ميديابارت: إسرائيل تريد محو غزة والذاكرة أيضا
تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT
قال تحقيق لميديابارت إن حجم الخراب في قطاع غزة جعل الخبراء يطالبون بتصنيف التدمير المنهجي للمدن (المعروف بـ "مذبحة المدن") جريمةَ إبادة، لأن الزعم الإسرائيلي بأن هدف الحرب القضاء على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا يكفي لتفسير التدمير الهائل والممنهج للمباني والبنية التحتية وحتى للذاكرة.
وفي تحقيق مطول بعنوان "مذبحة مدن في غزة: يريدون جعلنا ننسى أننا عشنا هنا"، كتب الموقع الفرنسي أن تفجير مبنى بلدية رفح وتصويره من الجو لم يكن إلا واحدا من مئات التسجيلات تظهر تدمير مبان وأحيانا مربعات سكنية كاملة وبنى تحتية على يد جنود إسرائيليين، أو بقنابل وصواريخ تحول السكنات والبنايات الرسمية وخزانات مياه المدن والمصانع ومحطات معالجة المياه والمدارس إلى ركام.
وكان برنامج التنمية الأممي قال في تقرير في مايو/ أيار الماضي الماضي إن "إعادة إعمار ما لحق البنية التحتية العامة من دمار شديد يستلزم مساعدة خارجية غير مسبوقة منذ 1948″، حين أطلقت الولايات المتحدة خطة مارشال للمساعدة في إعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.
وتوقع التقرير أن تستغرق إعادة بناء الوحدات السكنية المدمرة 28 عاما، حتى لو ضُوعفت خمس مرات مواد البناء التي تدخل غزة. وتشير التقديرات إلى أن ست بنايات من كل عشر دمرت في غزة في الأشهر التسعة الأولى من الحرب.
مذبحة المدن
وقالت ميديابارت إن هذا التدمير الهائل والممنهج جعل الخبراء يطرحون "مصطلح "أوربيسيد" (مذبحة المدن") الذي ظهر في 1960 لوصف إرادة سياسية ما في تدمير مدينة على نطاق واسع، بل وجعلهم يطرحون حتى مصطلح "دوميسيد" وهو تعمد تدمير مقومات الحياة.
وذكّر الموقع بلقاء مع نيويورك تايمز أجراه بالاكريشنان راجاغوبال المقرر الأممي للحق في السكن اللائق نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي قال فيه إن من يدمر غزة "كمن يمحو ماضي وحاضر ومستقبل كثير من الفلسطينيين .. إنها جريمة مكتملة الأركان: إنها ’دوميسيد‘، فليس من المبالغة القول إن جزءا كبيرا من غزة لم يعد يصلح للعيش".
ويناضل بالاكريشنان راجاغوبال من أجل تصنيف الـ "دوميسيد" رسميا إبادة كما طالب في تقرير عن الدمار الهائل الذي ألحقته روسيا بماريوبول الأوكرانية.
وكتبت ميديابارات أن تدمير المراكز الحضرية ومقومات الحياة أمر قديم قدم المدن والحروب نفسها، ونكبت به في العصر الحديث سراييفو وغروزني وحلب وماريوبول.
خطة قديمةلكن أستاذ الجغرافيا الحضرية والسياسية في جامعة تورين الإيطالية فرانشيسكو تشوديلي يذكّر بأن الأمر في غزة لم يبدأ بهجوم "طوفان الأقصى" بل بالحصار الذي فُرض على القطاع في 2007 (مع سيطرة حماس على السلطة هناك) ولم يكن هدف إسرائيل القضاء على قادة حماس أو بقية الفصائل الفلسطينية بقدر ما كان القضاء أيضا على البنية المادية للقطاع.
وقال تشوديلي لميديابارت: "هذا عقاب جماعي هدفه الإبقاء على سكان غزة في وضع بائس للغاية لحملهم على التخلص من حماس".
وحتى قبل الحرب الحالية تعرض القطاع الصغير لخمس حملات مدمرة منذ 2008، ما كان سكانه ليستطيعوا الإفلات منها بسبب الحصار المفروض برا وجو وبحرا.
