لا تتوقف المستعمرات الفرنسية السابقة في أفريقيا عن إظهار عدم رضاها عن السياسات التي تنتهجها باريس إلى الآن بحقها. وتزامنا مع الانقلاب العسكري في النيجر والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم المحتجز بالقصر الرئاسي منذ ذلك الحين، بدأ تراجع النفوذ الفرنسي في القارة السمراء بالتجلي أكثر من أي وقت مضى، فيما ظهرت ملامح أياد روسية تسعى لملء الفراغ الذي يُحدثه التراجع الفرنسي في أغنى قارات العالم.



وفيما أعلنت باريس أنها تدعم بـ"حزم" جهود المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" لإحباط الانقلاب العسكري الذي لا يخفي عداءه للنفوذ الفرنسي في النيجر، نقلت وكالة  "أسوشيتد برس" عن مسؤول عسكري غربي أن قادة الانقلاب في نيامي طلبوا المساعدة من مجموعة "فاغنر" الروسية.

وتعاني إدارة ماكرون إخفاقات كبيرة في أفريقيا. نتيجة لذلك، بدأت المستعمرات الفرنسية السابقة، التي تضررت من سياسات فرنسا، في إظهار استيائها من الاحتجاجات المناهضة ومحاولات الانقلاب.

مناطق تراجع النفوذ الفرنسي

في ظل ذلك، يبرز النفوذ الروسي المتصاعد في القارة الأفريقية، والمتمثل في معظم نواحيه بمجموعة فاغنر العسكرية الروسية على أنها عنصر يزيد من النفوذ الروسي في أفريقيا، وسط إقبال متزايد من بعض الدول الإفريقية التي ترزح تحت وطأة مشاكل أمنية عميقة مثل الإرهاب والصراعات الداخلية والانقلابات، على عروض المجموعة الروسية لضمان الاستقرار في مقابل التنازلات الاقتصادية، وما يدفع في هذا التوجه خصوصا أن تلك الدول لا تزال تتذكر وقوف موسكو إلى جانب حركات التحرر الأفريقية خلال حقبة الاتحاد السوفييتي.

ولم يقتصر التعاون مع موسكو في معظم الأوقات على المجال العسكري فحسب، بل امتد أيضا إلى المجال السياسي حيث بدأ الروس في تقديم خدمات الاستشارات السياسية. وبذلك بدأ التنافس بين روسيا وفرنسا يظهر بقوة لاسيما في ضوء انقلاب النيجر.

مالي

وفي سياق انحسار نفوذ باريس، قررت مالي خفض مكانة اللغة الفرنسية، حيث يسعى النظام الحالي لإنهاء الإرث الاستعماري، في الوقت الذي تستعد فيه البلاد لإجراء انتخابات لأول مرة منذ الانقلاب الذي أطاح بالرئيس السابق إبراهيم أبوبكر كيتا في العام 2020، بحسب صحيفة "واشنطن بوست".

كما طردت الحكومة العسكرية في البلاد السفير الفرنسي، وحظرت المنظمات غير الحكومية التي تمولها فرنسا، وأرسلت القوات الفرنسية التي كافحت لمساعدة مالي في قتالها ضد المتطرفين. مثل دول أخرى في منطقة الساحل.

ومن ناحية تاريخية، كانت مالي إحدى المستعمرات الفرنسية، بداية من سنة 1904 وحتى استقلالها عام 1960، لكن النفوذ الفرنسي استمر حتى بعد الاستقلال بأشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية عقود متتالية.

غير أن باريس لم تنجح خلال العقد الأخير في منع المحاولات الانقلابية المتكرّرة، والتي بلغت ذروتها مع الانقلاب العسكري عام 2020، حين اعتقل الجيش رئيس الدولة إبراهيم أبو بكر كيتا ورئيس وزرائها، إثر اضطرابات شعبية عمّت البلاد نتيجة استمرار تدهور الحالة الاقتصادية والأمنية. وبالفعل، بدأت فرنسا انسحابها العسكري من مالي. لتفقد بذلك نفوذها الذي استمر هناك عقودا.

بوركينا فاسو

وفي بوركينا فاسو التي علقت فرنسا الأحد، مساعداتها التنموية وتلك المتعلقة بدعم الميزانية المخصصة لها، وذلك بعد أيام من إعلانها ومالي أنهما ستعتبران أي تدخل عسكري، من قبل مجموعة "إيكواس"، في النيجر بمثابة "إعلان حرب".

