يتطلع سكان قطاع غزة لتلبية نداء الأمم المتحدة بإعلان هدنة مؤقتة تسمح بحملة تطعيم ضد شلل الأطفال، الذي أصبح واحداً من أخطر تداعيات العدوان الإسرائيلي، وفي الوقت الذي تتكثف فيه الجهود لوقف دائم لإطلاق النار والعمل على مواجهة الكارثة الإنسانية، يأتي الحديث عن هذه الهدنة التي لن تغني عن الهدف الأسمى المتمثل في إنهاء هذه الحرب بشكل كامل ووقف زعزعة استقرار المنطقة.
التوصل إلى هذه الهدنة جاء نتيجة ضغوط ودعوات ومناشدات تقدمت بها أطراف عدة، بما فيها دولة الإمارات، التي لا تفوّت مناسبة دون أن تشدد على إنهاء هذه الحرب العدوانية وحماية المدنيين والمرافق العامة، في الوقت الذي تواصل فيه على الأرض عمليات النجدة وإغاثة المنكوبين، وقد أفلحت مرة أخرى عندما وقعت عملية «الفارس الشهم 3» مذكرة تفاهم مع بلدية غزة لتنفيذ مشروع صيانة وتشغيل شبكات المياه المتضررة والمُدمرة في مناطق شمال القطاع.
يأتي هذا المشروع ضمن الاستجابة الإنسانية، خصوصاً في الشمال، حيث دمرت الحرب معظم البنية التحتية الحيوية، خصوصاً شبكات خطوط المياه والآبار ومحطات التحلية، والمفروض اليوم على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته ويكثف المساعي للتصدي لهذه الكارثة الإنسانية التي تفوق الوصف، حتى يستعيد المدنيون الأبرياء الأمل في حياة طبيعية بعد أشهر طويلة تحت نيران القصف والدمار والتهجير والأمراض والمجاعة.
الهدنة الهشة، التي يجري الحديث عنها لتطعيم الأطفال ضد الشلل في غزة، لا يمكن أن تنجح إذا لم تتوفر الظروف الأمنية المناسبة لحماية الطواقم الطبية والأماكن المخصصة لاستقبال الأسر والطرق المؤدية إليها.
فبالتزامن مع الإعلان عن هذه الهدنة تعرضت شاحنة لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة وتحمل شعار هذه المنظمة الإنسانية 10 مرات لنيران الجيش الإسرائيلي، بما في ذلك رصاصات استهدفت نوافذها الأمامية، بينما كانت ضمن قافلة تم تنسيق تحركها بشكل كامل مع الجيش الإسرائيلي، لكن هذا الجيش لم يرع حرمة هذه السيارة مثلما فعل سابقاً مع سيارات «المطبخ المركزي العالمي»، ويفعل مع المدارس ومراكز الإيواء التابعة ل«الأونروا».
وفي ظل هذا التهديد فإن الإعلان عن هدنة والحرب دائرة لا معنى له، بل إنه استخفاف شنيع بمصائر الأبرياء وبالمنظمات الدولية. وقطاع غزة، الذي تم تدميره وتشريد أهله، لا يحتاج إلى هدنة كهذه، بل إلى وقف شامل للحرب واستنفار واسع لإنهاء هذه الكارثة الإنسانية.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل رفح
إقرأ أيضاً:
نتنياهو توصّل إلى هدنة مع حزب الله.. فلماذا لا يفعل ذلك مع حماس؟
يروّج اليمينيون المتطرفون المعجبون برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل باعتباره دليلًا على أن إسرائيل قادرة على استخدام قوتها العسكرية المتفوقة لإجبار أعدائها على تلبية مطالبها دون اللجوء إلى تنازلات تدعو إليها إدارة بايدن الضعيفة على ما يبدو.
