التحكم في مقاليد الثورة والمستقبل
تاريخ النشر: 30th, August 2024 GMT
كل الثورات التي حدثت في التاريخ دفعت فسادا وظلت غاياتها وأهدافها موضوع نقاش، ولذلك فكل ثورة جوهرها نبل المنطلق وهي قابلة للتجدد إذا حدث الانحراف في مسارها، ففي التاريخ الإسلامي وفي القرن الأول الهجري، يجمع الكل من عرب وعجم على نبل الثورة الثقافية التي قادها الرسول الأكرم عليه وعلى آله الصلاة والسلام، لكن حالات الانحراف التي بدلت في الجوهر تظل محل نقاش، ولو نلاحظ هو نقاش مستمر منذ القرن الأول الهجري إلى اليوم .
وثورة الإمام الحسين عليه السلام كانت تدفع فسادا وقد نجحت في ذلك من خلال أثرها في الفكر وفي المسار الاجتماعي والسياسي والثقافي الإنساني، وليس من خلال النتائج العسكرية الظاهرة التي أفضت إلى خذلان الناس للحق بالركون إلى الباطل ومناصرته، أو من خلال استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، ذلك أن دم الحسين عليه السلام ظل ثورة متقدة عبر العصور وعلى مر الزمان وسيظل كذلك، وكان تأثير الثورة الحسينية على السفيانيين تأثيرا كبيرا فقد أحدثت تغييرا في القناعات ، وماجت الأرض من تحت أقدام آل أبي سفيان ولم تستقر إلا بعد أمد عند المروانيين، وفي كل ذلك الزمن الذي حكموا فيه بنو أمية ظلت الثورة متقدة الأوار ولم تخمد جمرتها .
فالثورة – كما سلف القول – ضرورة اجتماعية لكن غايتها تظل محل خلاف ونقاش، ولو حملت مشروعا سياسيا ناهضا، ذلك أن الطبيعة البشرية ذات نزوع إلى الأمجاد والمصالح، وفي طبائع العرب نزوع دوما إلى التمحور حول الذات، فالغاية عند العرب في مدى الأثر الذي تتركه الثورة على مناصريها وليس على جموع الناس، ومثل ذلك قناعة ثقافية عمل الإسلام على تشذيبها لكنها ظلت دائمة الحضور في تفاصيل التفاعل اليومي للثورات التي قامت في الديار الإسلامية عبر حقب التاريخ .
فالحسين عليه السلام لم يثر من أجل دنيا أو منافع أو مصالح بل ثار من أجل تعديل مسار كان يجب أن يعدل قبل أن يصبح ضرره كبيرا وأثره غير قابل للتعديل، وثورة الحسين عليه السلام تعلمنا روح التضحية من أجل الغايات الكبرى والأهداف العظيمة للأمة وهو المسار نفسه الذي رأينا عليه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي، فقد بذل نفسه من أجل غايات كبرى ولم ينتظر غرضا من الدنيا زائل وكان بمقدوره أن يتفاوض عليه ويناله، وقد عرض عليه يومذاك .
ومن هنا يمكن القول إن أي انحراف يحدث في المسار العام لا يخدش نبل الهدف الذي قامت على أسسه الثورة اليمنية المعاصرة، فالقضية نسبية وهي خاضعة للاجتهاد، وحتى نستعيد وعينا بذاتنا وبالقيم الثورية الحسينية نحن مطالبون بالتقييم المستمر للتفاعل اليومي مع مفردات الواقع قبل أن يجرفنا تيار المصالح إلى مهاوي سحيقة .
ومن باب التواصي بالحق – الذي يؤكد عليه قائد المسيرة القرآنية قائد الثورة – لا بد لنا من الوقوف أمام الظواهر ومعالجتها فور وقوعها حتى نحد من أثر الانحراف في المسار الثوري، ولنا في تاريخ الثورات عبرة إن أردنا لثورتنا نجاحاً .
فالتاريخ العربي يختلف عن غيره لأنه يخضع لمنطق مختلف ومتغاير عما سواه، ولذلك نقول باستحالة نقل التجارب الغربية أو غيرها فالتاريخ لا يُستورد كما نستورد السلع، والوعي بضرورة الإصلاح لا يعني بالضرورة الرجوع إلى صدر الإسلام كما تذهب بعض الفرق فذلك مستحيل وفي المقابل لا يعني نقل تجارب الغرب المتحضر فذلك مستحيل أيضا باعتبار الحداثة ليست تحديثا ولكنها نسق فكري ثقافي حضاري تقدمي تقدم عليه أمة أو جماعة لإنجازه بخطاب وتقنيات ومعطيات قادرة على التفاعل وفرض طابعها الخاص الذي تتسم به المرحلة أو يتسم به المستوى الحضاري الحديث .
فالحياة في تطور مستمر والجمود هلاك وتحلل وتأسن وهو حالة غير لائقة بالتمدن البشري في كل مراحل التاريخ، وفي المقابل الوقوف عند نقاط مضيئة في الماضي لا يعني تطورا وثورة بل يعني الاستسلام والهزيمة لشروط الواقع وأيضا فهما قاصرا للحدث وتموجاته وإرهاصاته، فقدرة أي حدث تقاس من خلال الأثر الذي تركه في البناءات وليس من خلال الموقف الوجداني والانفعالي منه .