يؤكد انقلاب أيلول / سبتمبر الماضي، في بوركينا فاسو، تقلص النفوذ الفرنسي في دول غرب أفريقيا، لمصلحة روسيا التي تحاول لعب دورا محوريا في تقليب مشاعر العداء الإفريقية ضد فرنسا من جانب الرأي العام.

لاسيما أن الانقلابيون شددوا حينها على "عزمهم التوجه إلى شركاء آخرين على استعداد للمساعدة في مكافحة الإرهاب"، في إشارة ضمنية إلى روسيا التي رُفعت أعلامها خلال مظاهرات أعقبت الانقلاب.

وتعد بوركينا فاسو إحدى الدول الإفريقية المنتمية لمجموعة دول الساحل الإفريقي، التي تضم كذلك النيجر وموريتانيا ومالي وتشاد. وتمتلئ أراضي تلك الدول بالفرص والثروات. وبدأت روسيا تسلط اهتمامها على دول المجموعة مستغلة في ذلك انحسار الدور الفرنسي في المنطقة؛ حيث قامت بإبرام اتفاقيات تعاون عسكرية مع دول المجموعة كان آخرها مع موريتانيا في 24 حزيران/ يونيو 2021.

الجزائر

وفي سياق متصل، تشهد الجزائر توترا متصاعدا في العلاقات مع فرنسا، في مواضيع عدة يتصل أبرزها بملف الاستعمار الفرنسي.

الجزائر-روسيا
الرئيسان تبون وبوتين يؤكدان على عمق العلاقات الثنائية بين البلدين#الاقتصادية_الأولى pic.twitter.com/meEPqyfWHq — El Iktisadia El Oula - الاقتصادية الأولى (@eliktisadia) June 16, 2023

يأتي ذلك عقب زيارة أجراها تبون إلى روسيا لفتت الأنظار بمدتها وبرنامجها المكثف، إذ امتدت الرحلة 5 أيام بين 13 إلى 17 يونيو/ حزيران، ولم يسبق للرئيس الجزائري أن أدى زيارة خارجية بهذه المدة منذ وصوله الحكم نهاية عام 2019. أظهرت الزيارة سعي الجزائر للبحث عن شراكات جديدة بعيدا عن فرنسا.

صراع النفوذ والتقدم الروسي

زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "المستعمرات السابقة" عقب إعادة انتخابه في عام 2022 في مسعى واضح  لتقليل النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا، وإضفاء صفة "التعامل بين النظراء" على العلاقات مع الدول الإفريقية.

كما وعد سابقا بسياسة إفريقية جديدة، بموجبها ستكون باريس "شريكا استراتيجيا" للقارة السمراء، إلا أن تلك الوعود ظلت بالنسبة لباريس حبرا على ورق، حيث لم تتمكن من إيقاف الانحسار الفرنسي المستمر خصوصا في دول غرب أفريقيا.

بدورها، عملت موسكو المدفوعة نحو العزلة على الساحة الدولية بسبب الحرب في أوكرانيا، على بناء تحالفات تعاون جديدة من أجل البقاء لاعبا مهما في المعادلة الدولية، لاسيما في القارة السمراء.

وبذلك استطاعت زيادة نشاطها خلال وقت قصير في أفريقيا، عبر مجموعة فاغنر، التي ساهمت في توفير حلول للاحتياجات الملحة مثل الاستشارات السياسية والعسكرية ودعم التسلح.

ورغم تنوع المداخل الروسية إلى أفريقياسياسيا واقتصاديا، فإن الملف الأمني والعسكري يعد الرسول الروسي الأكثر قرعا للأبواب الإفريقية؛ حيث استطاعت قوات فاغنر إبرام حوالي 30 اتفاقا وتعاونا أمنيا مع جيوش إفريقية متعددة، كما أن روسيا تستحوذ على نسبة كبيرة من الصادرات الدولية من السلاح تجاه أفريقيا.




يشار إلى أن روسيا ومنذ العام 2010، باتت المورد الرئيسي للتكنولوجيا العسكرية للدول الإفريقية، بل أصبحت فيما بعد أكبر مورد للأسلحة للقارة الإفريقية برمتها، متجاوزة حتى الولايات المتحدة. وكانت النسبة الأكبر لمبيعات الأسلحة الروسية إلى الجزائر (58.64%)، ثم مصر (25.96%)، فأوغندا (5.17%)، والسودان (2.63 %) وأنغولا (2.11%)، بحسب تقرير "الاتجاهات في عمليات نقل الأسلحة الدولية".

