لجريدة عمان:
2025-03-17@16:01:59 GMT

«قلب من الجيلاتين الحي» لشهيرة حسان

تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT

«قلب من الجيلاتين الحي» لشهيرة حسان

ونحن ننتهي من هذه النصوص، نكاد نتلمس ما سوف يأتي!

وما سيأتي، سيكون له متكئا هنا، سيكون اقتراح إجابات، واشتباك مع الأسئلة الماثلة هنا، بأسماء الاستفهام وحرفي هل والهمزة، وإنه لولا تلك الأسئلة الموجهة والصادمة أحيانا، لما سيمكن الكاتبة الآن البدء بنصوصها الجديدة.

بالرغم أن هذه النصوص مسكونة بالأسئلة، إلا أنه يكمن فيه بوح جميل، وإيحاء ناقد نفسيا واجتماعيا يصل حد المنظومة، لا يخلو من تداعيات النفس تجاه مكانها، بالتزام إنساني ذي مسحة وجودية نبيلة تجاه البسطاء والمستلبين؛ كأن ذاتية النصوص تعكس ذوات الآخرين.

«قلب من الجيلاتين الحي»، نصوص أدبية تجمع الشعر بالخاطرة بالقصة. وهي نصوص تبحث عن شكلها الأدبي كما المضامين الإنسانية هنا. كتبتها الشابة شهيرة حسان، الفنانة التشكيلية أولا، والتي وجدت نفسها في الأدب، ما يعني أن المضامين تستدعي الشكل الإبداعي أكان ذلك أدبا أو فنا.

لم تكتب شهيرة حسان بقصد الكتابة، بل راحت تكتب نصوصها متأثرة بعالم الشغف؛ فيبدو أنه مرة وراء أخرى، استعذبت الفنانة عالم الكلمات، حيث وجدناها تكتب بحرية تامة، غير مقيدة نفسها بقيود الشكل، كأنها تبثنا ما تشعر به إنسانيا. لقد وجدت نفسها في الأدب كما وجدت نفسها في الفن التشكيلي، في الوقت الذي تمارس فيه الكاتبة الباليه والموسيقى.

إننا أمام حالة إبداعية غريبة، تتجه فيها الفنانة نحو الفنون والأدب، ربما بدافع سيكولوجي ما، لكن ما سيهمنا هنا أنها أبدعت نصوصها التجريبية، والتي إن تستمر بها، سنجدها تتجه نحو عالم السرد، قصة ورواية.

والمتوقع فعلا أن تستمر الكاتبة الأردنية الشابة شهيرة حسان في عالم الأدب، كما ستستمر في عالم الفن التشكيلي، كون أن المضمون الذي يسكنها يبحث عن نوع إبداعي يتجلى فيه. وليست الكاتب والفنانة حسان الوحيدة التي تمارس الأدب والفن.

ثمة حضور ذاتي لحسّان، لا تذكره الكاتبة بصراحة، منذ الإهداء، ناثرة شعورها العميق، مغلفة ما تنثر بشجنها، وصولا إلى النفور من الإنجاب، حتى تضمن ألا تنكسر قلوب القادمين الجدد إلى الحياة، في حالة رحيل ما عنهم، فلا تتكرر دائرة الموت؛ «نحن الأطفال المتروكون لا نكبر نبقى أطفالا مدى الحياة»، كما في «شوكة ناعمة»، الذي تبدو فيه فلسفة تشاؤمية من استمرار النوع.

«لا أعرف أي شيء»، لعله النص المفتاح لهذه النصوص في غالبيتها، أو كلمة السرّ، نص يفيض إبداعا في النصف الثاني منه، والذي يصبح النفي فيه إثباتا، حين نفاجأ بقراءة الكاتبة للنفوس بدون أقنعة، برمزية تشويقية ما تلبث أن تصدما جميعا لنصحو، فننجو.

ثمة حضور ذاتي لحسّان (الكاتب والناقد السينمائي الأردني توفي عام1996) والد الكاتبة لا تذكره الكاتبة بصراحة، منذ الإهداء، ناثرة شعورها العميق، مغلفة ما تنثر بشجنها، لكن الذاتية هنا صارت رافعة للحديث عما خارج الذات بالاتجاه للمضامين الإنسانية، لتحديات الإنسان المعاصر، فهي تبدع بالانطلاق من دائرتها الذاتية لتصل ضفتي نهر، فيظهر ما تكتنزه الكاتبة من شعور حقيقي غير متكلف، تجاه من تجرعوا مرارة الغياب، فعاشوا حزانى، مورثين ومورثات عكازاتهم للجيل الجديد، ليستندوا عليه في طريق رحلة العودة. كان «خزّان من الدموع»، خزّانا إنسانيا وإبداعيا لا تملك إزاءه إلا التضامن إلى آخر مدى. حضر الحب هنا، لا كشوق له، ولا نفور منه، بل جاء في شيء من الالتباس؛ فلا حاضنة له ليعيش ويبقى، وسرعان ما يتبدد وهم الانسجام؛ «عندما أتوقف عن الضحك، يعود وجهي إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي أفتح عيني بالكامل»، فهل تسكن في اللاوعي هنا رمزية سياسية ووجودية؟ إذن لا بد أن نفتح العينين قبل فوات الأوان، لأنّ الحب أعمى، لعل نص «إكزيما الذاكرة»، دليل على ما تربطه الكاتبة رمزيا بين الحب كشعور، والوطن كالتزام.

