مكة المكرمة

أوصى أمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي، المسلمين بتقوى الله عز وجل والمسارعة إلى ما يحبه ويرضاه.
وقال فضيلته، في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام ” إن من أصول العقيدة، الإيمان بوجود الملائكة، وما ورد عنهم من صفات عظيمة، وأعمال جليلة، فقد أقسم الله بهم، وأعلى بين العالمين ذكرهم، والملائكةُ عباد مكرمون، قربهم الله إليه، وشرفهم بعبادته، فهم خاضعون لجبروته، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون الليلِ والنهار لا يفترون، ولا يستحسرون ولا يسأَمُون، ولا يسْبِقُونَه بِالْقَوْل، وهم من خشيتِهِ وإجلالِهِ مُشْفِقُون،
وأضاف فضيلته؛ يقول “إن الله تعالى خلق الملائكة، وأوكل إليهم أعمالاً جليلة، فمنهم المُوكَّلُ بالوحيِ بين الله ورسله، ومنهم المُوكَّلُ بالنبات والقْطرِ، ومنهم المأمور بالنفخِ في الصُّور، وما من رجل يعود مريضاً إلا شيعه سبعون ألف ملك، يستغفرون له، وما من عبد يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا صلت عليه الملائكة، وقَالَ له الْمَلَكُ الموكل بذلك: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ صَلَّى عَلَيْكَ السَّاعَةَ، ولله ملائكة يحثون العبد على طاعة ربه وعبادته، ويحضرون صلاته وقرآنه، وملائكة يدعون لأصحاب الصفِّ الأوَّل، وملائكة يقفون على أبوابِ المساجِدِ يوم الجُمُعة، يكتبون الأول فالأول، وملائكة يطوفون في الطرقات، يلتمسون أهل الذكر، ومُعلِّمي الناسِ الخير، فإذا وجدوهم، جلسوا معهم، وحفّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، قَالَ: ” فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ، وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ ” قَالَ: ” فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ ” قَالَ: ” فَيَقُولُونَ: لاَ وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ؟ ” قَالَ: ” فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ ” قَالَ: ” يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً، وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا، وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، -إلى أن يقول الرب جل جلاله-: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ .


وأوضح فضيلته، أن الملائكة من أعظم جنود الرب تبارك وتعالى، فمنهم الصَّافَّاتِ والزَّاجِرَاتِ والتَّالِيَاتِ، والنازعات والناشطات والمدبرات، ومنهم ملك الموت، ورضوان خازن الجنان، ومالكٌ خازنُ النيران، وملائكة للرحمة، وملائكة للعذاب، وملائكة قد وكلوا بإحاطة الناس يوم الحشر، وملائكة قد أمروا بحمل النار إلى أرض المحشر، وعدد الملائكة كثير، لا يحصيهم إلا العلي الكبير،.
وأبان الشيخ ماهر المعيقلي أن الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، وصدق الله إذ يقول: ((وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)) لافتاً إلى أن من الملائكة من شرفهم الله بقربه، واختارهم لحمل عرشه، والمسبحين بحمده، ذلك أن من كمال لطف الله بعباده المؤمنين، ما قيضه لأسباب سعادتهم، من استغفار حملة العرش لهم، والدعاء لهم بصلاح دينهم وآخرتهم،
وأشار إمام وخطيب المسجد الحرام إلى أن الإيمان بالملائكة، له أثر عظيم في مراقبة العبد لأقواله وأعماله، فملائكة لكتب الحسنات والسيئات، وآخرون يحفظون العبد بأمر الله، فإذا استشعر المرء استصحاب الملائكة له، وتقييدهم لأعماله، ورفعها لخالقه، اجتهد في طاعة ربه، وانزجر عن معصيته، وحافظ على أداء صلاته .

كما أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد الحذيفي المسلمين بتقوى الله عز وجل، فإن تقواه أحصنُ المعاقل، وأعذبُ المناهل، وأنفعُ الذّخائر، فمن اتقى الله عَبِق طِيبُ شمائلِه، وأورقتْ غصونُ فضائلِه.