ويعد السر وراء انجذاب السوق الأفريقي لمبيعات الأسلحة الروسية أنها ليست مثقلة بشروط الالتزام بقوانين حقوق الإنسان ولا التقيد بالإصلاحات السياسية والتعددية الحزبية والتزام حقوق الإنسان. وتظهر الإحصائيات أن من بين أكبر أربعة موردي أسلحة لأفريقيا في 2017 أتت روسيا في المرتبة الأولى بنسبة 37.6 بالمئة، تلتها الولايات المتحدة 16.3 بالمئة، وفرنسا 14.6 بالمئة، ومن ثم الصين 9.2 بالمئة، وفقا للتقرير السابق.

مناطق النفوذ الروسي

تزعم وكالة بلومبيرغ الأمريكية، استناد إلى مصادر لم تسمها، أن قوات فاغنر تتمركز في عشر دول إفريقية منها: السودان، جمهورية أفريقيا الوسطى، ليبيا، زيمبابوي، أنغولا، مدغشقر، غينيا، غينيا بيساو، موزمبيق وربما في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

فيما تأكد الأناضول أن فاغنر تنتشر في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق، بهدف "تدريب الجيوش المحلية وحماية كبار الشخصيات وحراسة مناجم الذهب والماس واليورانيوم في المناطق الساخنة".

جمهورية أفريقيا الوسطى

وعلى رأس مناطق سيطرة "فاغنر" الروسية، تأتي جمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تتحكم المجموعة في المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، في ظل سياسة روسيا للسيطرة على الموارد الطبيعية. ومنذ 2018، يتواجد في الجمهورية الإفريقية، المئات من الجنود الروس وعناصر فاغنر تحت اسم "مدرب عسكري"، لكن موقع "ذي أفريكا ريبورت" قدر عددهم بأكثر من ألف مدرب عسكري وفرتهم الشركة الروسية الخاصة.

كما يحمي عناصر فاغنر مناجم الذهب والماس، ويحصلون على نسبة من العائدات، إذ تقع معظم هذه المناجم شمال شرقي البلاد، منها مناجم قرب مدينة بامباري، في مناطق نفوذ تحالف متمردي "سيليكا"، وغالبيتهم من المسلمين.

ليبيا

وفي ليبيا، ينتشر مقاتلو "فاغنر" في محافظتي سرت والجفرة، ويتمركزون بقاعدة القرضابية الجوية بسرت ومينائها البحري، بالإضافة إلى قاعدة الجفرة الجوية وسط البلاد، بحسب وكالة الأناضول.

وتقدر مصادر أمريكية وأممية عدد مرتزقة فاغنر في ليبيا بنحو ألفي عنصر غالبيتهم من روسيا وشرق أوكرانيا وصربيا، بحسب الوكالة نفسها.


ومن الواضح أن روسيا تدرك تماما مدى التأثير الذي أحدثته التدفقات الكبيرة للاجئين السوريين على السياسة الأوروبية، وبالتالي، فإنها تعمل على أن تعزيز نفوذها على المفاصل الرئيسية في القارة مثل ليبيا والمغرب اللتان تعتبران معبرا لتدفق اللاجئين من أفريقيا، الأمر الذي سيوفر لها مزيدا من النفوذ على أوروبا. وبالتالي فإن روسيا لديها القدرة على إثارة أزمات إنسانية وسياسية لأوروبا بينما تتحدى مجالات النفوذ الأوروبي التاريخي، وفرنسا على وجه الخصوص في أفريقيا.

السودان

وفي البلد الإفريقي الذي يعاني من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أشهر، تنتشر فاغر منذ عام 2017 في السودان تحت غطاء عدة شركات منها "ميروغولد" و"أم إنفست" للتنقيب عن الذهب، بحسب وسائل إعلام سودانية وغربية. كما كانت تنشط في عدة مدن سودانية من ميناء بورتسودان إلى الخرطوم ودارفور، وتولت تدريب أفراد من الجيش السوداني، وأيضا قوات الدعم السريع في إقليم دارفور. 

