مصطلح «التطبيع بالإعلام»، يعنى اعتياد ما لم يكن مألوفا فى السابق، وكان مجرد التعرض له ولو بالصدفة يمثل صدمة ويستوجب مراجعة أو معاقبة المرسل، والمقصود به هنا صانع الإعلام، فعلى سبيل المثال كانت مشاهد الحرب والتدمير والقتل والحرق غير مقبولة على الشاشة إلا فيما ندر، وأقصد هنا شاشة الأخبار اليومية وكانت المحطات الإخبارية العالمية حينما تلجأ لتغطية الخبر بصورة أو فيديو كانت تراعى إلى حد بعيد عدم إظهار الوجوه أو مشاهد الدماء وتكتفى بصور أو مقاطع فيديو من بعيد أو على الأقل ليس فيها مشاهد واضحة لجثث أو قتلى، وحتى عندما كان يتم توظيفها فى الدراما كان يراعى تجنب المشاهد القاسية لحظة سفك الدماء أو طريقة تنفيذ القتل، رغم أننا كمشاهدين نعلم جيدا أن المعروض فى الآخير تمثيل!!
لا ننكر أن تعاطى الإعلام بمختلف أنواعه مع القضايا والأزمات اختلف مع الزمن وبفعل التطورات التقنية وتعدد وتنوع وسائل الإعلام وشيوع التزييف الدقيق والعميق وحتى ظروف المجتمعات نفسها اختلفت وهو ما أوجد بعض التوجهات التى كانت فى بداياتها صادمة لكن تم تقبلها مع الوقت تحت عنوان خبيث يقول «الدنيا كلها تغيرت» بغض النظر هل التغيير هنا لصالح الإنسان أم ضده.
الآن يبث الإعلام دولى ومحلى مشاهد القتل والحرق الحقيقية ليل نهار من أماكن الصراعات، وتعرض مشاهد مروعة لا يتحملها قلب إنسان عادي، وهناك وسائل إعلام خصصت أقسام مستقلة فيها لمتابعة الأرقام المتزايدة للضحايا يوما بيوم، لدرجة أن المتلقى فى عمر الطفل أصبح يتقبل المشاهد وكأنها مثلا أغنية للأطفال لاسيما عندما يعاد تدويرها فى «السوشيال ميديا».
هذا الكلام ذكرنى بموقفين، الأول: قديم يعود للفترة من بعد موت الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وحتى قيام حرب أكتوبر 1973 كان عامة الناس فى الشارع المصرى وقتذاك يوجهون ساخرين السؤال الأبرز للرئيس السادات: «هنحارب إمتى؟» «ولا مش هنحارب خالص؟» وتداول المثقفون مصطلح «اللا سلم واللا حرب» كنوع من «التطبيع» مع الحالة العامة، ولم يكن معظمهم ربما على علم بأن الرئيس السادات نفسه أراد أن يرسخ لهذه الحالة العامة من «اللاسلم واللا حرب» كأحد أدوات خطة الخداع الاستراتيجى التى كانت جزء من خطة حرب أكتوبر، أراد السادات أن يوصل للعدو رسالة مفادها أن الحالة العامة فى مصر تطبعت مع الوضع القائم وأنه لا حرب فى القريب العاجل أو فى البعيد الآجل.
أما الموقف الثانى فقبل أيام عرضت قناة «العربية - الحدث» تقريرا من الشارع فى غزة كان المراسل يلتقى أهل غزة ويسألهم عن رأيهم فى المفاوضات وتوصيفهم للحالة التى يعيشونها منذ السابع من أكتوبر حتى الآن، وجاءت إجاباتهم تصلح لما نسميه فى البحث العلمى «دراسة حالة»، فعلى سبيل المثال قال أحدهم بوجه بائس يائس لا مبالى: «أنا لا متفائل ولا متشائم، مضى أكثر من عشرة شهور عقد خلالها أكثر من قمة وأكثر من مفاوضات، وفى الأخير لا شىء حدث»!! وقال آخر بنفس اليأس: «الإحباط موجود وربنا قادر على كل شىء»، فى تقديرى لو كان هذا التقرير بعد أسبوع أو اثنين من 7 أكتوبر الماضي، أتصور أن إجابات نفس الناس كانت ستختلف بل أيضا طريقتهم فى الإجابة وملامحهم وهم يتكلمون والخلاصة أن كم الألم والوجع ومئات الفيديوهات والصور المتداولة فى الإعلام عن مجازر الاحتلال فى غزة وقصف البيوت وإطباقها على ساكنيها جعل المتلقى لهذا الإعلام يتطبع تدريجيا مع مشاهد القسوة حتى أنه لم يبدى نفس ذهول الصدمة الذى أبداه فى المشاهد الأولى وهنا تتجلى خطورة القوة الناعمة وتحديدا سلاح الإعلام فمثلما بإمكانه شحذ الهمم وخلق الاستفاقة ودعم المواقف بإمكانه أيضا تسبيط الهمم واعتياد الألم وخلق اليأس، وهذه الرؤية تدعم أيضا نظرية التأثير النفسى غير المباشر لوسائل الإعلام على سلوك المتلقى وتصرفاته وتفسر تغير مواقفه عبر فترات زمنية معينة بعد التعرض المتكرر لمحتوى معين فما تفعله بعض وسائل الإعلام فى سعيها للسبق واقتناص اللقطة قبل غيرها هو أنها قد تتجاهل التأثير التراكمى لما تكرر عرضه من صور وفيديوهات على نفس وسلوك المتلقى فتحدث ما يسمى «التطبيع بالإعلام».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: يا خبر د حسام فاروق
إقرأ أيضاً:
المرصد المغربي لمناهضة التطبيع يدين الهجوم على "حنظلة" ويطالب بحماية المغربي محمد البقالي
أدان المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، في بيان أصدره أمس السبت، الهجوم الإسرائيلي على سفينة « حنظلة » واعتقال النشطاء المتواجدين على متنها، بينما كانت تبحر في المياه الدولية باتجاه قطاع غزة لكسر الحصار المضروب عليه.
وقال المرصد إن ما قامت به القوات الإسرائيلية « هو عمل قرصنة يتنافى مع كافة القوانين الدولية »، مشددا على أنه يشكل أيضا « انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان من خلال الاعتداء على المتطوعين المدنيين الذين جاءوا من مختلف الجنسيات والأديان والأعراق بهدف تقديم المساعدة الإنسانية للفلسطينيين المحاصرين في غزة ».
ودعا المصدر ذاته المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته إزاء ما قد يتعرض له هؤلاء المتطوعون « من اعتقالات، أو تعذيب أو إهانة أو أي انتهاك لحقوقهم »، مؤكدا على تضامنه « اللامحدود » مع الصحفي المغربي محمد البقالي، الذي تم اعتقاله أثناء قيامه بواجبه الصحفي على متن السفينة.
وطالب المرصد السلطات المغربية باتخاذ « جميع الإجراءات اللازمة لضمان سلامة البقالي »، وبالتحرك « العاجل » لحمايته والإفراج الفوري عنه، كما دعا الهيئات الصحفية الوطنية والعربية والدولية، إلى « إدانة اختطافه والتضامن معه، والعمل على تعبئة كل الجسم النقابي الصحفي الدولي لحماية سلامته الجسدية وإطلاق سراحه فوراً ».
كلمات دلالية أحمد ويحمان إسرائيل السفينة حنظلة المرصد المغربي لمناهضة التطبيع غزة محمد البقالي