إيكونوميست: التحدي الحوثي وخلافات السعودية والإمارات يهددان وحدة اليمن
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
سلطت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، الضوء على فرص بقاء اليمن متماسكاً في ضوء الخلافات بمجلس القيادة الرئاسي المدعوم من المملكة العربية السعودية، مشيرة إلى أن الدول المفككة في الشرق الأوسط ليست نادرة، كالعراق وليبيا وسوريا، لكن اليمن هو الأكثر تفككًا على الإطلاق.
وذكرت المجلة، في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، أن اليمن ظهر كخليط من الفصائل المتنافسة على مدى السنوات الماضية، بسبب الحرب الأهلية، وفي العام الماضي جاء وقف لإطلاق النار بين السعودية، التي تدعم حكومة بلا أنياب ولكنها معترف بها دوليا، والمتمردين الحوثيين، الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من أراضي اليمن بما في ذلك العاصمة صنعاء، بمثابة مؤشر على تحقيق الاستقرار في البلاد، لكن الحفاظ على تمساك البلاد وتوحدها ظل حبرا على ورق.
فقد مكن وقف إطلاق النار الهش الحوثيين من إحكام قبضتهم على المنطقة الخاضعة لسيطرتهم وأضعف القوات المصطفة ضدهم، بحسب المجلة البريطانية إلى أشارت إلى تنافس 9 فصائل مختلفة على الأقل على السلطة في اليمن.
وأوضحت أن مجلس القيادة الرئاسي، الذي نشأ بدعم سعودي العام الماضي، يزعم أنه الحكومة الشرعية في اليمن، فيما وعد السعوديون تلك الحكومة مؤخرا بمبلغ 1.2 مليار دولار أخرى لإبقائها قادرة على الاستمرار.
وبينما يدعي مجلس القيادة الرئاسي أنه يسيطر على اليمن بأكملها، تصفه "الإيكونوميست" بأنه صاحب "أصغر بصمة" بين جميع الفصائل الساعية إلى السلطة في البلاد، إذ يقتصر دوره على مجرد جناح من القصر الرئاسي في عدن، ثاني أكبر مدينة في اليمن، بالقرب من الطرف الجنوبي للبلاد.
ويعيش معظم أعضاء المجلس في فندق ريتز كارلتون بالرياض، العاصمة السعودية، وغالبا ما يكون ممثلوه الثمانية على خلاف مع بعضهم البعض.
وبعد أن استولى الحوثيون على صنعاء عام 2014، حشدت السعودية والإمارات مجموعة من التحالفات داخل اليمن للقتال، لكن في الآونة الأخيرة انخرطت في تنافس، أدى إلى تفكك تحالفهما في اليمن.
وتؤيد الإمارات انفصال الجنوب تحت ستار المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الجنرال السابق، عيدروس الزبيدي، رغم أنه عضو في مجلس القيادة الرئاسي، المدعوم من السعودية.
الخصومات الخليجية
وهنا تشير "الإيكونوميست" إلى أن الخصومات الخليجية تشجع الخلافات اليمنية، فالجنوبيون، بقيادة الزبيدي، يرفعون علمًا انفصاليا فوق رقعة شاسعة مما كان يُعرف سابقًا باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية قبل أن تتحد مع الشمال في عام 1990.
وتضع دولة الإمارات نصب عينها على الموانئ وآبار النفط في جنوب اليمن، ورغم أنها سحبت قواتها منذ عام 2019، إلا أنها لا تزال تدعم الزبيدي عسكريًا ولديها قواعد خاصة بها في منطقته.
فيما يسعى السعوديون إلى إحباط طموحات الإمارات من خلال تأجيج الطموحات المحلية ضد أبوظبي، وتشجيع طموحات القبائل اليمنية القديمة ضد دولة الزبيدي الانفصالية المحتملة، كما يأملون في شق ممر بري بين الشمال والجنوب إلى المحيط الهندي.
وفي الأسابيع الأخيرة، أيد السعوديون تشكيل "مجلس وطني" في حضرموت و"تحالف قبائل" في شبوة، على بعد أكثر من 500 كيلومتر شرق مقر الزبيدي في عدن، وذلك بعدما تحولت التوترات بالمنطقة إلى أعمال عنف.