ويُعد حصول روسيا على قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان مرحلة حاسمة في الاستراتيجية الروسية في منطقة البحر الأحمر وبالتالي القرن الإفريقي؛ لأنها لا تسعى إلى تعزيز علاقاتها التجارية مع السودان بل أيضا بدول المنطقة، واستعادة قوة أسطولها البحري في البحر الأحمر.

موزمبيق

كما تنشط قوات فاغنر في شمال موزمبيق، وبالضبط في مقاطعة كابو ديلغادو الغنية بحقول الغاز الطبيعي، والتي تشهد نشاطا متزايدا لتنظيم "أنصار السنة" الذي أعلن تبعيته لتنظيم "داعش" في 2018.

لكن على عكس باقي الدول الإفريقية، تعاني فاغنر من تحديات تصعّب من مهمتها في موزبيق، حيث خسرت 10 من عناصرها على الأقل في مواجهات مع "داعش وسط أفريقيا"، ما دفعها لتغيير تكتيكها في هذه المنطقة الواقعة قرب خط الاستواء والمعروفة بغزارة أمطارها وكثافة غاباتها.

ويتراوح عدد المتعهدين الروس التابعين لفاغنر ما بين 160 و300 عنصر منذ أيلول / سبتمبر 2019، مزودين بطائرات دون طيار وأدوات عسكرية عالية التقنية لتحليل البيانات. وينتشر عناصر فاغنر في بلدة "موسيمبوا دا برايا" الساحلية، ومنطقتي ناكالا ونامولا القريبتين من كابو ديلغادو، التي تستثمر بها كبرى الشركات العالمية 60 مليار دولار لاستغلال حقول الغاز البحرية، وهي أكبر استثمارات في أفريقيا، وفقا للأناضول.

اليورانيوم في رحى الصراع

وضمن صراع النفوذ على ثروات القارة الإفريقية، توجهت الأنظار عقب انقلاب النيجر نحو مناجم اليورانيوم في البلد الذي يعد بين أوائل الدول المورّدة لهذه المادة.

وبحسب وكالة الأناضول، تمتلك النيجر، التي تنتج نحو 5 بالمئة من الإنتاج العالمي، إجمالي احتياطي يبلغ 311 ألفا و110 أطنان من اليورانيوم. يبلغ معدل حاجة فرنسا لليورانيوم تقريبا نحو 7800 طن بالسنة، لتشغيل 56 مفاعلا في 18 محطة نووية، وهو ما دفعها إلى استيراد اليورانيوم على مدى 50 عامًا من مستعمرتها السابقة النيجر.




وتغطي النيجر 20% من احتياجات باريس، لتمثل بذلك ثالث مورّد يورانيوم لفرنسا بعد كازاخستان وأستراليا بين عامي 2005 و2020، بحسب وكالة "يوراتوم" للتوريد.

في هذا السياق، ذكر موقع موقع "نيوز ري" الروسي، أن فرنسا اتبعت سياسة تعتبرها روسيا، شكلا من أشكال الاستعمار الجديد من أجل ضمان الاستفادة من هذا الاحتياطي. باستخدام القوة الناعمة سيطرت باريس على مستعمرتها السابقة، ونجحت في خفض تكلفة استغلال رواسب اليورانيوم في النيجر بشكل كبير لصالح الطاقة النووية الفرنسية.

وهو الأمر الذي تؤكد روسيا استبعاده عن نهجها في علاقات التعاون المشترك مع دول أفريقيا، حيث تقوم العلاقات مع موسكو على "احترام مبدأ السيادة والتعامل بعلاقة النظراء" دون إخضاع تلك الدول سياسيا أو اقتصاديا، إضافة إلى التزامها بإنهاء الاستعمار، وعدم النظر إلى القارة السمراء على أنها مصدر تهديد في ملف الهجرة، وفقا لاستراتيجية الكرملين.

هل تخلع أفريقيا القيد إلى قيد جديد؟

تُعد أفريقيا غنية بالموارد الطبيعية التي تتراوح ما بين الأراضي الصالحة للزراعة والمياه والنفط والغاز الطبيعي والمعادن والغابات والحياة البرية. وتحتفظ القارة بنسبة كبيرة من الموارد الطبيعية في العالم، سواء من مصادر الطاقة المتجددة أو غير المتجددة. وتُعتبر أفريقيا مصدرا لنحو 30 بالمئة من احتياطيات العالم من المعادن، ونحو 8 بالمئة من الغاز الطبيعي في العالم، ونحو 12 في المائة من احتياطيات النفط في العالم؛ كما أن القارة لديها 40 بالمئة من الذهب العالمي ونحو 90 بالمئة من الكروم والبلاتين، بحسب برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

كما يوجد أكبر الاحتياطيات من الكوبالت والماس والبلاتين واليورانيوم في العالم في أفريقيا. وتملك القارة السمراء 65 بالمئة من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، أي 10 بالمئة من مصادر المياه العذبة المتجددة الداخلية، وفقا للبرنامج.

