عقدة النقص عند المسلمين طريقٌ للانهزام الحضاري
تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT
لا شك أن الإنسان يعيش في حياته مراحل مختلفة، ففي فترة يمكن أن تتميز حياته بالتطور والتقدم إذا تبع ذلك بذل الجهد، واستنفاذ الوسع، والأخذ بالأسباب الصحيحة للصعود والترقي. أما إذا توقّفت آلة الابتكار لدى الإنسان، وسُلبت منه إرادته، فلن يضيف شيئًا لنفسه، ولمن حوله، حتى مجتمعه الذي يعيش فيه، ربما لا يستفيد منه، ويكون عالة على الجميع.
ومن ثمَّ في هذه الحالة يستسهل الإنسان فكرة التقليد والتبعية للآخر، الذي امتلك مقاليد القوة والسيطرة والغلبة، وعليه سيشعر الإنسان بالدونية والتبعية للآخر، ويسير في فلكه أينما سار، وهذا هو حال الأمة الإسلامية الآن.
فنجد أن عجلة التميّز والتفوق في معظم الأحيان توقفت بشكل كبير لدى أفراد الأمة، إما تحت هيمنة الآخر، وسيطرته عليه، أو استبداد بني قومه، واستئسادهم عليه، ومحاربة كل جديد يساهم في نهضة الأمة. وهذا ما يُعبّر عنه بعُقدة النقص، التي وصفها بشكل جليّ كتاب الشهود الحضاري للأمة الإسلامية، لمؤلفه العالم الكبير الدكتور عبد المجيد النجار، حيث يقول:
يعيش المسلمون اليوم وضعًا من المغلوبية الحضارية إزاء حضارة الغرب الضاربة، فهم من حيث الواقع عالة على هذه الحضارة في حياتهم كلها من الغذاء إلى الكساء إلى التنقل إلى سائر مرافق الحياة، وهم من حيث العلوم والتكنولوجيا لا يبلغون بالنسبة لها حتى مستوى التلاميذ الصغار الذين يحدوهم أمل أن يلحقوا يومًا ما من الأيام المنظورة بمستوى أساتذتهم أو يقاربوه، وهم من حيث قوة البطش العسكرية يشبه وضعهم وضع الحملان بالنسبة للأسود.
والممارسة اليومية للحياة العملية في الارتفاق والتعلم، وكذلك الممارسة اليومية للحياة العامة في العلاقة بين الدول والشعوب تعمّق في نفوس المسلمين باطراد هذا الشعور بالمغلوبية الحضارية حتى صار وضعًا نفسيًا مستقرًا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة الإسلامية.
وفي غياب الوعي بالقيمة الحقيقية للحضارة الغربية، وبواقع ما هي عليه من عناصر الحق ومن عناصر الباطل، تولد في نفوس الكثير من المسلمين انبهار بهذه الحضارة وافتتان بها غشى ما فيها من باطل، فظهر منها ما هو حق فقط، ووقع في الأوهام أن ما عليه أهل هذه الحضارة الغالبة الطريق القويم؛ إذ أوصلهم إلى هذه القوة الغالبة، وأن ما عليه هم ليس هو بالطريق القويم إذ أبقاهم في حالة المغلوبية، ومن ثمة نشأ في النفوس شعور باستنقاص الذات وإحساس بالدونية إزاء الآخر الغالب، واستفحلت إذن عقدة النقص ترهق المسلمين ولا يجدون منها فكاكًا، فتكيفت حياتهم النفسية بها إلى حد كبير .
لقد كان لهذه العقدة أثر سلبي على إرادة الفعل الفردية والجماعية؛ إذ فزع بها فريق كبير من المسلمين إلى التقليد الأعمى للغرب وأهله فيما يشبه من سلبت إرادته، فلا يملك من أمر نفسه شيئًا. والمقلّد على هذه الدرجة من التقليد إنما هو يحاكي ما يفعله الآخر دون وعي، بل دون فهم لما يحاكي فيه كي يستقلّ بفعله بعد دور المحاكاة فإذن هو تقليد مهدر للإرادة.
وذهب فريق من عقدة النقص إلى شراء مظاهر التحضّر، ظنًا منه أن من يشتري هذه المظاهر قويًا كمن شرى منه متنكبًا في ذلك الطريق الصعب المتطلب للصبر وقوة الإرادة، وهو طريق التعليم الواعي لا طريق الشراء السهل، فهو إذن فريق قصرت إرادته عن ركوب الصعاب بالتعلّم والصبر عليه، وسلّى نفسه بامتلاك الإنجاز عن طريق الشراء، وهو لا يمتلك إلا بالإرادة الفاعلة.