وقال فضيلته، إن العاقل وهو يقطع طريق رحلته في هذه الدنيا، ليتوقّفُ برهةً من عمر الزمان توقفَ المعتبر، فينظرُ إلى آثار خطواتِه، ويتأمَّلُ طريقَ مسيرتِه، وما في طوايا ذلك من تفويتٍ وتفريط، وتسويفٍ وتضييع، واغتباطاً بما أنجح من مقاصده وحقق من مآربه.
وتابع: إن هذه الدنيا رحلةٌ طويلةٌ قصيرةٌ، مفرحةٌ مبكية، فيها انكساراتٌ وانتصارات، ودموعُ حزنٍ وسرور، وراحةٌ ونَصَب، واجتماعٌ وافتراق، إنها سنة الله في هذه الدنيا كما قال جل شأنه (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
وذكر فضيلته، التشبيهَ النبويَّ لحال المؤمن مع الدنيا وسرعة انقضائها ، قال عبدالله بن مسعود (نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصيرٍ فقام وقد أثّر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وِطاءً؟ فقال: ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحتَ شجرةٍ، ثم راح وتركها).
وأبان الشيخ الحذيفي، ان المؤمن في هذه الحياة يعيش حالةً من الاستقرار النفسيِّ والسلامِ الداخلي، لأنه معلَّق القلب بخالق هذا الوجود، ممتلئُ الفؤادِ بحبه، متضلِّعُ الحنايا بتوحيده، مبيناً أن الإيمانَ الصادقَ يتخلَّلُ حنايا النفوسِ المنهَكةِ برداً وسلاماً، ورضاً ويقيناً، وسكينة وثباتاً.
وتابع فضيلته، إن الحياة مع الإيمانِ حياةٌ طيبةٌ كريمةٌ مطمئنة، تتصاغَرُ أمامَها جبالُ المصاعبِ والشدائد، ويتهاوَى ركُامُ اللذائذِ والمطامع، فللإيمان حلاوةٌ يجد طعمَها في نفسه وأَثَرَها في قلبه مَن رسخ الإيمان في قلبه، لا تَصِفُ لذتَها ولا تحُدُّ حقيقتَها العباراتُ والكلمات، بل هي حقائقُ يعرفها أهلُ الإيمان، ويدركُها الصفوةُ من عباد الرحمن.
وأكد إمام وخطيب المسجد النبوي، أن الإيمان ليس معنى مجرَّداً من الحقائق، أو نظريةً لا تَرْجُمانَ لها في واقع الحياة، إنها عقيدةٌ يمتلئُ بها القلبُ فتفيضُ على النفس طمأنينةً وسكينةً ورضاً وسروراً، ثم تتسِعُ دائرتُها حتى تفيضَ على الإنسانية كلِّها سلاماً وسكينةً وعدلاً.
وختم فضيلته الخطبة قائلاً: إن هذا الدينَ العظيمَ جاء لِيُعِيدَ صياغةَ الإنسانِ عقلاً ونفساً وروحاً وسلوكاً، فيكونَ على قَدْرٍ راسخٍ من القِيَم والأخلاق والسموِّ النفسيِّ والروحيِّ والعقليِّ في هذا الكون، مبيناً أن الإيمان بمعناه الأَرْحَبِ ربطٌ للمخلوق بالخالق، واتصالٌ لعالَم الشهادةِ بعالَم الغيب، مستشهداً بقولة تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: المسجد الحرام المسجد النبوي الشريف خطبة الجمعة المسجد الحرام وخطیب المسجد أن الإیمان الله ع

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة بالحرمين: الزكاة والصدقة تنفيان عن المجتمع وحر الصدور وغلها وتشيعان المودة والرحمة بين الناس

ألقى الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله عز وجل فهي جوهر الصيام وفحواه، ولُبه ومغزاه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
وقال: لقد شرع الله تعالى الصيام ليجدِّدَ المسلم شِيَمَه التعبدية المحمودة، ويعاود انبعاثته في الخير المعهودة، فَيَتَرَقَّى في درجات الإيمان، وينعم بصفات أهل البِرِّ والإحسان، حيث لم يَقِف الشارعُ الحكيمُ عند مظاهر الصوم وصوره، بل عمد إلى سُمُو الروح ورقي النفس وحفظها وتزكية الجوارح، والصعود بها من الدرك المادي إلى آفاق السُّمُو والعلو الإيماني، لذا اختص الله عز وجل هذه العبادة دون سائر العبادات، كما في الصحيحين: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي به”.