ونقلت ميديابارت عن أستاذ الجغرافيا الحضرية والباحث في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية دين شارب قوله إن "مذبحة المدن" لا تقتصر على التدمير المادي بالتفجير أو الجرف لكن تشمل أيضا منع إعادة الإعمار، فـ "قبل السابع من أكتوبر، وبفضل الحصار، لم تَعدِم إسرائيل وسيلة لمنع إعادة الإعمار، بتقييدها تقييدا شديدا دخولَ مواد البناء وحركةَ الأفراد".
ومع ذلك فإن ما يجري في غزة منذ 11 شهرا لم يُنكب به أي مكان في التاريخ، وهو أسوأ -حسب المقرر الأممي للحق في السكن اللائق- مما لحق بروتردام أو درسدن أو طوكيو خلال الحرب العالمية الثانية أو بحمص وماريوبول حديثا.
وقال بالاكريشنان راجاغوبال: "ما ألقي على غزة من القنابل وما سببته من ركام يفوق مثيله في أي نزاع آخر درسه الباحثون".
"انتقام هائل"ونوه تشوديلي إلى أن الغارات في النزاعات السابقة كانت تصيب عمارات ومباني حكومية بعينها إضافة إلى بعض المنشآت الصناعية مثل محطات الكهرباء "أما في غزة، فقد خرج التدمير تماما عن السيطرة، فالجيش الإسرائيلي لا يستثني شيئا، ويبدو أن الهدف إنزال كارثة كبرى بغزة لا يفلت منها السكان، وإعادة القطاع إلى نقطة الصفر".
الجيش الإسرائيلي اكتفى في رده على أسئلة ميديابارت بالقول إن عقيدته القتالية تمنعه من إلحاق الأذى بالبنية التحتية المدنية خارج الضرورات العسكرية، وإن عملياته تتوافق مع القانون الدولي.
وأضاف أنه يحاول منع حماس من تهديد المواطنين الإسرائيليين، ويسعى أيضا لبناء خطة لحماية جنوب إسرائيل، واتهم المقاومة بالتمركز في المناطق المدنية المكتظة بالسكان حتى إن أحياء كاملة انقلبت -حسبه- مجمعات قتال.
ومع ذلك – تقول ميديابارت – لا يصمد هذا الزعم الذي يدفع به الجيش الإسرائيلي باستمرار أمام تمحيص الخبراء وبينهم بالاكريشنان راجاغوبال الذي ينوه إلى أن التدمير الشامل للمباني دون تمييز يبقى محظورا حتى على افتراض صحة الادعاء القائل إنه لم يحدث إلا لوجود مراكز سيطرة وتحكم في هذه المناطق المدنية، ناهيك عن أن إسرائيل لم تُثبت أبدا صحة زعمها هذا.
أما دين شارب أستاذ الجغرافيا الحضرية فيذكر بأن القانون الدولي يلزم الجيوش بحماية المدنيين وبيوتهم وأحياءهم حتى لو كانوا يقطنون مناطق تطلق منها قذائف، ويلزمها أيضا بألا يجعلهم عالقين في مرمى النيران، أما في غزة فإن إسرائيل تستهدف أيضا بيوت الناس وأحياءهم فـ "نحن لا نتحدث عن معارك تدور في مواقع عسكرية وخنادق. ما يتعرض للتدمير صالونات حلاقة وأماكن عمل وفي أحيان كثيرة مدارس أيضا".
ووصف دين شارب ما يجري بـ "انتقام هائل لم يعد يسيطر عليه أحد"، وبـ "التجسيد الأمثل لمصطلح مذبحة المدن".
الذاكرة والوثيقة
وتقول مديابارت إن الحرب الحالية تتجاوز كونها عملية عسكرية إلى محاولة لتدمير الإدراك والوعي الفلسطيني، وهو ما جعل مندوب جنوب أفريقيا تيمبيكا نكوكايتوبي يتحدث في مرافعته أمام المحكمة الجنائية الدولية في يناير/ كانون الثاني الماضي عن منطق حرب إبادة تمارس بأمر مباشر من قادة إسرائيليين أوعزوا بمحو غزة من الوجود.
