قائد الثورة: لا سقف سياسي ولا اعتبارات أخرى يمكن أن تحد من مستوى عملياتنا المساندة لغزة
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
الثورة نت|
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن المستجدات في غزة والممتدة إلى الضفة الغربية هي شواهد تبين لنا حقيقة العدو الإسرائيلي وخطره.. مشيرا إلى أنهُ ينبغي أن يعي كل مسلم الحقائق التي تفرض نفسها فوق كل الصور الزائفة التي يسعى اليهود والعملاء إلى التغطية عليها.
وأوضح السيد القائد، في كلمة له اليوم، حول آخر تطورات العدوان الإسرائيلي على غزة والمستجدات الإقليمية، أن استباحة المجتمع البشري في حياتهم وأموالهم وأعراضهم صارت بالنسبة لليهود عقيدة وثقافة.
وأضاف أن التخاذل الواضح للكثير من أبناء الأمة سبب في جزء كبير مما يقع على الشعب الفلسطيني.. مبينا أن العدو الإسرائيلي يتجاوز كل الخطوط الحمراء وينتهك كل الأعراف والقوانين ولا يلقي بالًا لأي اعتبارات.
وأشار إلى أن استمرار الإجرام الصهيوني بكل تلك الوقاحة والجرأة والإبادة الجماعية هو عار إنساني على المجتمع البشري.. مبينا أن حالة الصمم والتجاهل التي يحاول البعض أن يعتمدها تجاه ما يحصل لا تعفي من المسؤولية ولا تدفع عواقب التفريط والتقصير.
ولفت إلى أن مشهد تمزيق الجنود الصهاينة للمصحف في مسجد دمروه بغزة هو مشهد خطير.. قائلاً: إن من لم يحركه مشهد تمزيق القرآن فلم يعد فيه ذرة من الإيمان، وانتماؤه للإسلام صار مجرد انتماء شكلي.
وأكد قائد الثورة، أن من يفرط في المقدسات يمكن أن يفرط في عرضه وشرفه ووطنه وهي حالة خطيرة ينبغي على المسلمين إعادة النظر في ذلك.. داعيا علماء الدين والمثقفين وخطباء المساجد إلى تحمل مسؤولية تذكير الأمة بخطورة التفريط في مقدساتها وعواقب السكوت عن انتهاكها.
وبين أن الأخطر من اقتحامات المسجد الأقصى حديث أحد المجرمين الصهاينة عن التوجه لبناء “كنيس يهودي” في المسجد .. موضحا أن خطوة بناء “كنيس يهودي” ينبغي أن تُقابل من المسلمين بحسب واجبهم الديني بالجهاد في سبيل الله والموقف العملي.
وقال السيد القائد، إن الأنظمة العربية الرسمية والنخب وحتى أوساط الشعوب قابلت الحديث عن بناء ” كنيس يهودي ” بالصمت والسكوت.. مشيرا إلى أن السكوت عن تمزيق القرآن وتهديد الأقصى سيرى فيه اليهود حالة استسلام للأمة وخنوع وخوف وتنكر للدين.
وأضاف أن التنصل عن المسؤولية حالة خطيرة تسبب للأمة التسليط الإلهي، وتأثيرها كبير في واقع الشعوب والأنظمة وفي جرأة العدو.. مؤكدا أن من يتصور أن حالة التخاذل والصمت ستفيده أو أن يرضى الأعداء عنه فهو مخطئ وواهم.
وأشار إلى أن اليهود لا يعترفون حتى لمن يحبهم من العرب بأنهم بشر، ويعتبرونهم مجرد حيوان مستباح الدم والعرض والمال.
تجويع العدو الصهيوني للشعب الفلسطيني:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن حالة التجويع الشديد والمستمر مؤلمة والشعب الفلسطيني يتضور جوعا وبعض الأنظمة تقدم مختلف المواد الغذائية للعدو الصهيوني.. مبينا أن في هذا الأسبوع، امتد تصعيد العدو الإسرائيلي إلى الضفة الغربية، وهو الأكبر منذ 22 عاما.
