قال الرئيس السوري بشار الأسد، أمس الأربعاء، إن مسألة تنحيه عن السلطة خلال الحرب لم تكن مطروحة، موضحًا أن رئيس الدولة يجب أن يرحل عندما تكون ثمة مطالب داخلية بحصول ذلك وليس بسبب ضغط خارجي، مؤكدًا أن هذا اسمه "هروب وليس تخلي عن السلطة".

 

اندلاع حريق ضخم في مخيم الهول شمال شرق سوريا سوريا تُناشد بإدانة الاعتداء الإسرائيلي على مُحيط دمشق

وأضاف بشار الأسد ، أنه من الناحية النظرية، كانت هناك إمكانية لتفادي ما حصل في سوريا، لو جرى الإذعان لمطالب تعاكس مصالح الدولة، والتخلي عن الحقوق السورية، وعندئذ، كان الثمن سيكون أكبر بكثير، وذلك خلال مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، في قصر المهاجرين بدمشق.

وأوضح أن من طالبوا برحيله داخل سوريا عددهم محدود، مشيرا إلى أنهم لم يتجاوزوا مئة ألف، في مقابل عشرات الملايين من السوريين، بحسب تعبيره.

وأشار الرئيس السوري إلى المظاهرات التي رفعت شعار رحيله حينها، قائلًا: "حتى العدد الكبير في تلك المظاهرات لم يتجاوز في أحسن الأحوال مئة ألف ونيف وفي كل المحافظات، مقابل عشرات الملايين من السوريين.

وأكد بشار الأسد أنه بقي لأن العدد الأكبر من الشعب يدعم القضايا التي يدعمها الرئيس، مشيرًا إلى أنه في حالة وقوف أغنى الدول وأقواها في العالم ضد أي رئيس، ويقف القسم الكبير من الشعب ضده فمن المنطق مغادرة هذا الرئيس.

وأضاف الرئيس السوري "بالنسبة للمظاهرات - التي سُميت سلمية - تعاملنا معها في البداية على هذا الأساس، وكنا نعرف أن الكثير من الجماعات الإخونجية وغيرهم انزجّوا بها وبدؤوا بإطلاق النار على الشرطة رغم أننا كنا نعلم أنها غير سلمية؛ رغم عدم إيمان الكثير من الناس بذلك، وكان لابد من القيام بإجراءات من أجل أن نثبت لهؤلاء الأشخاص بأن المشكلة لا في الدستور ولا المظاهرات السلمية، لكن اقتناعهم جاء متأخرًا ".

وأكد بشار الأسد عدم خضوعه لمطالب "التخلي عن الحقوق والمصالح السورية" من أجل تفادي الحرب، قائلا: "من الناحية النظرية كان من الممكن تفادي الحرب في سوريا؛ لو أننا خضعنا لكل المطالب التي كانت تُطلب أو تُفرض على سوريا بقضايا مختلفة، في مقدمتها التخلي عن الحقوق والمصالح السورية"، موضحة أن الرؤية كانت الدفاع عن المصالح السورية، وعن سوريا في وجه الإرهاب، وعن استقلالية القرار السوري، فلو عدنا بالزمن إلى الوراء فسوف نبني ونتبنى السياسة نفسها".

 

الإرهاب من كان يقتل ويحرق

وعند حديثه عن الخسائر التي وقعت وسط المدنيين، قال الأسد إن الإرهاب هو الذي كان يقتل ويحرق، وليس الدولة السورية "ليست ثمة دولة تقوم بتدمير الوطن، حتى وإن كانت دولة سيئة".

وأضاف بشار الأسد أن مسؤولية الخسائر التي وقعت تقع على عاتق من قدم الدعم للإرهاب، "ومن نوى وخطط للحرب، أي المعتدي وليس المعتدى عليه".

واستطرد أن التعامل مع الوضع يحتمل عدة طرق، لكن ما جرى اتباعه بعد 2011 كان يجري في إطار سياسة الدفاع عن سوريا واستقلالية قرارها "فلو عدنا بالزمن إلى الوراء، كنا سنتبع نفس السياسة".