كما تعتبر أفريقيا ذات أهمية استراتيجية من حيث الدعم الجيوسياسى الذي تقدمه، فالدول الإفريقية تشكل أكبر كتلة تصويت جغرافية داخل العديد من المؤسسات الدبلوماسية والأمنية والاقتصادية العالمية، وبشكل خاص مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبالتالي فإن الدعم الإفريقي مغرٍ وجذاب لأي دولة في العالم.

كل هذه الثروات والثقل الدبلوماسي اللذين تتمتع بهما أفريقيا، جعلا منها هدفا للقوى المتصارعة حول العالم، حيث بقيت الشعوب الإفريقية ترزح تحت وطأة الفقر وانعدام الخدمات والتدهور الاقتصادي والحروب والمجاعات، بينما تمتد يد القوى التي توالت عليها باختلاف الأزمنة إلى مقدراتها وثرواتها.



وفي العقد الأخير، مع سطوع نجم الصين على الساحة الدولية ورغبتها الواضحة المبنية على خطوات متسارعة لمد نفوذها إلى أفريقيا، مدعومة بفرص اقتصادية تُسيل شهية القارة التي تعاني من عجز كبير في إعادة هيكلة البنية التحتية، إضافة لمحاولة روسيا خلق تكتل إفريقي تابع لها، وبدء تركيا كذلك بالبحث عن موطئ قدم لها عبر مشاريع الإغاثة والتعاون الاقتصادي، بدأ الهوى الإفريقي بالانحسار عن الولايات المتحدة والدول الغربية لصالح قوى جديدة تحمل في جعبتها فرصا تعد بحقبة مختلفة.

ومع تراجع النفوذ الفرنسي الذي استطاع مد جذوره في مفاصل القارة عقودا طويلة منذ حقبة الاستعمار المباشر، تتقدم تلك الدول على رأسها روسيا، نحو أفريقيا بهدف التحكم بمناجم الذهب واليورانيوم ومصادر الثروات الطبيعية، عبر السيطرة على الحكومات المحلية التي تتوالى انقلابا إثر انقلاب جراء انعدام الأمن وانتشار الإرهاب والتدهور الاقتصادي. وبذلك، لا يُعد انحسار القيود الفرنسية عن دول إفريقية منفذا لوصولها إلى مرحلة الاستقلال التام وترسيخ الديمقراطيات وعودة الثروات إلى شعوب المنطقة، بقدر ما هو عبور من قيد إلى قيد آخر.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات أفريقيا النيجر فرنسا روسيا فرنسا النيجر روسيا أفريقيا سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جمهوریة أفریقیا الوسطى الدول الإفریقیة القارة السمراء الیورانیوم فی بورکینا فاسو فی أفریقیا الفرنسی فی فی القارة تلک الدول بالمئة من فی العالم فی النیجر

إقرأ أيضاً:

هل أضعف الاحتلال نفوذ أمريكا في محاولات وقف إطلاق النار؟

تجاهل الاحتلال الإسرائيلي الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي ودول الوسطاء والولايات المتحدة، لوقف إطلاق النار في حربه المتصاعدة ضد حزب الله والمقاومة في قطاع غزة

ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للصحفيين مايكل بيرنباوم وإلين ناكاشيما وياسمين أبو طالب وكارين دي يونج قالوا فيه إن الفجوة المتزايدة الاتساع بين رغبات واشنطن وأفعال إسرائيل تركت إدارة بايدن تكافح لتكييف جهودها الدبلوماسية.

أولا، تجاهلت إسرائيل الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لفرض وقف إطلاق النار في حربها المتصاعدة ضد حزب الله. ثم قتلت زعيم الحركة المسلحة، حسن نصر الله، في هجوم ضخم، فاجأ واشنطن. والآن، بعد صراع عطلة نهاية الأسبوع لتجنب غزو بري للبنان، تقوم إسرائيل بذلك بالضبط، مما يؤكد تجاهل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتوسلات إدارة بايدن وحدود تأثيرها على أفعاله.

