رفض الإجابة على أسئلة الصحيفة، ولماذا أطلق النيران على المحتجين الذين انسحبوا من المكان وكانوا بعيدين ولا يمثلون تهديدا ظاهرا. 

ومن أجل فهم ما حدث في ذلك اليوم، قامت صحيفة "واشنطن بوست" بمقابلة 13 شاهد عيّان، وسكان من بيتا، فيما اطّلعت على 50 لقطة فيديو وصورة، قدمتها  حصريا حركة التضامن العالمي مع فلسطين، وهي المنظمة التي تطوعت فيها إيجي مع "فزعة" وهي منظمة مناصرة فلسطينية. وقد تحدّث بعض الناشطين الأجانب بشرط الكشف عن هويتهم. 

واعتبر الرئيس الأمريكي، جو بايدن، عبر بيان، الأربعاء الماضي، أن "مقتل الناشطة غير مقبول بالمطلق"؛ بينما تقبّل الرئيس، الموقف الإسرائيلي، حيث قال إن "التحقيقات الإسرائيلية الأولية تُظهر أنه نتيجة لخطأ مأساوي نتيجة تصعيد لا داعي له". 


وفي الثلاثاء الماضي، دعا وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكن، قوات الأمن الإسرائيلي إلى إجراء "تغيير أساسي" في الطريقة التي يعمل فيها بالضفة الغربية، بما في ذلك قواعد الإشتباك. 

وتقول الصحيفة إنّ قواعد الإشتباك في الضفة الغربية سرّية، إلا أن الناشطين حاولوا ولسنوات الكشف عنها، مثل جويل كارمل، وهو مدير  مجموعة "كسر الصمت"، وهي منظمة مكونة من جنود سابقين عملوا الضفة الغربية وتقوم بجمع شهادات من الجنود السابقين والحاليين. 

إلى ذلك، قال كارمل، إن "الجنود والقادة الصغار لديهم صلاحية واسعة لفتح النار، بما في ذلك التكهن بخطر قادم من مشتبه بهم"، مضيفا أن "الشهود أخبروا المنظمة بأن إطلاق النار على أرجل "المحرضين الرئيسيين" مقبول لردع بقية المتظاهرين". 

ومنذ عام 2021 قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي، 15 فلسطينيا، في بيتا، حسب منظمة فزعة وهشام دويكات، المقيم بالمنطقة وعضو المجلس الوطني الفلسطيني. فيما أصيب في الشهر الماضي مواطنا أمريكيا آخر وهو معلم المدرسة دانيال سانتياغو، 32 عاما، حيث أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلية، النار عليه، في نفس بستان الزيتون الذي قتلت فيه إيجي. 

وقال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إن سانتياغو أصيب بجراح في رجله "عرضا" وأن الجنود "أطلقوا الرصاص في الهواء لتفريق المتظاهرين".

وبحسب الصحيفة، قتل الاحتلال الإسرائيلي، منذ بداية الحرب على غزة في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، 634 فلسطينيا، حسب أرقام الأمم المتحدة، وقتل معظمهم في المداهمات والتوغّلات الإسرائيلية المتزايدة، في مخيمات الضفة الغربية ومدنها. وقال سانتياغو: "يحدث هذا كل أسبوع، غاز مسيل للدموع ورصاص حي، وربّما كنت أنا أو آخرين". فيما بدأت رحلة إيجي، صباح الجمعة، حيث استأجرت إيجي وأربعة من المتطوعين، سيارة أجرة، من مدينة رام الله التي نقلتهم إلى مكان الاحتجاج في بيتا التي تبعد 30 ميلا.
 
ويحاول الفلسطينيون ومنذ عقود وقف التوسع الاستيطاني. وفي عام 2021 وبخرق للقانون الدولي قام مستوطنات بنصف بيوت مؤقتة وكرفانات في بؤرة استيطانية أطلقوا عليها إفيتار. وكانت هذه البؤرة واحدة من خمس بؤر استيطانية اعتبرتها الحكومة اليمينية المتطرفة في دولة الاحتلال الإسرائيلي شرعية، وكجزء من جهود وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وهو مستوطن تمكين الاستيطان في الضفة الغربية. 

