لجريدة عمان:
2025-03-16@20:26:39 GMT

«قلب من الجيلاتين الحي» لشهيرة حسان

تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT

«قلب من الجيلاتين الحي» لشهيرة حسان

ونحن ننتهي من هذه النصوص، نكاد نتلمس ما سوف يأتي!

وما سيأتي، سيكون له متكئا هنا، سيكون اقتراح إجابات، واشتباك مع الأسئلة الماثلة هنا، بأسماء الاستفهام وحرفي هل والهمزة، وإنه لولا تلك الأسئلة الموجهة والصادمة أحيانا، لما سيمكن الكاتبة الآن البدء بنصوصها الجديدة.

بالرغم أن هذه النصوص مسكونة بالأسئلة، إلا أنه يكمن فيه بوح جميل، وإيحاء ناقد نفسيا واجتماعيا يصل حد المنظومة، لا يخلو من تداعيات النفس تجاه مكانها، بالتزام إنساني ذي مسحة وجودية نبيلة تجاه البسطاء والمستلبين؛ كأن ذاتية النصوص تعكس ذوات الآخرين.

«قلب من الجيلاتين الحي»، نصوص أدبية تجمع الشعر بالخاطرة بالقصة. وهي نصوص تبحث عن شكلها الأدبي كما المضامين الإنسانية هنا. كتبتها الشابة شهيرة حسان، الفنانة التشكيلية أولا، والتي وجدت نفسها في الأدب، ما يعني أن المضامين تستدعي الشكل الإبداعي أكان ذلك أدبا أو فنا.

لم تكتب شهيرة حسان بقصد الكتابة، بل راحت تكتب نصوصها متأثرة بعالم الشغف؛ فيبدو أنه مرة وراء أخرى، استعذبت الفنانة عالم الكلمات، حيث وجدناها تكتب بحرية تامة، غير مقيدة نفسها بقيود الشكل، كأنها تبثنا ما تشعر به إنسانيا. لقد وجدت نفسها في الأدب كما وجدت نفسها في الفن التشكيلي، في الوقت الذي تمارس فيه الكاتبة الباليه والموسيقى.

إننا أمام حالة إبداعية غريبة، تتجه فيها الفنانة نحو الفنون والأدب، ربما بدافع سيكولوجي ما، لكن ما سيهمنا هنا أنها أبدعت نصوصها التجريبية، والتي إن تستمر بها، سنجدها تتجه نحو عالم السرد، قصة ورواية.

والمتوقع فعلا أن تستمر الكاتبة الأردنية الشابة شهيرة حسان في عالم الأدب، كما ستستمر في عالم الفن التشكيلي، كون أن المضمون الذي يسكنها يبحث عن نوع إبداعي يتجلى فيه. وليست الكاتب والفنانة حسان الوحيدة التي تمارس الأدب والفن.

ثمة حضور ذاتي لحسّان، لا تذكره الكاتبة بصراحة، منذ الإهداء، ناثرة شعورها العميق، مغلفة ما تنثر بشجنها، وصولا إلى النفور من الإنجاب، حتى تضمن ألا تنكسر قلوب القادمين الجدد إلى الحياة، في حالة رحيل ما عنهم، فلا تتكرر دائرة الموت؛ «نحن الأطفال المتروكون لا نكبر نبقى أطفالا مدى الحياة»، كما في «شوكة ناعمة»، الذي تبدو فيه فلسفة تشاؤمية من استمرار النوع.

«لا أعرف أي شيء»، لعله النص المفتاح لهذه النصوص في غالبيتها، أو كلمة السرّ، نص يفيض إبداعا في النصف الثاني منه، والذي يصبح النفي فيه إثباتا، حين نفاجأ بقراءة الكاتبة للنفوس بدون أقنعة، برمزية تشويقية ما تلبث أن تصدما جميعا لنصحو، فننجو.

