سودانايل:
2025-04-30@20:14:13 GMT

نجيب محفوظ.. كتابً مرقوم

تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
بمناسبة الذكرى ال 18 عام على رحيله
نجيب محفوظ.. كتابً مرقوم

تُبيّن الكتابةُ في أسمى مراقيها حالة تتجاوز الذات للتفاعل مع الكل. بأمر من ضمير حي. وانشغال بهَمٍّ تتوه فيه الرؤى وتُحارُ فيه العقول، فينبري خاصة الناس لفعل الكتابة ليبيّنوا للناس ما إستغلق عليهم أو حاروا في أمره، وما فهموا له مدخلا من مخرج.

هكذا تكون وظيفة الكتابة عندما يهم بها أهل البصر والإعتبار.. وعندما تكون رسالة يضطلع بها من نال من رَوَحِ الله نفحةً أو نفخةً.. فقد إصطفى الله إستاذنا نجيب محفوظ بما خصه من ملكة الكتابة بوصفها فعل تنويري، لا مجرد تعبير فقط. فالكتابة التي أبدعها نجيب محفوظ في مسيرته الفنية الأدبية كرائد للفن الروائي العربي هي خليط بين العبارة والإشارة.. فالعبارة عنده إطناب لرصد حادثات الحياة اليومية بكل تفاصيلها بما تحمله الفهوم على ما بها من محدودية لتجعل المعنى مغلقاً ونهائياً لا يشكل فهمه، ولا يلتبس إلا بمقدار ما تحويه مقتضيات الكتابة الفنية من رموز تستثير العقل وتحفزه على التفكير... أما الإشارة عنده فتحمل في مضمونها إيحاء بالمعنى يجعله يتسم على الدوام بالإنفصال على شتى المعاني... وقد تكون الكتابة بالإشارة على عكس العبارة وقفاً على الخاصة من أهل الفهوم.. وفي كليهما أبدع استاذنا نجيب محفوظ بما يجعل الحياة ارتقاءا طويلا بكل ما تحتوي من اجتماع وسياسة وتاريخ ودين وفلسفة وصراعات وضَراعات وآمال وعذابات. فقد جسد الأستاذ نجيب محفوظ في مسيرته الإبداعية كل تلك الموصوفات بالحياة من خلال مواقف حشدها بالمدهش والمثير والعادي والمتجاوز حتى لكأنه ما فرط في حياة البشر من آمال و شعور إلا وتعهده بتصوير ورصد في كتاب مرقوم، مطرز بعالي اللغة وشاعريتها، وبالِغ الحكمة ومنتهى جدارتها. مكتنز بالمعاني الفلسفية وما تقدحه في الأذهان مما إسترقَّ و/أو إستدقَّ من استفزازات ورؤى ومفاهيم.. وقد بلغ في ذلك مبلغا توقف عند حافة عتباته الأفذاذ من عتاة الروائيين، وجهابذة الأدب. فعندما هَمّ بكتابة شذرات من سيرته الذاتية التي أحجم عن سردها بالطريقة التقليدية المعتادة، فذهب فيها مذهبا يخالف فيها المألوف والمرعي إذ عمد الي طريقة مبتكرة رسم بها ذاته من خلال شخصية(عبد ربه التائه) وفي الإسم دلالات وإشارات حيث حملت معالم الشخصية تناقضات جمعت بين مواجد المتصوفة وعربدة الصعاليك، فأنطقه نجيب محفوظ بعصارة الحكمة التي حصدها عبر سني تحصيله المعرفي بالإطلاع الموسوعي وما بثه الإله في روعه من مجامع الرؤى الفلسفية والحكمة بقصد واضح أن تكون شخصية عبد ريه التائه هي نهاية حكاية الأديب عندما يصل مرافئ الختام في كتابه (أصداء السيرة الذاتية). فحمله بالإشارة مكنونات تلك المعارف السامقة، وفصوص الحِكم الباذخة . إذ نقرأ معه نُتفاً من تلك الأصداء على لسان عبده ربه التائه حيث يقول
:(لا تلعنوا الدنيا فهي تكاد ألا يكون لها شان بما يقع فيها).
ويقول: (الصديق الذي يندر أن نرحب به هو الموت).
ويقول :(ما نكاد نفرغ من إعداد المنزل حتى يترامى لنا لحن الرحيل)
ويقول :(في الكون تسبح المشيئة، وفي المشيئة يسبح الكون)
ويقول :( آهٍ من تلك المرأة الجميلة، التي لا وفاء لها. فلا هي تشبع، ولا عشاقها يتعظون)
ثم يقول: (أقرب ما يكون الإنسان الي ربه، وهو يمارس حريته بالحق)
ثم يقول بلسان من يطرق أجراس النهاية لغاية الوجود :(رأيت الموت في هيئة شيخٍ فانٍ وهو يقول معاتباً " لو كففت عنكم عملي عاماً واحداً، لإنتزعتُ منكم الإقرار بفضلي)
ويقول وهو يعتصر خلاصة الحكمة من لطف الله الخفي الذي يتمرغ في نعيمه بني البشر :(لولا همسات الأسرار الجميلة السابحة في الفضاء، لأنقضّت الشهبُ على الأرض بلا رحمة)
ثم ومن معين نبع صوفي هادئ المعاني تابت القيم يقول :(لا يوجد أغبى من المؤمن الغبي، إلا الكافر الغبي).
لقد انعقدت لإستاذنا نجيب محفوظ زعامة الرواية العربية بدأبه على إنتاج مشروع روائي قدم فيه أُمثولات تجاوزت المألوف من الحكي ليبدع عالما كونياً من الحارة والقهوة والغرزة والعوالم ونفحات الذكر والأساطير والفتوات واختلاجات الأنفس - خيراً وشراً - ومعمعان السياسة وألاعيب لاعبيها والتطلعات والاحباطات في قوالب فنية قوامها شاعرية اللغة ودقة المعاني وعمق الإشارات.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