وأوضح السيد القائد، أن العدو الصهيوني يستهدف المدن والمخيمات المستشفيات ويدمر المساجد ويجرف الشوارع ويدمر البنية التحتية في شمال الضفة الغربية.. لافتا إلى أن العدوان على الضفة وما يجري في القدس وغزة يوضح حقيقة التوجه الفعلي لرسم مشهد جديد في فلسطين بحماية ومساندة أمريكية.
وأضاف أن هناك تواطؤ واضح من بعض الأنظمة العربية مع العدو وتمنيات أن يحقق آماله الشيطانية للدخول في “التطبيع”.. كما أن الأمريكي يقدم دائما الدعم السياسي لخداع الرأي العام، وبهدف احتواء الرد من حزب الله وإيران باسم المفاوضات، ثم يفتضح.
وأشار إلى أن الأمريكي لا يتوقف حتى عن تقديم أفتك أنواع الأسلحة لقتل الأطفال والنساء في غزة.. كما أن الأمريكي يبذل كل جهده في حماية العدو الإسرائيلي ليواصل الإبادة الجماعية في غزة، ويحاول أن يوقف أي صوت أو نشاط وتحرك مساند للشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أنهُ لا موقف للأمم المتحدة ولا دور فعلي يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وتصريحاتها تساوي بين الضحية والجلاد.
المقاومة الفلسطينية وجبهات الاسناد:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن القسام مع السرايا وبقية الفصائل لا تزال متماسكة وثابتة في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وأوضح السيد القائد، أن حزب الله نفذ عملية الرد متجاوزا الضغوط الكبيرة التي مورست على لبنان بشكل عام وكل محاولات الاحتواء للرد.. حيث وجه ضربة قوية للعدو الإسرائيلي ولا يزال الملف مفتوحا على أساس التقييم للنتائج.
وأضاف أن جبهة حزب الله على مستوى الإسناد اليومي جبهة ساخنة بضرباتها المستمرة وما تلحقه من خسائر بالعدو.. كما أن جبهة حزب الله لها تأثير كبير وهي جبهة إذلال للعدو وعبّر عن ذلك قادة إسرائيليون.
وأشار إلى أن المقاومة الإسلامية في العراق نفذت عمليات في هذا الأسبوع، منها ما هو باتجاه حيفا المحتلة وباتجاه أم الرشراش المحتلة.. كما أن إيران تؤكد حتمية الرد والأمريكي في حالة استنفار كبير لمحاولة احتواء الرد.
ولفت إلى أن الأمريكي يحاول أن يجنّد معه حتى بعض الأنظمة العربية لتشارك معه في إعاقة الرد الإيراني والتصدي له.. قائلاً: إن من المؤسف جدا أن تتجه بعض الأنظمة العربية للاشتراك مع الأمريكي في حماية العدو الإسرائيلي، وهذه خيانة لله ورسوله.
وقال: باستثناء 3 دول عربية المظاهرات والوقفات في العالم المساندة لغزة أكثر من معظم البلدان العربية والإسلامية.. مبينا أن مسألة حرية التظاهر وحرية الرأي والتعبير انتهت لدى الدول الغربية والحريات شُطبت من أجل العدو الإسرائيلي.
وأضاف أن الأنشطة الطلابية مع عودة الدراسة الجامعية في أمريكا بدأت من جديد للتعبير عن الموقف الرافض للإبادة الجماعية في غزة.
العمليات اليمنية المساندة لغزة:
أكد السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن القوات البحرية اليمنية نفذت عمليات نوعية ومهمة هذا الأسبوع من بينها اقتحام سفينة “سونيون” وهي عملية جريئة وشجاعة.. مشيرا إلى أن فريقان من القوات البحرية اقتحموا السفينة في مرحلتين وعمليتين ودمروا ما فيها من شحنات بعد تفخيخها وتفجيرها.
وأوضح أن عملية تفجير السفينة “سونيون” موثقة بمشهدها الكبير والمؤثر والذي يبين أن الأمريكي كاذب في مزاعمه تجاه أي ردع للعمليات اليمنية المساندة لفلسطين.. مؤكدا أن عملياتنا مستمرة بفاعلية رغم أن الصيد للسفن في البحر الأحمر أصبح نادرا لقلة السفن المرتبطة بالأعداء.