لقد تركت الفجوة المتزايدة الاتساع بين رغبات الولايات المتحدة والسلوك الإسرائيلي الإدارة تكافح لتكييف جهودها الدبلوماسية لاستيعاب دوافع نتنياهو. لقد أصبحت هذه الهوة بين الحليفين واضحة بشكل خاص في الأيام التي تلت وعد البيت الأبيض يوم الأربعاء بأن إسرائيل ولبنان على وشك الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار، فقط لينتهي الأمر إلى مجرد متفرج بينما تعهد نتنياهو في الأمم المتحدة بالقضاء على قدرة حزب الله على تهديد إسرائيل في المستقبل المنظور.


مع تبني العديد من المسؤولين الأمريكيين الآن لنجاح إسرائيل وهي تمضي قدما، بزخم مذهل، في تدهور حزب الله، يبدو أن أحداث الأسابيع الأخيرة تتناسب مع نمط تحث فيه الإدارة على عدم القيام بأفعال إسرائيلية محددة فقط للتراجع لاحقا حتى تتمكن من تجنب فرض شروط على المساعدات العسكرية.

لقد أوضح الرئيس جو بايدن رغبته في وقف فوري للقتال. عندما سئل في البيت الأبيض يوم الاثنين عما إذا كان على علم بأن إسرائيل تستعد لتوغل محدود في لبنان، قال: "أنا أكثر وعيا مما قد تعرفه، وأنا مرتاح لتوقفهم. يجب أن يكون لدينا وقف لإطلاق النار الآن".

تزعم إدارة بايدن أنها كانت قادرة على تشكيل السياسة الإسرائيلية في الأيام الأخيرة، وأخيرا إقناع نتنياهو هذا الأسبوع بشن توغل بري محدود فقط في جنوب لبنان بدلا من الغزو الكامل الذي كان يفكر فيه. لكن المسؤولين الأمريكيين أجبروا مرارا وتكرارا على مراجعة خطوطهم الحمراء، وتبرير القرارات الإسرائيلية بأثر رجعي والتي أعلنوا مسبقا أنها ستكون متهورة.

انقسم المسؤولون الأميركيون حول حكمة الحملة الإسرائيلية ضد حزب الله، وخاصة منذ مقتل نصر الله يوم الجمعة. يقول البعض أنه إذا كان من الممكن توجيه ضربة كبيرة للمنظمة المسلحة دون إشعال صراع إقليمي أوسع يجتذب إيران، فقد يعد ذلك نجاحا. ويركز آخرون بشكل أكبر على المخاطر.


قال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر للصحافيين يوم الاثنين: "نحن بالطبع نواصل دعم وقف إطلاق النار. لكن في الوقت نفسه، هناك بضعة أشياء أخرى صحيحة أيضا، وهي أن الضغط العسكري يمكن أن يمكّن الدبلوماسية في بعض الأحيان. بالطبع، يمكن أن يؤدي الضغط العسكري أيضا إلى سوء التقدير. فقد تؤدي إلى عواقب غير مقصودة، ونحن في محادثة مع إسرائيل حول كل هذه العوامل الآن".

لقد أظهرت أحداث العام الماضي حدود قدرة إدارة بايدن على التأثير على إسرائيل.

ويرى ريتشارد هاس، الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية: "إنها ضئيلة جدا. لقد مررنا في الأساس بـ 12 شهرا حيث دعت الإدارة إلى شيء واحد وفعلت إسرائيل شيئا آخر، في غزة. في الأيام القليلة الماضية كان لديك موقف حيث تصرفت إسرائيل مرة أخرى بشكل أحادي الجانب بمعنى عدم التنسيق معنا مسبقا. وفي هذه الحالة مرة أخرى، بدا أن الإدارة كانت على خلاف، داعية إلى وقف إطلاق النار عندما لم يكن لدى الإسرائيليين أي مصلحة في وقف إطلاق النار".

