بين محوري المقاومة والتطبيع.. الفلسطينيون قرابين
تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT
ثمة معادلتان حاكمتان تفرضان نفسيهما على الأوضاع في الشرق الأوسط، وتتلخص هاتان المعادلتان بـ: إما أن تكون على مقاس الشروط الإيرانية، أو تكون على مقاس التطبيعيين، والغريب أن مخرجات هاتين المعادلتين تصبان في صالح إسرائيل فقط فيما الفلسطينيون هم الضحية. وهنا لا نتحدث عن النيات ولا الأهداف ولا الاستراتيجيات، بل نحاول بعقل بارد تقديم قراءة تقنية، ونحن نغطس في بحر الدَّم الفلسطيني، فكما أن المجاملة والتستر خيانة، كذلك التهويل ورفع سقف طموح الناس لم يعد مقبولا في ظل حرب الفناء التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو الضفة الغربية التي يبدو أنها بدأت السير على طريق الآلام.
منذ أكثر من عقد تتصارع على جثث الفلسطينيين سرديتا المقاومة والتطبيع، وقد أنتج كل منهما مقاربات غير منطقية، فالأولى تنادي بتحرير فلسطين باللحم الحي لشعبها، دون تقديم الدعم الفعلي والحقيقي؛ الدعم الذي ليس بحجم التعاطف الإعلامي أو إرسال ما تيسر من شحنات أسلحة، بل الدعم الذي تتوجب ترجمته على شكل قُوَى عسكرية تتحرك فعليا على الأرض وتأخذ وضعا هجوميا وتبدي استعدادا واضحا للانخراط في الحرب إذا لم تتوقف إسرائيل عن أفعالها تجاه الفلسطينيين.
منذ أكثر من عقد تتصارع على جثث الفلسطينيين سرديتا المقاومة والتطبيع، وقد أنتج كل منهما مقاربات غير منطقية، فالأولى تنادي بتحرير فلسطين باللحم الحي لشعبها، دون تقديم الدعم الفعلي والحقيقي
والثانية، تدعو إلى الصبر والانتظار إلى حين حصول تغيير المِزَاج الإسرائيلي، وذلك بعد أن يجري التطبيع معه وتوريطه بالسلام وتعويده على قطف ثمار السلام، وربما انتظار إدمانه عليها بحيث يصبح غير قادر على العيش بدونها، وعندئذ يصبح المناخ مناسبا لطرح حل الدولتين ومنح الفلسطينيين حقوقهم. وفي هذه المرحلة، غير المحددة بالزمان، مطلوب من الفلسطينيين الصمت، فإذا صفعك الصهيوني على خدك الأيمن أدر له خدك الأيسر، وإذا صادر أرضك قدم له أرض أخيك فوقها، وإذا قتل المستوطنون ابنك قدّم لهم الابن الآخر كرمى لعيون السلام الموعود.
في الحالتين، الفلسطيني مقتول ومهان ومصادرة أراضيه، في الأولى تجري العملية بسرعة، وكأن الفلسطينيين حمل ثقيل يتوجب التخلص من عبئه اليوم قبل غد، أو ربما كي يتسنى العبور على جثته إلى أهداف أخرى، وفي الثانية تجري العملية ببطء لكن بشكل حثيث ومستمر، فليبقَ الفلسطيني على الوعد حتى يأتي وقت لا يبقى معه أي شيء مهم ينتظره الفلسطينيون.
المشكلة أن أصحاب هذه المقاربات يعتقدون أن بيدهم فقط العلاجات الحقيقية للمسألة الفلسطينية، واعتبارهما مقاربات ذهبية تعود لهما فقط حقوق ملكيتها، وعلى ذلك جرى إغلاقهما، ليس بمعنى منع قَبُول منتمين لهما، بل من ناحية المراجعة والتصحيح أو الإضافة والحذف نظرا للمتغيرات الحاصلة في بيئة الصراع وأوضاع الفلسطينيين الصعبة.
وفي الواقع، لم ينقذ فلسطين لا محور المقاومة ولا محور التطبيع، ولا أفق تحمله مقارباتهما، فلا مناوشة إسرائيل تحت شعار المقاومة تثمر ولا التقرب من إسرائيل، فالأول عجّل بالمذبحة وسرع وتائرها، والثاني لا يلغيها، بل يبطئها ويعطيها الاستمرارية، وفي الحالتين تستطيع إسرائيل خلق شرعية لتصرفاتها وسلوكها، وربما هذه أخطر ثغرات المقاربات المذكورة. ففي مواجهة المقاربة الأولى تدّعي أنها تواجه تهديدا وجوديا، وفي الثانية يمكن لإسرائيل استثمار التطبيع العربي للقول إن الموضوع الفلسطيني لم يعد ذا أهمية.