وأضاف أن بعض الشركات تحركها بات بعيدا جدا من أقصى المحيط الهندي البعيد عن أفريقيا وليس الأقرب للبحر العربي أو سقطرى.. مبينا أن شركات الشحن المرتبطة بالعدو تبتعد عن اليمن بمسافات شاسعة وبعيدة وبكلف كبيرة جدا.
وأشار إلى أن قواتنا استهدفت سفينة أخرى عليها بضائع سائبة، وفاعلية عملياتنا وتحكمها بالوضع يعترف بها الأعداء.
الرد اليمني على العدوان الصهيوني:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن التحضير للرد على العدو الإسرائيلي مستمر، والتوقيت له سيكون مفاجأة للعدو.. قائلاً: مع اهتمامنا بمسألة الرد، إلا أن همنا هو أكبر من ذلك، ونحرص على الارتقاء بأدائنا العملياتي المناصر لفلسطين إلى مستويات مؤثرة أكثر.
وأضاف أن ليس هناك سقف سياسي ولا اعتبارات أخرى يمكن أن يحد من مستوى عملياتنا المساندة لغزة.. مؤكدا بالقول: سنتحرك في أي مستوى نتمكن من العمليات دون تردد ونسعى مع الاستعانة بالله لتطوير قدراتنا بشكل نوعي.
وأشار إلى أن القوات المسلحة تسعى للوصول إلى المستوى الذي يتيح لنا أن نكون أكثر فاعلية وتأثيراً في استهداف العدو الإسرائيلي ومناصرة فلسطين.
ولفت إلى أن ميناء أم الرشراش أُغلق بشكل تام بفعل العمليات اليمنية التي منحها الله التأييد والنصر، وهذا كبّد العدو خسائر كثيرة.. مبينا أن 40% أو أكثر من حركتي الملاحة في أم الرشراش توقفت بسبب إغلاق باب المندب على العدو بشكل تام.
وجدد قائد الثورة، التأكيد أن عملياتنا المساندة لفلسطين تعتبر جهادا مقدسا ومسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية وبكل الاعتبارات.
النشاط الشعبي المساند لغزة:
أكد قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، أن النشاط الشعبي مستمر بالرغم من هطول الأمطار الغزيرة بفضل الله سبحانه وتعالى.. مشيرا إلى أن 361 ساحة شهدت المسيرات والفعاليات المساندة لغزة رغم هطول الأمطار وتأثيرها على الطرقات لا سيما في الأرياف.
وأضاف أن المشهد في ميدان السبعين وفي بعض المحافظات كان مؤثرا ومعبرا عن الوفاء والوعي والحرص على المواصلة في مختلف الظروف.. قائلا: حتى الجرحى كان البعض منهم يتحرك بعربته بين السيل والبعض كان يعبر على عكازة.
وأشار إلى أن الجو العام والملامح على وجوه الحاضرين هي الرضا والعزم على الاستمرار والمواصلة واحتساب الأجر من الله سبحانه وتعالى.. قائلاً: ليس هناك تذمر ولا استياء بل ارتياح للعمل كأداء واجب جهادي، وبعض الشباب كانوا يقدمون الشمسيات لكبار السن.
ولفت إلى أن المشاهد المؤثرة والمعبرة متنوعة وكثيرة، والجماهير محتشدة ومستمرة بهتافاتها والمطر الغزير يهطل عليها.
سيول الأمطار:
توجه قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، بالعزاء والمواساة لكل الأسر التي فقدت ضحايا في الكوارث والأضرار التي حصلت على الكثير من الناس.. مشيرا إلى أن أضرار السيول تحصل لعدة عوامل من بينها البناء العشوائي في مجرى السيول ومصباته ونتيجة تهدم بعض الحواجز المائية.
وأكد أنهُ ينبغي أن يكون هناك تعاون كبير بين الجهات الرسمية والشعبية في مساعدة المتضررين من السيول وتفادي بعض الأضرار.. كما ينبغي السعي لتفادي أضرار السيول قدر الإمكان، لأن المشكلة هي عند البشر وليست في هذه النعمة العظيمة.
