عربي21:
2024-12-23@14:31:13 GMT

عقدة النقص عند المسلمين طريقٌ للانهزام الحضاري

تاريخ النشر: 10th, August 2023 GMT

لا شك أن الإنسان يعيش في حياته مراحل مختلفة، ففي فترة يمكن أن تتميز حياته بالتطور والتقدم إذا تبع ذلك بذل الجهد، واستنفاذ الوسع، والأخذ بالأسباب الصحيحة للصعود والترقي. أما إذا توقّفت آلة الابتكار لدى الإنسان، وسُلبت منه إرادته، فلن يضيف شيئًا لنفسه، ولمن حوله، حتى مجتمعه الذي يعيش فيه، ربما لا يستفيد منه، ويكون عالة على الجميع.



ومن ثمَّ في هذه الحالة يستسهل الإنسان فكرة التقليد والتبعية للآخر، الذي امتلك مقاليد القوة والسيطرة والغلبة، وعليه سيشعر الإنسان بالدونية والتبعية للآخر، ويسير في فلكه أينما سار، وهذا هو حال الأمة الإسلامية الآن.

فنجد أن عجلة التميّز والتفوق في معظم الأحيان توقفت بشكل كبير لدى أفراد الأمة، إما تحت هيمنة الآخر، وسيطرته عليه، أو استبداد بني قومه، واستئسادهم عليه، ومحاربة كل جديد يساهم في نهضة الأمة. وهذا ما يُعبّر عنه بعُقدة النقص، التي وصفها بشكل جليّ كتاب الشهود الحضاري للأمة الإسلامية، لمؤلفه العالم الكبير الدكتور عبد المجيد النجار، حيث يقول:

يعيش المسلمون اليوم وضعًا من المغلوبية الحضارية إزاء حضارة الغرب الضاربة، فهم من حيث الواقع عالة على هذه الحضارة في حياتهم كلها من الغذاء إلى الكساء إلى التنقل إلى سائر مرافق الحياة، وهم من حيث العلوم والتكنولوجيا لا يبلغون بالنسبة لها حتى مستوى التلاميذ الصغار الذين يحدوهم أمل أن يلحقوا يومًا ما من الأيام المنظورة بمستوى أساتذتهم أو يقاربوه، وهم من حيث قوة البطش العسكرية يشبه وضعهم وضع الحملان بالنسبة للأسود.

والممارسة اليومية للحياة العملية في الارتفاق والتعلم، وكذلك الممارسة اليومية للحياة العامة في العلاقة بين الدول والشعوب تعمّق في نفوس المسلمين باطراد هذا الشعور بالمغلوبية الحضارية حتى صار وضعًا نفسيًا مستقرًا على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة الإسلامية.

وفي غياب الوعي بالقيمة الحقيقية للحضارة الغربية، وبواقع ما هي عليه من عناصر الحق ومن عناصر الباطل، تولد في نفوس الكثير من المسلمين انبهار بهذه الحضارة وافتتان بها غشى ما فيها من باطل، فظهر منها ما هو حق فقط، ووقع في الأوهام أن ما عليه أهل هذه الحضارة الغالبة الطريق القويم؛ إذ أوصلهم إلى هذه القوة الغالبة، وأن ما عليه هم ليس هو بالطريق القويم إذ أبقاهم في حالة المغلوبية، ومن ثمة نشأ في النفوس شعور باستنقاص الذات وإحساس بالدونية إزاء الآخر الغالب، واستفحلت إذن عقدة النقص ترهق المسلمين ولا يجدون منها فكاكًا، فتكيفت حياتهم النفسية بها إلى حد كبير .

لقد كان لهذه العقدة أثر سلبي على إرادة الفعل الفردية والجماعية؛ إذ فزع بها فريق كبير من المسلمين إلى التقليد الأعمى للغرب وأهله فيما يشبه من سلبت إرادته، فلا يملك من أمر نفسه شيئًا. والمقلّد على هذه الدرجة من التقليد إنما هو يحاكي ما يفعله الآخر دون وعي، بل دون فهم لما يحاكي فيه كي يستقلّ بفعله بعد دور المحاكاة فإذن هو تقليد مهدر للإرادة.

وذهب فريق من عقدة النقص إلى شراء مظاهر التحضّر، ظنًا منه أن من يشتري هذه المظاهر قويًا كمن شرى منه متنكبًا في ذلك الطريق الصعب المتطلب للصبر وقوة الإرادة، وهو طريق التعليم الواعي لا طريق الشراء السهل، فهو إذن فريق قصرت إرادته عن ركوب الصعاب بالتعلّم والصبر عليه، وسلّى نفسه بامتلاك الإنجاز عن طريق الشراء، وهو لا يمتلك إلا بالإرادة الفاعلة.