كتاب بغلاف مصنوع من جلد قاتل أُعدم قبل نحو 200 عام.. ما قصته؟

سلط تقرير نشره موقع "بي بي سي نيوز" الضوء على اكتشاف صادم في متحف سوفولك بالمملكة المتحدة، حيث تبين أن غلاف أحد الكتب المعروضة مصنوع من جلد قاتل أُعدم علنا قبل ما يقرب من قرنين من الزمن.

وأشار التقرير إلى أن الكتاب المحفوظ في متحف قاعة مويس ببلدة بوري سانت إدموندز، كان لسنوات طويلة موضوعا منسيا على أحد رفوف المكتبة، قبل أن يتبين أن جلده مستخلص من جثة ويليام كوردر، الذي أُدين بقتل امرأة تُدعى ماريا مارتن عام 1827، في جريمة هزت المجتمع البريطاني حينها وعُرفت باسم جريمة قتل "الحظيرة الحمراء".

وبحسب القائمين على المتحف، أُعدم كوردر علنا عام 1828، وشُرحت جثته بعدها. وقد استُخدم جزء من جلده لتجليد كتاب يوثق محاكمته، سلّمه لاحقاً ورثة الجرّاح الذي أجرى التشريح إلى المتحف في ثلاثينيات القرن العشرين.



لكن المفاجأة جاءت العام الماضي، حين عُثر على نسخة ثانية من الكتاب، يُعتقد أنها أيضا مغطاة بجلد كوردر، حيث كانت مخزنة بهدوء في مكتب المتحف، وقد جرى عرض النسختين معا للزوار.

وتعود قصة الجريمة إلى بداية القرن التاسع عشر، حين كان كوردر، وهو شاب من عائلة مزارعين ميسورة، على علاقة بماريا مارتن، التي كانت تعيش مع أسرتها في قرية بولستيد.

خطط كوردر للهرب مع ماريا وتزوجها سرا، ودعاها إلى اللقاء في "الحظيرة الحمراء"، حيث قتلها بإطلاق النار على عنقها، ودفن جثتها هناك. لاحقا، فر كوردر إلى ضواحي لندن وادعى لعائلة ماريا عبر رسائل أنهما هربا إلى جزيرة وايت.

وبعد عام تقريبا، دفعت رؤيا حلمت بها زوجة والد ماريا العائلة إلى البحث عنها، ليُعثر على رفاتها مدفونة في مكان اللقاء.


وتمكنت السلطات من القبض على كوردر، الذي زعم أثناء محاكمته أن ماريا قد تكون قتلت نفسها، قبل أن يعترف لاحقا بأنه أطلق النار عليها خلال مشادة كلامية.

وتشير التقديرات إلى أن ما بين سبعة إلى عشرة آلاف شخص احتشدوا لمشاهدة إعدامه يوم 11 آب /أغسطس 1828، في مشهد غريب طغت عليه أجواء أشبه بالاحتفال، حيث كان الغناء والرقص حاضرين، بل عُرضت أجزاء من حبل الإعدام للبيع.

ولفت دان كلارك، مسؤول التراث في متحف قاعة مويس، إلى أن تدافع الجماهير كان هائلا لدرجة أن السلطات اضطرت لهدم جزء من سور السجن لإخراج كوردر إلى منصة الإعدام المؤقتة، حسب التقرير.

مقالات مشابهة

  • تايمز: هكذا ينظر كتاب بريطانيون لأداء ترامب بعد 100 يوم من الحكم
  • المراجعات الفكرية الثاقبة.. زكي نجيب محمود مثالًا
  • برشلونة يتحدى إنتر ميلان.. التاريخ ماذا يقول؟
  • محمود حميدة: اللي بيعمل فيلم عن المخدرات والإرهاب ويقول بقاوم الظاهرة دي كذاب
  • غروندبرغ يدعو لحماية المدنيين والبنية التحتية ويقول إن واشنطن فتحت تحقيقا في الحادثة
  • مرة تغلبني الكتابة
  • القضاء على حماس والنصر المطلق.. ماذا يقول مسؤولون ومحللون إسرائيليون؟
  • ورشة حول الكتابة الصحفية بالجامعة القاسمية
  • نجيب ساويرس يوجه رسالة إلى حماس.. اعرف ماذا قال
  • كتاب بغلاف مصنوع من جلد قاتل أُعدم قبل نحو 200 عام.. ما قصته؟