وأوضح أن التعاون في مساعدة المتضررين رسميا وشعبيا ينبغي أن يكون بالمستوى المطلوب، وهذا واجب إنساني وأخلاقي وديني.. كما يجب الالتفات إلى أهمية الزراعة واغتنام فرصة نعمة الغيث والأمطار والعناية بالزراعة والتشجير.
وشدد على أهمية الوعي بأهمية التخطيط الحضري، لأن العمل والعمران العشوائي يسبب مشاكل كثيرة، واحد منها هي الكوارث.. قائلاً: إن من المهم التخطيط لمزيد من قنوات الري والسدود والحواجز واختيار الأماكن المناسبة لها، بحيث لا تلحق ضررا بالأهالي.
وأكد السيد القائد، أن الخروج المليوني رغم هطول الأمطار الغزيرة يعبر عن الوفاء والصدق والثبات.. مبينا أن الشعب اليمني يحظى بامتياز الوفاء والقيم والأخلاق، لأنه أثبت عمليا صدقه مع الله سبحانه وتعالى.
كما أكد أن تطورات الضفة وما يفعله العدو في القدس وغزة لا بد أن نقابلها بالمزيد من العزم والتصميم والثبات والتصعيد.. مجددا التأكيد أن الشعب اليمني العزيز يطور قدراته وهناك المفاجآت القادمة بإذن الله تعالى بما لم يكن يتوقعه العدو أبدا ولا يحتسبه إطلاقا.
وقال السيد القائد: نحن أمة مستهدفة، وترامب في حملاته الدعائية الانتخابية يبدي تحسره وندمه على أن فلسطين صغيرة وأن العدو بحاجة لمنطقة أوسع.. مضيفا: ان الطمع الأمريكي الإسرائيلي والغربي كبير في السيطرة على بلدان أمتنا، مع الحقد والعداء الشديدين.
وأكد أن المقام مقام نفير وحركة وجهاد وبناء، والمستقبل واعد، والوعد الإلهي لا يتبدل ولا يختلف.. مؤكدا أن مهما كانت التطورات والمآسي والمعاناة فلن تغير الحتميات التي وعد الله بها في زوال العدو الإسرائيلي ونهايته وفي خيبة أمل المنافقين.
ودعا قائد الثورة، الشعب اليمني العزيز “يمن الإيمان والوفاء” إلى الخروج المليوني يوم غد الجمعة إن شاء الله في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات والمديريات.
وخاطب السيد القائد الشعب اليمني بالقول: أنتم تكثرون في مقام المسؤولية وتملؤون الساحات في إطار مسؤولياتكم الجهادية، وهذا وسام شرف كبير وعظيم.. مضيفا: غيركم يكثر في حفلات “الترفيه” والعار والرقص والخزي.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: قائد الثورة السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي العدو الإسرائیلی الأنظمة العربیة المساندة لغزة السید القائد الشعب الیمنی وأشار إلى أن مشیرا إلى أن بعض الأنظمة أن الأمریکی ینبغی أن وأضاف أن مبینا أن حزب الله أن العدو کما أن فی غزة
إقرأ أيضاً:
في محاضرته الرمضانية الثانية قائد الثورة: القرآن الكريم هو كتاب هداية جاء بأحسن القصص
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
في موضوع القصص القرآني، كُنَّا عرضنا في شهر رمضان المبارك من العام الماضي عدداً من القصص القرآني، عن بعضٍ من أنبياء الله، وتحدثنا في هذا السياق عن بعضٍ من مميزات القصص القرآني، وعن ما يتعلق بهذا الموضوع، في مقدمة ذلك: لماذا أتى في القرآن الكريم نماذج معينة من القصص والأحداث التاريخية، وما يميِّز العرض القرآني والتقديم القرآني لما قَصَّهُ من قصصٍ عن الماضي، ونبهنا أن القرآن الكريم هو كتاب هداية، هو في الأساس ليس كتاباً تاريخياً، يُقدِّم العرض والسرد التاريخي كما هي الكتب التاريخية، أو يقدِّم القصص كذلك كما هي الكتب المتخصصة في هذا المجال، ولكنه أكبر وأهم من كل ذلك.