وأوضح أن هذه الأيام المباركة فرصة سانحة لمراجعة النفس وإصلاح العمل، ونبذ الخلافات والفُرقة، وتحكيم لغة العقل والحوار، والتعاون على البر والتقوى؛ بما يحمله هذا الشهر الكريم من دروسٍ عظيمة في التسابق في الخيرات والأعمال الصالحة، قال تعالى: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾، قال الإمام ابن القيم: “وكان هديه عليه الصلاة والسلام فيه أكمل هدي، وأعظمه تحصيلًا للمقصود، وأسهله على النفوس، وكان من هديه، في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادة، وكان جبريل عليه السلام يدارسه القرآن، وكان يكثر فيه الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يخصه بالعبادات ما لا يخص غيره”.
وخاطب الدكتور السديس الصائمين القائمين الباذلين: قائلًا ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾، وكان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان “وكَانَ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ” (متفق عليه)، فأكْثِروا من البذل والجود في الشَّهر المحمود، ألا فجودوا أيها الكرماء النبلاء، مما أفاض الله عليكم، وابسطوا بالنوال والعطاء الأيادي، لِتُبَدِّدُوا بذلك هموم المَدِينين، وعوَزَ المحتاجين، وخصاصة المكروبين، والإفراج عن المساجين الذين ينتظرون عطاءكم، ويتلهفون إلى بذلكم وإحسانكم: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقًا خلفًا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكًا تلفًا”. والناس بين موفق مرحوم، وممسك محروم، فاجعلوا أيديكم ممدودة بالخير لنفع الغير، وليكن عملكم الخيري تحت مظلة مأمونة، وجهات موثوقة، وما مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ومنصة إحسان للعمل الخيري، إلا نماذج مُشْرِقة لمواقف هذه البلاد المباركة، وحِرْصِ ولاة أمرها على دعم الأعمال الإغاثية والإنسانية، وهنا يشاد بالحملة الوطنية للعمل الخيري عبر منصة إحسان، والدعم السخي من ولاة الأمر ـ حفظهم الله ـ، وهو يجسد اهتمام هذه البلاد المباركة منذ تأسيسها بدعم العمل الخيري وتعزيزه، مما يُوجِب التأييد والمساندة، في أداء رسالتهما الدينية والتعليمية، والاجتماعية والإغاثية، والصحية والخيرية والإنسانية العالمية والحضارية. كما أن ذلك يَحُدُّ من ظاهرة التسول التي يتأذى منها السائل والمسؤول، فهي ظاهرة السُّوء، بَادِيَة الأذَى، بريد الجريمة، وتُنَافِي العمل والسَّعْيَ الدؤوب، كما أنها تخالف الأنظمة المرعية، والآداب العامة، والسلوك الحضاري، وتُشَجع على الكسل والبطالة، وتشوه جماليات القيم في المجتمعات.
ونوه فضيلته أن نعْمَة العِبَادة والزُّلْفَى، إخراج الزكاة المفروضة والصَّدَقة في هذه الأيام المباركات: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾، ويَا حَبَّذَا الإكثار مِن العطاء والنَّفَقَات، والعناية بالأوقاف والوصايا والمحافظ الوقفية في الأعمال الخيرية، لِتَمَيُّزها بالاستدامة والحوكمة، والشفافية والموثوقية، والاهتمام بما يحقق المصالح العامة؛ كالمشافي ومراكز علاج الكُلَى، وشق الطرق، وجود الإسكان، وحفر الآبار، وسقي الماء، ونشر العلم الذي ينتفع به في التوحيد، ودعم حلقات القرآن، وتوريث المصاحف، وكتب السُّنة والأحكام، والصدقات الجارية، مما يحقق النفع العام، ومجالات التنمية، وأن يكون التُّجَّار والموسرون ورجال الأعمال قُدوة في ذلك، وقد يكون إبداء الصدقة وإعلانها أفضل أحيانًا؛ للاقتداء والائتساء، مما يعظم أجره ويدوم أثره. ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ﴾.
