سودانايل:
2025-01-18@07:57:31 GMT

نجيب محفوظ.. كتابً مرقوم

تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT

كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
بمناسبة الذكرى ال 18 عام على رحيله
نجيب محفوظ.. كتابً مرقوم

تُبيّن الكتابةُ في أسمى مراقيها حالة تتجاوز الذات للتفاعل مع الكل. بأمر من ضمير حي. وانشغال بهَمٍّ تتوه فيه الرؤى وتُحارُ فيه العقول، فينبري خاصة الناس لفعل الكتابة ليبيّنوا للناس ما إستغلق عليهم أو حاروا في أمره، وما فهموا له مدخلا من مخرج.

هكذا تكون وظيفة الكتابة عندما يهم بها أهل البصر والإعتبار.. وعندما تكون رسالة يضطلع بها من نال من رَوَحِ الله نفحةً أو نفخةً.. فقد إصطفى الله إستاذنا نجيب محفوظ بما خصه من ملكة الكتابة بوصفها فعل تنويري، لا مجرد تعبير فقط. فالكتابة التي أبدعها نجيب محفوظ في مسيرته الفنية الأدبية كرائد للفن الروائي العربي هي خليط بين العبارة والإشارة.. فالعبارة عنده إطناب لرصد حادثات الحياة اليومية بكل تفاصيلها بما تحمله الفهوم على ما بها من محدودية لتجعل المعنى مغلقاً ونهائياً لا يشكل فهمه، ولا يلتبس إلا بمقدار ما تحويه مقتضيات الكتابة الفنية من رموز تستثير العقل وتحفزه على التفكير... أما الإشارة عنده فتحمل في مضمونها إيحاء بالمعنى يجعله يتسم على الدوام بالإنفصال على شتى المعاني... وقد تكون الكتابة بالإشارة على عكس العبارة وقفاً على الخاصة من أهل الفهوم.. وفي كليهما أبدع استاذنا نجيب محفوظ بما يجعل الحياة ارتقاءا طويلا بكل ما تحتوي من اجتماع وسياسة وتاريخ ودين وفلسفة وصراعات وضَراعات وآمال وعذابات. فقد جسد الأستاذ نجيب محفوظ في مسيرته الإبداعية كل تلك الموصوفات بالحياة من خلال مواقف حشدها بالمدهش والمثير والعادي والمتجاوز حتى لكأنه ما فرط في حياة البشر من آمال و شعور إلا وتعهده بتصوير ورصد في كتاب مرقوم، مطرز بعالي اللغة وشاعريتها، وبالِغ الحكمة ومنتهى جدارتها. مكتنز بالمعاني الفلسفية وما تقدحه في الأذهان مما إسترقَّ و/أو إستدقَّ من استفزازات ورؤى ومفاهيم.. وقد بلغ في ذلك مبلغا توقف عند حافة عتباته الأفذاذ من عتاة الروائيين، وجهابذة الأدب. فعندما هَمّ بكتابة شذرات من سيرته الذاتية التي أحجم عن سردها بالطريقة التقليدية المعتادة، فذهب فيها مذهبا يخالف فيها المألوف والمرعي إذ عمد الي طريقة مبتكرة رسم بها ذاته من خلال شخصية(عبد ربه التائه) وفي الإسم دلالات وإشارات حيث حملت معالم الشخصية تناقضات جمعت بين مواجد المتصوفة وعربدة الصعاليك، فأنطقه نجيب محفوظ بعصارة الحكمة التي حصدها عبر سني تحصيله المعرفي بالإطلاع الموسوعي وما بثه الإله في روعه من مجامع الرؤى الفلسفية والحكمة بقصد واضح أن تكون شخصية عبد ريه التائه هي نهاية حكاية الأديب عندما يصل مرافئ الختام في كتابه (أصداء السيرة الذاتية). فحمله بالإشارة مكنونات تلك المعارف السامقة، وفصوص الحِكم الباذخة . إذ نقرأ معه نُتفاً من تلك الأصداء على لسان عبده ربه التائه حيث يقول
:(لا تلعنوا الدنيا فهي تكاد ألا يكون لها شان بما يقع فيها).
ويقول: (الصديق الذي يندر أن نرحب به هو الموت).
ويقول :(ما نكاد نفرغ من إعداد المنزل حتى يترامى لنا لحن الرحيل)
ويقول :(في الكون تسبح المشيئة، وفي المشيئة يسبح الكون)
ويقول :( آهٍ من تلك المرأة الجميلة، التي لا وفاء لها. فلا هي تشبع، ولا عشاقها يتعظون)
ثم يقول: (أقرب ما يكون الإنسان الي ربه، وهو يمارس حريته بالحق)
ثم يقول بلسان من يطرق أجراس النهاية لغاية الوجود :(رأيت الموت في هيئة شيخٍ فانٍ وهو يقول معاتباً " لو كففت عنكم عملي عاماً واحداً، لإنتزعتُ منكم الإقرار بفضلي)
ويقول وهو يعتصر خلاصة الحكمة من لطف الله الخفي الذي يتمرغ في نعيمه بني البشر :(لولا همسات الأسرار الجميلة السابحة في الفضاء، لأنقضّت الشهبُ على الأرض بلا رحمة)
ثم ومن معين نبع صوفي هادئ المعاني تابت القيم يقول :(لا يوجد أغبى من المؤمن الغبي، إلا الكافر الغبي).
لقد انعقدت لإستاذنا نجيب محفوظ زعامة الرواية العربية بدأبه على إنتاج مشروع روائي قدم فيه أُمثولات تجاوزت المألوف من الحكي ليبدع عالما كونياً من الحارة والقهوة والغرزة والعوالم ونفحات الذكر والأساطير والفتوات واختلاجات الأنفس - خيراً وشراً - ومعمعان السياسة وألاعيب لاعبيها والتطلعات والاحباطات في قوالب فنية قوامها شاعرية اللغة ودقة المعاني وعمق الإشارات.
د. محمد عبد الحميد

