تثبت دولة الإمارات انطلاقاً من قيمها الأصيلة وخصالها النبيلة أن عزيمة الخير والتضامن الإنساني الذي تبديه لتأمين المساعدات الضرورية للحياة لكافة الشعوب والمجتمعات المحتاجة أقوى من جميع التحديات، وأنه لا يمكن لأي عائق أن يحول دون إغاثتها للمنكوبين والأخذ بيدهم وإحداث أكبر تغيير إيجابي ممكن على أرض الواقع لصالح المستهدفين بالدعم وتخفيف معاناتهم، وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، فإن الإمارات وعبر “عملية الفارس الشهم3” لتقديم الدعم الإنساني للأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة تواصل إبهار العالم لما تمثله من محطة استثنائية في مسيرة التاريخ الإنساني من خلال كم وحجم العطاء الذي يمثل شريان حياة ومصدراً للأمل، وعبر تعدد مبادراتها الخلاقة وتنوع مساراتها وزخمها المتسارع وتحديها لمختلف الصعاب رغم خطورة الأوضاع في تجسيد لعزيمة الخير التي لا تعرف المستحيل، ومنها العمل على تأمين مياه الشرب عبر تنفيذ مشروع صيانة وتشغيل شبكات المياه المتضررة والمُدمرة في مناطق شمال القطاع بعد توقيع مذكرة تفاهم مع بلدية غزة في إطار جهود الإمارات لإيجاد الحلول العاجلة، والتمويل لإعادة تشغيل آبار المياه وخزانات المياه شمال القطاع.
“المشروع” الذي يهدف لإيصال المياه للمناطق المكتظة والحد من التلوث وتوفير بيئة صحية، يأتي ضمن جهود الإمارات والاستجابة الإنسانية العاجلة وما تحرص على تأمينه من حلول فاعلة لتعويض النقص الهائل الناجم عن خروج الكثير من القطاعات في غزة عن الخدمة جراء الحرب ومنها تدمير 60 بئراً وتوقف محطات التحلية وتضرر شبكات المياه الرئيسية والتلوث الحاد الذي يتسبب في مضاعفة المعاناة والتعرض لخطورة تفشي الأوبئة جراء شح المياه الصالحة والنظيفة، ومن هنا يكتسب “المشروع” أهميته المضاعفة ويمثل إضافة كبرى لجهود الدولة الساعية لتوفير المياه، وسبقه الكثير من المبادرات النوعية المنتجة لما تمثله المياه من رافد أساسي للحياة، إذ تم إنجاز 6 محطات تحلية في مدينة رفح المصرية بطاقة مليوناً و200 ألف جالون يومياً يتم ضخها إلى داخل غزة ويستفيد منها أكثر من 600 ألف نسمة بإجمالي 130 مليون جالون، وهي من ضمن الجهود الإنسانية المتواصلة التي تقدم للمجتمع الدولي نموذجاً ملهماَ لما يجب أن تكون عليه عمليات الإغاثة في مواجهة واحدة من أقسى الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.
تأمين إيصال الأدوية والغذاء ومستلزمات الإيواء وتقديم الخدمات العلاجية للمرضى وإجراء أعقد العمليات الجراحية وتوفير المياه النقية وغير ذلك الكثير هو ما يحتاجه قرابة 2.4 مليون إنسان في غزة، فضلاً عن كونه أولوية لجميع الجهود الهادفة لإنقاذ حياة المنكوبين وخاصة الفئات الأكثر احتياجاً وتضرراً وللتخفيف من قسوة الأوضاع الناجمة عن الحرب.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
وزير الأوقاف لصدى البلد: واجهنا الإلحاد بالمنطق والحجة والبرهان فأقنعنا الكثير من الشباب
قال الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف أدر منذ وقت مبكر أن الإلحاد ليس مجرد انحراف عقدي طارئ، وإنما نتيجة تراكمات فكرية ونفسية واجتماعية معقدة، وأن التعامل معه لا يجوز أن يكون انفعاليًّا أو تقليديًّا، بل يستوجب إعداد رؤية علمية متكاملة، تجمع بين الفهم العميق للأسباب، والتخطيط الدقيق للمواجهة، بأساليب تعتمد على العقل والحوار والمعرفة، لا على الإدانة والتجريم.