القرآن الكريم هو كتاب هداية؛ ولـذلك فما قدَّمه من نماذج متنوعة من القصص والأحداث التاريخية، قدَّمه كأسلوب من أساليب الهداية؛ ولـذلك ضمَّنه الكثير من الدروس والعبر، وعرض فيه الكثير من الحقائق المهمة جدًّا؛ ولـذلك فهو غنيٌ بمحتواه من الدروس، ومن العبر، ومن الحقائق، ومن المفاهيم العظيمة، التي هي كلها تندرج تحت عنوان (الهداية)، فيها هدايةٌ لنا نحن في واقعنا، في ظروف حياتنا، في ديننا، في استلهام القيم العظيمة والأخلاق العظيمة، عندما نسمعها ونراها متجسدةً في الواقع، فيما عرضه الله لنا من النماذج الراقية من أوليائه من الأنبياء، والرسل، والمؤمنين… وهكذا.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» قال في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}[الإسراء:89]، فكان من ضمن ذلك هو: ما أتى به من القصص والأنباء في نماذج معينة، مختارة بهداية الله، بعلمه، بحكمته، يختار لنا أحسن القصص، التي تتضمن دروساً مهمة، نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وتعرض لنا حقائق مهمة، وتعرض لنا السنن الالهية، وهذا من أهم ما في القصص القرآني.
أيضا هي- كما أشرنا في شهر رمضان المبارك من العام الماضي- هي من معالم الرسالة الإلهية؛ لأنها من أنباء الغيب، وأوحاها الله إلى رسوله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وهو أميٌّ في مجتمعٍ أميٍّ، لم يكن يعلم شيئاً عن ذلك؛ ولهـذا قال الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود:49].
هي أيضاً ملهمةٌ في مقام التأسي والاهتداء، كما ذكرنا عن قصص الأنبياء والمؤمنين، وقال الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[هود:120].
الممــيزات للقصـص القـــرآني ممــيزات عظيمــــة ومهمـــة:
الله «جَلَّ شَأنُهُ» قال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف:3].
• في مقدمة هذه المميزات: أنــه مــن الله:
الذي قصَّ علينا تلك النماذج من القصص هو الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»؛ وبالتالي فهي حقٌّ، كل ما ورد فيها من تفاصيل وحقائق، ليس فيها أي شائبة من الشوائب التي يتعرض لها الكثير من القصص التاريخية، والأحداث التاريخية، والكتب التاريخية؛ أمَّا ما قدَّمه الله لنا في القرآن الكريم فهو حقٌّ خالص، ليس فيه أي شيءٍ من الزيف، ولا من الخرافات، ولا من الأساطير، ولا من الروايات غير الصحيحة، فهو يأتي لنا بالحقِّ في ذلك، وبالحقيقة الخالصة النقية، التي لا يشوبها أي شائبة؛ ولهـذا يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}[الكهف:13].
• ثم أيضاً الاختيار من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»:
اختار لنا؛ لأن سِجِلّ التاريخ هو سجلٌ كبيرٌ جدًّا، ونحن آخر الأمم، حتى على المستوى التخصصي، لا يستطيع الإنسان أن يستوعب كل الأحداث التاريخية على كثرتها، لو أمضى كل عمره، لكن الله اختار لنا بعلمه، بحكمته، وهو العليم بما نحتاج إليه أكثر شيء، وما هو الأكثر فائدةً لنا، فقدَّم لنا نماذج متنوعة، متنوعة، وسنتحدث عن قيمة وأهمية هذا التنوع.
فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» باختياره لنا من سِجِلّ التاريخ الهائل نماذج معينة، تتناسب مع ظروف حياتنا، حتى لا يحتاج الإنسان أن يمضي كل عمره، ولا يصل بعد إلى استقراء الحقائق والأحداث التاريخية والقصص في التاريخ، اختار نماذج معينة، متنوعة، مهمة، مفيدة جدًّا، وإذا كان الاختيار هو من الله، فهل هناك أحد يمكن أن يكون أكثر دقةً وحكمةً في هذا الاختيار نفسه؟ معاذ الله!