وأردف "كنا نعرف بأن هناك شيئا يحضر لسوريا، وبأن الحرب ستكون طويلة، وليست أزمة عابرة"، ثم قال "كنا نخوض معركة وجودية".

 

معركة وجودية

وعقد الرئيس السوري مقارنة بما حدث في بعض الدول العربية من سيناريوهات للتدمير، وبين الحالة السورية، حيث إنها سيناريوهات متشابها، غير أنه قال إنه "كان لدينا في سوريا وعي للسيناريوهات التي وُضعت وكنا نخوض معركة وجودية".

وشدد الأسد على نفي مزاعم أن الدولة السورية تقوم بالقتل والتهجير وتدمير الوطن، قائلا: "هناك إرهاب وكانت الدولة تقاتل الإرهاب، والإرهاب هو الذي كان يقتل ويدمر ويحرق فلا توجد دولة حتى ولو كانت تُسمى دولة بين معترضتين سيئة، تقوم بتدمير الوطن، هي غير موجودة حسب معلوماتي؛ إذاً فالإرهاب هو من قام بالتدمير، ومن يتحمل المسؤولية هو من وقف مع الإرهاب، وليس من دافع ضد الإرهاب. من يتحمل المسئولية هو من نوى على الحرب، من خطط للحرب، ومن اعتدى، وليس المعتدى عليه".

 

كلمة السر هي الوعي 

أكد الأسد أن سوريا من البداية لم تدّع بأنها دولة عظمى، ولم تقل بأنها قادرون على محاربة العالم، مشيرًا إلى أنه من الطبيعي أن تطالب الدولة بدعم من الحلفاء، قائلًا :"فلأننا بحاجة لهذا الدعم، فوقوفهم معنا كان له تأثير هام في صمود سوريا".

وأضاف أن هذا لا يعني أنه يمكن للحلفاء أن يحلوا محل حكومته في الحرب وفي المعركة وفي الصمود، مؤكدًا أن هذا شيء من البدائه، وأن الصمود الحقيقي هو صمود الشعب.

وأشار الرئيس السوري إلى أنه توجد عوامل الكثيرة لا مجال هي التي كوّنت حالة صمود الدولة بعد كل هذا الضغط الكبير على المستوى الداخلي، وحتى الخارجي، مؤكدًا أن الإيمان بالقضية، والخبرة، والمعرفة، والتمسك بالحقوق، والوعي والنضج لطريقة اللعبة التي أُديرت بها الأمور عند التحضير لهذه الحرب، وعند بدء هذه الحرب، قائلًا "كل هذه الأشياء وغيرها من العوامل الكثيرة لا مجال لذكرها الآن هي التي كوّنت تلك الحالة، وليست هي قضية لا رئيس، ولا مسؤول، ولا دولة، ولا مجرد جيش".
وأكد أن "كلمة السر هي الوعي للمخطط"، وأن الدولة لم تسقط ولا في فخ من الأفخاخ التي رُسمت لها في الخارج، إذ أن الوعي هو أساس النجاح والصمود عاجلاً أو آجلاً.

 

لمزيد من الأخبار العالمية اضغط هنا:

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: بشار الاسد سوريا الرئيس السورى أخبار سوريا الحرب السورية الرئیس السوری بشار الأسد فی سوریا إلى أنه

إقرأ أيضاً:

مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين

قام نظام حافظ الأسد وابنه بشار طوال خمسين عاما على تغلغل ضباط الطائفة العلوية في المفاصل العسكرية والأمنية والحكومية في الدولة، وهو ما هيَّأ لهم حكما مستقرا بالحديد والنار، ولكن الأسد استخدم وجوها سُنية بارزة لتكون بمنزلة الواجهة السياسية التي تحمي نظامه الطائفي.

وكان من أبرز هذه الوجوه وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس الذي يُعد أطول وزراء الدفاع العرب عهدا، فقد بَقِي الرجلُ في منصبه هذا أكثر من ثلاثين سنة كاملة!