واشتبكت الميليشيات الموالية لمجلس حضرموت في سيئون مع المتظاهرين الذين يدعمون الزبيدي، وتصارع الجانبان للسيطرة على المكلا، وهو ميناء جنوبي آخر، كما تهدد أجزاء أخرى من اليمن بالانفصال.
وبينما ترتبط محافظتا مأرب وتعز بعلاقات وثيقة مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، ترغب سلطنة عمان، المجاورة الشرقية لليمن، في جلب محافظة المهرة اليمنية، المتاخمة لها، تحت جناحها، خوفًا من الخسارة أمام دول الخليج الأكثر ثراءً.
ويدعم هذا التشرذم موقف الحوثيين، الذي كانوا، قبل 20 عامًا، عبارة عن عصابة قوية من القبائل الشمالية المتمردة، التي تتبع فرعًا من الإسلام الشيعي، وكان عليهم في كثير من الأحيان الاختباء في الجبال والكهوف من السلطات في صنعاء.
اقرأ أيضاً
اليمن لا يرتاح.. شمال يقترب من السلام وجنوب يتجه نحو الانفصال
وبأسلحة وتدريب من إيران ووكيلها الشيعي اللبناني، حزب الله، حافظ الحوثيون على صنعاء والساحل الشمالي وصولاً إلى ميناء الحديدة، رغم سنوات من الهجمات اليمنية المضادة، المدعومة من السعودية. ورد الحوثيون على القصف الجوي من قبل السعوديين بهجمات صاروخية وطائرات مسيرة في عمق المملكة، إضافة إلى هجمات أخرى في عمق الإمارات.
ومنذ مارس/آذار 2022 يحاول السعوديون بإغراء الحوثيين مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات، فرفعوا حصارهم عن الحديدة، واستأنفوا الرحلات الجوية إلى صنعاء، وأرسلوا وفداً للتفاوض مع الحوثيين دون استشارة مجلس القيادة الرئاسي.
كما سمح السعوديون لقائد حوثي بالسفر مع أتباعه إلى السعودية لأداء فريضة الحج في مكة، واقترحوا دفع رواتب الموظفين الحكوميين تحت إدارة الحوثيين.
بل إن بعض مستشاري المملكة أشاروا إلى أن المسؤولين السعوديين قد يشكلون تحالفا كاملا مع الحوثيين، بعد التقارب بين المملكة وإيران في مارس/آذار الماضي.
النفوذ الحوثي
وتشير "الإيكونوميست"، في هذا الصدد، إلى أن وقف إطلاق النار شجع الحوثيين على مواجهة السعودية، وجعلهم في حالة احتفال بـ "انتصارهم" على أغنى دول المنطقة ويطالبون بتعويضات.
ويصور زعيمهم، عبد الملك الحوثي، نفسه في خطبه على أنه الحاكم الشرعي للأمة، أو العالم الإسلامي، بفضل نسله من النبي محمد. حتى أن بعض الحوثيين يحلمون بغزو مكة والمدينة، أقدس أماكن الإسلام، بدعوى أنهما أجزاء تاريخية من اليمن.
وعندما وصل وفد سعودي إلى صنعاء، في أبريل/نيسان الماضي، استهزأ قياديون حوثيون به، باعتباره معتديا وليس صانع سلام، وهو ما علق عليه الباحث بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، عبد الغني الإرياني، قائلا: "لقد استسلم السعوديون لمعظم مطالب الحوثيين السخيفة ولم يحصلوا على شيء في المقابل".
ومنذ وقف إطلاق النار، عزز الحوثيون أيديولوجيتهم في مناطق سيطرتهم، سواء من خلال حظر فرض الفوائد الربوية، أو عبر نشر نفوذهم في أماكن أخرى.
وما إن رفع السعوديون حصارهم عن الحديدة حتى هاجم الحوثيون عدن وأعلنوا مقاطعة أي بضائع مستوردة من الجنوب.
وفي أواخر العام الماضي، هاجم الحوثيون منشآت النفط في الجنوب اليمنين وفي الآونة الأخيرة حشدوا قواتهم حول مدينة تعز، وهي معقل تسيطر عليه الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي كانت ذات يوم القاعدة الصناعية في اليمن.