wadrajab222@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

تعليم قنا تعلن نتيجة الكتابة العلمية لطلاب ستيم

أعلن توجيه عام المكتبات المدرسية بمديرية التربية والتعليم بقنا، نتيجة مسابقة الكتابة العلمية لطلاب مدارس المتفوقين في العلوم والتكنولوجيا (STEM)، والتي نظمها التوجيه تحت رعاية هاني عنتر الصابر وكيل تعليم قنا، وإشراف سومية عبد الفتاح مدير عام الشئون التنفيذية، وأعدها وشارك في تقييمها ناجح عبد الحميد حسن موجه عام المكتبات بالمديرية وأعضاء التوجيه.

وأسفرت المسابقة عن فوز محمد عبد الوهاب فتحي في المقال عن " التعديل الجيني وعلاج الأمراض الوراثية " بالمركز الأول، و هالة احمد محمد عن " الطاقة النووية " بالمركز الثاني.

والطالبة ندى عادل علي التي ساهمت بقصة خيال علمي عن " اجتماع العوالم" بالمركز الثالث، وصفوة عبد الجواد مسلم وقصتها في الخيال العلمي بعوان " فكرة عن عالم غير مرئي " بالمركز الرابع.

ووجه وكيل وزارة التربية والتعليم التهنئة إلى الطلاب الفائزين وإلى هيئة الإشراف التي رعت ودعمت تلك المواهب، منوهاً أنهم يمثلون علماء المستقبل الذين يقع على عاتقهم النهوض بالوطن وتحقيق تفوق علمي يعزز تواجد العلماء المصريين بشكل فاعل ومؤثر في مختلف بلدان العالم.

مقالات مشابهة

  • مواطن جنوب سوداني يناشد مواطني بلاده بعدم الاعتداء على السودانيين ويقول: “كفاية”
  • من أمام مطعم لو شيف بالجميزة.. ماكرون يتذوّق فطائر بالسبانخ ويقول عاش لبنان
  • نجيب ميقاتي: الرئيس الفرنسي وعد بدعم الحكومة اللبنانية الجديدة
  • تعليم قنا تعلن نتيجة الكتابة العلمية لطلاب ستيم
  • أنشيلوتي يصطدم مع ريال مدريد ويقول: «لست غبياً»!
  • وزارة الثقافة تكرم اسم صبري موسى في متحف نجيب محفوظ الأحد المقبل
  • إطلاق جائزة المقال الصحفي لدعم النشاط الإبداعي في الكتابة
  • عبدالصمد: يجب على الحكومة أن تكون اكسترا برلمانية
  • فيديو| خلال مشاركته.. تعليق لافت من نجيب ساويرس عن جائزة نوابغ العرب
  • احذروا من حكم الأثرياء.. جو بايدن يطوي خمسة عقود من العمل السياسي ويقول وداعًا