إذا لم نعد لذواتنا ونُصلح من شأننا على جميع المستويات بشكل منهجي، فسوف تستمر هذه التبعية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإذا سقطت تلك الحضارة التي نسير في فلكلها، فسوف ننهار بالتبعية، إن لم يكن لنا حصانة بالنهوض مرة أخرى بإرادتنا، وليس بإرادة غيرها، ولا ننسى أننا أصحاب حضارة، حينما كُنا نمتلك إرادتنا، وصدّرنا للعالم كله تلك الحضارة..وأصاب فريقًا ثالثًا يأس مباشر من أن يكون في الإمكان بهذه الحضارة الغالبة لحاق، فلزموا عليه من وضع خائرة قواهم عن الحركة مستسلمين لما توهموا أنه قدرهم المحتوم الذي ليس منه فكاك. تلتقي هذه المظاهر التي أفرزتها عقدة النقص كلها في نفوس الكثير من المسلمين عند معنى واحد هو السبب الأساسي فيها.

وذلك هو خلل في الإرادة ناشئ من استشعار النقص والدونية إزاء الآخر الغربي، فهذا الاستشعار يضعف في النفس إلى حدّ كبير روح المبادرة فيها، فلا يكون لها نزوع إلى العمل التغييري الجاد، بل تكون أقرب إلى الاستكانة والقعود.

وإذا كان ابن خلدون قد قرّر هذا المعنى بالنسبة للمغلوب من الشعوب مغلوبية مباشرة بالاستيلاء المادي من قبل شعب آخر، فإن تشابك العلاقات وتداخلها في عالم اليوم، وحدوث أساليب للاستيلاء غير المباشر تفعل فعل الاستيلاء المباشر من شأنها أن تُنزل الشعوب الإسلامية، ومن هو على حالها من الشعوب منزلة المغلوبية المباشرة في تحليل ابن خلدون، وحينئذ فإنه يصح فيها قوله مبينًا أثر المغلوبية في خلل الإرادة الحضارية:

"إن الأمة إذا غلبت وصارت في مسلك غيرها أسرع إليها الفناء، والسبب في ذلك والله أعلم ما يحصل في النفوس من التكاسل إذا ملك أمرها عليها، وصارت بالاستعباد آلة لسواها وعالة عليهم، فيقصر الأمل ويضعف التناسل والاعتمار إنما هو عن جدة الأمل، وما يحدث عنه من النشاط في القوى الحيوانية، فإذا ذهب الأمل بالتكاسل، وذهب ما يدعو إليه من الأحوال، وكانت العصبية ذاهبة بالغلب الحاصل عليهم، تناقص، عمرانهم، وتلاشت مكاسبهم ومساعيهم".

إن هذا التحليل الخلدوني نراه يصدق في جملته على حال الأمة الإسلامية اليوم في تكاسلها يفعل المغلوبية، مع غفلتها عن الدواعي التي تشتمل عليها، والتي لو استنهضت بحق لعالجت فيها استشعار المغلوبية فأصبح استشعارًا للقوة يدفع بها نحو طريق الاستعلاء النفسي الذي هو نفسه طريق الإرادة الفاعلة.

وعليه إذا لم نعد لذواتنا ونُصلح من شأننا على جميع المستويات بشكل منهجي، فسوف تستمر هذه التبعية، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وإذا سقطت تلك الحضارة التي نسير في فلكلها، فسوف ننهار بالتبعية، إن لم يكن لنا حصانة بالنهوض مرة أخرى بإرادتنا، وليس بإرادة غيرها، ولا ننسى أننا أصحاب حضارة، حينما كُنا نمتلك إرادتنا، وصدّرنا للعالم كله تلك الحضارة.

الأمر يحتاج إلى الكثير من الجهد والعمل والبذل على جميع المستويات، والاستفاقة من غفلتنا، حتى نكون سببًا في نهضة ذواتنا، والتأثير على غيرنا.

ومن ثمَّ على الأمة أن تنهض من جديد، وتلك مهمة تستدعي تشخيصًا سليمًا للواقع، ورؤية واعية للعلاج حتى نخرج من النفق المظلم، لكي تأخذ الأمور مسارها الصحيح. وما تأخَّر من بدأ.

وكمال قال الشاعر على الجارم:

إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابــــــــــــذُلْ تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّة ُالكَائِنـــات 
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأَحْلاَمِ فانهَضْ وُقِيتَ شرَّ السُّباتِ

twitter.com/drgamalnassar
موقع إلكتروني: www.gamalnassar.com

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المسلمون حضارة العرب رأي حضارة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

بسينما متحف الجزيرة.. عرض 4 أفلام ضمن أولى فاعليات «السيما 36»

وقع اختيار وزارة الثقافة على 4 أفلام من إنتاج المعهد العالي للسينما التابع لأكاديمية الفنون لعرضها في أولى فعاليات برنامج «السيما 36».