«بقعة من الدم» نص يختزل حال المرأة وألمها، «خريطة من الدماء»، تعكس تاريخها وواقعها، لكنها لا تقف عند الرثاء فقط، ثمة محاولة للتغيير.

استدعت مضامين النصوص أسلوبها البوحي الانفعالي، فظهرت صيغ الإنشاء، كما ظهرت الألوان والملامس والرائحة، عمقت حسيا المسرود، لكن هذه الذاتية ليست منكفئة على ذاتها، فما تلبث أية أسئلة تظهر، إلا وتجد إخبارا عن فكرة داخله، بأسلوب فيه ابتكار ما؛ فهذه مفارقة «المهم أن تكون مولودا»، التي تنحاز إلى المولود لا الوالدة، برمزية تتابع الأجيال في ظروف رتيبة.

لغة شهيرة حسان أبو غنيمة، في مجموعة نصوصها، تنحاز إلى لغة أدب الشباب و«الشابات»، بمصداقية التأثر الواضح بلغة التواصل الاجتماعي اليوم، في سياق لغة سلسة مكثفة بمستوى عال من السبك، تلك هي «الأفواه المنفطرة، في نص «أشياء لا تقال»، فلا نستغرب حياله كيف تلتقي تلك المستويات معا، حينما تكون المصداقية والتلقائية منطلقا للكتابة. إنها لغة قادمة من الشعور كما في «نحن الأطفال المتروكون لا نكبر نبقى أطفالا مدى الحياة»، كما في «شوكة ناعمة».

تأمل نص كلاكيت-المشهد الأول- آخر مرة، يشي بوضوح إمكانيات السرد المشوق لدى الكاتبة، بالرغم من اختلاطه بالخاطرة خصوصا في جزئه الأخير، ولعل القراء والقارئات كبوصلة للكاتبة، سيتوقفون في معظمهم عنده، للتشجيع على كتابة القصة والرواية في المستقبل.

لنا الحق أن نتلمس ما سوف يأتي من نصوص جديد، تتبلور باتجاه عالم السرد، من خلال تطور الوعي على الشكل والمضمون معا، بعد حالة الاشتباك-التجريب هنا، لا ليهدأ الانفعال، ولا لتزول الدهشة والصدمة، بل للمزيد من الاكتمال، خصوصا في ميزة توظيف الحواس، وبخاصة الملمس واللون كما يتيسر لها كفنانة تشكيلة أيضا، فيتجلى مضمون النصوص القصيرة إبداعا قصصيا محسوسا، في ظل امتلاك طول نفس سردي، وتزهد بالنصوص التي جاءت على شكل الشعر المنثور.

كانت هذه النصوص «بوستات» على الفيسبوك، صارت كتابا بين أيدينا، لعلها تذهب بالكاتبة وبنا إلى آفاق كتابية جديدة.

ونحن ننتهي من هذه النصوص، نكاد نتلمس ما سوف يأتي!

ربما تستمر في عالم السرد، في ظل شغفها في التعبير، ولكن المهم هنا التثقيف الذاتي والاطلاع على عالم الأدب، حيث تكون الموهبة والشغف رافعتين تشكل معها رافعة الوعي روافع كتابة نص جاد، ينطلق من التجريب وصولا إلى شكل أدبي مميز أكثر تبلورا.

وقع الكتاب في 140 صفحة من القطع الصغير، وصدر عن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع

تصميم الغلاف: سهى الأعرج

لوحة الغلاف: الفنانة شهيرة حسان

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه النصوص

إقرأ أيضاً:

مفتاح البقاء في عالم مُتغير

 

 

د. أحمد بن موسى البلوشي

الابتكار، ذلك المفهوم السحري الذي يحمل في طياته مفاتيح التقدم والتطور، وهو ليس مجرد فكرة عابرة أو ومضة إبداعية أو كلمة نتداولها، بل هو عملية مستمرة ومنهجية تهدف إلى تحويل الأفكار الجديدة إلى واقع ملموس يحقق قيمة مضافة، وفي عالم يتسارع فيه التقدم وتتغير فيه المعطيات بشكل مستمر، لم يعد الابتكار خيارًا ترفيًّا، بل أصبح ضرورة حتمية لمواكبة التغيرات المتسارعة في مختلف جوانب الحياة، وهو لا يقتصر على مجال معين، بل يشمل جميع جوانب الحياة ومجالاتها؛ فأغلب الدول والمؤسسات التي تتبنى الابتكار وتستثمر فيه تتمتع بميزة تنافسية، وتحقق نموًا اقتصاديًا مستدامًا، والأفراد الذين لا يسعون إلى تطوير أفكار جديدة لحياتهم وتعاملاتهم وحلول مبتكرة للتحديات التي يواجهونها، يواجهون خطر التخلف عن الركب أمام موجة التقدم.