وقال دويكات: "بدأ الجيش الإسرائيلي بالحضور للمنطقة أسبوعيا، وحاول منع صلاة الجمعة في أكثر من مرة؛ ويقومون بقمعنا بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص، لكن الناشطين لم يتوقفوا". بينما تقول الناشطة الأسترالية، هيلين التي عينت كمرافقة لها، إن "إيجي كانت تريد أن تكون شاهدة، وكانت هذه أول مظاهرة لهما الإثنين". 


وكان موقع صلاة الجمعة، وهو عبارة عن حديقة فيها أرجوحة وزلاقة على قمة تلة شديدة الانحدار، هادئا عندما وصل الناشطون الدوليون. لكن الجنود الإسرائيليين حصّنوا أنفسهم في المنطقة المحيطة بالمكان، حسب قول الناشطين والسكان. وحضر السكان مشيا وبالسيارات وبدأوا بالحديث مع المتطوعين قرب سياج الحديقة. 

وقال ناشط بريطاني، تحدّث مع إيجي وهما ينظران للجنود" أنا متوتر  لأن الجنود هناك". وكان الوقت بعد الساعة 12:30 عندما جلس الرجال في صفوف لصلاة الجمعة، وكانت إيجي جالسة على الجانب حيث رفعت يديها للصلاة، وتظهر أشرطة الفيديو التي التقطت اللحظة  مشهدا هادئا. 

وبعد نهاية الصلاة بحدود 1:05 ظهرا تغيير في المزاج، حسب شهود العيان ولقطات الفيديو. وركب الرجال الكبار في السن سياراتهم وغادروا أما الشباب والأطفال فقد أخذوا مواضعهم على الطريق الذي يقود للحديقة. 

وحسب المشاركين فيها، لا يعرف كيف بدأت المواجهة، ولكنها سارت على نفس الوتيرة التي تشهدها التظاهرات، جنود مدججين بالسلاح ومحتجون فلسطينيون. بينما تظهر الصور أن بعض المتظاهرين رموا حجارة باستخدام المقاليع بينما أحرق آخرون الإطارات على التل. وقال سكان وناشطون إن القوات الإسرائيلية قد استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق الحشد، ثم استخدمت مباشرة الرصاص الحي. 

كذلك، قال الناشط الإسرائيلي مع منظمة "فزعة"، جوناثان بولاك: "كان الجنود الإسرائيليين مستفزين". مردفا أن استخدام الرصاص الحي ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر أصبح روتينا  والخيار المفضل للجيش من أجل تفريق المتظاهرين في بيتا. 

ووصل المتطوع الأمريكي أليكس شابوت متأخرا، حيث بدأ بالصعود إلى التلة ومنطقة صلاة الجمعة، وأخرج هاتفه لتصوير الأحداث، كان الوقت هو 1:14 ظهرا، حسب البيانات الوصفية للفيديو التي راجعتها الصحيفة. 

وبدأ أحد المشاركين يصرخ "غاز، غاز، غاز" حسب  فيديو ثاني صوره بعد دقيقتين، وبدت الإطارات المشتعلة على الطريق واضحة.  وقال شابوت، 43 عاما "لم يكون الجنود ظاهرين"، وأدار ظهره للركض، ولكنه توقف ليس بعيدا عن طفل كان يستخدم مقلاعه. 


وتقول هيلين إن "إيجي صدمت بالتصعيد وبدأت بالتراجع على الطريق وخلف الأولاد وخلف بقية المتطوعين". فيما قال ناشطون وفلسطينيون آخرون إنهم اختبأوا خلف الأشجار والصخور والسلاسل، بينما وضع آخرون حواجز في نقاط مختلفة على الطريق، بما في ذلك الحجارة وحاوية قمامة.

وقال المتظاهرون، إن هذا هو كانت تكتيك شائع يستخدم لقطع الطريق على القوات الإسرائيلية التي غالبا ما تداهم القرية بعد صلاة الجمعة. وتظهر صورة التقطت في الساعة 1:21 ظهرا أربعة جنود إسرائيليين على الأقل  فوق قمة التل. ويظهر مقطع فيديو وصور من الدقائق القليلة التالية جنودا يتخذون مواقع على أرض مرتفعة - بما في ذلك على سطح منزل علي معالي، أحد سكان بيتا وبالقرب من مركبة عسكرية. 

