السودان بخير يا هؤلاء وهؤلاء ولن يصيبه ضير باذن الله سبحانه وتعالي مادام فيه هذه النماذج المشرفة التي تعطي من غير من أو اذي ولا تستبق شيئا !!..

المكان مطار القاهرة الدولي ، الزمان الاربعاء ٢٠٢٤/٨/٢٨ الساعة الثانية عشرة عند منتصف الليل .
كنا نقف أنا وزوجتي وابني وصهري أمام بوابة المغادرة رقم ( ٢ ) لوداع بنتي واحفادي المتجهين الي مقر إقامتهم في امريكا بعد أن قضوا معنا شهرا من اجازة المدارس والتقوا بنا هنا في القاهرة البلد الكريم المضياف الذي استقبلنا بكل الحب والاحترام بعد أن شاهدنا في بلدان كثيرة صديقة وغير صديقة كيف أنهم يضيقون علي مواطنينا الذين تقطعت بهم السبل بسبب هذه الحرب اللعينة العبثية الملعونة المنسية !!.

.
ونحن في وقفتنا تلك أمام البوابة ننتظر الإشارة من بنتنا بأن إجراءتها مضت في سهولة ويسر وعندها وبعد الاطمئنان علي أن كل شيء ( تمام التمام ) يمكننا العودة الي البيت ، وقد وصلنا منها مايفيد بأنها قد أكملت كل الإجراءات من وزن للامتعة وانهاء المعاملات مع كاونتر الجوازات وهم في طريقهم الي الصالة في انتظار إقلاع الطائرة التي أمامها أكثر من ساعتين للمغادرة .
نعود لوقفتنا أمام صالة المغادرة رقم ( ٢ ) وفجأة وقف أمامنا رجل سوداني بجلبابه الأصفر الناصع وطاقيته ( المحكرة ) بعناية وبكل هدوء ورزانة بعد أن احسن في إلقاء السلام علينا بالطريقة السودانية البلدية المعروفة التي تشعرك بأن الشخص الذي أمامك انك تعرفه منذ أعوام ... قال :
( آسف ياجماعة علي الازعاج ، ارجو ان يكون معكم مبلغ ٣٥ دولار يحتاجها ابني المسافر للامارات وهي عبارة عن غرامة لانه كما يقال ( كسر فيزا ) بمعني أنه تجاوز مدة الإقامة المسموح له بها ، ورفضوا استلام المبلغ بالعملة المصرية وذهبت للصرافة لكن علي حسب مافهمت أنهم يمكن أن يأخذوا منك الدولار مقابل عملتهم ولكن ليس العكس فاسقط في يدي ولم يبق لي الا التوكل علي الله سبحانه وتعالى والخير كل الخير في اهلي السودانيين وسوف اعطيكم مقابل ال ٣٥ دولار عملة مصرية مع جزيل الشكر والاحترام .
تاسفنا له غاية الاسف وكم تمنينا من صميم قلوبنا لو كان معنا هذا المبلغ الذي يحتاجه ابنه في هذا الظرف الصعب وقد أوقفوا إجراءات سفره وربما يفقد سفريته في ذاك اليوم ، وقلنا له نحن بالمطار لوداع بنتنا ولا نحمل غير أجرة ( الترحال ) !!.
قال : ( اشكركم على كل حال وانا متاكد انكم لن تقصروا معي لو كان معكم المبلغ المطلوب ) !!..
بعد مدة أمرنا الشرطي الواقف أمام الصالة بأن نرجع الي الاستراحة وان نظل هنالك إذا كان هنالك ثمة سبب يدعونا الي الانتظار وفعلا كنا نحتاج أن نتريث حتي نسمع من بنتنا أن أمورها داخل غرفة المغادرة تسير بصورة طيبة .
وطفقنا نتحدث في مواضيع شتي تزجية للوقت والحديث بيننا يدور في شجون أطل علينا أخونا السوداني الباحث عن ال ٣٥ دولار والذي كان في حالة من القلق ولكن كان أمله في الله سبحانه وتعالى قويا وراسخا بأن يجعل له من بعد عسر يسرا.
خاطبنا والبشر يعلو وجهه وقبل أن يفتح فاه بكلمة سألناه بلهفة كبيرة :
حصل شنو ؟! إن شاء الله خير .
قال وكله ايمان وعرفان وصدق وثقة بالله سبحانه وتعالى :
( وجدت أخا سودانيا واقتربت منه وعرضت عليه مشكلتي مثلما عرضتها عليكم ، ومن غير تردد ومن غير سين وجيم ومن غير مقدمات وضع هذا الرجل الذي لم أره في حياتي في يدي ورقة من فئة المائة دولار وأقسم أن لا يأخذ مقابلها اي شئ وعبثا حاولت أن أفهمه أن كل المطلوب هو ٣٥ دولار لحل الاشكال وسوف ندفع له مقابلها بالجنيه المصري والحمد لله المبلغ متوفر ولك من الله سبحانه وتعالي خير الجزاء إذا استبدلت لنا هذه بتلك) !!..
واصل أخونا السوداني حديثه :
( هذا الرجل الشهم اختصر الحديث وغادر المكان مسرعا قائلا : هذا المبلغ هدية مني لابنك والهدية لا تهدي ولا تباع ومازاد غير مع السلامة ربنا يوصل ابنك بالسلامة ) .
واصل أخونا السوداني الذي لم تكن الدنيا تسعه بسبب حل الاشكال وبسبب هذا الإنسان الذي هو علامة مميزة وماركة مسجلة للسوداني الذي عرفه العالم أجمع بالشهامة والكرم والايثار وقضاء حوائج الناس وهي أعمال اختص الله سبحانه وتعالى بها عباده الصالحين الامنين يومئذ من عذابه بحوله وقوته وعظمته وجبروته.
السؤال موجه لكل الأمة السودانية في النزوح واللجوء ومع المرض والجوع والسيول وهذه الحرب المدمرة ... هل فقدنا رغم كل هذه المرارات والاهوال مما يشيب له الولدان وتتفتت له الجبال الراسيات ... هل فقدنا كرامتنا ونخوتنا واصالتنا وعاداتنا وتقاليدنا السمحة التي عرفنا بها بين الأمم ... كلا ثم كلا ومازلنا بخير والحمد لله ومابنا إن شاء الله شدة وتزول وهذا هو النصر الحقيقي لشعب كريم مفضال تكالبت عليه الأعداء ولكن هيهات !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي.
معلم مخضرم