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2خزائن الرعب وتفاصيل فروع القتل والتعذيب الأمنية السوريةlist 2 of 2العلويون والقصة الغامضة لحكم سورياend of list

وُلد مصطفى طلاس في 11 مايو/أيار 1932 في بلدة الرستن بمحافظة حمص، وفي عام 1947 التحق بالكلية الحربية في المدينة نفسها، وفيها تعرّف على مجموعة من الضباط البعثيين، كان من بينهم صلاح جديد وحافظ الأسد، وبعد تخرجه في أوائل الخمسينيات أصبح ضابطا في الجيش السوري.

الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد (يمين) ووزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس في حفل عشاء عام 2000م (الفرنسية) طلاس من صداقة الأسد إلى خدمته

وكما يقول محمد نذير سنان في كتابه "لماذا سورية؟"، فمع قيام الوحدة بين سوريا ومصر بين سنوات (1958-1961)، نُقل طلاس إلى القاهرة برفقة عدد من الضباط، كان من بينهم حافظ الأسد، ومحمد عمران، وصلاح جديد، الذين سيقودون العديد من الانقلابات التالية.

وخلال تلك الفترة، توطدت علاقته خصوصا مع رفيقه حافظ الأسد، وعندما وقع الانفصال، اعتُقل الأسد في القاهرة، بينما عاد طلاس إلى سوريا، مصطحبا معه زوجة الأسد وابنته بُشرى، ولاحقا أُفرِج عن الأسد في صفقة تبادل مع مصر.

وفي عام 1963، مع بداية حكم البعث، نال مصطفى طلاس مكافأة على إخلاصه، رغم أنه لم يكن له دور بارز في انقلاب الثامن من آذار، الذي قاده مجموعة من الضباط العسكريين في خطوة كانت تبدو محدودة، لكن طلاس الذي لم يُعرف بنشاطه الثوري، أثبت ولاءه للنظام القادم، وهو ما سيجعله قريبا من دائرة السلطة.

إعلان

ولكن في عام 1964، انفجرت الأوضاع في حماة عندما اندلعت مواجهات دامية بين الشعب الرافض لممارسات السلطة الجديدة، التي اجتاحت مدنا عدة على شكل إضرابات ومظاهرات شعبية واسعة.

وفي المقابل قامت السلطة البعثية بتهديد كل صوت معارض بعنف، حيث اقتحمت المحال التجارية المغلقة ونهبت محتوياتها، وأطلق النظام يد الجيش لقمع المعارضة، حتى وصل الحال إلى قصف مسجد السلطان في حماة، الذي تحول حينئذ إلى ملاذ للمطاردين، وكانت النتيجة سقوط 17 ضحية من أبناء المدينة، وهو ما يمكن أن يوصف بالإرهاصات المبكرة لمجزرة حماة التي ستقع بعد ذلك بثمانية عشر عاما.

في تلك الأثناء، عُيِّنَ طلاس الضابط العسكري قاضيا لمحكمة عرفية ميدانية، حينها أصدر أحكاما بالإعدام على علماء وشباب من مدينة حماة، ليعلن مبكرا عن ولائه للنظام البعثي الجديد.

في المقابل سعى الرئيس السوري وقتها وأحد ضباط البعث البارزين أمين الحافظ للقاء مع شيخ المدينة محمود الحامد، في خطوة تهدئة لتخفيف الاحتقان الناتج عن هذه المحاكمات والأحداث، وليُعلن بعدها عن عفو شامل عن جميع المحكومين في هذه القضية.

رسمت هذه الأحداث الصادمة بين السلطة والجيش بداية مسيرة مصطفى طلاس السياسية مبكرا، حيث كشفت عن ولائه العميق لطموحاته الشخصية وتطلعاته في الوصول إلى السلطة بأي شكل ولون.

في تلك الأثناء، كانت العلاقة بين طلاس وأمين الحافظ متوترة، فبينما كان طلاس يتحرك تحت إشراف صديقه المقرب حافظ الأسد، الذي كان يتمتع بميول طائفية واضحة، ويسعى لتشبيك الضباط العلويين وتقوية مراكزهم، كان أمين الحافظ، الرئيس السني، يتعامل مع المسألة الطائفية بعدم اهتمام لافت.