وذكّر الموقع بتسجيلات عرضها مندوب جنوب أفريقيا تظهر تدمير أحياء كاملة بالديناميت، وتظهر أيضا شهادات جنود أقروا بضلوعهم في هذا التدمير الشامل وكانوا أحيانا يلتقطون لأنفسهم صورا تذكارية أمام الخراب.
جدير بالعلم أن موقع تحقيقات شهيرا اسمه "بيلينغكات" استطاع تعقب نشاط كتيبة هندسة إسرائيلية، وأظهر لجوئها إلى تدمير عدة بنايات من عشرة طوابق لمجرد اكتشافها مسيرة وعربتين تحملان سلاحا.
وقال فرانشيسكو تشوديلي أستاذ الجغرافيا الحضرية إن "ما يسعى الجيش الإسرائيلي لمحوه هو ذاكرة الناس، فالبيت عش المرء حيث أقاربه وعائلته"، قبل أن يضيف: "ما يحدث هو إبادة الحياة الحميمية للناس. إنهم يدمرون كل شيء مرتبط بحياة الناس".
شيء من حياة نور العاصي مثلا، طالبة الأدب الإنجليزي والفرنسي التي كانت تعيش مع أبيها المتقاعد وأمها وأختها الصغرى في حي الشجاعية في مدينة غزة قبل أن تضطر إلى النزوح إلى وسط القطاع، وغادرت بيتها لا تحمل إلا كتابا وقليلا من الماكياج.
تصف نور بيتها لميديابارت: "كان جميلا تعمه السكينة. كانت فيه حديقة فيها أشجار ليمون وزيتون وورود تُعنى بها أمي. لم يكن الوضع سهلا بسبب تقنين الكهرباء وشح الماء لكن كانت لي غرفتي الخاصة بي، أدرس فيها وأمشط شعري وأنام فيها بل وأتناول فيها حتى وجباتي أحيانا".
تضيف نور: "كنت أحب الجلوس في شرفة البيت، ولم أكن لأفوّت غروب الشمس أبدا، أو هطول المطر شتاء. لقد سرقوا مني كل هذا".
أكثر ما تحن إليه نور في مدينة غزة حي الرمال المعروف بمقاهيه وفنانيه، وأيضا "أنوار رمضان قريبا منا في الشجاعية".
يعتصر نور الحزنُ والسخط على إسرائيل التي "تريد أن تجعلنا ننسى أننا عشنا هنا، وتريد أن تقتلع حياتنا كلها وتمحوَ من الوجود هذا المكان الذي اسمه غزة"، لكنها لا تملك إلا الأمل في أن يسعفها العمر لترى القطاع يعمر مجددا عندما تنتهي الحرب.
الذكريات الجميلة ليست كل ما يمحى في غزة – تختتم ميديابارت- بل أيضا ما يهم الناس فعليا في حاضرهم ومستقبلهم مثل الوثائق الإدارية الهامة.
يقول الصحفي رامي أبو جاموس للموقع الفرنسي: "الجيش الإسرائيلي فجر قصر العدل حيث أرشيف القضاء ودمر البناية التي تؤوي السجل العقاري"، وهكذا فقد سكان غزة ما يثبت ملكيتهم سكنا أو قطعة أرض.
"لم تبق لهم إلا الذكريات" يضيف الصحفي الفلسطيني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ترجمات الجیش الإسرائیلی فی غزة
إقرأ أيضاً:
مصطفى بكري في رسالة شديدة اللهجة لـ إسرائيل: «إذا اخترتم الحرب فنحن لها»
هل تندلع الحرب بين مصر وإسرائيل؟.. سؤال يتكرر كثيرً على ألسنة السياسيين، والشخصيات العامة، والمصريون في الشوارع، إزاء التطورات والتحديات التي تواجهها مصر بسبب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن تهجير الفلسطينيين، والعنجهية التي يلمح إليها الإعلام العبري بالحرب مع مصر.
وأجاب الكاتب الصحفي مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، على هذا السؤال، خلال تقديمه برنامج «بالعقل» عبر صفحته الرسمية على «يوتيوب»، اليوم، قائلًا: «نحن المصريون عندنا خط أحمر اسمه الأمن القومي المصري، وأي كان من يفكر بالتطاول أو بتجاوز هذا الخط الأحمر، سيرى نار جنهم على الأرض».