وأضاف وزير الأوقاف في تصريح خاص لـ" صدى البلد" أن الوزارة تبنت استراتيجية شاملة لمعالجة هذا التحدي، تقوم على فهم دقيق لجذوره، فقد أظهرت دراساتنا وتحليلاتنا المستمرة أن أحد أبرز أسبابه بين الشباب هو التشويه الذي لحق بصورة الدين بفعل جماعات التطرف والتشدد، التي ربطت بين الدين والعنف، حتى ظن بعض الشباب أن التدين لا يكون إلا قهرًا واستعلاءً واستباحة للدماء، فكان الرد الطبيعي من بعضهم هو الرفض الكامل، لا للتطرف فحسب، بل لفكرة الدين ذاتها.
وأوضح الأزهري كشفت دراستنا عن تأثر فئة من الشباب بالحضارة الغربية من باب الانبهار، لا من باب الإقناع، فحين يرون تفوقًا ماديًّا وتقدمًا علميًّا واقتصاديًّا في مجتمعات تنكر الألوهية، بينما تعاني بعض المجتمعات المسلمة من التخلف والضعف، يختلط لديهم ميزان المفاضلة، ويقعون في فخ التعميم، دون وعي بحقيقة العلاقة بين الدين والتقدم، ودون إدراك بأن الأزمة ليست في الدين، بل في غياب تطبيقه على الوجه الصحيح.
ولم تغفل استراتيجيتنا السبب الثالث، وهو الأمية الدينية، فالكثير من الملحدين – خصوصًا من فئة الشباب – يفتقرون إلى الحد الأدنى من المعرفة الصحيحة عن الإسلام، فتتلقفهم الشبهات ويُغرَون بسطحية الفكر الإلحادي الذي يقدّم لهم إجابات سريعة لمعارك فكرية لم يخوضوها من قبل، وهنا تأتي أهمية نشر الوعي الديني الوسطي، القائم على الفهم العميق والشرح العقلاني، لا على مجرد التلقين أو الحفظ
أما العامل الرابع الذي واجهناه بجدية، فهو الفضاء الإلكتروني المفتوح، والذي بات مساحة خصبة لترويج الأفكا الإلحادية وتداول الشبهات، إذ يتفاعل الشباب مع محتوى رقمي مؤثر، دون وجود خطاب ديني رقمي موازٍ، يستطيع أن يخاطب عقولهم بلغتهم، ويفنّد تلك الشبهات بحكمة وعلم وثقافة عالية.
واستكمل: شرعت الوزارة في خطوات عملية متعددة، أبرزها إعداد خطاب ديني عقلاني وعصري، يعتمد على البرهان العقلي، ويخاطب الفئات الشابة بلغتهم الفكرية، بعيدًا عن الأسلوب الوعظي التقليدي الذي لم يعد مؤثرًا في كثير من الأحيان، كما شرعنا في تفكيك الشبهات الفكرية التي تُبث في مجالات علمية كعلم الكونيات والأحياء والأعصاب، من خلال إعداد محتوى متخصص، يقدّم تفسيرًا علميًّا دقيقًا لما يثيره الفكر الإلحادي في هذه المجالات.
كما توسعنا في تنظيم اللقاءات الفكرية في المدارس والجامعات، وحرصنا على أن تكون تلك اللقاءات مفتوحة وحوارية، لا تلقينية أو وعظية، كي نفتح المجال للعقل الشاب أن يُسائل ويبحث ويُناقش، ونرد عليه بمنهجية تحترم فكره، وتزوده بأدوات الفهم السليم.
واختتم وزير الأوقاف تصريحاته قائلا: في ظل سطوة الإعلام الجديد، عززنا الحضور الرقمي للمحتوى الديني المستنير، من خلال منصات متخصصة على وسائل التواصل الاجتماعي، تقدم محتوىً جذّابًا وموثقًا، يعالج القضايا الفكرية بأسلوب يناسب العقل المعاصر، ويواجه الفكر بالفكر، والحجة بالحجة، والبرهان بالبرهان.
وقطعنا في هذا الطريق أشواطًا متقدمة، بفضل الله، واستطعنا استعادة ثقة الكثير من الشباب، وفتحنا أمامهم أبوابًا جديدة لفهم الدين، لا بوصفه طقوسًا مغلقة، بل رؤية شاملة للحياة والكون والإنسان، تعتمد العقل والنص معًا، وتحترم الأسئلة بدلًا من أن تقمعها، وتقدم الدين في صورته الحقيقية: رحمةً، وعدلًا، وحكمةً، وسموًّا إنسانيًّا.