وفي عام 1965 كان مصطفى طلاس يسعى بكل قوة لاعتقال كبار الضباط الموالين لأمين الحافظ في منطقة حمص العسكرية المعروفة بالمنطقة الوسطى، وبترتيب وتنسيق مع صلاح جديد وحافظ الأسد.

صلاح جديد، ترأس سوريا لأربع سنوات، وأطاح به انقلاب عسكري عام 1970 قاده رفيقه في الحزب وزير الدفاع آنذاك حافظ الأسد، إثر خلافات بين الاثنين. (مواقع التواصل)

وكما يذكر طلاس في مذكراته "مرآة حياتي"، فقد أصدر أمين الحافظ، بتأييد القيادة القومية لحزب البعث الذي كان على رأسه مؤسِّسه ميشيل عفلق وآخرون، قرارا يقضي بإقصاء طلاس عن قيادة المنطقة الوسطى، ليخسر منصبه العسكري بسبب مشاركته في تسريح عدد من الضباط السنة الموالين للحافظ، بتوجيه من صديقيه حافظ الأسد وصلاح جديد.

إعلان

وعلى إثر هذه الحادثة بدأ الترتيب داخل حزب البعث من الضباط العلويين والدائرين في فلكهم مثل مصطفى طلاس للإطاحة بالمعارضين لنفوذهم المتصاعد، وعلى رأسهم مؤسس الحزب ميشيل عفلق وأمين الحافظ وغيرهم.

وفي النهاية نجح هذا المخطط في 23 فبراير/شباط 1966، حين شهدت الساحة الحزبية ما عُرف بثورة "الشُّباطيين"، حيث قام مجموعة من الضباط العلويين، وعلى رأسهم صلاح جديد ومحمد عمران وحافظ الأسد، بالإطاحة بأمين الحافظ وكل مؤسسي حزب البعث الأوائل مثل ميشيل عفلق والبيطار، بالإضافة إلى القيادات السياسية كافة.

وعلى إثر ذلك، تولى صلاح جديد منصب نائب الأمين العام لحزب البعث، وظل هذا المنصب مرفوعا رغم تصفية القيادات التقليدية، بينما عُيِّنَ حافظ الأسد وزيرا للدفاع، وبعد نجاح الانقلاب الجديد، وكما وعد الأسد رفيقه طلاس سابقا، فقد عاد إلى منصبه قائدا للمنطقة الوسطى، وهو ما حدث، الأمر الذي جعل طلاس يستوثق من علاقته وولائه لصديقه حافظ الأسد بصورة مطلقة.

الذراع اليمنى لحافظ الأسد

في عام 1967، وقعت الهزيمة المدوية التي عُرفت في تاريخ العرب الحديث بـ"النكسة"، وكان نور الدين الأتاسي يشغل منصب رئيس الجمهورية في سوريا في ذلك الحين، ولم يكن في الحقيقة سوى واجهة سنية ضعيفة تحركها الأيادي العسكرية، في حين كان يوسف زعين يشغل منصب رئيس الوزراء.

أما الحكام الفعليون لسوريا في تلك الفترة فكانوا: صلاح جديد نائب الأمين العام لحزب البعث، وحافظ الأسد وزير الدفاع، وأحمد سويداني رئيس الأركان.

وعقب النكسة، وفي ظل الصراع على السلطة، تصاعدت الخلافات بين الصديقين المقربين لهذا السبب، ونظرا للولاء المطلق الذي أدركه حافظ من صديقه طلاس، فقد عيَّنه في عام 1968 رئيسا لأركان الجيش، وذراعه اليمنى به، خاصة في تلك السنوات التي تصاعد فيها الصراع بين حافظ الأسد وصلاح جديد، وبلغ ذروته في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، عندما حاول صلاح جديد الحصول على قرار من القيادة القومية لإقالة حافظ الأسد ومصطفى طلاس.