لم تحرز أي من المقاربتين معادلا موضوعيا للأثمان التي تترتب على الفلسطينيين، وإن تركتا تنتجان ديناميكيات ومسارات من وحيهما، فلا أفق يبشر بالخير للفلسطينيين، ما يطرح بقوة سؤال ما العمل؟
وفي الواقع، لم تحرز أي من المقاربتين معادلا موضوعيا للأثمان التي تترتب على الفلسطينيين، وإن تركتا تنتجان ديناميكيات ومسارات من وحيهما، فلا أفق يبشر بالخير للفلسطينيين، ما يطرح بقوة سؤال ما العمل؟ وهو السؤال الملح على الفلسطينيين اليوم، لعل الإجابة البديهية على ذلك هو ألا يصبح الفلسطيني فاعلا غير مؤثر في قضيته ويترك للآخرين مهمة إدارة مسارات الصراع والسلام مع إسرائيل، وثانيا، ليس للفلسطيني غير الفلسطيني، بمعنى أن الوحدة والتفاهم والتنسيق بين الفلسطينيين باتت اليوم مسألة أكثر من ضرورية، وإن من يحد عنها يخون القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
وبالنسبة للأطراف الخارجية، يجب أن تكيّف أفعالها ودعمها للفلسطينيين وفق ما يريدون وما يكون له أثر مُجدٍ على قضيتهم ونضالهم، بعيدا عن حسابات الأطراف الخارجية ورؤاها واستراتيجياتها، التي لم تفعل أكثر من استنزاف الفلسطينيين وتشجيع متطرفي إسرائيل على الاستهتار بآدمتيهم وحقهم في أرضهم وفي الوجود.
هذا التحوّل بات ضروريا في وقت أصبحت فيه القضية الفلسطينية تقف على عتبة خطرة جدا، فقد آن أوان كي ندع الواقعين تحت سواطير القتل، في غزة والضفة الغربية وأراضي 1948، أن يقولوا كلمتهم، وشرف لكل حر أن يسير خلفهم.
x.com/ghazidahman1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإيرانية إسرائيل الفلسطينيون المقاومة إيران إسرائيل فلسطين المقاومة التطبيع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أکثر من
إقرأ أيضاً:
دعوة إسرائيلية لإعدام الأسرى الفلسطينيين للهروب من صفقات التبادل
صدرت دعوات إسرائيلية جديدة بضرورة فرض حكم الإعدام على الأسرى الفلسطينيين، للتخلص من مطالبات المقاومة مستقبلا عند إقدامها على اختطاف أي إسرائيلي لمبادلته، وذلك تزامنا مع شعور أوساط إسرائيلية بالثمن الباهظ الذي يتم دفعه مقابل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة.
الجنرال أوري هالبرين، خبير الأمن القومي، ومساعد سابق لرئيس الوزراء لشؤون الاستخبارات، وملحق جيش الاحتلال لدى حلف الناتو، والقائد الأسبق للقيادة الجنوبية، ذكر أن "صور إطلاق سراح أسرى فلسطينيين "أيديهم ملطخة بالدماء" في إطار صفقات التبادل يصعب على الإسرائيليين استيعابها، نتيجة مباشرة لهوس ذهني رافق هذه القضية منذ قيام إسرائيل، فعلى مرّ السنين، فضلت تجنب إعدام الأسرى، ما أدى لتسريع دوافع اختطاف الإسرائيليين والجنود لاستخدامهم كورقة مساومة في حلقة لا نهاية لها من المقاومة ضدها".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة معاريف، وترجمته "عربي21" أن "صفقات تبادل الأسرى السابقة، لاسيما صفقة أحمد جبريل 1985، وغلعاد شاليط 2011، ورّثت إحباطا إسرائيلياً عميقاً لكنه لم ينجح في استخلاص دروسهما، بدليل أن قوى المقاومة استغلت الفترة الفاصلة بين صفقات التبادل لتطوير استراتيجية عمليات الخطف بأشكال جديدة ساخرة من الاحتلال، وأصبحت عنصرا أساسيا في المقاومة غير المتكافئة ضده".