ثمة حضور ذاتي لحسّان (الكاتب والناقد السينمائي الأردني توفي عام1996) والد الكاتبة لا تذكره الكاتبة بصراحة، منذ الإهداء، ناثرة شعورها العميق، مغلفة ما تنثر بشجنها، لكن الذاتية هنا صارت رافعة للحديث عما خارج الذات بالاتجاه للمضامين الإنسانية، لتحديات الإنسان المعاصر، فهي تبدع بالانطلاق من دائرتها الذاتية لتصل ضفتي نهر، فيظهر ما تكتنزه الكاتبة من شعور حقيقي غير متكلف، تجاه من تجرعوا مرارة الغياب، فعاشوا حزانى، مورثين ومورثات عكازاتهم للجيل الجديد، ليستندوا عليه في طريق رحلة العودة. كان «خزّان من الدموع»، خزّانا إنسانيا وإبداعيا لا تملك إزاءه إلا التضامن إلى آخر مدى. حضر الحب هنا، لا كشوق له، ولا نفور منه، بل جاء في شيء من الالتباس؛ فلا حاضنة له ليعيش ويبقى، وسرعان ما يتبدد وهم الانسجام؛ «عندما أتوقف عن الضحك، يعود وجهي إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي أفتح عيني بالكامل»، فهل تسكن في اللاوعي هنا رمزية سياسية ووجودية؟ إذن لا بد أن نفتح العينين قبل فوات الأوان، لأنّ الحب أعمى، لعل نص «إكزيما الذاكرة»، دليل على ما تربطه الكاتبة رمزيا بين الحب كشعور، والوطن كالتزام.

«بقعة من الدم» نص يختزل حال المرأة وألمها، «خريطة من الدماء»، تعكس تاريخها وواقعها، لكنها لا تقف عند الرثاء فقط، ثمة محاولة للتغيير.

استدعت مضامين النصوص أسلوبها البوحي الانفعالي، فظهرت صيغ الإنشاء، كما ظهرت الألوان والملامس والرائحة، عمقت حسيا المسرود، لكن هذه الذاتية ليست منكفئة على ذاتها، فما تلبث أية أسئلة تظهر، إلا وتجد إخبارا عن فكرة داخله، بأسلوب فيه ابتكار ما؛ فهذه مفارقة «المهم أن تكون مولودا»، التي تنحاز إلى المولود لا الوالدة، برمزية تتابع الأجيال في ظروف رتيبة.

لغة شهيرة حسان أبو غنيمة، في مجموعة نصوصها، تنحاز إلى لغة أدب الشباب و«الشابات»، بمصداقية التأثر الواضح بلغة التواصل الاجتماعي اليوم، في سياق لغة سلسة مكثفة بمستوى عال من السبك، تلك هي «الأفواه المنفطرة، في نص «أشياء لا تقال»، فلا نستغرب حياله كيف تلتقي تلك المستويات معا، حينما تكون المصداقية والتلقائية منطلقا للكتابة. إنها لغة قادمة من الشعور كما في «نحن الأطفال المتروكون لا نكبر نبقى أطفالا مدى الحياة»، كما في «شوكة ناعمة».

تأمل نص كلاكيت-المشهد الأول- آخر مرة، يشي بوضوح إمكانيات السرد المشوق لدى الكاتبة، بالرغم من اختلاطه بالخاطرة خصوصا في جزئه الأخير، ولعل القراء والقارئات كبوصلة للكاتبة، سيتوقفون في معظمهم عنده، للتشجيع على كتابة القصة والرواية في المستقبل.

لنا الحق أن نتلمس ما سوف يأتي من نصوص جديد، تتبلور باتجاه عالم السرد، من خلال تطور الوعي على الشكل والمضمون معا، بعد حالة الاشتباك-التجريب هنا، لا ليهدأ الانفعال، ولا لتزول الدهشة والصدمة، بل للمزيد من الاكتمال، خصوصا في ميزة توظيف الحواس، وبخاصة الملمس واللون كما يتيسر لها كفنانة تشكيلة أيضا، فيتجلى مضمون النصوص القصيرة إبداعا قصصيا محسوسا، في ظل امتلاك طول نفس سردي، وتزهد بالنصوص التي جاءت على شكل الشعر المنثور.