إعلان

لكن حافظ الأسد سبقهم، ونزل بدباباته إلى الشوارع، فقام باعتقال صلاح جديد وأعضاء القيادة القومية وكل مَن كانوا موالين له، وعلى رأسهم نور الدين الأتاسي رئيس الجمهورية الضعيف، الذي ظل في السجن حتى وفاته عام 1992، بينما مات صلاح جديد في السجن أيضا في العام التالي 1993.

بعد نجاح ما سمَّاه حافظ الأسد بالحركة التصحيحية، تولى الحكم مباشرة، وكانت تلك المرة الأولى التي يصل فيها رئيس من الطائفة العلوية إلى السلطة في سوريا، وهي طائفة تُشكِّل أقل من 10% من السكان، وأمام هذا الواقع الجديد كان من المتوقع أن يكون مصطفى طلاس بمنزلة الواجهة السنية في التركيبة الحاكمة الجديدة.

وفيما بعد ترقى إلى رتبة عماد، وهي رُتبة خصصت له وتميزت عن باقي الضباط، وأُسندت إليه وزارة الدفاع طوال فترة حكم الأسد، بالإضافة إلى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، إلا أن طلاس بقي في نظر كثير من أهل السنة في سوريا ضابطا ذا قيمة محدودة.

ويتأمل باتريك سيل في كتابه "الأسد، الصراع على الشرق الأوسط" في الحاشية التي كانت تحيط بحافظ الأسد، وكان منهم بالطبع مصطفى طلاس، ورأى أن بقاءهم في مناصبهم لفترات طويلة يرجع إلى "الولاء" والولاء فقط، يقول: "في سنته الأولى جمع الأسد فريقه، فاستخدم رجالا قُدِّر لهم أن يعملوا تحت حكمه خمسة عشر عاما أو تزيد، ومثلما كان الأسد منسجما مع نفسه في مبادئه السياسية، بدا أنه يتردد كثيرا في تغيير الوجوه من حوله، كان من طبعه تقدير الولاء تقديرا عاليا".

كان مصطفى طلاس أحد اللاعبين في صياغة خطط حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 ضد الكيان الصهيوني، حيث كان له دور بارز في التنسيق مع الجانب المصري لإدارة العمليات العسكرية.

ورغم أن الجيش السوري حقق نجاحا مبدئيا بفضل عنصر المفاجأة الذي مَكَّن قواته من الوصول إلى شواطئ طبرية، فإن عجز القيادة العسكرية عن توفير الدعم اللازم للتقدم أو تعزيز الهجوم حال دون استثمار هذا الانتصار، الأمر الذي أدى إلى تراجع القوات السورية وفقدان كل ما أنجزته، بالإضافة إلى نزوح سكان 20 قرية نحو دمشق، لتنتشر الخيام الخاصة بالوافدين على أطراف العاصمة.

رغم تضخيم الذات الذي نراه في السيرة الذاتية التي كتبها طلاس في خمس مجلدات بعنوان "مرآة حياتي"، ومحاولة تصوير نفسه بأنه الرجل الثاني في سوريا طوال ثلاثة عقود، فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن ضابط الاستخبارات الفرنسي السابق والخبير في الشؤون السورية، آلان شوييه، قوله: "كان لطلاس دور محدود في وضع الإستراتيجية العسكرية للجيش السوري، حيث كانت القرارات تُتخذ من قِبَل حافظ الأسد والضباط العلويين".

وهو الأمر الذي أكده المؤرخ والدبلوماسي الهولندي نيكولاس فان دام في كتابه "الصراع على السلطة في سوريا"، فإن حافظ الأسد، بعد استيلائه على الحكم في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1970، اعتمد اعتمادا كبيرا على مجموعة من الضباط الموالين له، الذين تولوا مراكز إستراتيجية حيوية داخل القوات المسلحة.

إعلان

ويلاحظ فان دام أن معظم هؤلاء الضباط كانوا من الطائفة العلوية، بينما وُكلت مناصب عسكرية رفيعة لعدد من الضباط المنتمين إلى طوائف أخرى، لكن دون أن يُشكِّلوا تهديدا فعليا لحكم الأسد، إذ ظل النفوذ الحقيقي في يد الضباط العلويين، الذين كانوا قادرين على إخماد أي محاولة للتمرد.