ولكن الحقيقة أن الاتفاق يظهر العكس تمامًا، فبالرغم أن إسرائيل قادرة بكل تأكيد على إلحاق خسائر فادحة بأعدائها، فإنها لا تستطيع ببساطة هزيمتهم، بل إنها سوف تضطر بدلًا من ذلك إلى التعايش مع خصومها على حدودها على أمل أن تتمكن من ردعهم عن شن المزيد من الأعمال العدائية في المستقبل القريب. ومن حسن حظ نتنياهو أنه أدرك حدود القوة العسكرية الإسرائيلية في لبنان. والسؤال الآن: هل يدرك نتنياهو حدود القوة العسكرية في قطاع غزة؟
لا شيء من هذا ينفي أن إسرائيل وجهت ضربات قوية لحزب الله، وخاصة منذ منتصف سبتمبر، عندما فجرت عملية سرية إسرائيلية أجهزة الاتصال اللاسلكي التي يستخدمها قادة حزب الله. وقد لخص نتنياهو إنجازات إسرائيل في إعلانه عن وقف إطلاق النار يوم الثلاثاء عما قال: «لقد قضينا على كبار قادة المنظمة، ودمرنا معظم صواريخهم وقذائفهم، وقتلنا الآلاف من الإرهابيين، ودمرنا البنية التحتية للإرهاب تحت الأرض المتاخمة لحدودنا، وهي البنية التحتية التي كانوا يبنونها لسنوات».
ولكن من الواضح أن حزب الله، على الرغم من تدهوره بشكل كبير كقوة عسكرية، لا يزال بعيدًا عن الهزيمة، ناهيك عن تدميره بالكامل. ففي يوم الأحد، قبل يومين فقط من إعلان وقف إطلاق النار، أطلق حزب الله نحو 250 صاروخًا وقذيفة أخرى على أهداف في وسط وشمال إسرائيل، في واحدة من أعنف الهجمات التي يشنها منذ أشهر. ولم تصدر الحكومة الإسرائيلية أي تقديرات للخسائر في صفوف حزب الله، على النقيض من حماس، وهو ما يشير إلى أن الأعداد ليست كبيرة بالقدر الكافي للإعلان عنها. وتشير تقارير معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي إلى أن حزب الله خسر ما مجموعه 2450 مقاتلًا من أصل ما يقدر بنحو 40 إلى 50 ألف مقاتل. ولا شك أن حزب الله لديه عشرات الآلاف من الصواريخ والمقاتلين الذين ما زالوا قادرين على إعادة بناء قدراته العسكرية ـ ومن المرجح أن يعود إلى جنوب لبنان بجوار الحدود الإسرائيلية بغض النظر عما تنص عليه اتفاقية وقف إطلاق النار.
الواقع أن وقف إطلاق النار الأخير يدعو في الأساس إلى إحياء قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى في عام 2006 آخر حرب بين إسرائيل وحزب الله. وكان القرار يدعو قوات حزب الله إلى الانسحاب شمال نهر الليطاني (على بعد نحو عشرين ميلًا من الحدود الإسرائيلية) مع تحرك القوات المسلحة اللبنانية لتأمين جنوب لبنان. وكان من المفترض أن تتولى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مراقبة الالتزام بتنفيذ القرار. ولكن من المؤسف أن الجيش اللبناني ضعيف للغاية ومنقسم إلى الحد الذي لا يسمح له بتحدي حزب الله، ولا تملك قوات حفظ السلام أي سلطة للقيام بأي شيء آخر غير الوقوف متفرجة ومشاهدة حزب الله وهو يتحصن في مكانه.
إن وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في عام 2006 لم يمنع حزب الله من تعزيز قواته على الحدود الشمالية لإسرائيل، ولن يمنعه أيضًا من وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه هذا الأسبوع. وبمجرد عودة اللاجئين اللبنانيين إلى جنوب لبنان، فسوف يكون مقاتلو حزب الله في وسطهم. والواقع أن محاولة منع حزب الله من إعادة بناء قواته في المنطقة تتطلب من الجنود الإسرائيليين أن يحتلوا جنوب لبنان بأنفسهم، ولكن بعد أن فعلوا ذلك في الفترة من عام 1982 إلى عام 2000، فإنهم لا يرغبون في تحمل هذه المهمة الشاقة مرة أخرى. وهذه المرة، حرص نتنياهو على إبقاء الهجوم البري على بعد أميال قليلة من الحدود الإسرائيلية لتجنب الدخول في مستنقع مكلف في قتال العصابات المسلحة.