إذا لم نعد لذواتنا ونُصلح من شأننا على جميع المستويات بشكل منهجي، فسوف تستمر هذه التبعية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإذا سقطت تلك الحضارة التي نسير في فلكلها، فسوف ننهار بالتبعية، إن لم يكن لنا حصانة بالنهوض مرة أخرى بإرادتنا، وليس بإرادة غيرها، ولا ننسى أننا أصحاب حضارة، حينما كُنا نمتلك إرادتنا، وصدّرنا للعالم كله تلك الحضارة..وأصاب فريقًا ثالثًا يأس مباشر من أن يكون في الإمكان بهذه الحضارة الغالبة لحاق، فلزموا عليه من وضع خائرة قواهم عن الحركة مستسلمين لما توهموا أنه قدرهم المحتوم الذي ليس منه فكاك. تلتقي هذه المظاهر التي أفرزتها عقدة النقص كلها في نفوس الكثير من المسلمين عند معنى واحد هو السبب الأساسي فيها.
وذلك هو خلل في الإرادة ناشئ من استشعار النقص والدونية إزاء الآخر الغربي، فهذا الاستشعار يضعف في النفس إلى حدّ كبير روح المبادرة فيها، فلا يكون لها نزوع إلى العمل التغييري الجاد، بل تكون أقرب إلى الاستكانة والقعود.
وإذا كان ابن خلدون قد قرّر هذا المعنى بالنسبة للمغلوب من الشعوب مغلوبية مباشرة بالاستيلاء المادي من قبل شعب آخر، فإن تشابك العلاقات وتداخلها في عالم اليوم، وحدوث أساليب للاستيلاء غير المباشر تفعل فعل الاستيلاء المباشر من شأنها أن تُنزل الشعوب الإسلامية، ومن هو على حالها من الشعوب منزلة المغلوبية المباشرة في تحليل ابن خلدون، وحينئذ فإنه يصح فيها قوله مبينًا أثر المغلوبية في خلل الإرادة الحضارية:
"إن الأمة إذا غلبت وصارت في مسلك غيرها أسرع إليها الفناء، والسبب في ذلك والله أعلم ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها، وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم، فيقصر الأمل ويضعف التناسل والاعتمار إنما هو عن جدة الأمل، وما يحدث عنه من النشاط في القوى الحيوانية، فإذا ذهب الأمل بالتكاسل، وذهب ما يدعو إليه من الأحوال، وكانت العصبية ذاهبة بالغلب الحاصل عليهم، تناقص، عمرانهم، وتلاشت مكاسبهم ومساعيهم".
إن هذا التحليل الخلدوني نراه يصدق في جملته على حال الأمة الإسلامية اليوم في تكاسلها يفعل المغلوبية، مع غفلتها عن الدواعي التي تشتمل عليها، والتي لو استنهضت بحق لعالجت فيها استشعار المغلوبية فأصبح استشعارًا للقوة يدفع بها نحو طريق الاستعلاء النفسي الذي هو نفسه طريق الإرادة الفاعلة.
وعليه إذا لم نعد لذواتنا ونُصلح من شأننا على جميع المستويات بشكل منهجي، فسوف تستمر هذه التبعية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإذا سقطت تلك الحضارة التي نسير في فلكلها، فسوف ننهار بالتبعية، إن لم يكن لنا حصانة بالنهوض مرة أخرى بإرادتنا، وليس بإرادة غيرها، ولا ننسى أننا أصحاب حضارة، حينما كُنا نمتلك إرادتنا، وصدّرنا للعالم كله تلك الحضارة.
الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل والبذل على جميع المستويات، والاستفاقة من غفلتنا، حتى نكون سببًا في نهضة ذواتنا، والتأثير على غيرنا.
ومن ثمَّ على الأمة أن تنهض من جديد، وتلك مهمة تستدعي تشخيصًا سليمًا للواقع، ورؤية واعية للعلاج حتى نخرج من النفق المظلم، لكي تأخذ الأمور مسارها الصحيح. وما تأخَّر من بدأ.
وكمال قال الشاعر على الجارم:
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابــــــــــــذُلْ تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّة ُالكَائِنـــات
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأَحْلاَمِ فانهَضْ وُقِيتَ شرَّ السُّباتِ
twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المسلمون حضارة العرب رأي حضارة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
زكريا فلاح الدقهلية البسيط يحلم بوا قع أفضل
تميزت الحضارة المصرية القديمة بطابعها الزراعي، وقامت تلك الحضارة حينما استقر الإنسان المصرى القديم وزرع الأرض، وكانت الزراعة أساس رخاء البلاد وثروتها، فقد أحسن المصرى القديم استغلال الأرض وموارد مصر الطبيعية لسد حاجاته،واعتبر نهر النيل من أهم العوامل الطبيعية التي ساعدت على قيام الحضارة المصرية، وقد راقب المصريون القدماء نهر النيل وعرفوا كيف يستفيدون من مياهه عن طريق إقامة السدود وحفر الترع والقنوات.
والفلاح المصرى البسيط هو ملح الأرض، و درة التاج فى صلب الحضارة التى قامت على الزراعة منذ فجر التاريخ . فهو طعم الحياة ورمز السيادة والكفاح وهو رمز العطاء والشقاء المستمر .
مع فجر كل يوم، يستيقظ عم عادل زكريا ذو الوجه الشاحب والجسد النحيل واليدين المتشققتين مرتدياً جلبابه البسيط، حاملاً على كتفه أدوات عمله من فأس ومنجل لكي يتمكن من الحصول على قوت يومه الذي يستطيع من خلاله الإنفاق على أسرته.
لم تكن تلك الأكف التى كستها أخاديد عميقة حفرتها الفأس فأضحت كالوشم الغائر ، لتشعر بالوهن يوما ، ولم تكن تلك التجاعيد التى علت جباهه إعلانا عن قلة الحيلة ، بل كانت صرخةَ عزم فى مواجهة قسوة الحياة وشظف العيش .ويعد عادل زكريا واحداً من بين ملايين المطحونين الذين يعيشون وضعاً صعباً في ظل موجة مستمرة ومتزايدة من ارتفاع الأسعار تشهدها البلاد، مع استمرار تدهور قيمة سعر صرف الجنيه أمام الدولار، لتأتي تلك الفئة التي تعمل تحت خانة مهن غير ثابتة ضمن الأكثر تضرراً من تلك الأزمة.
يقول زكريا غالبية أوقات عملي في زراعة الأرض تكون خلال فترة الظهيرة في ظل درجات الحرارة المرتفعة، وقد أتعرض لضربات شمس في بعض الأوقات ولا أستطيع الحصول على راحة قائلا "ليس أمامي بديل آخر من أجل كسب الرزق.
وتابع زكريا حياة الفلاح بطبيعتها قاسية ولكن كانت الحياة أيام زمان لذيذة بسيطة فلا توجد مغالاة فى المعيشة وكانت تتميز بالهدوء فقد إرتبطت بالطبيعة ، والأرض الزراعية وكان روتين يومنا أن نعمل طوال النهار في حرث وبذر وري الأرض، وفي المساء نجتمع برغم أننا متعبون ومرهقون من أعمالنا الصباحية في جلساتٍ للسمر، نتبادل فيها الأخبار والحكايات وإلقاء النكات الفكاهية.
وكانت الزوجات تمارس هوايتها فى الإستيقاظ يوميا مع بزوغ الفجرتحلب الماشية وتقوم بإعداد الخبز وأشهى أنواع الطعام الأخرى من صوانى الأرز المعمر والفطير المشلتت وغيرها. ويعتبر يوم إعداد العيش الفلاحى أيضًا يومًا للتعاون فى أبهى صوره بين أفراد الأسرة والعائلة الواحدة، فضلا عن صناعة القشطه والجبنه القريش والقديمه بمشهاوالسمن البلدي .
وقال لكن الحال تبدل الآن، ولم يكن بإمكان أكبر المتشائمين أن يتوقع الحالة المتردية التى وصل إليها قطاع الزراعة فى مصر، حتى باتت أقدم مهنة عرفتها مصر، على شفا الانهيار، نتيجة التخبط فى السياسات الحكومية، وغيرها من العوامل التى دفعت الآلاف من العاملين بالزراعة إلى هجرة أراضيهم، والبحث عن مصادر دخل بديلة لهم ولأسرهم، بعدما أصبح ما تجود به الأرض لا يكفى لسد احتياجاتهم، فقد تردت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفلاح المصرى وتزايدت همومه ومشاكله، وتنوعت صور استغلاله وإهدارإنتاجه ، وضرب الحصار حوله بفعل السياسات العقيمة فجعلته يعيش فى خطر محدق ويفقد الأمل فى المستقبل الذى ضاع بعد أن اغتالته السياسات الإحتكارية المتوحشة، و كانت سببا جوهريا فى أن يصاحب ذلك حالات من تمرد جيل الشباب من الفلاحين على أرضهم وزرعهم ، ومعه أصيب بأمراض جديدة مستعصية، جاءت أمراض الفشل الكلوى والفيروس الكبدى الوبائى التى انتشرت على أثر تراجع الرعاية الصحية، وتلوث الماء والغذاء.
وإستطرد زكريا نحن نزرع ونحصد، وفى النهاية نسبة الربح لا تزيد على 10% فقط، رغم أننا نربى أطفالاً ومعنا أسرة، وقال «بنشترى الأسمدة من السوق السوداء بأسعار مضاعفة، حتى المبيدات بنشتريها مغشوشة، والدولة بتتفرج علينا ونحن نعانى، حتى مياه الرى لا تصلنا إلا على فترات»، وتابع زهقنا من كثرة الشكاوى، وما نعانى منه هذا العام يزيد العام المقبل، مشاكلنا مع التقاوى أبدية، ولا يصل إلى الجمعية الزراعية إلا 10% فقط من احتياجاتنا.
وطالب بتدخل الدولة بشكل مباشر لتقديم دعم حقيقى للفلاح من خلال توفير الأسمدة والبذور والمبيدات بجودة عالية وبأسعار مخفضة.وتوفيرها بالكميات اللازمة،وتوفير المياه اللازمة لزراعة أماكن الاستصلاح الحديثة.
كما طالب زكريا ، بعودة الدورة الزراعية،وتفعيل الزراعة التعاقدية على كافة المحاصيل، وإنشاء صندوق التكافل الزراعي، وتسريع الانتهاء من مشروع “حياة كريمة”، واستكمال مشروع تبطين الترع، فضلا عن تخفيض أسعار الكهرباء للمشاريع الزراعية، والتوسع في الصناعات الزراعية.