ويخشى عديد اليمنيين من سقوط الحكومة الرسمية، ففي حين أن السعوديين يعدون بمنح الحوثيين الأموال، فقد قطع الحوثيون أي تمويل عن حلفائهم اليمنيين، كما حرموا الجنوب من عائدات النفط والجمارك، ما زاد من تآكل القاعدة الاقتصادية للحكومة.
والريال في الجنوب اليمني يساوي نحو ثلث قيمته في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، ولذا يعتقد علي البخيتي، المتحدث السابق باسم الحوثيين، المنفي الآن في بريطانيا، أن اليمن قد تعود إلى الظهور كدولة واحدة "يلتهمها الحوثيون بشكل كامل".
اقرأ أيضاً
متلازمة الضفدع المغلي.. المفاوضات السعودية الحوثية تضر باليمن
المصدر | إيكونوميست/ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: اليمن الحوثيين السعودية مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي مجلس القیادة الرئاسی فی الیمن إلى أن
إقرأ أيضاً:
العواصف الرملية وزحف الرمال يهددان شنقيط وتاريخها
على مدى قرون احتضنت مدينة شنقيط الموريتانية تاريخا إسلاميا عريقا، وإلى هناك توافد الشعراء والعلماء والفقهاء إلى الحاضرة إذ كانت مركزا تجاريا عبر الصحراء الكبرى، وتضم أكثر من 12 مكتبة وآلاف المخطوطات، لكن المدينة التاريخية الآن في مواجهة قاسية مع الرمال المتحركة.
تعد شنقيط واحدة من أربعة مواقع مدرجة على قائمة التراث العالمي ليونسكو في موريتانيا، فمنازلها المبنية من الحجارة الجافة والملاط الطيني ومساجدها ومكتباتها، تحتوي على بعض أقدم النصوص والمخطوطات القرآنية في غرب أفريقيا، وتغطي موضوعات متنوعة من القانون إلى الرياضيات.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بصمة كربونية عالية لهاتفك الذكي.. ماذا تفعل؟list 2 of 2تغير المناخ يهدد إنتاج القهوة.. هل يقدم جنوب السودان حلا؟end of listوتقلصت المساحات الصالحة للزراعة في شنقيط حتى أصبحت لا تزيد عن 0.5% من مساحتها الكلية، ومع ذلك تتعرض هذه المساحة الصغيرة لزحف الرمال باستمرار لتصل إلى وسط المدينة.
كما تغطي الرمال المتحركة قلب المدينة القديمة، التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن، ومع ارتفاع درجات الحرارة والجفاف في العالم، تتسبب العواصف الرملية في تساقط كميات كبيرة من الكثبان الرملية على شوارع شنقيط ومنازلها، مما يؤدي إلى غمر بعضها بالكامل.
وتحاول مشاريع زراعة الأشجار إبعاد الرمال الغازية، ولكن حتى الآن لم تنجح في تخفيف المخاوف بشأن المستقبل.
ويشعر المسؤول المحلي، ملينين ميد الولي، بالألم إزاء المخاطر التي تهدد السكان والتاريخ الذي تحتويه معالم شنقيط. وقال "إن الأمر يشبه مشاهدة كارثة طبيعية بالحركة البطيئة".
إعلانويقول الولي، رئيس جمعية إدارة الواحات التشاركية المحلية: "إنها مدينة محاطة بمحيط من الرمال يتقدم كل دقيقة. هناك أماكن أسير فيها الآن وأتذكر أنها كانت أسطح منازل عندما كنت طفلا".
ووفقا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2024 عن التصحر، أصبح أكثر من ثلاثة أرباع مساحات الأرض أكثر جفافا في العقود الأخيرة.
وقد أدى الجفاف إلى عدم قدرة النباتات والبشر والحيوانات على البقاء. فهو يحرم الأراضي من الرطوبة اللازمة لاستدامة الحياة، ويقتل المحاصيل ويمكنه أن يُحدث عواصف رملية وحرائق غابات.
ويشعر العلماء وصناع السياسات بالقلق من الجفاف وتدهور التربة في المناطق التي كانت خصبة في السابق وأصبحت تدريجيا أراضيَ قاحلة، وليس المقصود هنا المناطق الواقعة في عمق الصحراء الكبرى.