ورغم أن نتنياهو لن يعترف بذلك علنًا، فإنه يبدو أنه أجرى حسابًا خاصًا مفاده أن إسرائيل تستطيع أن تتعايش مع مقاتلي حزب الله على حدودها ما داموا يردعون عن مهاجمة إسرائيل فعليًا. والواقع أن اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2006 نجح في ضمان 17 عامًا من السلام، وإذا نجح الاتفاق الحالي في تحقيق النجاح نفسه، فسوف يكون هذا إنجازًا مهمًا - إنجاز من شأنه أن يسمح لأكثر من ستين ألف لاجئ إسرائيلي بالعودة إلى ديارهم وإعادة بناء مجتمعاتهم في شمال إسرائيل.
والسؤال الآن: إذا كان نتنياهو على استعداد لإبرام اتفاق تسوية مع حزب الله، لماذا لا يكون على استعداد للقيام بنفس الشيء مع حماس؟ في نفس الخطاب الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار في لبنان، تعهد نتنياهو بأن «نكمل مهمة القضاء على حماس»، وهي المهمة التي يقول القادة العسكريون الإسرائيليون إنهم لا يستطيعون تحقيقها. هذا الشهر، أخبر يوآف جالانت، بعد وقت قصير من إقالته من قبل نتنياهو من منصب وزير الدفاع، عائلات الرهائن الإسرائيليين أنه لا يوجد شيء أكثر يمكن تحقيقه باستخدام القوة العسكرية في غزة.
لقد تكبدت حماس بالفعل خسائر فادحة - زعم نتنياهو يوم الثلاثاء أن إسرائيل «قتلت ما يقرب من عشرين ألفا». والآن أصبحت قدراتها العسكرية، التي كانت دائما أقل من قدرات حزب الله، ضئيلة للغاية. وتصور البعض أنه بعد وفاة زعيم حماس يحيى السنوار الشهر الماضي، مهندس الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023، سيعلن نتنياهو النصر وينسحب.
ولكن نتنياهو يصر على إعادة الركام إلى مكانه، وإعادة قوات الدفاع الإسرائيلية إلى شمال غزة لشن هجوم تلو الآخر على نفس الأرض. وتستمر الخسائر المدنية الناجمة عن العمليات الإسرائيلية في الارتفاع حتى مع انخفاض العائدات العسكرية. ولا يبدي نتنياهو أي اهتمام يذكر بوقف إطلاق النار، الذي قد يؤدي إلى إطلاق سراح 101 رهينة إسرائيلية، وكثير منهم ما زالوا على قيد الحياة. لماذا لا؟
لقد أخبرني الدبلوماسي الأمريكي المخضرم آرون ديفيد ميلر في رسالة إلكترونية: «لقد كان التوصل إلى اتفاق لبنان أسهل بالنسبة له. ففي غزة، يعرف أن حماس لن تطلق سراح الرهائن من دون تنازلات كبرى ـ إطلاق سراح أعداد كبيرة من السجناء الفلسطينيين المتهمين بقتل إسرائيليين ووقف الحرب. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى انهيار ائتلافه اليميني. وهو يخطط لإبقاء قوات الدفاع الإسرائيلية عاملة في غزة لأشهر قادمة».
إن الائتلاف اليميني يضغط على نتنياهو ليس فقط بشأن قضية إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، بل وأيضًا بشأن القضية الحاسمة المتمثلة في من يحكم غزة بعد انتهاء الصراع. وقد أوضحت الأحزاب اليمينية، بقيادة إيتامار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش، أنها ستعارض أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة غزة. ولكن في غياب مشاركة السلطة الفلسطينية، فمن غير المرجح للغاية أن تقدم الدول العربية المعتدلة وغيرها من الشركاء الدوليين يد المساعدة.
إن ابن جفير وسموتريتش يتحدثان علانية عن التطهير العرقي لقطاع غزة وإعادة المستوطنين اليهود. ولا يوجد ما يشير إلى أن نتنياهو، وهو رجل عملي بامتياز، يشاركهما أحلامهما المجنونة، ولكنه لا يستطيع أن يتحمل الانفصال عن المتطرفين، خاصة في الوقت الذي لا يزال يواجه فيه المحاكمة بتهمة الفساد. (ومن المقرر أن يدلي رئيس الوزراء بشهادته في العاشر من ديسمبر).