كانت الدرجة التي يبدو أن الجانبين يتحدثان بها في غير اتجاه بعضهما البعض واضحة تماما الأسبوع الماضي على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث جمع كبار المسؤولين الأمريكيين تحالفا دوليا يدعم وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله. تم الإعلان عن الصفقة في وقت متأخر من يوم الأربعاء، فقط ليتبعها صمت من الجانب الإسرائيلي يوم الخميس. بحلول يوم الجمعة، كان كبار المسؤولين الإسرائيليين يخبرون الصحافيين أنهم لم يفكروا بجدية مطلقا في شروط وقف إطلاق النار وأن نية نتنياهو كانت الاستمرار في المضي قدما بينما كان حزب الله يترنح.


لقد تطورت السياسة الأمريكية مع تكرار إسرائيل الاستمرار بغض النظر. وقد توصل بعض مسؤولي إدارة بايدن إلى فكرة محاولة إسرائيل توجيه ضربة حاسمة لحزب الله عندما تكون الجماعة في أزمة. وقال مسؤولان أميركيان كبيران إن الحسابات تغيرت عما كانت عليه قبل بضعة أسابيع فقط، نظرا لضعف حالة الجماعة المسلحة. وتحدث المسؤولان، مثل غيرهما، بشرط عدم الكشف عن هويتهما للتحدث بصراحة عن المناقشات الحساسة.

في حين ركزت إدارة بايدن الكثير من جهودها لمدة عام تقريبا على منع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، فقد أعجب بعض المسؤولين بعملية إسرائيل. بعد أن شلت إسرائيل اتصالات حزب الله وقتلت الكثير من قياداته العليا، فإنهم يعترفون بأن الوضع الآن مختلف تماما، مشيرين إلى أن إسرائيل في أقوى موقف لها منذ أن بدأ الجانبان في تبادل إطلاق النار بانتظام قبل عام بعد بدء الحرب في غزة.

ومع ذلك، قال كبار المسؤولين خلال عطلة نهاية الأسبوع إنهم ينصحون إسرائيل بعدم غزو بري للبنان، محذرين من أن مثل هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية من خلال بناء الدعم السياسي لحزب الله داخل البلاد وإطلاق العنان لعواقب لا يمكن التنبؤ بها على المدنيين والتورط الإيراني.

لم يكن من الواضح دائما أن المسؤولين الإسرائيليين يبلغون نظرائهم الأمريكيين بأهدافهم.
وتعلق إيلين ليبسون، مديرة برنامج الأمن الدولي في جامعة جورج ميسون وخبيرة في الشرق الأوسط، إن هناك "تبادل مهني صادق للتقييمات على الأرض"، على المستوى العسكري. أما على المستوى السياسي، "لا أعرف ما إذا كانت هذه المحادثة صادقة كما ينبغي. هل يخبرنا القادة الإسرائيليون الذين لديهم السلطة حقا ما هي أهدافهم السياسية وما الذي يمكن تحقيقه أم لا؟".

لقد أدى الافتقار إلى التواصل إلى إحباط قدرة الولايات المتحدة على المشاركة في كيفية إدارة الحرب - مع المخاطر التي تتعرض لها واشنطن وهي تحشد قواتها إلى المنطقة في محاولة لتحذير إيران من الانتقام.


قال مايكل يونغ، كبير المحررين في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت إنه إذا اقتصرت عملية التوغل الإسرائيلية على المناطق الحدودية لمنع هجوم آخر على شعبها، فإن "من الممكن" أن يتمكن الجيش من تحقيق ذلك. ولكن إذا كان الهدف هو دفع حزب الله إلى نهر الليطاني، على بعد حوالي 20 ميلا من الحدود الجنوبية للبنان مع إسرائيل، "فهناك بالتأكيد إمكانية لتعثر الإسرائيليين"، كما قال.

كان قرار الأمم المتحدة الذي صدر لإنهاء حرب إسرائيل ولبنان عام 2006 يدعو حزب الله إلى سحب قواته شمال النهر. لكن القرار لا يحتوي على آلية إنفاذ، وقال يونغ إنه يشتبه في أن الإسرائيليين قد يرغبون في الاستيلاء على الأرض كوسيلة ضغط لإجبار حزب الله على الامتثال والتعهد بالبقاء هناك.

لكن يونغ قال إن "الحرب البرية أكثر تعقيدا بالنسبة للإسرائيليين لأن حزب الله يعرف التضاريس". وحتى لو انسحب حزب الله الآن، قال: "لا أعرف كيف يمكنك منع إعادة انتشار حزب الله إلى الحدود".