• كذلك العــرض القــرآني عرض راقٍ جدًّا:
على مستوى الأسلوب، والتعبير، والطريقة، وعرض فيه هداية بكل ما تعنيه الكلمة، وسليم من كل المؤثرات السلبية، يعني: حتى عندما يعرض حقائق فيها جوانب سلبية كحقائق، كوقائع حصلت، هو يُقدِّمها بشكلٍ يبعدها عن التأثير السلبي، وأنت تسمعها، أو تتلوها في القرآن الكريم، فأنت لا تتأثر سلباً؛ وإنما يقدمها بطريقة راقية جدًّا، وذكرنا أمثلة لذلك في العام الماضي، ونذكر- إن شاء الله- أمثلة لذلك في هذه المحاضرات إن شاء الله.
• كذلك في غناها بالدروس والعبر:
في عرض الحقائق، في عرض المفاهيم، في تصحيح التصورات، في الجانب التربوي لها، في جوانب كثيرة ومهمة، في بيان السنن الإلهية، ولـذلك يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف:111]؛ ولـذلك فمسألة التركيز على موطن العبرة من القصة هي مسألة أساسية في العرض القرآني؛ لأنه- كما قلنا- كتاب هداية.
• كما أن من المميزات لما في القرآن الكريم من القصص: أنهــا قصـصٌ واقعيــة:
ليست خيالية، بل هي أمثلة من الواقع، وهذا يمنح الإنسان ثقة تجاه تلك القصص، وتجاه ما فيها من حقائق، وما يستلهم منها من دروس وعبر… وغير ذلك؛ لأن الواقع البشري فيه الكثير من القصص- يعني كأسلوب- التي فيها إمَّا الكثير من الزيف والخرافات، ليست نقيةً في النقل، أو كأسلوب آخر بعيداً عن الواقع، هناك أيضاً الكثير من القصص الخيالية في واقع البشر التي تُنقل، لتصور شيئاً من الحياة، لكنه ليس بواقعٍ في الحياة؛ إنما هو جانبٌ خيالي، ويراد له أن يكون إما من قبيل التسلية، أو من قبيل التأثير في النفوس، أو بشكلٍ أو بآخر.
• من مميزات العرض القرآني للقصص وما فيه أيضاً: أنه يقدِّم لنا جوانب نفسية، ولكن ليس من باب التخمين والتقدير؛ وإنما من باب الحقيقة:
لأنه من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، الذي يعلم ما في النفوس، يعلم الواقع النفسي، عندما يعرض قصصاً لأشخاص، لنماذج معينة، لأمم؛ فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هو العليم بذات الصدور، العليم بخفايا النفوس، عندما يقدِّم لنا صورةً عن الدوافع، عن الواقع النفسي، وعن الحالة النفسية، يُقدِّمه وهو العليم به كحقائق، حقائق ممن يعلم ما في النفوس، حتى ما هو في خفايا الفكر والتفكير، يقدِّمه وهو العليم بذلك؛ ولـذلك فهو لا يقدِّم لنا فقط الأحداث بشكلها الخارجي، بل في عمقها، في الواقع النفسي، في الدوافع، في الحالات النفسية، وهذه دروس مهمة حتى في هذه الأمور، التي نحتاج فيها حتى هي إلى دروس وإلى عبر؛ لأنها جانبٌ أساسيٌ في واقع حياتنا.
التنوع في القصص القرآني هو كذلك مهمٌ، وغنيٌ، ومفيدٌ جدًّا:
• نماذج من قصص الأنبياء، مجموعة كبيرة من أنبياء الله ورسله، وكذلك حتى هذا الجانب (في قصص الأنبياء) فيه أيضاً نماذج لظروف مختلفة، وأحوال مختلفة، ومقامات متنوعة.
• نماذج من قصص المؤمنين من أولياء الله، من غير الأنبياء: مثلما هي قصة أصحاب الكهف، مؤمن آل فرعون، مؤمن أهل القرية في (سورة يس)… وغير ذلك.
• نماذج من قصص النساء: على مستوى الجانب الإيماني، مثلما في قصة الصديقة الطاهرة (مريم ابنت عمران)، وباسمها سورة في القرآن الكريم، وتحدث القرآن عنها في مواضع متعددة، وكذلك عن غيرها.
• نماذج عن الأقوام والأمم: قوم نوح، عاد، ثمود، قوم فرعون… وغيرهم.
• نماذج عن التجار.