فعاليات برنامج «السيما 36»

وسيتم إطلاق فعاليات برنامج «السيما 36» من سينما متحف الجزيرة «الحضارة سابقًا» في تمام الساعة السادسة مساء، الأربعاء الأول من يناير 2025.

أفلام «السيما 36»

والأفلام المختارة هي: «16 ملي» من إخراج عبد الله جاد، «فالس الأحلام» من إخراج ليلى رزق، «عين تالته» من إخراج دينا رفاعي، و«آخر شتا» من إخراج ساندرا نشأت.

الأفلام المعروضة في «السيما 36»

وأعربت الدكتورة غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون، عن سعادتها أن تكون أول الأفلام المعروضة في «السيما 36» هي أفلام طلبة المعهد العالي للسينما التابع لأكاديمية الفنون، والتي تأتي أيضًا في إطار المسؤولية التنويرية والمجتمعية التي تحرص الأكاديمية على القيام بها لدعم الصناعات الإبداعية وتقديم محتوي ثقافي متميز باعتبارها أحد المؤسسات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة إلى جانب كونها صرح تعليمي متخصص في الفنون.

أفلام «السيما 36»

وقالت الدكتورة إيمان يونس عميد المعهد العالي للسينما التابع لأكاديمية الفنون، إن جميع الأفلام التي تم اختيارها للمشاركة في «السيما 36» هي من أفلام الطلبة الحاصلة على جوائز خلال مشاركتها في مهرجانات محلية ودولية، كما سيتاح للمهتمين بصناعة السينما والهواه أن يلتقوا مع مخرجي هذه الأفلام للحديث معهم حول كيف نجحوا في إخراج وإنتاج أفلامهم الأولي بإمكانيات بسيطة، وكيف شاركوا في المهرجانات الدولية، وما هي خطتهم المستقبلية.

سينما متحف الجزيرة

يذكر أن سينما متحف الجزيرة «الحضارة سابقًا» هي أحد المواقع التابعة لقطاع الفنون التشكيلية برئاسة الدكتور وليد قانوش والذى قام بتوفير كل الدعم لاستضافة هذا المشروع واتاحته لأكبر قدر من الجمهور في إطار استراتيجية تكامل الأدوار بين المؤسسات الثقافية التي تتبناها وزارة الثقافة حاليًا.

وكان الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، قد أعلن أنه مع بداية العام القادم سيتم تخصيص قاعتي السينما بمتحف الجزيرة «الحضارة سابقًا» لعرض الأفلام الوثائقية والقصيرة والتسجيلية والتحريك والتجريب والأعمال الأولي لشباب المخرجين من مصر والعمل على إتاحتها لأكبر قدر من الجمهور المصري والمنتجين في إطار خطته لدعم صناعة السينما في مصر، والعمل على توفير أماكن عرض سينمائي جديدة لشباب المخرجين.

اقرأ أيضاًمدبولي يُتابع مع وزير الثقافة استراتيجية عمل الوزارة وأهم الأنشطة والفعاليات المُنفذة

وزير الثقافة ينعي الدكتور محسن التوني

وزير الثقافة يفتتح مؤتمر «الرواية والدراما» الأربعاء المقبل

مقالات مشابهة

  • بسينما متحف الجزيرة.. عرض 4 أفلام ضمن أولى فاعليات «السيما 36»
  • إصابة شرطيين في انقلاب سيارة أمام متحف الحضارة بطريق الفسطاط
  • قبل توقف الدوري الإسباني.. سيميوني يكسر عقدة برشلونة ويضمن الصدارة
  • وسيم السيسي: الجيش المصري عقدة لدولة الاحتلال «فيديو»
  • وسيم السيسي: الجيش المصري عقدة لدولة الاحتلال.. فيديو
  • محافظة الجيزة: تشغيل السوق الحضاري الجديد بقرية البرمبل في أطفيح
  • النظافة والإشغالات والمرور والمظهر الحضاري ..تكليفات محافظ الدقهلية لرئيس طلخا خلال جولته بالمدينة
  • الجارديان: أوكرانيا تواجه أزمة النقص الحاد في القوات على الخطوط الأمامية
  • اقرأ غدًا في «البوابة».. يا مال الشام!.. سوريا الحضارة.. الفكر.. الإبداع.. «وعليك عينى يا دمشق»
  • الإيسيسكو ومكتبة الإسكندرية توقعان اتفاقية تعاون في مجالات الحوار الحضاري والثقافة والتراث