متى سيستفيق النظام الجزائري من غفلته؟
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
لست أدري حقا متى سيستفيق نظام الحكم في الجزائر، لكني على علم بأن مجال المناورة لديه أضحى محدودا، والمنطقة الرمادية التي يلجأ إليها كلما ضاقت عليه الخيارات أمست ضيقة. فالعالم مصطف بحدة في هذا الفترة، وليست الجزائر دولة يستهان بها كيما يتخلى عنها هذا الحلف أو ذاك، ولو أودى بها التجاذب إلى الخراب والتمزق لا سمح الله.
لم تكن المتغيرات التي حدثت في دول الجوار كلها في حسبان أصحاب القرار في الجزائر، ولم تك سياستهم فاعلة بما يكفي وهم لا يملكون أصلا خيوطا متينة يستطيعون بها التأثير على هذه الدولة أو تلك، ومرجع ذلك كله إلى قدرة من يفكر في دواليب النظام الجزائري على استيعاب التغيرات وقراءتها قراءة عميقة، تتيح له اتخاذ مواقف صحيحة. المثقف السياسي الحر بعيد عن هذه الدواليب، والذي يقدم المشورة لأصحاب القرار ليس "راهبا" حبس نفسه على رصد ما يدور في العالم وعلم ما ينبغي فعله في كل مرحلة، إنها بضاعة مزجاة من نظام معطل القدرات أثقلته الأهواء والفساد عن الفطنة والحذاقة.
شمالا يتوجس الحلف الأطلسي من الميل المبطن لقادة هذا البلد نحو المعسكر الشرقي، وإن بدا بين الجزائر وهذا المعسكر بعض من الفتور، إلا أن الراكز في العلاقة بينهما أرسخ من أن تعكره سحابة صيف عابرة. والإرث الاستعماري التاريخي للحلف في شمال إفريقية عصي التذليل ليحدث تقارب حميمي مع الجزائريين؛ ناهيكم أن في قلب الشمال الإفريقي خيرات كثيرة، الغرب بأمس الحاجة إليها خاصة الطاقة، التي ضنت الجزائر بقسط منها على أوروبا في أزمتها الحالية مراعاة لمصالحها مع روسيا.
في الصراع الوجودي بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الروسي ما يمنع الجزائر من وضع بيضها كله في سلة واحدة، فانتصار الغرب أو الشرق في أوكرانيا بمثابة بداية تفكك أحد الاتحادين لا محالة، فالنصر مغر للقادة السياسيين بالمزيد، ولن يتوقف غرب أو شرق عند حد من حدوده؛ لذلك يظن من يرسم سياسة الجزائر بأن لعب دور بيضة القبان قد تتيح فسحة للمناورة ربحا للزمن، والواقع أن النيران على حدود الجزائر مشتعلة من كل جهة ولا مجال للانتظار حتى ينتقل شررها إلى الحطام المركوم بداخلها.
في الجهة الغربية تواصل المملكة المغربية حصد المزيد من الأوراق السياسية التي تظن بأنها رابحة في خصومتها مع الشقيقة الشرقية، صراع بين مراهقين سياسيين على إرث لا مثيل له في العالم يتهدده الخراب. فلا يعني انحياز فرنسا إلى أطروحة الحكم الذاتي للصحراويين كما انحازت قبلها الولايات المتحدة وإسبانيا ومن سيسير في ركبهم ـ أن الأمر سيقضى للمملكة، فالتفكير الطائش من قبل الطرفين سيزيد من حماوة الموقف، وسيستجلب أطرافا أخرى إلى المنطقة تزيد من أوار اللهيب، وليس العدو الصهيوني المستقدم إلى المملكة بنابذ لروسيا والصين وإيران وحلفائها كي يحتلوا المنطقة من أسهل الأبواب، وستكون تلك الخاصرة مقضة لمضاجع الأوروبيين، خاصة وأنها قريبة من مضيق جبل طارق، وما تجربة باب المندب عنهم ببعيد.