ووفقا لتقرير الصحيفة، يقع منزل معالي على منحدر التل، وعلى بعد حوالي 80 ياردة من مكان الصلاة، حيث على بساتين الزيتون الواقعة تحته. وقال صاحب البيت البالغ من العمر 44 عاما إن القوات الإسرائيلية تحتل دائما سطح البيت في كل جمعة لأنه "موقع استراتيجي".

 وقال إن الجنود في ذلك اليوم وصلوا مباشرة بعد صلاة الجمعة. وصعد أربعة جنود على الأقل إلى السطح  وحاولوا الإختفاء عن الأنظار. وانزلقت هيلين وسقطت أثناء "العدو المخيف على الطريق" حيثُ التوى كاحلها لكن الفتاة الشابة ظلت معها كقوة حماية. 

إلى ذلك، يظهر مقطع فيديو تم تصويره في الساعة 1:22 ظهرا بستان زيتون ثم تنطلق رصاصة. وقال ناشط تحدث باليابانية: "كانوا يطلقون النار بالبنادق النظامية". وبحسب خبير الطب الشرعي الصوتي والذي عمل مع مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) ستيفن بيك، وقام بمراجعة اللقطات لصالح "واشنطن بوست" إن "الصوت الذي سمع في الفيديو كان متسقا مع طلق ناري - وهو ما أكده خبير صوتي ثان، روب ماهر". 

وبعد دقيقة، اتصل الناشط البريطاني بإيجي لمعرفة مكانها، وفقا لسجل المكالمات الذي اطلعت عليه صحيفة "واشنطن بوست". أخبرته إيجي أنها نزلت بالفعل من التل إلى بستان الزيتون. ويتذكر أنه قال لها: "ابقي هناك". 

وقالت هيلين، إنها اختبأت خلف شجرة وكانت إيجي على يسارها، مضيفة أن "الدقائق التالية كانت هادئة، وكانت لدينا فرصة للتنفس عميقا ونقف على بعد اعتقدنا أن آمن". وفي لقطة فيديو التقطت في الساعة 1:29 ظهرا ظهر فيها ناس يتحركون في أسفل التلة، ورجل يقف ويده على جنبه. 

ويقول تشابوت، وهو المتطوع الأمريكي، في مقطع فيديو آخر، تم تصويره في نفس الوقت تقريبا: "لم يطلقوا المزيد من الرصاص الحي، ولم يطلقوا المزيد من الغاز المسيل للدموع بعد". وقال فلسطينيون ومتطوعون إن المشهد ظل هادئا نسبيا لمدة 20 دقيقة تقريبا بعد ذلك. 

ويتذكر بولاك أن أحد الجنود على السطح "كان يصوب بندقيته نحونا"، وكان بولاك يقف إلى جانب حاوية القمامة التي أزيحت عن الشارع أدنى التلة.  فيما قال ناشطون إنه كان الأقرب إلى القوات الإسرائيلية وعلى بعد 200 ياردة، أما أيجي فقد كانت أبعد عنه بـ 30 ياردة. وقال إنه رأى وميض فوهة البندقية وسمع طلقتين، ومن مكانه سمع صوتا قويا لإطلاق النار وأنه أثره هز المنزل. 

وسمعت هيلين، التي كانت تقف بجوار إيجي، "صوت طقطقة كبير للذخيرة الحية". ولم يتم التقاط لحظة إطلاق النار في أي من اللقطات التي راجعتها صحيفة "واشنطن بوست". بينما قال الناشطون والسكان إنه لم يحدث شيء كبير في ذلك الوقت لتصويره. وقال شابوت الذي اعتقد أنه سمع صوت طلقة نارية تنطلق من حاوية القمامة أمامه، "يقول بعض الناس إن هناك طلقتين ناريتين، ويقول البعض الآخر إن هناك ثلاث طلقات نارية، لقد كانت حالة من الفوضى". 

وفي شريط الفيديو الذي بدء تصويره 1:48 سمعت أصوات "إطلاق النار" وصوت أمرأة غير ظاهرة تطلب الإسعاف. وشاهدت هيلين إيجي تسقط على وجهها في بستان الزيتون إلى جانبها. وأدارت المرأة الكبيرة في السن الناشطة على ظهرها، وكان الدم ينزف من الجانب الأيسر من رأسها ولم ترد. 