وبينما كانوا ينتظرون الخطوة التالية لإسرائيل، كان مسؤولو إدارة بايدن يراقبون عن كثب رد فعل إيران، حيث ظهرت انقسامات واضحة بين الحكومة الجديدة للرئيس مسعود بيزيشكيان، الذي دعا إلى التضامن الدولي لدعم لبنان وحزب الله، والجيش الإيراني المتلهف للانتقام.

وعلى وجه الخصوص داخل الحرس الثوري الإسلامي النخبوي، قال على فائز، رئيس برنامج إيران في مجموعة الأزمات الدولية: "هناك الكثير من السخط ... لو كانت إيران قد خاضت مخاطر أكبر، لما كانت قد أشارت بشكل أساسي إلى الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها تستطيع الإفلات من هذا النوع من قطع رأس الجيش الإيراني وحلفائه"، مثل حزب الله.

لقد صدت الدفاعات الجوية الإسرائيلية والأمريكية أكبر خطر لإيران - وهو هجوم صاروخي ومسيّرات ضخم على إسرائيل بعد أن قتلت كبار قادة الحرس الثوري الإيراني في غارة جوية سورية في أبريل. وبعد اغتيال الزعيم السياسي لحماس إسماعيل هنية في أواخر تموز/ يوليو في دار ضيافة بطهران في اليوم التالي لتنصيب بيزيشكيان، أقنعت الإدارة وحلفاؤها إيران بعدم الرد، خشية أن يؤدي ذلك إلى زعزعة مفاوضات السلام في غزة التي أصروا على أنها على وشك النجاح.


في مقابلة أجريت معه الأسبوع الماضي، قال بيزيشكيان إن الولايات المتحدة "تكذب" بشأن جهودها لترتيب وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحماس. ودعا العالم الإسلامي إلى التوحد وعدم "التخلي" عن حزب الله.

ولكن حكومة بيزيشكيان "المعتدلة" المزعومة قد ترى الآن أن خياراتها محدودة.

وقال فائز: "أعتقد أنهم توصلوا إلى استنتاج مفاده أن سياسة ضبط النفس" التي تعتقد إيران أنها أظهرته على مدى الأسابيع القليلة الماضية في مواجهة الهجوم الإسرائيلي المستمر على حزب الله كانت "تدفعهم إلى فخ". والآن، مع ركوع أقوى وكلائهم في المنطقة، "أدركوا أن ضبط النفس كان الفخ".

ومع ذلك، قال المحللون إن طهران كانت ثابتة في سعيها إلى تجنب أي مواجهة من شأنها أن تجر الولايات المتحدة.

يقول ماثيو ليفيت، الخبير في شؤون حزب الله في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "إن إيران تدرك أن الرد الإسرائيلي سيكون أقوى كثيرا إذا هاجمت إسرائيل اليوم مقارنة بالرد المحدود الذي قدمته في نيسان/ أبريل الماضي". ويضيف: "الشيء الوحيد الذي لا تريده إيران هو أن تتخطى أي حرب إقليمية حدودها إلى داخل إيران. وهذا هو خطها الأحمر".

مقالات مشابهة

  • بوريل يحذر من دخول روسيا ودول أخرى في صراع الشرق الأوسط إذا دمرت اسرائيل منشآت إيران النووية
  • بوريل يحذر من دخول روسيا ودول أخرى في صراع الشرق الأوسط إذا دمرت إسرائيل منشآت إيران النووية
  • سفير روسيا لدى واشنطن: الولايات المتحدة تمهد الطريق أمام صراع نووي
  • ما الذي قاله قائد أنصار الله عبد الملك الحوثي عن الضربة الصاروخية الإيرانية التي أرعبت “إسرائيل”؟
  • مشروعات الطاقة ترسخ أقدام روسيا وإيران في أفريقيا
  • وجودك معنا شرف كبير.. الرئيس السيسي يشكر بن زايد على حضوره حفل تخرج الكليات العسكرية
  • قائد الثورة يكشف تفاصيل حساسة بشأن الهجوم الإيراني على كيان العدو والمواقع التي تم استهدافها وما الذي حدث بعد الضربة مباشرة
  • مندوب روسيا: “إسرائيل” تخطط لإشعال صراع مباشر بين إيران وأمريكا
  • روسيا: إسرائيل لن تسمح للأمم المتحدة بلعب أي دور في تسوية صراع الشرق الأوسط
  • هل أضعف الاحتلال نفوذ أمريكا في محاولات وقف إطلاق النار؟