الصحراء الكبرى تشهد تحولات دراماتيكية لا تملك الجزائر وحدها فرصة التأثير فيها، خاصة مع احتدام الصراع بين الفيلة واصطفاف دول مهمة كالنيجر ومالي وبوركينافاسو مع محور الشرق، ما يعني أن الجزائر التي تراوح مكانها مندهشة من تفلت الحوادث المتسارعة من بين يديها، لم تعد قادرة على التأثير في منطقة تعد حديقتها الخلفية، ولم يبق أمامها من خيارات غير الاصطفاف مع أحد الفريقين وهي لا تفعل كما يريد لها المتصارعون. ولن تستطيع بسياستها المترصدة أن تبقى مكتوفة الأيدي طويلا وحدودها الشاسعة في الصحراء التي لا قبل لها على حمايتها فيما لو اتخذتها الجماعات المسلحة مجالا لأنشطتها العسكرية؛ إنها بؤرة متوترة للغاية والفوضى لا تخدم المصالح الجزائرية قطعا.
النأي بالنفس أسلم إذا حيزت لك الحكمة فأعدت الحكم إلى أهله، ورضيت بما قسم الله لك منه؛ لا أقصد تحكيم الصندوق كما يريد بعضهم، ولا أعني الدخول في مرحلة انتقالية على ما ذهب إليه ساسة ركبوا موجة الحراكيين وليسوا منهم، بل أقصد إقامة الحكم على أركان ترضي الله عز وجل في خلقه، وترضي المؤمنين بالله تعالى على أرضه.ومن الشرق باتجاه ليبيا وتونس، يتدخل لاعبون بعيدون في ترتيب أورق البلدين، فالأتراك والناتو معهم لا استعداد لديهم في التخلي عن ليبيا غربها، وشرقها معاد للسياسة الجزائرية، لأن الخصومة المستحكمة بين مصر وحليفها حفتر وبين الجزائر طبع متأصل منذ القدم. وتونس سياسيوها يبيعون الولاء لمن هو أكثر دفعا، والإمارات المتحدة مستثمر جيد في هذه البيئة الرخيصة. وكلنا يعلم كيف استطاع الإماراتيون قلب مخرجات الديمقراطية التونسية وجعلها مهزلة حقيقية، في حين يقتّر الجزائريون في المال السياسي، وهو سلاح فعال يتألف القلوب. ولم تكتف الإمارات العربية المتحدة بنسج خيوط تكبل بها من يخاصمها سياسيا والجزائر من بينهم، بل إنها تحاول الاستحواذ على شركة الغاز الإسبانية لتتحكم في الوارد إليها من الغاز الجزائري، لتجيره لاحقا فيما تحتاج إليه لنفسها من نفوذ يعزز مكانها الدولية، لقاء ما تنتزعه من أوراق بيد آخرين، وتلكم سياسة دربت على لعبها هذه الدويلة الفتية في أكثر من مكان.
الذي يهمني قوله في هذا الاستعراض الموجز لما يحاك حول الجزائر وليس أغلبه بنافع لمصالحها الحيوية، أن النظام الجزائري لا يملك خيارات كثيرة للمناورة، خاصة وأن ظهره أصبح مكشوفا للخصوم وبطنه كذلك. فظهره مشرع للخارج الذي يتربص به لقلب الأوضاع في هذا البلد غير المطواع، لا لذكاء فذ يميز حكامه بل لعناد يعود إلى المستحكمين في قراره طبعا لم يكتسبوه، ولن يعدم الخارج شرقيه وغربيه من يقوم بخلط الأوراق من داخل سراديب الحكم لقلب نظام الحكم أو بافتعال مشكلات هنا وهناك تغري المتربصين بالانقضاض؛ وبطنه بات مكشوفا داخليا أيضا، لأن الشعب الجزائري ليس محبا لهذا النظام وليس مستعدا للدفاع عنه في ساعة العسرة، لطول ما شق عليه في التسيير والتدبير، وهو لا يزال غير شفيق به حتى اليوم، بعدما طفق في عسكرة الحياة في المجتمع، وليس آخرها انتداب ضباط من وزارة الدفاع لتسيير مؤسسات مدنية يرونها حساسة تمس بالسيادة الوطنية، في تعبير فضفاض لا يمنع أية مؤسسة مدنية من أن تكون كذلك عندما يريد أصحب القرار ذلك.