وعن تفكير جموع الشعب المصري وقلقهم بشأن مسألة الحرب قال «بكري»: «من حق المواطن أن يبحث عن السيناريوهات القادمة، ومن حقه أن يتساءل، ومن حقه أن يقلق»، مضيفا: «نحن نرى ما يحدث في الأيام الحالية، فهناك بلطجة للقوة، وعشوائية للقرارات، وحديث وكلام عن بيع الأوطان، نرى «ترامب» تحول إلى مطور عقاري، وعايز يعمل ريفيرا، ويقول إن همشي الفلسطينيين من غزة وهعيشهم في أمان، وهاخد وطنهم».
واستنكر مصطفى بكري الاستهانة بالشعب الفلسطيني قائلًا: «الاستهانة بالشعب الفلسطيني أصبحت لغة يرددها القاصي والداني، أصبح هذا في الوقت الحالي الشعب يباع ويشترى»، مؤكدا أنّ هذا الشعب العظيم يضرب جذوره في عمق التاريخ، الشعب الحضاري المقاوم والمدافع عن أرضه.
وبخصوص الاستعداد المصري للحرب، قال «بكري»: «وزير الدفاع الفريق عبد المجيد صقر، القائد العام للقوات المسلحة، أصدر التعليمات بجاهزية الجيش لأي سيناريو، ولأي مفاجأة»، مؤكدا: «نحن نتوقع المفاجآت في أي وقت وفي أي زمان».
وتابع:«نحن اليوم أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يهدف لإنشاء شرق أوسط جديد، وتغيير الخريطة السياسية كاملة، نتنياهو يريد أن يعلن يهودية الدولة، يريد أن يتوسع»، موضحا: «زي ما قال ترامب إسرائيل موجود في منطقة صغيرة، والعالم العربي في مناطق ومساحات واسعة، فلازم نبدأ في توسيع إسرائيل».
واستكمل: «بناء على ذلك يتم الاعتداء بهمجية غير عادية على الأوطان، وعلى حقوق الإنسان، وعلى المواثيق والعهود الدولية».
وأكد «بكري»: «لن يتسامح جيشنا العظيم مع كل من يستهدف بأمننا القومي»، محذرًا إسرائيل: «إياكم أن تلعبوا بالنار».
وأشار إلى أن مصر اختارت السلام كخيار استراتيجي، لكن هذا لا يعني أنها ستقبل بكل العنجهية اللي تتحرك بها إسرائيل، لافتا إلى أن الجيش المصري مستعد وبكامل جاهزيته على الحدود.
وفي رسالته لـ الاحتلال الإسرائيلي، قال بكري: «إذا مافكرتم بالمساس الأمن القومي المصري، فالجيش المصري وشعب مصر كتلة واحدة وكيان واحد خلف القيادة القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي».
وعن الموقف العظيم للرئيس السيسي، قال بكري: «نحن جميعنا خلف الرئيس السيسي، اللي قال مفيش تهجير، ومفيش تصفية للقضية الفلسطينية، وملقاش وراه 110 مليون مصري بس، وإنما وجد وراءه مئات الملايين من العرب يدعمونه ويؤيدونه بقوة».
وفي ختام رسالته للاحتلال، قال «بكري»: «فإذا اخترتم الحرب فنحن لها، وإذا اخترتم السلام فعليكم الالتزام بالقرارات الدولية، وحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض الاستيطان، وحق العودة، دي كلها قرارات دولية».
وأشار في ختام حلقة برنامجه بالعقل: «المفاوضات كانت خيارا ارتضاه العرب، ولكن إسرائيل يبدو أنها لا تعرف سوى لغة القوة».
اقرأ أيضاًيابني احنا تاني يوم نبقى في تل أبيب.. مصطفى بكري يرد على خبراء إسرائيليين
«اوعوا تفتكروا إن مصر هينة».. تعليق قوي من مصطفى بكري على خيال إسرائيل بضرب السد العالي
«ضد التهجير.. كل مصر وراك ياريس» مصطفى بكري يوجه رسالة قوية للسيسي