كانت هذه النصوص «بوستات» على الفيسبوك، صارت كتابا بين أيدينا، لعلها تذهب بالكاتبة وبنا إلى آفاق كتابية جديدة.

ونحن ننتهي من هذه النصوص، نكاد نتلمس ما سوف يأتي!

ربما تستمر في عالم السرد، في ظل شغفها في التعبير، ولكن المهم هنا التثقيف الذاتي والاطلاع على عالم الأدب، حيث تكون الموهبة والشغف رافعتين تشكل معها رافعة الوعي روافع كتابة نص جاد، ينطلق من التجريب وصولا إلى شكل أدبي مميز أكثر تبلورا.

وقع الكتاب في 140 صفحة من القطع الصغير، وصدر عن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع

تصميم الغلاف: سهى الأعرج

لوحة الغلاف: الفنانة شهيرة حسان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه النصوص

إقرأ أيضاً:

عالم ترامب إلى الفوضى والفشل

إن أول رد فعل عربي تجاوب مع رفض الأردن ومصر، لمشروع تهجير فلسطينيي غزة إليهما، كان رفض المشروع، والتوافق على عقد قمة عربية استثنائية في مصر في 4/3/2025.

وبالفعل عقدت القمة، وخرجت بقرارات، أعلن البيت الأبيض خيبة أمله منها. وقد عبّرت خطابات القادة ورؤساء الوفود، عن مواقف رافضة لمشروع ترامب، ومستنكرة عموماً، لسياسات الكيان الصهيوني، واعتداءاته على لبنان وسورية وفلسطين، وما احتل من أراضٍ.

وبهذا يكون ترامب، قد تلقى صفعة على الوجه من دول، يُفترض بأنها أكثر من صديقة للولايات المتحدة، إن لم تكن على علاقة استراتيجية معلنة معها.

إن التفسير الوحيد، لما تشكّل من "عزلة" لترامب، بخصوص موقفه الفاضح من تهجير فلسطينيي غزة، فيرجع إلى ارتجاليته، وعدم دقته في تقدير الموقف، واستهتاره بالمقربين منه، مثل استهتاره بمن يعتبرهم، خصوماً أو أعداء.وإذا توبعت التعليقات الإعلامية العربية والإسلامية، ناهيك عن الشعبية، فسنجد أن ترامب وحّد، موضوعياً، مواقف كل المعنيين، ومن دون أن يكون عندهم مسعى للتوحُد ضدّه، أو حتى أخذ موقف موحدّ، يعارضه أو يناقضه.

إن التفسير الوحيد، لما تشكّل من "عزلة" لترامب، بخصوص موقفه الفاضح من تهجير فلسطينيي غزة، فيرجع إلى ارتجاليته، وعدم دقته في تقدير الموقف، واستهتاره بالمقربين منه، مثل استهتاره بمن يعتبرهم، خصوماً أو أعداء.

ولكن من جهة أخرى، سرعان ما تراجع عن موقفه، بلا رمشة عين، عندما أعلن في 12/3/2025: "لا يطلب من أحدٌ من سكان غزة بأن يغادر". علماً بأن هذا التراجع، لا يعني بالنسبة إليه، تصريحاً بالتراجع أو إقراراً به. وذلك بمعنى أن الموقفين تعايشا في عقله. ومن ثم لن يجد غضاضة بالعودة إلى الموقف الأول، أو طرح موقف ثالث، يناطحهما.

هذا هو ترامب في تعاطيه والسياسة، أو هذا هو أحد الأبعاد في كيفية تعاطيه، والمعارك التي فتحها، أو سوف يفتحها.