وكل حركة ثورية حقيقية تطمح إلى تحول تاريخي عميق يجعل منها مركزا مهما في حركة التاريخ ويمكنها مع غيرها من صنع القرار والمبادرة والإسهام في الحضارة الكونية كند وليس كتابع، وهذا ما كانت عليه حركات التحرر في القرن الماضي قبل أن تصاب بالثبات والجمود وقبل أن تتعرض للمؤامرات والاستهداف كالناصرية مثلا، وهي تجربة يمكن الاستفادة من تفاعلها مع حركة التاريخ في زمنها ومثل ذلك من تمام الحكمة والعقل، إذ لكل تجربة مراكز قوة ومراكز ضعف وقراءة التجارب تجعلنا أكثر تمكنا من التحكم في مقاليد الثورة والمستقبل
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
السلام بالقوة.. ترامب على خُطا ريغان والإمبراطور هادريان
تعهد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه برئاسة الولايات المتحدة باعتماد سياسة "السلام من خلال القوة"، مستدعيا مفهوما سياسيا قديما، من غير أن يتضح إن كان هذا يعبّر عن إستراتيجية حقيقية سيتبعها أم هو مجرد شعار رنان يطلقه.
ويرتبط هذا الشعار بالرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، الذي عمد خلال ولايتيه بين 1981 و1989 إلى زيادة ميزانية الدفاع بشكل كبير، قبل أن يتفاوض في أواخر عهده مع الاتحاد السوفياتي، الذي اعتمد يومها سياسة إصلاحات عرفت بالبيريسترويكا.
وقبله، تحدث الدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر عن السلام من خلال القوة، وهو الذي كان من معتنقي مفهوم "السياسة الواقعية"، التي تقول باعتماد مقاربة عملية من أجل تحقيق المصالح الوطنية.
بيد أن المفهوم أقدم من ذلك بكثير، ويعود إلى زمن الإمبراطورية الرومانية.
ففي القرن الرابع الميلادي، كتب الخبير العسكري الروماني فيجيتيوس أن "من أراد السلام، فليستعد للحرب". وقبله عمد الإمبراطور الروماني هادريان إلى بناء أسوار لضمان استقرار الإمبراطورية.
ووعد ترامب خلال السباق الرئاسي ببناء "قوات مسلحة قوية" ووضع حد للحروب، ومنذ فوزه في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ردد شعار "السلام من خلال القوة"، الذي تبناه أيضا مرشحه لوزارة الخارجية ماركو روبيو.
نهج براغماتي
وأثنى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لدى تهنئته ترامب على إستراتيجية السلام من خلال القوة التي يدعو إليها الرئيس الجمهوري المنتخب، ولكن من منطلق مختلف تماما.
فقد تعهد ترامب بالمسارعة إلى وضع حد للحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، وألمح بعض مستشاريه إلى استخدام مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا كوسيلة للضغط على كييف، وحملها على القبول بتسوية مع الكرملين.
لكن في خطاب سابق، أعلن زيلينسكي أن إرغام أوكرانيا على تقديم تنازلات "لن يكون مقبولا".
ولم يعرض ترامب بصورة واضحة حتى الآن تفسيره الشخصي لهذا المفهوم.
بيد أن روبرت أوبراين، مستشاره للأمن القومي خلال ولايته الأولى، قال إن ذلك يعني بالمقام الأول مجابهة الصين بصورة مباشرة باعتبارها خصما.
وفي مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" قبل الانتخابات، أكد أوبراين أنه بالرغم من "الصورة المجتزأة" عن ترامب في وسائل الإعلام، فهو "صانع سلام".
واستشهد خصوصا بجهود ترامب خلال ولايته الأولى من أجل تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية في سياق ما سمي اتفاقات أبراهام، واتفاقه مع حركة طالبان من أجل سحب القوات الأميركية من أفغانستان.
"ليس مجرد شعار"
ورأى المحلل السابق في الاستخبارات الأميركية جورج بيب أن الترويج لمفهوم السلام من خلال القوة "يتخطى على الأرجح مجرد شعار" بنظر الإدارة المقبلة.
وقال المسؤول في معهد كوينسي للدراسات الذي يدعو إلى الحد من النزعة العسكرية، "إحساسي العميق هو أنهم جديون في استخدام هذا المفهوم كمبدأ يتبعونه".
لكنه شدد على ضرورة إيجاد توازن في هذه المقاربة، موضحا أن ريغان اتبع نهجا مزدوجا يقوم على تعزيز القوات المسلحة بموازاة "دبلوماسية ذكية"، من أجل تعزيز السلام والاستقرار مع الاتحاد السوفياتي.
وأوضح الخبير "أن مضيتم بعيدا جدا في مد غصن الزيتون، فقد يستغل خصومكم ذلك. لكن في المقابل، إن مضيتم بعيدا جدا في موقف حربي، فقد ينتهي بكم الأمر إلى الحرب من خلال القوة بدل السلام من خلال القوة".
وحذر الباحث في مركز "الأمن الأميركي الجديد" جيكوب ستوكس من أن فكرة السلام من خلال القوة تكون لها في بعض الأحيان نتائج مختلفة تماما، ما بين التطبيق والنظرية.
وقال في هذا السياق إن قطع المساعدات العسكرية عن أوكرانيا "قد يجعلكم تحققون شق السلام، لكن ليس بالضرورة شق القوة".
وأضاف "إنه شعار سياسي عظيم للرئيس ترامب. وترجمته بصورة فعالة في سياسة خارجية ستطرح تحديا هائلا وصعبا".