لنهضة الدول وأفولها أسباب يدركها رجال الدولة الحقيقيون، وليس الموظفون الانتهازيون الذين لا هم له غير إعطاء الولاء للحاكم والاستفادة منه من يدرك تلك الحقيقة ويتحسب لها. وليس أدل على هذا الفارق من الخيارات الفاشلة لسياسة الدولة القائمة على الارتجال وعدم الإدراك فيما يدور حولها من تطورات، حتى غدا النظام الجزائري شبه عاجز يسبح وحيدا في بحر هائج لا يحسن العوم فيه، وقد خسر من بين يديه أوراقا كثيرة ولا يزال مصرا على المقامرة بما تبقى منها لديه. فهل ذلكم استدراج قدري لنهاية مدوية يساق إليها النظام السياسي في الجزائر سوقا، جراء ما اكتسبت يداه من موبقات هو بها عليم؟ أم هي بداية استفاقة حكيمة تعيد الحياة للدولة الجزائرية لعلها تستجمع بها قواها فتنهض من جديد؟ إن لكل من هذين النجدين معالم لا بد من اعتبارها قبل فوات الأوان.
أن تعطي عطاء المذل للشرق أو للغرب فتلكم مهلكة حقيقية، والتمنع ليس بمجد في مثل هذه الظروف العصيبة، وهذا العطاء هو ما يعبر عنه في الأدبيات السياسية بالعهر السياسي، مجبرا أو متمنعا تعطي شرف موقفك السيادي لمن يستحكم فيه فيرديك متاعا يستغله لأجندته الخاصة إلى أن يسفر الصراع الجيوسياسي المحتدم اليوم عن صبح الله وحده به خبير. والنأي بالنفس أسلم إذا حيزت لك الحكمة فأعدت الحكم إلى أهله، ورضيت بما قسم الله لك منه؛ لا أقصد تحكيم الصندوق كما يريد بعضهم، ولا أعني الدخول في مرحلة انتقالية على ما ذهب إليه ساسة ركبوا موجة الحراكيين وليسوا منهم، بل أقصد إقامة الحكم على أركان ترضي الله عز وجل في خلقه، وترضي المؤمنين بالله تعالى على أرضه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الجزائر سياسة الجزائر تحديات سياسة رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الجزائری
إقرأ أيضاً:
إندونيسيا تحيي الذكرى العشرين لكارثة تسونامي المأساوية التي أودت بحياة مئات الآلاف
استحضارا لما حدث قبل 20 عاما، قرر الإندونيسيون إحياء ذكرى تسونامي الذي ضرب دولا آسيوية، وراح ضحيته أكثر من 230.000 شخص. وخشية من تكرار الكارثة، باتت السلطات تهتم بالتوعية، ولا تكتفي بعرض لافتات كُتب عليها (باللغة الإندونيسية) "أنت في منطقة معرضة للتسونامي"
اعلانشاركت مجموعة متنوعة من طلاب المدارس الثانوية في تدريبات التأهب للزلازل، ضمن الأنشطة المخلدة لذكرى واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ البشرية. وخرج الطلاب والطالبات من المدارس، وكأنهم يستجيبون فعلاً لتحذير داعٍ ينذرهم بوقوع تسونامي جديد، فمثلوا الدور وكأن الحادث وقع فعلا.
فنانون يؤدون عرضا فنيا خلال عرض مسرحي يصور كارثة تسونامي خلال إحياء ذكرى مرور 20 عاما، في أتشيه في باندا أتشيه بإندونيسيا، السبت 14 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/APويستحضر السكان هناك تلك الطامة الكبرى، حينما هاجت الأمواج العاتية في المحيط الهندي، إبان عيد الميلاد، عام 2004، ووقع زلزال تجاوز قوته 9 درجات على مقياس ريختر، ضرب سواحل جزيرة سومطرة الأندونسية، وهاجت الأمواج، وحلقت في الهواء، في ارتفاع تجاوز 17 مترا، واجتاح المد شواطئ دول عديدة في المنطقة، كان أكثرها تضررا، بعد إندونيسا: تايلاند والهند وسريلانكا.