والغريب أن هذا النهج الذي يمكن أن يوصف بالرغائبي، أو الأهوائي، أو الارتجالي، بمعنى مناقضته لكل من سبقه من رؤساء أمريكيين أو غربيين، ومخالفته لما عرف عن الرؤساء بالتدقيق والدراسة، في صوْغ السياسات والمواقف، بالاعتماد على الدولة العميقة، ومراكز البحوث والتخطيط، فضلاً عن استشارة أساطين العمل السياسي، وأصحاب الخبرة.

فالرجل يعلن، بلا مواربة، أنه حوّل السياسة، وصوغها وإدارتها، إلى ما يشبه العمل في الصفقات التجارية، خاصة في مجال العقارات والمضاربات وتشكّل الثروات. ولكنه من جهة أخرى، راح يحشد من حوله الأذكياء البارزين من نمط إيلون ماسك وأمثاله، ممن جمعوا ثروات بعشرات ومئات الملايين من الدولارات، بعيداً من رأسماليي كبريات الشركات والكارتلات، ممن مثلوا الرأسمالية في مراحلها المتوسطة والأخيرة. الأمر الذي أدخل، بدوره اضطراباً خطيراً، داخل الرأسمالية الأمريكية نفسها.

من هنا فإن ترامب، ومن حشد حوله من مساعدين تنفيذيين، راحوا يقلبون الوضعين الأمريكي والعالمي، رأساً على عقب، وعندهم، ولا شك سيطرة على مراكز القرار (الكونغرس مثلاً) في الولايات المتحدة، مع مؤيدين أقوياء ونافذين، إلى جانب شعبيته التهريجية. مما يسمح له، ولهم، أن يفرضوا انقلابهم الجذري في أمريكا. داخلياً (طبعاً، ليس دون معارضة متعاظمة)، وأن يفرضوا علاقات دولية، لا سابق لها، من حيث تناقضها مع كل مألوف، أو عُرف أو قانون سابق.

إذا توبعت التعليقات الإعلامية العربية والإسلامية، ناهيك عن الشعبية، فسنجد أن ترامب وحّد، موضوعياً، مواقف كل المعنيين، ومن دون أن يكون عندهم مسعى للتوحُد ضدّه، أو حتى أخذ موقف موحدّ، يعارضه أو يناقضه.وهنا يجب أن يُلحظ، بأن ما من جبهة صراعية، فتحها ترامب، داخل أمريكا أو خارجها، إلاّ وواجهت معارضة مقابلة، بل وإجراءات مقابلة، كما هو الحال، في محاولة رفع الجمارك، أو محاولات الضم (كندا أو غرينلاند)، أو حتى تغيير الاسم الجغرافي، مثلاً خليج المكسيك الذي قرّر منفرداً، تغييره إلى "خليج أمريكا".

وهذا يعني أن ترامب ينفرد في أخذ القرارات، ولكنه لا يستطيع تنفيذها، أو ما استطاع تنفيذه، فمن جانب واحد، وقد ووجه بمثله، من الجانب المقابل، لتنتج فوضى لا سيطرة عليها.

ولهذا يجب التأكد في مواجهة عالم ترامب، أن مصيره الفوضى والاضطراب، والأهم فشل ترامب، وأمريكا (بالضرورة).

مقالات مشابهة

  • القحطاني: إنذار تمبكتي غير صحيح ولا يحق للهلال الاعتراض.. فيديو
  • خوقير: الهلال استعاد قوته وعودة تمبكتي لمستواه مكسب.. فيديو
  • د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
  • الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف يطلق فتوى بشأن ممتلكات المواطنين المسروقة
  • كيف اكتشف سيدنا إبراهيم أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير؟
  • اسأل المفتي.. كيف اكتشف سيدنا إبراهيم أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير؟
  • مفتي الجمهورية: قصة سيدنا إبراهيم نموذج قرآني للتفكر في الكون والتوصل إلى الإيمان
  • انطلاق فعاليات مسابقة العباقرة بمركز شباب سليم الحي بمحافظة السويس
  • عالم ترامب إلى الفوضى والفشل
  • د.محمد عسكر يكتب: أخطاء الذكاء الإصطناعي في آيات القرآن الكريم: الأسباب والتحديات