وأوضح أن "عودة الأسرى الكبار المخضرمين ذوي الخبرة والسمعة الطيبة، بمثابة وقود يضاف الى جذوة العمل المسلح، الذي تزايدت أضراره بشكل كبير على الاحتلال، وسيدفع ثمنه لسنوات عديدة قادمة، وعملت تلك الصفقات على شحذ نقطة الضعف اليهودية والغربية، من خلال فرض عقوبات بالسجن المؤبد على الأسرى الفلسطينيين، وتحولهم مع مرور الوقت الى أوراق للمساومة لإنجاح عمليات الخطف على مر السنين".
وأكد أن "النقاشات العميقة حول تنفيذ عقوبة الإعدام للأسرى الفلسطينيين رافقتها على مر السنين طرح العديد من الجوانب الأخلاقية والقانونية والسياسية والأمنية، ورغم أن عقوبة الإعدام موجودة نظرياً في القانون الإسرائيلي، لكنها لم تُنفَّذ عملياً إلا في حالة أدولف آيخمان الاستثنائية، الضابط النازي السابق، حيث يزعم معارضوها أن المقاومين الفلسطينيين يتحركون بدوافع أيديولوجية دينية، ولا يخافون الموت، بل إن عقوبة الإعدام ستحوّلهم شهداء، وتعزز مكانتهم كقدوة في المنظمات المسلحة".
وأشار إلى أن "هناك مخاوف اسرائيلية أن تؤدي عقوبة الإعدام لتكثيف الانتقادات الدولية، ووضع الاحتلال على قدم المساواة مع الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، رغم أن الولايات المتحدة واليابان تحتفظان بعقوبة الإعدام كوسيلة للعقاب، فيما يعتقد أنصارها أن فرضها قد يكون بمثابة رادع للآخرين عن تنفيذ هجمات مسلحة خوفًا على حياتهم".
وزعم أن "تنفيذ عقوبة الإعدام من شأنه أن يشجع على المزيد من الانتقام الفلسطيني، لكنها قد تقلّل من استخدام الأسرى الكبار كأوراق مساومة للمقاومة، وقد تقلّل من الضغوط على الاحتلال لإطلاق سراحهم كجزء من صفقات التبادل، ورغم التكاليف والمخاطر السياسية والأخلاقية المترتبة على تنفيذها، فإن الاحتلال مطالب بأن يستعد لفرضها على كبار المسلحين الفلسطينيين، بهدف إحباط هجمات الاختطاف في المستقبل، مما يتطلب تفكيرا خارج الصندوق يقلّل من "الرنين السلبي" المرتبط بتنفيذها".
ولفت إلى أنه "يمكن محاكمة المقاوم الفلسطيني، وإدانته، على أن يتم تنفيذ الإعدام سرّاً، ويتم حرق جثته، ورمي رماده في البحر، دون ترك أي بقايا تستخدم في طقوس تخليده من قبل الفلسطينيين، بزعم أن إجراء هذه العملية بطريقة هادئة، وبعيداً عن الأضواء، وفي مكان وزمان سرّيين، قد يقلّل اهتمام وسائل الإعلام والضغوط السياسية والدولية على دولة الاحتلال".
وأكد أن "النقاش الإسرائيلي حول عقوبة الإعدام للمقاومين الفلسطينيين يعكس التوتر بين الرغبة في الرد بقوة على العمليات المسلحة، ومنع المزيد من هجمات الاختطاف، والحفاظ على القيم الأخلاقية والدولية، وفيما يرى أنصارها بأنها عقوبة رادعة وعادلة، يحذّر معارضوها من عواقبها غير المرغوبة، والضرر الذي سيلحق بدولة الاحتلال، وتعرضها لانتقادات دولية في سياقات حقوق الإنسان، مما يجعلها تشكل تهديداً خطيراً".
وختم بالقول إن "وجود الأسرى الفلسطينيين في السجون يشكل حافزاً لقتل المزيد من الإسرائيليين، وإطلاق سراحهم يعرض أمن تل أبيب للخطر، وإزالة التهديد من خلال الأساليب السياسية والتوعية يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الأمن الإسرائيلي، مما يستدعي من إسرائيل وضع استراتيجية جديدة للتعامل مع الأسرى الفلسطينيين الخطرين".