ghamedalneil@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الله سبحانه وتعالى ٣٥ دولار من غیر

إقرأ أيضاً:

إسحاق فضل الله: (..) هؤلاء فكروا فى بيع جثتي للإمارات وخرجت من العيلفون على متن “درداقة”

(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
الكاتب الصحفي إسحاق أحمد فضل الله لـ(الكرامة):
(…..) هؤلاء فكروا فى بيع جثتي للإمارات…
خرجت من العيلفون على متن “درداقة”
المخابرات السعودية حاولت فى استدراجي بهذه الطريقة(…….)
هاجمني 3 من الميليشيا بالرشاشات وهذا ما حدث ……
“تقدم” شعبيًا انتهت
فقدت مكتبتي التي كنت أجمع فيها 50 عامًا
لما رأيتُ الجنجويد عرفت معنى الآية (….)
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
ضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الكاتب الصحفي إسحاق أحمد فضل الله، الذي كان مُريضا وأخرجه صديقه من منطقة العيلفون على متن “درداقة”:
أين كنت اليوم الأول؟
كنت في المنزل مريضا وخرجت.
لحظة اندلاع الحرب؟
من قبل الحرب بأسبوعين بدأوا انتشارًا كثيفًا في مناطق شرق النيل، وبالتالي لم أتفاجأ أبدًا باندلاع هذه الحرب، ولكن لم يكن الناس يتخيلون كل هذا العدد والسلاح الذي لديهم، فهم مائة مرة ضعف ما كان يتصوره الناس.
كيف علمت بنبأ الحرب؟
كانوا جاهزين و”خشوا” علينا بالرشاشات.
متى غادرت العيلفون؟
ثاني يوم مباشرة.
كيف غادرتها؟
كما ذكرت لك كنت مريضا وغادرت على متن “درداقة”، حيث أقلني صديق عبرها وأخرجني من العيلفون.
أين كانت الوجهة؟
مشينا الحصاحيصا.
كم مكثت في الحصاحيصا؟
شهرانِ.
ثم ماذا؟
جينا كسلا.
الحرب طالت؟
طالت لأنّ الإمارات فوجئت هي والميليشيا بعكس ما توقعوه بوجود جيش قوي وصلب أحبط المؤامرة، حتى أمريكا نفسها أوهمت الإمارات والتمرد بأن يوقعوا في جدة لأنهم (بعد شوية ما حيلقوا الجيش ذاتو)، ولكنّ الجيش كان قويًا ومازال يدافع عن الوطن وسينجح في مبتغاه.
ماذا خسرت في الحرب؟
الحمد لله ما خسرنا أرواحًا لكن خسرنا البيت و”الموبايلات” لكن ما في قروش ذاتو يسرقوها.
عادة فقدتها مع الحرب؟
مكتبتي التي أجمع فيها منذ 50 عامًا.
مأساة عايشتها أيام الحرب؟
حجم المأساة التي أصابت البلاد والعباد لا يستطيع حتى المؤرخين تدوينها، لأنّه (إذا في مليون نازح أو لاجئ معناها دي براها مليون قصة معاناة).
الموت هل أقترب منك؟
الموت اقترب مني “زمان، وهسي وكتير”، عادي أنا والموت “بقينا أكتر من قرايب”، لكنّ الأجل ما تمّ.
تفاصيل اليوم الأول؟
القصف من اليوم الأول دمر محول الكهرباء الذي يقع بالقرب من منزلي، وفي ذات اليوم دخل عليّ 3 من الميليشيا وهم مدججون بالسلاح ولكنّ الأجل ما تمّ.
يعني خلوك؟
كان همهم يطلعوا الناس من البيوت “الزمن داك”.
ما عرفوا هُويتك؟
لم يعلموا، ولكن بعد أسبوعٍ جاءوا يفتشوا عني بالاسم في العيلفون.
قراءتُك للمشهد على ضوء المتغيرات التي تطرأ بين الحين والآخر؟