ودعا إمام وخطيب المسجد الحرام إلى الإكثار من صالح الأعمال ورجاء القبول خلال هذه الأيام المباركة، وأعقبوها شُكْر المنان الموصول؛ فبالرضا تفوزون، وللنعمى تحوزون فرمضان شهر النشاط والجِدِّ والعمل، شهر الانتصارات وتحقيق الإنجازات، ففي رمضان من العام الثاني الهجري انتصر المسلمون في أُولَى غزواتهم الكبرى، غزوة بدر، ثم تتابعت انتصارات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وكان كثيرٌ منها في هذا الشهر المبارك.
وحث فضيلته باستدراك ما فات من الأعمال الجلائل والقِيَام والاعتكاف والابْتِهال والدعاء.. فلا تزال الفُرْصَة سَانِحَة، والتّجَارة رَابِحَة، لِمَنْ بَدَّدَ أيَّام رَمضان وَفرَّقَهَا، وسلك بِنفسه طرائق التّفريط فَأَوْبَقَهَا.
* وفي خطبة الجمعة بالمسجد النبوي الشريف أوصى الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي المسلمين بتقوى الله.
وبين إمام وخطيب المسجد النبوي أن كمال الإنسان وعلو درجته لا يكون إلا بعبادة الله تعالى والإحسان إلى خلقه، وأن صرف الشرور هو بأداء حق الله عليه ونفعه للعباد، وأن ما يلحقه من شر ومكروه هو بقدر ما ترك من عبادة الله، وبقدر ما قصر في نفع الخلق. قال تعالى {وَٱلْمُؤْمِنُونَ ولمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍۢ ۚ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ ۚ أولئك سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }.
وأشار إلى أن الزكاة هي نفع مخصوص ومفروض على من تجب عليهم لمن تجب لهم، قال جل من قائل {كَانُواْ قَلِيلاً مّن اللّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيَ أَمْوَالِهِمْ حَقّ لّلسّآئِلِ وَالْمَحْرُومِ}.
وأوضح فضيلته أن من محاسن الإسلام أن جعل الزكاة ركنًا من أركان الإسلام، تؤدى على وجه مخصوص، ولطائفة مخصوصة من المسلمين لسد حاجتهم، وهي جالبة للمودة والبركة، مبعدة للحقد والغل، مطهرة للقلب من البخل والشح، وهي من أخطر ما تصاب به القلوب ففي الحديث “اتَّقُوا الظُّلمَ؛ فإنَّ الظُّلمَ ظُلُماتٌ يومَ القيامةِ. واتَّقُوا الشُّحَّ؛ فإنَّ الشُّحَّ أهلكَ مَن كانَ قبلَكُم؛ حملَهُم على أنْ سَفكُوا دِماءهم، واستَحَلُّوا مَحارِمَهم”.