لطالما كان الابتكار محركًا رئيسيًا للنجاح، فالتاريخ يشهد أن الحضارات التي تفوقت كانت تلك التي احتضنت الإبداع وسعت إلى التطوير المستمر، والتفكير خارج الصندوق، والأهم من ذلك، يتطلب الابتكار ثقافة مجتمعية تقدر الإبداع وتحترمه. اليوم، نرى كيف أن الدول التي تستثمر في البحث والتطوير تحقق تقدمًا اقتصاديًا واجتماعيًا ملحوظًا، في حين تتراجع الدول التي تفتقر إلى بيئة مشجعة للابتكار.

الابتكار يتجلى في صور وأشكال متعددة، فقد يكون ابتكارًا في المنتجات أو الخدمات، أو ابتكارًا في العمليات والأساليب، أو حتى ابتكارًا في نماذج الأعمال، أو حتى في أساليب العيش والحياة، والهدف الأساسي منه  هو إيجاد حلول جديدة ومبتكرة للتحديات، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق النمو المستدام. فمثلًا الشركات التي تقاعست عن التطوير والابتكار لما وصل له العالم من تقدم خرجت من السوق، مثل ما حدث مع شركة "نوكيا" و"كوداك"، والأمر لا يقتصر على الشركات فقط، فحتى الدول التي لا تستثمر في الابتكار تجد نفسها تعاني من تراجع اقتصادي وتدهور في مستويات المعيشة، وكذلك الإنسان إذا لم يجد طرقاً مبتكرة لطريقة حياته يصبح أسيرًا للروتين والتكرار، ويفقد شغفه بالحياة. الابتكار في طريقة العيش لا يعني فقط الإبداع في العمل أو المشاريع، بل يشمل أسلوب التفكير، والتعامل مع التحديات، وحتى العادات اليومية. كلما اكتشف الإنسان طرقًا جديدة للنظر إلى الأشياء، زادت قدرته على التطور والتأقلم، مما يجعل حياته أكثر متعة ومعنى.

ويُعد ترسيخ ثقافة الابتكار أمرًا بالغ الأهمية لضمان التطور المستدام، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع البحث والتطوير عبر توفير بيئات محفزة تدعم الإبداع على مستوى الأفراد والمؤسسات، إلى جانب تعزيز التعليم القائم على الإبداع بحيث يركز على تنمية مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات. كما أن دعم رواد الأعمال والمبتكرين من خلال تقديم التسهيلات والتمويلات للمشاريع الناشئة يعد عنصرًا أساسيًا في بناء بيئة ابتكارية ناجحة. وأخيرًا، فإن تبني المرونة والاستعداد للتكيف مع المتغيرات يُعد ضروريًا لضمان القدرة على التطور والاستمرار في عالم سريع التغير.

إنَّ الاختيار بين الابتكار والاندثار ليس مجرد قرار؛ بل هو مسار يحدد مستقبل الأفراد والمجتمعات، وفي عالم اليوم، من لا يبتكر، يندثر. لذا، لا بُد أن يكون الابتكار ثقافة ونهج حياة، لضمان الاستمرارية والتقدم.

مقالات مشابهة

  • أنباء عن تعديل حكومي بعد العيد
  • مفتاح البقاء في عالم مُتغير
  • القحطاني: إنذار تمبكتي غير صحيح ولا يحق للهلال الاعتراض.. فيديو
  • خوقير: الهلال استعاد قوته وعودة تمبكتي لمستواه مكسب.. فيديو
  • د. نزار قبيلات يكتب: «فوات الأوان».. توسّل النصوص وتفلّت الإجابات
  • الداعية الإسلامي عبد الحي يوسف يطلق فتوى بشأن ممتلكات المواطنين المسروقة
  • كيف اكتشف سيدنا إبراهيم أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير؟
  • اسأل المفتي.. كيف اكتشف سيدنا إبراهيم أن هناك إلهًا واحدًا أزليًّا لا يتغير؟
  • مفتي الجمهورية: قصة سيدنا إبراهيم نموذج قرآني للتفكر في الكون والتوصل إلى الإيمان
  • معرض فني لـ«العوالق البحرية»