ولتوضيح هذا النمط، يستشهد فان دام بعدة أمثلة، منها اللواء ناجي جميل، وهو ضابط سني من دير الزور، الذي تولى قيادة سلاح الجو السوري من نوفمبر/تشرين الثاني 1970 حتى مارس/آذار 1978. ورغم منصبه الرفيع، لم يكن قادرا على استخدام سلاح الجو في مواجهة النظام، نظرا لأن القواعد الجوية الرئيسية كانت تحت سيطرة الضباط العلويين.

وينطبق هذا الأمر أيضا على ضباط سُنة آخرين كان على رأسهم اللواء مصطفى طلاس، الذي عُيِّنَ وزيرا للدفاع في مارس/آذار 1972، واللواء يوسف شكور، الذي شغل منصب رئيس الأركان لاحقا، وهو من الطائفة المسيحية (الروم الأرثوذكس).

ويرى باتريك سيل في كتابه السابق أن دور طلاس على رأس الجيش كان منع حدوث أي انقلاب عسكري على حافظ الأسد، ولعب دور في إحداث توازن عسكري وأمني أمام وحدات الجيش وقوات الأمن والمخابرات الأخرى، ولهذا السبب كان مجرد قطعة شطرنج يحركها الأسد وفقا لمصالحه الخاصة.

وسنرى ذلك واضحا في الدور الذي لعبه طلاس في مجزرة حماة عام 1982 بجوار رفعت الأسد وعلي حيدر وغيرهم من الضباط العلويين المتنفذين والمسيطرين على الجيش والقوات الأمنية، فقد كان طلاس مؤمنا بالحلول الأمنية واستخدام القوة والعنف المطلق لكل معارض لحافظ الأسد.

ففي مقابلة نادرة مع صحيفة "دير شبيغل" الألمانية عام 2005، دافع طلاس عن الحملة العسكرية الدموية على حماة، قائلا: "استخدمنا السلاح للوصول إلى السلطة… وأي شخص يريد انتزاعها منا، عليه أن يأخذها بالقوة"، مشيرا إلى أنه خلال تلك الفترة، كان يُنفَّذ نحو 150 حكما بالإعدام أسبوعيا في دمشق وحدها.

إعلان

كان لطلاس دور مهم أيضا في حماية نظام حافظ الأسد أثناء فترة الغيبوبة التي تعرض لها حافظ عام 1984، ففي تلك الفترة، سعى رفعت الأسد، الشقيق والمزهو بقيادته لقوات "سرايا الدفاع" ذات الأربعين ألف مقاتل بأسلحتهم الخفيفة والثقيلة، إلى تعزيز نفوذه والسيطرة على السلطة من خلال إجراء انقلاب أبيض، مستغلا مرض أخيه.

طلاس يورث السلطة لبشار!

في مذكراته الآنفة، يرسم مصطفى طلاس صورة الحامي لحافظ الأسد، والمدافع المخلص له، فتحت عنوان "ثلاثة أسابيع هزت دمشق"، ينقل طلاس عن رفعت الأسد قوله لحافظ الأسد بعد جلسة مصالحة بينهما: "أقسم لك بالله لولا العماد مصطفى طلاس، كل جماعتك في الأركان لا يساوون فرنك… كان الوحيد المستعد للقتال".

وكان لطلاس العديد من المواقف المثيرة للجدل على المستوى الإقليمي، فقد كان يصف الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بالخائن، لأنه في زعمه أراد أن يجنّده لصالحه وقد رفض ذلك، وربما كان من الذين حرضوا حافظ الأسد على إسقاط طائرة السادات حين جاء دمشق ليخبره بعزمه السفر إلى القدس للصلح مع إسرائيل، كما اشتهر عنه سبّه الشهير للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات للموقف ذاته.