لو في اليوم في 40 هجومًا بمناطق مختلفة بتلقى 37 للجيش، (الناس ديل منسحبين بشكل عجيب وشوية شوية ما حيقدروا يتحركوا) ، اليوم الثلاثاء، ومثلًا في آخر هجوم والطيران الآن مرتاح جدًا، و(يحاولوا يدخلوا أسلحة، والسعودية رسلت دعم للجنجويد الكنا بندافع عنها أمام الحوثي) .
أيامٌ صعبة؟
(أنا بعرف حاجة واحدة بس الناس لازم يصدقوا ربهم، الآن أي زول يقول أنا مسلم، لكن عمليًا يكذبون ربهم ويقول صدق الله العظيم بلسانه ولكن عمليًا يكذبون القرآن، والله الناس ما مصدقين الله يصدقوا إسحاق أحمد فضل الله).
ما يجري ابتلاءات؟
ما يحدث الآن أنّ الله يريد إرجاع السودانيين لدينهم.
“السودانيون” هل فقدوا الثقة في النخب والقوى السياسية؟
(هسي” ما في سيرة لها على الإطلاق، واللذيذ الكان بشتموا الكيزان “هسي ما لقوا غير الكيزان والجيش البدافعوا عن البلد، العندو جهة تانية يورينا).
الكتابة أيام الحرب؟
كل يوم يومين بكتب في “الواتس”، ولكن فقدنا ورق الجرائد ما في جرائد.
هل سيعود الوطن قريبًا؟
نعم سيعود قريبًا جدًا، لأنّ طبيعة الحرب التي تدور الآن تتميز بالحسم والإبادة.
مجموعة “تقدم”؟
نعم شعبيًا انتهت، وحتى الدول التي كانت تدعمهم نفضت أياديها منهم، لأنها اكتشفت بأنّهم بلا قيمةٍ أو تأثير.
هل تعرضت للتهديد والوعيد في هذه الحرب؟
“الخلايا” كانوا قد فكروا فى أن يبيعوا جثمان إسحاق أحمد فضل الله للإمارات، لكن كثيرًا من إخواننا شكلوا لي حمايةً، (واحد من أصدقائي في مخابرات السعودية ما عارف دفعوا له ليعمل لي دعوة للسعودية وطلع الجواز وكل التكاليف قام بها، واكتشفت لاحقًا أنها شرك لاستدراجي للمخابرات السعودية).
ألم تفكر في مغادرة البلاد؟
أبدًا.. وأنا آخر من يغلق الباب (لمن الناس يطلعوا كلهم).
هذه حربٌ مختلفة؟
بكل ما فيها.
عاصرت حرب الجنوب ثم هذه التجربة الآن؟
ما عرفت معنى الآية (ثم رددناه أسفل سافلين) إلّا لما رأيتُ الجنجويد، وحرب الجنوب كانت أخفّ قدرًا بما لا يقاس.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • لأول مرة.. دولة تمنح 34 ألف دولار للمهاجر الذي يتخلى عن إقامته وجنسيته ويغادرها
  • دولة تمنح 34 ألف دولار للمهاجر الذي يتخلى عن إقامته ويغادرها
  • دولة أوروبية تعلن منح 34 ألف دولار للمهاجر الذي يغادرها
  • نرجو من الله سبحانه وتعالى الخير كل الخير في العام الدراسي الجديد وان يتوقف هدير المدافع ويعلو صوت الأقلام والكراريس والكتب
  • بينهم عراقيون.. دولة تمنح 34 ألف دولار للمهاجر الذي يتخلى عن إقامته ويغادرها
  • إسحاق فضل الله: (..) هؤلاء فكروا فى بيع جثتي للإمارات وخرجت من العيلفون على متن “درداقة”
  • تهنئة المولد النبوي مكتوبة.. كل عام وأنتم بخير
  • لأول مرّة.. أمريكا تقدّم مساعدات كاملة إلى مصر بنحو ملياري دولار
  • اين اختفى هؤلاء ؟!
  • وول ستريت جورنال: ما هو الدولار الظلي الذي يغذي عالم المال السري؟