ومع ذلك فإن تغير المناخ في شنقيط يؤدي إلى العديد من العواقب الوخيمة التي حذر منها المسؤولون، فالأشجار تذبل، والآبار تجف، وسبل العيش تختفي.
يجد مزارعو التمور مثل سليمة ولد سالم البالغ من العمر 50 عاما صعوبة متزايدة في سقي أشجار نخيلهم، ويتعين عليهم الآن نقل المياه من الخزانات لسقيّها، وتقليمها بشكل أكثر دقة للتأكد من جودة محاصيلها. وقبل سنوات كانت المنطقة التي يقطنها سالم مليئة بالعائلات، لكنها نزحت تدريجيا لقساوة الطبيعة وصعوبة العيش.
وتسد الرمال الآن المدخل المؤدي إلى منزله، كما أصبح بيت الضيافة القريب الذي بناه مستثمر بلجيكي قبل عقود من الزمان مغمورا جزئيا بكثيب رملي متموج ذي لون أصفر نحاسي.
ورغم رحيل كثيرين، فإن سالم لا يزال صامدا مع أن منزله لم يعد حصنا منيعا،وأصبح عرضة لأن تبتلعه الصحراء، وهو يقول: "نحن نفضل البقاء هنا، إذا غادرت، سيختفي مكاني".
كانت أشجار الأكاسيا والصمغ والنخيل في الماضي تحمي المنطقة من الكثبان الرملية، ولكنها اختفت تدريجيا. وماتت هذه الأشجار، إما عطشا أو بعد أن قطعها السكان الذين يحتاجون إلى الحطب أو أوراق الشجر لتتغذى عليها قطعانهم.
إعلانويقول محمد الأمين بهاني، وهو مدرس متقاعد من سكان شنقيط، إن العواصف الرملية ليست جديدة ولكنها أصبحت أكثر إزعاجا، حيث تتقدم بوصات أو أقداما في الأحياء الواقعة على حافة المدينة. ويستخدم السكان البغال والعربات لإزالة الرمال لأن شوارع المدينة القديمة ضيقة للغاية، بحيث لا تستوعب السيارات أو الجرافات، وعندما تتراكم الرمال كثيرا، يبني بعضهم جدرانا جديدة على الهياكل القائمة.
وقال بهاني: "عندما تزيل الغطاء النباتي، فإن ذلك يمنح الكثبان الرملية فرصة لتصبح أكثر نشاطا، لأن الغطاء النباتي في النهاية، هو الذي يصمد في وجه الرمال حتى لا تتحرك كثيرا".
وبسبب نخفاض هطول الأمطار، تموت الأشجار، وتزحف الرمال إلى المدينة. ومع غمر الرمال أشجار الأكاسيا، يلجأ بعض الرعاة إلى قطع أشجار النخيل لإطعام قطعانهم، مما يزيد من تعطيل النظام البيئي واقتصاد زراعة التمور.
ويرى بهاني، أن الرمال تثير أيضا مخاوف تتعلق بالصحة العامة للمجتمع الذي يتنفس الغبار. وهو يعتقد أن الحل يكمن في زراعة المزيد من الأشجار في الأحياء وعلى طول محيط المدينة.
وقد تم اقتراح مثل هذه "الأحزمة الخضراء" على نطاق القارة بأكملها مثل "السور الأخضر العظيم" في أفريقيا وكذلك محليا، في مدن مثل شنقيط.
كما طرحت وزارة البيئة ووزارة الزراعة في موريتانيا بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية الممولة من أوروبا مشاريع لزراعة الأشجار لعزل مكتبات المدينة وما فيها من مخطوطات مخطوطاتها عن الصحراء الزاحفة.
ورغم إعادة زراعة بعض الأشجار، إلا أن هناك مؤشرات قليلة على أنها ساهمت في وقف زحف الصحراء. فقد يستغرق الأمر سنوات حتى تنمو الجذور الرئيسية بعمق كافٍ في الأرض للوصول إلى المياه الجوفية، حيث تنتظر شنقيط قدرها وسط زحف الرمال المستمر. وفي هذا السياق يقول ملينين ميد الولي: "نحن مقتنعون بأن التصحر هو قدرنا. ولكن لحسن الحظ، لا يزال هناك أشخاص مقتنعون أيضا بإمكانية مقاومته".
إعلان