وبين الحذيفي أن الزكاة تنفي عن المجتمع وحر الصدور وغلها والحقد، وتشيع المودة والرحمة والتسامح بين الناس والتكافل، فالزكاة أوجبها الله على الأغنياء لترد على الفقراء، فهي حق لله تعالى، أمر أن تصرف للفقراء، ولم يترك تحديد مقدارها لأحد، ففي الحديث عن أبي هريرة “ما مِن صاحِبِ ذَهَبٍ ولا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ صُفِّحَتْ له صَفائِحُ مِن نارٍ، فَأُحْمِيَ عليها في نارِ جَهَنَّمَ، فيُكْوَى بها جَنْبُهُ وجَبِينُهُ وظَهْرُهُ، كُلَّما بَرَدَتْ أُعِيدَتْ له، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالإِبِلُ قالَ: ولا صاحِبُ إبِلٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها -ومِنْ حَقِّها حَلَبُها يَومَ وِرْدِها- إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ أوْفَرَ ما كانَتْ، لا يَفْقِدُ مِنْها فَصِيلًا واحِدًا، تَطَؤُهُ بأَخْفافِها وتَعَضُّهُ بأَفْواهِها، كُلَّما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخْراها، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ. قِيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالْبَقَرُ والْغَنَمُ؟ قالَ: ولا صاحِبُ بَقَرٍ ولا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي مِنْها حَقَّها، إلَّا إذا كانَ يَوْمُ القِيامَةِ بُطِحَ لها بقاعٍ قَرْقَرٍ، لا يَفْقِدُ مِنْها شيئًا، ليْسَ فيها عَقْصاءُ، ولا جَلْحاءُ، ولا عَضْباءُ، تَنْطَحُهُ بقُرُونِها وتَطَؤُهُ بأَظْلافِها، كُلَّما مَرَّ عليه أُولاها رُدَّ عليه أُخْراها، في يَومٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ، حتَّى يُقْضَى بيْنَ العِبادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ؛ إمَّا إلى الجَنَّةِ، وإمَّا إلى النَّارِ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالْخَيْلُ قالَ: الخَيْلُ ثَلاثَةٌ: هي لِرَجُلٍ وِزْرٌ، وهي لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وهي لِرَجُلٍ أجْرٌ؛ فأمَّا الَّتي هي له وِزْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها رِياءً وفَخْرًا ونِواءً علَى أهْلِ الإسْلامِ، فَهي له وِزْرٌ، وأَمَّا الَّتي هي له سِتْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها في سَبيلِ اللهِ، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ في ظُهُورِها ولا رِقابِها، فَهي له سِتْرٌ، وأَمَّا الَّتي هي له أجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَها في سَبيلِ اللهِ لأَهْلِ الإسْلامِ في مَرْجٍ ورَوْضَةٍ، فَما أكَلَتْ مِن ذلكَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ مِن شَيءٍ، إلَّا كُتِبَ له عَدَد ما أكَلَتْ حَسَناتٌ، وكُتِبَ له عَدَدَ أرْواثِها وأَبْوالِها حَسَناتٌ، ولا تَقْطَعُ طِوَلَها فاسْتَنَّتْ شَرَفًا أوْ شَرَفَيْنِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له عَدَدَ آثارِها وأَرْواثِها حَسَناتٍ، ولا مَرَّ بها صاحِبُها علَى نَهْرٍ، فَشَرِبَتْ منه ولا يُرِيدُ أنْ يَسْقِيَها؛ إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له عَدَدَ ما شَرِبَتْ حَسَناتٍ. قيلَ: يا رَسولَ اللهِ، فالْحُمُرُ؟ قالَ: ما أُنْزِلَ عَلَيَّ في الحُمُرِ شَيءٌ، إلَّا هذِه الآيَةُ”.
وفي الخطبة الثانية أوضح الحذيفي أن الإخلاص في العبادة والمداومة أوضح على الدعاء ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “الدعاء هو العبادة”.
وختم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف بالحث على إعطاء القرآن حقه من التلاوة، والإكثار من النوافل، والإحسان إلى الناس.

مقالات مشابهة

  • رئيس هيئة الأمر بالمعروف يبدأ دروسه الرمضانية في المسجد الحرام
  • مرافق وخدمات في عدة مواقع رئيسية في المسجد الحرام للتيسير على ضيوف الرحمن
  • الكشافة السعودية.. عطاءٌ متجدد في خدمة زوار المسجد النبوي الشريف
  • أفراد جمعية الكشافة السعودية ينجزون 26400 ساعة تطوعية في خدمة زائري المسجد النبوي الشريف
  • شاهد.. 20 جولة تطييب للمسجد الحرام يوميًا خلال شهر رمضان
  • 20 جولة تبخير وتطييب للمسجد الحرام يوميًا خلال شهر رمضان المبارك
  • السعودية.. توفير خدمة هي الأولى من نوعها في «الحرم المكي»
  • للصلوات الخمس والتراويح.. جدول أئمة الحرم المكي والمسجد النبوي اليوم الجمعة
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: الزكاة والصدقة تنفيان عن المجتمع وحر الصدور وغلها وتشيعان المودة والرحمة بين الناس
  • خطبتي الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي