عربي21:
2024-11-08@07:31:05 GMT

عقدة النقص عند المسلمين طريقٌ للانهزام الحضاري

تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT

لا شك أن الإنسان يعيش في حياته مراحل مختلفة، ففي فترة يمكن أن تتميز حياته بالتطور والتقدم إذا تبع ذلك بذل الجهد، واستنفاذ الوسع، والأخذ بالأسباب الصحيحة للصعود والترقي. أما إذا توقّفت آلة الابتكار لدى الإنسان، وسُلبت منه إرادته، فلن يضيف شيئًا لنفسه، ولمن حوله، حتى مجتمعه الذي يعيش فيه، ربما لا يستفيد منه، ويكون عالة على الجميع.



ومن ثمَّ في هذه الحالة يستسهل الإنسان فكرة التقليد والتبعية للآخر، الذي امتلك مقاليد القوة والسيطرة والغلبة، وعليه سيشعر الإنسان بالدونية والتبعية للآخر، ويسير في فلكه أينما سار، وهذا هو حال الأمة الإسلامية الآن.

فنجد أن عجلة التميّز والتفوق في معظم الأحيان توقفت بشكل كبير لدى أفراد الأمة، إما تحت هيمنة الآخر، وسيطرته عليه، أو استبداد بني قومه، واستئسادهم عليه، ومحاربة كل جديد يساهم في نهضة الأمة. وهذا ما يُعبّر عنه بعُقدة النقص، التي وصفها بشكل جليّ كتاب الشهود الحضاري للأمة الإسلامية، لمؤلفه العالم الكبير الدكتور عبد المجيد النجار، حيث يقول:

يعيش المسلمون اليوم وضعًا من المغلوبية الحضارية إزاء حضارة الغرب الضاربة، فهم من حيث الواقع عالة على هذه الحضارة في حياتهم كلها من الغذاء إلى الكساء إلى التنقل إلى سائر مرافق الحياة، وهم من حيث العلوم والتكنولوجيا لا يبلغون بالنسبة لها حتى مستوى التلاميذ الصغار الذين يحدوهم أمل أن يلحقوا يومًا ما من الأيام المنظورة بمستوى أساتذتهم أو يقاربوه، وهم من حيث قوة البطش العسكرية يشبه وضعهم وضع الحملان بالنسبة للأسود.

والممارسة اليومية للحياة العملية في الارتفاق والتعلم، وكذلك الممارسة اليومية للحياة العامة في العلاقة بين الدول والشعوب تعمّق في نفوس المسلمين باطراد هذا الشعور بالمغلوبية الحضارية حتى صار وضعًا نفسيًا مستقرًا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة الإسلامية.

وفي غياب الوعي بالقيمة الحقيقية للحضارة الغربية، وبواقع ما هي عليه من عناصر الحق ومن عناصر الباطل، تولد في نفوس الكثير من المسلمين انبهار بهذه الحضارة وافتتان بها غشى ما فيها من باطل، فظهر منها ما هو حق فقط، ووقع في الأوهام أن ما عليه أهل هذه الحضارة الغالبة الطريق القويم؛ إذ أوصلهم إلى هذه القوة الغالبة، وأن ما عليه هم ليس هو بالطريق القويم إذ أبقاهم في حالة المغلوبية، ومن ثمة نشأ في النفوس شعور باستنقاص الذات وإحساس بالدونية إزاء الآخر الغالب، واستفحلت إذن عقدة النقص ترهق المسلمين ولا يجدون منها فكاكًا، فتكيفت حياتهم النفسية بها إلى حد كبير .

لقد كان لهذه العقدة أثر سلبي على إرادة الفعل الفردية والجماعية؛ إذ فزع بها فريق كبير من المسلمين إلى التقليد الأعمى للغرب وأهله فيما يشبه من سلبت إرادته، فلا يملك من أمر نفسه شيئًا. والمقلّد على هذه الدرجة من التقليد إنما هو يحاكي ما يفعله الآخر دون وعي، بل دون فهم لما يحاكي فيه كي يستقلّ بفعله بعد دور المحاكاة فإذن هو تقليد مهدر للإرادة.

وذهب فريق من عقدة النقص إلى شراء مظاهر التحضّر، ظنًا منه أن من يشتري هذه المظاهر قويًا كمن شرى منه متنكبًا في ذلك الطريق الصعب المتطلب للصبر وقوة الإرادة، وهو طريق التعليم الواعي لا طريق الشراء السهل، فهو إذن فريق قصرت إرادته عن ركوب الصعاب بالتعلّم والصبر عليه، وسلّى نفسه بامتلاك الإنجاز عن طريق الشراء، وهو لا يمتلك إلا بالإرادة الفاعلة.

إذا لم نعد لذواتنا ونُصلح من شأننا على جميع المستويات بشكل منهجي، فسوف تستمر هذه التبعية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإذا سقطت تلك الحضارة التي نسير في فلكلها، فسوف ننهار بالتبعية، إن لم يكن لنا حصانة بالنهوض مرة أخرى بإرادتنا، وليس بإرادة غيرها، ولا ننسى أننا أصحاب حضارة، حينما كُنا نمتلك إرادتنا، وصدّرنا للعالم كله تلك الحضارة..وأصاب فريقًا ثالثًا يأس مباشر من أن يكون في الإمكان بهذه الحضارة الغالبة لحاق، فلزموا عليه من وضع خائرة قواهم عن الحركة مستسلمين لما توهموا أنه قدرهم المحتوم الذي ليس منه فكاك. تلتقي هذه المظاهر التي أفرزتها عقدة النقص كلها في نفوس الكثير من المسلمين عند معنى واحد هو السبب الأساسي فيها.

وذلك هو خلل في الإرادة ناشئ من استشعار النقص والدونية إزاء الآخر الغربي، فهذا الاستشعار يضعف في النفس إلى حدّ كبير روح المبادرة فيها، فلا يكون لها نزوع إلى العمل التغييري الجاد، بل تكون أقرب إلى الاستكانة والقعود.

وإذا كان ابن خلدون قد قرّر هذا المعنى بالنسبة للمغلوب من الشعوب مغلوبية مباشرة بالاستيلاء المادي من قبل شعب آخر، فإن تشابك العلاقات وتداخلها في عالم اليوم، وحدوث أساليب للاستيلاء غير المباشر تفعل فعل الاستيلاء المباشر من شأنها أن تُنزل الشعوب الإسلامية، ومن هو على حالها من الشعوب منزلة المغلوبية المباشرة في تحليل ابن خلدون، وحينئذ فإنه يصح فيها قوله مبينًا أثر المغلوبية في خلل الإرادة الحضارية:

"إن الأمة إذا غلبت وصارت في مسلك غيرها أسرع إليها الفناء، والسبب في ذلك والله أعلم ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها، وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم، فيقصر الأمل ويضعف التناسل والاعتمار إنما هو عن جدة الأمل، وما يحدث عنه من النشاط في القوى الحيوانية، فإذا ذهب الأمل بالتكاسل، وذهب ما يدعو إليه من الأحوال، وكانت العصبية ذاهبة بالغلب الحاصل عليهم، تناقص، عمرانهم، وتلاشت مكاسبهم ومساعيهم".

إن هذا التحليل الخلدوني نراه يصدق في جملته على حال الأمة الإسلامية اليوم في تكاسلها يفعل المغلوبية، مع غفلتها عن الدواعي التي تشتمل عليها، والتي لو استنهضت بحق لعالجت فيها استشعار المغلوبية فأصبح استشعارًا للقوة يدفع بها نحو طريق الاستعلاء النفسي الذي هو نفسه طريق الإرادة الفاعلة.

وعليه إذا لم نعد لذواتنا ونُصلح من شأننا على جميع المستويات بشكل منهجي، فسوف تستمر هذه التبعية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإذا سقطت تلك الحضارة التي نسير في فلكلها، فسوف ننهار بالتبعية، إن لم يكن لنا حصانة بالنهوض مرة أخرى بإرادتنا، وليس بإرادة غيرها، ولا ننسى أننا أصحاب حضارة، حينما كُنا نمتلك إرادتنا، وصدّرنا للعالم كله تلك الحضارة.

الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل والبذل على جميع المستويات، والاستفاقة من غفلتنا، حتى نكون سببًا في نهضة ذواتنا، والتأثير على غيرنا.

ومن ثمَّ على الأمة أن تنهض من جديد، وتلك مهمة تستدعي تشخيصًا سليمًا للواقع، ورؤية واعية للعلاج حتى نخرج من النفق المظلم، لكي تأخذ الأمور مسارها الصحيح. وما تأخَّر من بدأ.

وكمال قال الشاعر على الجارم:

إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابــــــــــــذُلْ تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّة ُالكَائِنـــات 
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأَحْلاَمِ فانهَضْ وُقِيتَ شرَّ السُّباتِ

twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المسلمون حضارة العرب رأي حضارة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

د. محمد سليم شوشة: استخدام الذكاء الاصطناعي في اللغة يُهدد الحضارة العربية

أكد محمد سليم شوشة، الأستاذ بجامعة الفيوم، أن المخاطر والتحديات التى تواجه الثقافة العربية بوضعها الراهن وسُبل تعاملها مع الذكاء الاصطناعى، دفعته لتأليف كتابه الجديد «فخ الحضارة»، للإجابة عن الأسئلة الشائكة التى تتمحور حول هذه الإشكالية المستحدثة، وتناول مدى تأثيرها على اللغة ومستقبلها، فى ظل تغيير كثير من الأنماط التعليمية.

وأشار فى حوار لـ«الوطن»، إلى الأسباب المؤدية إلى عجز الآلة المتوقع عن التعامل مع اللغة العربية التى يتطلب فهمها جهداً عميقاً من الإنسان، وتداعيات كل ذلك على المواطن العربى فى المستقبل القريب، كما طرح عدداً من الحلول المطروحة لحل تلك المعضلة.

ما دوافع تأليف كتابك «فخ الحضارة» عن الذكاء الاصطناعى؟

- تخصّصى الدقيق فى الدراسات الأدبية، ونقطة التلاقى بين الأدب والذكاء الاصطناعى كانت تخصّص الإدراكيات، أى نقطة تلاقى العلوم الإنسانية والتطبيقية، ولما تكرر ذكر الذكاء الاصطناعى فى الإدراكيات بدأت ألتفت إلى هذا الجانب، وكان هو المدخل الذى دفعنى إلى الاهتمام بالذكاء الاصطناعى واللغة العربية، ونقطة التحول فى التكنولوجيا بسبب تحول الذكاء الاصطناعى إلى التعامل مع اللغة الطبيعية، بدلاً من لغة الأرقام القديمة، إذاً التكنولوجيا صارت تتعامل مثل الإنسان بالدرس والاستيعاب والفهم، وهى نقطة تحول خطيرة من المفترض أن تُنبه المشتغلين بالدراسات اللغوية والأدبية إلى هذا التحول فى الحضارة الإنسانية، وأنا تنبّهت إلى هذه الخطورة، لأن الذكاء الاصطناعى أصبح متصلاً بعملى ومجالى، وهو ما غفل عنه المتخصّصون فى دراسات اللغة العربية.

ما القضايا التى يناقشها الكتاب؟

- الكتاب لا يتعامل مع الإشكاليات العامة والآثار الاجتماعية لهذا التطور الهائل المتمثل فى ثورة الذكاء الاصطناعى، فهى أمور مطروحة بكثرة عند كل الأمم، وأنا ركّزت على ما يخصّنا نحن فى الثقافة العربية، لذلك يناقش الكتاب آثار ثورة الذكاء الاصطناعى على اللغة العربية والثقافة العربية، وما يتحتّم علينا فعله فى هذه الحالة لمواجهة هذه المخاطر الناجمة عن الذكاء الاصطناعى، لأن التطور التكنولوجى الأخير أصبح محاكاة لعمل الخلايا العصبية وعقل البشر، أى إن الآلة أصبحت تفهم الجملة وتستوعب المعنى وتجيب عن الأسئلة، وهذا التحول لم يحدث فجأة لكن بدأ العمل عليه منذ سنوات، واكتمل خلال السنوات الأخيرة، فالآلة أصبحت تُفكر وتتعامل مع اللغة، وبإمكانها تأليف نصوص مكتوبة.

وبالتالى لديها القدرة على تعليم اللغات، مثل اللغة الإنجليزية، لكنها فى المقابل تتعامل مع اللغة العربية بصعوبة وبمعالجة غير عميقة، فمن الصعب على الذكاء الاصطناعى أن يتعلم اللغة العربية بشكل عميق، فى الوقت الذى لم يفهم فيه أهل اللغة العربية أنفسهم لغتهم بالشكل الكافى أو كما يجب، وبالتالى فالذكاء الاصطناعى أمامه صعوبات فى التعامل العميق مع لغتنا، مع أنه من المفترض أن يعلم كل اللغات طالما تعلمها أو تم استخلاص أنماطها بدقة وعمق.

حدّثنا عن سبب عجز الآلة عن التعامل مع اللغة العربية.

- المشكلة تكمن فى تأخر فهمنا نحن للغتنا، وهو ما يُصعّب تعامل اللغة العربية مع التكنولوجيا، ويتمثّل هذا العجز ويتجلّى فى المعالجة السطحية للغة حين يتعامل معها الذكاء الاصطناعى، وهناك أيضاً فجوة فى مستوى تعامله مع بعض اللغات الأخرى، والأمر ليس مقصوراً على اللغة العربية، الأمر الذى يُحتم علينا طرح بعض الأسئلة، منها مثلاً: هل النحو القديم بطريقته يصلح أو مناسب للذكاء الاصطناعى وعقل الآلة؟ هل التركيز على فكرة تعليم القاعدة النحوية وتحفيظها فقط، والتعليم بألفية ابن مالك يساعد فى تطوير اللغة العربية؟ هل هو مُجدٍ ويُكسِب المتعلمين الملكة اللغوية التى نحتاجها أكثر ممّا نحتاج تحفيظ القاعدة، فهذه بعض الأفكار والأسئلة التى يطرحها الكتاب.

وأرى أيضاً أن هناك أكثر من مشكلة أخرى فى تعامل الذكاء الاصطناعى مع اللغة العربية، تم طرحها ومناقشتها فى الكتاب وطرح طرق تداركها أو حلها، فهذه هى المشكلات التى تُمثل عقبات من شأنها أن تخلق مشكلة فى تعامل الذكاء الاصطناعى مع اللغة العربية، ومنها ما يخص البلاغة، فهل الباحثون والمتخصّصون فى اللغة مُدركون للمخاطر التى تواجهها اللغة العربية مع الذكاء الاصطناعى، وكيف يمكننا تعليمها للذكاء الاصطناعى.

مَن المنوط به تعليم اللغة العربية للذكاء الاصطناعى؟

- هى مهمة علماء اللغة فى المقام الأول، لأن الذكاء الاصطناعى يتعلم بنظام الأنماط، أى إنه يكتسب هذه الأنماط، ولذلك يجب على الباحثين فى اللغة العربية أن يُفكروا فى فهم جديد للغة العربية يمكنهم من تعليم الذكاء الاصطناعى لغتنا، ليُفكر معنا داخل لغتنا فى قضايانا وشئوننا.

ما الاتجاهات الجديدة التى من الممكن أن ندرس بها اللغة؟

- عقل الآلة يكتسب اللغة على المستوى العميق عبر ما يُعرف (بالنمط)، والأنماط (بنية الجملة) كثيرة، والدراسات اللغوية من المفترض أن تشرح اللغة على كل المستويات، سواء كبنية فيزيائية؛ صوت وموجات وذبذبات، وحتى على مستوى دمجها مع الإشارات الجسدية ولغة اليد، وفى إطار الجانب العصبى والتشريحى، والبلاغى والمجازى، والمطلوب الاهتمام بالدراسات الإدراكية للغة، فهى الأهم الآن، لأنها نقطة الربط والالتقاء بين الذكاء الاصطناعى واللغة، وهى تخصّص بينىّ يربط أكثر من مجال، بينها دراسة اللغة على مستوى التشريح وعلم النفس الإدراكى والعلوم العصبية، وقوانين العقل.

ما مخاطر استخدامنا للذكاء الاصطناعى بلغة أخرى؟

- استخدامنا للذكاء الاصطناعى بلغة أخرى يعنى خروج اللغة العربية من التكنولوجيا، وهو ما أتوقع أن تكون له انعكاسات سلبية كثيرة وعديدة، من بينها أزمات نفسية وشعور بالاغتراب، مما قد يجعل الإنسان العربى أكثر تطرفاً وعنفاً وغير متوائم مع حاضره، حيث سيشعر بالغزو والحصار وأن لغته تحارَب، ويتسبّب ذلك أيضاً فى مزيد من التشتّت للعقل العربى، وجعل الإنسان العربى يعيش بازدواجية، فمثلاً عند تعامل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى بلغة أخرى فإن هذا يعنى أن هذه اللغة ستغزو الحياة العامة، ولن تقتصر على النخبة، فى اعتقادى أن التأثير سيكون خطيراً وسيشمل كل الحياة، ويُهدّد الهُويات الوطنية.

كيف يجرى تطوير الآلة كى تتعامل مع اللغة العربية؟

- نحتاج إلى الربط بين الذكاء الاصطناعى واللغة العربية بصورة أقوى وأعمق، والأمر لا يقتصر على فهم اللغة، ولكنه يمتد إلى تحليل البيانات الكبرى، ويمتد الأمر أيضاً إلى تطوير تكنولوجيا الذكاء الاصطناعى لدينا أيضاً بما لا يجعلنا مجرد مستهلكين ومستخدمين له، وهذا يلزمه بالأساس تطوير العلوم الأساسية التى يقوم عليها، ومن بينها علوم اللغة واللسانيات، واللغة العربية حدث لها مأزق لم نشعر به من قبل، ويتمثّل فى خروجها من دراسة العلوم الطبيعية، مثل الطب والهندسة، وقبل أن يتكرّر الأمر ونخرج من الذكاء الاصطناعى، يجب علينا أن نُسارع فى الاهتمام بالعلم، وهو ما يتطلب عمل علماء اللغة على تطوير اللغة، بالتوازى مع تطوير علماء العلوم التطبيقية وربطها بالعلوم الإنسانية.

ما الجهات المنوط بها الاضطلاع بمهمة تطوير الذكاء الاصطناعى؟

- لا يوجد فرد واحد يمكنه أن يعمل فى الذكاء الاصطناعى، ولا بد أن يكون العمل فى فريق بحثى من تخصّصات علمية مختلفة وليس فرداً واحداً، لدينا ثلاث جهات مسئولة مسئولية مباشرة عن تطوير أبحاث اللغة العربية لتُناسب الذكاء الاصطناعى، وهى الأزهر ووزارة التعليم العالى وزارة الثقافة، والأزهر مهمته تحرير العقل ومنح الإرادة فى العلم، والوحدة والتنوير، فالأزهر دائماً له دور وطنى فى المقاومة وأوقات الخطر، مع ما يجب عليه أيضاً من تحرير العقول وعدم تقييد العلوم أو تحجيمها فى نوع معين من العلم، وهى مسئوليته العامة والروحية تجاه المجتمع بأكمله وليس تجاه الطلاب المنتسبين إليه فقط.

أما وزارة التعليم العالى فمهمتها إصلاح الحياة العلمية وضبط إيقاعها ولا بد أن يكون لديها وعى باللوائح الخاصة بالكليات الجديدة التى تنشئها، بمراعاة البنية الهرمية للمعرفة وأولوياتها والتخصّصات المهمة والجديدة، وإعادة الفلسفة إلى وضعها الطبيعى فى تخصّصاتنا، ففى دول العالم كله نجد أساسيات الفلسفة تدرّس فى كليات الطب وكليات العلوم الطبيعية، أى تدريس الفلسفة (أم العلوم) بمنهجية فى الكليات العملية بهدف انتظام الفكر، أما وزارة الثقافة فدورها مركب ومُعقّد، وهو إصلاح الحياة الفكرية والثقافية، وضبط المنتج المعرفى المقدّم للجمهور، وفقاً للتحولات التى تحدث مع وضع المجتمع فى قلب هذه التحديات، وتبصير المجتمع بها، لمواكبة حساسية الحياة وعليها تكملة دور وزارة التعليم العالى وتحويل الإصلاح العلمى الذى يتم فى الجامعات ليصبح ثقافة عامة عند الناس.

مقالات مشابهة

  • مشكاة النور في تاريخنا الحضاري
  • تشكيل حكومة الإقليم.. ما مدى تأثير الإدارة الأمريكية الجديدة في عقدة التأليف؟- عاجل
  • طريق الشعب .. المنارة التي لن تخفيها البنايات الشاهقة وناطحات السحاب الجديدة ..!
  • «حسني بي» يتحدّث لـ«عين ليبيا» عن أسباب النقص النقدي وطرق معالجته
  • د. محمد سليم شوشة: استخدام الذكاء الاصطناعي في اللغة يُهدد الحضارة العربية
  • الثقافة العربية في مواجهة الذكاء الاصطناعي.. «فخ الحضارة»
  • قضى 40 عاما في كتابة قصة الحضارة.. من هو الفيلسوف والكاتب ويل ديورانت
  • دومة يبحث سبل حل الصعوبات التي تواجه جمعية الدعوة الإسلامية العالمية
  • علي جمعة: الأمة الإسلامية الوحيدة التي عندها عالم الغيب ومشاهد القيامة والجنة والنار
  • بث مباشر.. جلسات المنتدى الحضاري العالمي في دورته 12