وبالنظر إلى الفراغ الذي خلّفته سنواته الطويلة في وزارة الدفاع، ولتأكيد استنتاج نيكولاس فان دام وغيره من الباحثين في التاريخ السوري المعاصر بأن طلاس كان مجرد واجه سُنية تُستخدم لاعتبارات حفظ السلطة بيد العلويين، توجّه طلاس إلى مجال التأليف والنشر، فأسس دار نشر حملت اسمه، وأصدر من خلالها العديد من أعماله البارزة، كان من بينها مذكراته الشخصية "مرآة حياتي"، وكتاب "تاريخ الثورة العربية الكبرى"، و"الرسول العربي"، بالإضافة إلى "تأبين نزار قباني"، ولعل أشهر أعماله وأوسعها انتشارا كان كتابه عن "فن الطبخ".

في كتابه "الرواية المفقودة"، يستعرض نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع وقائع العاشر من يونيو/حزيران عام 2000، حيث زار بيت الرئيس ليجد وفق إيماءة من اللواء آصف شوكت أن "جثمان الرئيس (حافظ الأسد) مسجى في الغرفة المجاورة".

إعلان

وفي هذا السياق، يشير الشرع إلى الدور الذي لعبه مصطفى طلاس في ترتيبات انتقال السلطة، قائلا: "لم يتساءل أيٌّ منا في جلسة حزينة كيف حدثت الوفاة المفاجئة، لكن العماد مصطفى طلاس كسر الصمت، واقترح مباشرة تعديل الدستور كي يتمكن الدكتور بشار من تولي الرئاسة. وتابع بأنّ التعديل المقترح يتطلب إبلاغ رئيس مجلس الشعب عبد القادر قدورة لعقد جلسة طارئة لهذا الغرض".

ومنذ اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011، التزم مصطفى طلاس الصمت حيالها، فلم يعلن موقفا واضحا، ولم يوجّه أي انتقادات لمجازر النظام، مفضلا مغادرة سوريا والاستقرار في فرنسا مع أسرته، وسنجد من بين أبنائه الأكثر شهرة مناف طلاس، الذي كان قائدا للواء 104 في الحرس الجمهوري قبل أن ينشق عن النظام في يوليو/تموز 2012، حيث فرّ إلى تركيا، ومنها توجّه لاحقا إلى فرنسا.

وقد تباينت الروايات بشأن الدوافع الحقيقية لانشقاق مناف، فبينما أشارت بعض المصادر إلى أن قراره جاء احتجاجا على الحملة العسكرية العنيفة ضد مسقط رأسه، بلدة الرستن، رجحت مصادر أخرى أن القطيعة بينه وبين النظام بدأت خلال العملية العسكرية على حي بابا عمرو في حمص، بين فبراير/شباط ومارس/آذار 2012، حين رفض قيادة الوحدة التي شنّت الهجوم على الحي وسيطرت عليه لاحقا.

بعد حياة طويلة قضاها في خدمة آل الأسد، وفي 27 يونيو/حزيران 2017، توفي مصطفى طلاس عن عمر ناهز 85 عاما في مستشفى أفيسين قرب باريس، ليكون إحدى أهم الشخصيات التي لعبت دورا في إرعاب الشعب السوري في العقود الخمسة الأخيرة!

مقالات مشابهة

  • للمرة الأولى بعد سقوط الأسد.. احتفالات في أنحاء سوريا بالذكرى الـ14 لانطلاق "الثورة السورية"
  • تقسيم سوريا.. بين المُؤامرة والواقع (2- 2)
  • FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
  • مصطفى طلاس.. قصة وزير دفاع الأسد الذي أرعب السوريين
  • وزير خارجية مصر يكشف الجهة التي ستتولى الأمن في غزة
  • من التمرد إلى الاتفاق.. هدية فلول الأسد للثورة السورية
  • وزير الأشغال يكشف عن تكلفة أضرار الحرب وهذه الدولة عرضت تقديم المساعدة
  • كيف أفشل بشار الأسد عرضاً غير مسبوق للتفاوض مع واشنطن؟
  • لمدة 5 سنوات.. سوريا تقر إعلانًا دستوريًا لإدارة المرحلة الانتقالية
  • بعد اتفاقه مع قسد..هل فكك الشرع سيناريوهات تقسيم سوريا؟