وفي التحقيق الإسرائيلي، توصّل إلى أن الطلقة التي قتلت إيجي جاءت من جندي لم يصوب عليها ولكن على واحد من "المحرضين الرئيسيين"، لكن الرصاصة التي قتلت الناشطة الأمريكية جاءت بعد 20 دقيقة من انسحاب المحتجين إلى أسفل التلّة، وبعيدا عن القوات الإسرائيلية بمسافة ملعبي كرة قدم. وقال بولاك "لا يمكن لرامي قرص أوليمبي أن يصل إلى نصف المسافة".

 ولم يكشف الجيش الإسرائيلي عن هوية "المحرّض" ولماذا كان إطلاق النار مبررا في تلك الظروف. ويقول كارمل من كسر الصمت، إن قواعد الإشتباك هي "أداة لتبرير استخدام النار وليس وسيلة للسيطرة عليها". وكان عيران موعاز، 23 عاما، الذي فر من أسفل التل مع بقية المحتجّين، يقف بجانب شاب فلسطيني يبلغ من العمر 17 عاماًعندما سمع دوي الطلقات. 

وقال: "رأيت الصبي يضع يده على بطنه على الفور. وبدأت أصرخ طالبا سيارة الإسعاف". ورفض الشاب الفلسطيني، الذي قال موعاز إنه أصيب بجروح طفيفة برصاصة مرتدة، طلبات متعددة لإجراء مقابلة معه عبر وسطاء، كما فعل أفراد عائلته. ويظهر مقطع فيديو صور في الساعة 1:49 ظهرا إيجي وهي تنزف ومحاطة بالمسعفين، حيث صرخ أحدهم "أحضروا نقالة" ، "بسرعة" ووضعت إيجي عليها إلى سيارة الإسعاف. 

وأعلن مدير مستشفى رفيديا بنابلس، فؤاد نفاع وفاتها في الساعة 2:35 ظهرا وبعد محاولات عدة لانعاشها. فيما أوضح ناشطون آخرون، أنّ إيجي تحدثت أثناء تدريبها مع حركة التضامن الدولية عن خوفها من أنها "لن تحدث فرقا". وأصبحت وفاتها الآن بمثابة اختبار للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بعد 11 شهرا من التوترات المتزايدة بين الحليفين بشأن الحرب في غزة والسياسة الإسرائيلية في الضفة الغربية. 


وفي بيانه، الأربعاء الماضي، قال بايدن، إن الولايات المتحدة لديها الحق في الوصول للتحقيقات الأولية الإسرائيلية وتتوقع استمرار معرفتها بالتحقيق مع استمراره، وحتى تكون لدينا ثقة بالنتيجة. لكن عائلة إيجي يرون أن "هذا لا يكفي".

وقالت الأسرة، عبر بيان، الأربعاء: "دعونا نكون واضحين، قتل مواطن أمريكي على يد جيش أجنبي في هجوم مستهدف، والإجراء المناسب هو أن يتحدث الرئيس بايدن ونائبة الرئيس هاريس مع الأسرة مباشرة، ويأمر بإجراء تحقيق مستقل وشفاف في مقتل عائشة نور، وهي متطوعة من أجل السلام".

مقالات مشابهة

  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو
  • يضاهي طلاب الدكتوراه ويتفوق بالرياضيات.. كيف تطور تشات جي بي تي الجديد؟
  • يضاهي طلاب الدكتوراه ويتفوق بالرياضيات.. كيف تطور نموذج تشات جي بي تي الجديد؟
  • بليغ حمدي مع سميرة سعيد وذكرى.. أغاني لن تسمعها كثيرًا
  • الصور الأولى للسفينة التي كانت متجهة إلى مصر وقصفتها روسيا
  • تحقيق يتحدى رواية جيش الاحتلال حول قتل الناشطة التركية الأمريكية
  • صحف عالمية: إسرائيل تعرقل التأكد من دقة رواية حماس في غزة
  • تحقيق أمريكي يشكك في رواية إسرائيل حول مقتل "عائشة نور"
  • عودة إلى إشكاليات رواية المقريزي للبقط (2)
  • مصر في 24 ساعة| توجيه رئاسي بالتخفيف عن المواطنين.. ومتحدث البترول يكشف حقيقة بيع منجم السكري