لقطة جوية باستخدام طائرة بدون طيار، تُظهر مسجد رحمة الله في قرية لامبوك، إحدى أكثر المناطق تضررا من تسونامي 2004، في أتشيه بيسار، إندونيسيا، الخميس 12 ديسمبر/كانون الأول 2024.Achmad Ibrahim/Copyright 2024 The AP. All rights reserved.وتُظهر الصور مدى تمسك السكان بأرضهم ووطنهم، واستعدادهم للعيش في تلك المناطق، رغم أن قرى بكاملها قد سُويت بالأرض جراء الأمواج العاتية التي قتلت أكثر من 150 ألفا في أندونيسيا وحدها.
Relatedزلزال بقوة 7.1 درجة يهز جنوب اليابان: تحذيرات من تسونامي وتفتيش للمفاعلات النوويةفيضانات وانهيارات أرضية في إندونيسيا.. وفاة 27 واستمرار عمليات الإنقاذتغير المناخ أحدث موجات تسونامي هزت الأرض 9 أيامإندونيسيا: عمليات إجلاء مستمرة مع استمرار ثوران بركان جبل ليوتوبي "لاكي لاكي"كما تظهر الفيديوهات مناطق أعيد بناؤها، وصارت تتزين بعشرات آلاف المباني السكنية والتجارية والحكومية، فضلا عن بناء المدارس في المنطقة التي شهدت فعليا دمارا شاملا في 2004.
واستذكارا لذلك اليوم الأليم، تقول السيدة تريا أسناني، مدرسة ثانوية في إندونيسيا: ”عندما يسألني الناس كيف نجوت، أقول لهم: الله وحده يعلم. فأنا لا أجيد السباحة. وكان اعتمادي على الدعاء وذكر الله، لأنني آمنت بأننا إذا كنا مع الله فالله أكبر“.
ومن اللافت أن الكارثة تسببت في توحيد الناس، بغض النظر عن دياناتهم ومعتقداتهم، فصار إحياؤها يشمل الصلوات عند كثير من أتباع الملل والنحل، وخصوصا: المسلمين والمسيحيين والبوذيين.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية منظر مذهل في تركيا.. تجمد جزئي لبحيرة في فان يخلق لوحة طبيعية خلابة إل ألتو البوليفية: "المنازل الانتحارية" مهددة بالانهيار والسكان يصرون على البقاء احتفال بالريادة في مجال الاستدامة في إندونيسيا.. شركات في خدمة المجتمع والبيئة عيد الميلادإندونيسياتسوناميذكرىاعلاناخترنا لك يعرض الآن Next إسرائيل تواصل قصف غزة موقعة قتلى وجرحى والحوثيون يستهدفون تل أبيب بصاروخ باليستي يعرض الآن Next ألمانيا: الشرطة تفتش منزل المشتبه به في تنفيذ هجوم سوق الميلاد بماغديبورغ يعرض الآن Next صاروخ باليستي من اليمن يسقط في تل أبيب ويصيب 16 شخصاً بجروح طفيفة يعرض الآن Next هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار مادية يعرض الآن Next من التشويق إلى الدراما.. أفضل أفلام عام 2024 عليك أن تشاهدها قبل نهاية العام اعلانالاكثر قراءة القيادة المركزية الأمريكية تعلن عن تصفية "أبو يوسف" زعيم داعش في سوريا آيتان على سقف قصر السيسي ومُلْك فرعون الذي لا يفنى.. صورة الرئيس المصري تشعل مواقع التواصل عاجل. ألمانيا: 5 قتلى على الأقل وإصابة 200 شخص بعملية دهس بسوق عيد الميلاد واعتقال مشتبه به سعودي الجنسية إصابة شاب بنيران الجيش الإسرائيلي خلال مظاهرة في ريف درعا السورية بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية.. هل تعلم أن للأسد 348 اسمًا؟ اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومضحاياسورياهيئة تحرير الشام قطاع غزةبشار الأسدألمانياأبو محمد الجولاني الصراع الإسرائيلي الفلسطيني اعتداء إسرائيلقصفإسرائيلروسياالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024