• نماذج عن المزارعين.
• نماذج عن العلماء.
• نماذج عن الملوك…
وهكذا… قصصٌ واسع.
فهي نماذج نستفيد منها في مختلف مجالات حياتنا، يعني: في الجانب العقائدي، في الجانب السياسي، في الجانب الاقتصادي، في الجانب الاجتماعي، في المجال الأخلاقي، في شؤون حياتنا نحن أيضاً، الشؤون المختلفة، ونحن آخر الأمم، بين أيدينا رصيدٌ هائلٌ من الأحداث، من التجارب في الواقع البشري، وهذا ما يساعدنا على أن نستفيد منها كتجارب واقعية، عرضت لنا نماذج متعددة ومتنوعة، تُقدِّم لنا الدروس المهمة، التي تزيدنا حكمةً، ورشداً، وبصيرةً، ووعياً، وفهماً، وتساعدنا على تَجَنُّب المزالق، المزالق في هذه الحياة، الأخطاء الكبيرة، التوجهات التي لها نتائج كارثية، العواقب الخطيرة، التي تكون نتيجةً لتوجهات معينة، أو مواقف معينة، كذلك دروساً في مجال الدعوة إلى الله، دروساً في مجال معرفة الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذا من أهم ما نستفيده من القصص القرآني حتى في مجال معرفة الله، وهذا مما سنلحظه- إن شاء الله- فيما نعرضه.
عرضنا في شهر رمضان المبارك من العام الماضي من قصص القرآن:
• عن نبي الله آدم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وزوجه حواء «عَلَيْهَا السَّلّامُ».
• وكذلك عن قصة ابني آدم.
• وعن نبي الله إدريس «عَلَيْهِ السَّلَامُ».
• وعن نبي الله نوح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وكذلك عن قومه في سياق قصته.
• وعن نبي الله هود «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وقومه عاد.
• وعن قصة نبي الله صالح «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، وقومه ثمود.
ويتضح لنا كم تضمن العرض القرآني لتلك القصص من دروسٍ مهمة، وحقائق كثيرة، وعِبر عظيمة، بالرغم من أنَّا عرضناها باختصار، وبمحدودية ما نعرفه وما نقدمه.
في هذا الشهر المبارك، نبدأ مشوارنا مع القصص القرآني مع نبي عظيمٍ، من أبرز رسل الله وأنبيائه، ورد ذكره في القرآن الكريم (تسعاً وستين مرة)، وتحدث القرآن الكريم عنه في (خمسٍ وعشرين سورة) في قصصٍ عنه، وحقائق مهمة تتعلق به، منها سورةٌ باسمه في القرآن الكريم (سورة إبراهيم).
الحديث عن نبي الله ورسوله وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فيما قَصَّهُ القرآن الكريم عنه، متنوعٌ تنوعاً مفيداً، في أحوالٍ وظروفٍ متنوعة، ومقاماتٍ متعددة، وشؤونٍ مختلفة، وكلها غنيةٌ بالدروس والعِبر، ومسيرة حياته مدرسةٌ متكاملة في الهداية، في الأخلاق، في القيم، في الحكمة، في الرشد، في العلاقة مع الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»… في جوانب كثيرة، نتحدث عن الكثير منها إن شاء الله، بقدر ما يوفقنا الله له.
رسول الله ونبيه وخليله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ» منحه الله الوسام الرفيع، والحديث عنه في القرآن الكريم يبيِّن لنا عظيم مقامه، ورفيع منزلته، ودرجته العالية، الله قال عنه: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125]، هذا وسام رفيع جدًّا، من أعلى وأعظم الأوسمة، التي تبيِّن منزلته الرفيعة عند الله «جَلَّ شَأنُهُ».
مقامه أيضاً بين الأنبياء والرسل، هو من أرفعهم مقاماً، ومن أفضلهم، ومن أعلاهم منزلة، فمنزلته بينهم هم كأنبياء ورسل منزلة عالية جدًّا؛ لأن مقامات وفضل الأنبياء يتفاوت في مستوى منزلتهم، وكمالهم، وأدوارهم، كما قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في القرآن الكريم: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}[البقرة : 253]، وكما قال «جَلَّ شَأنُهُ»: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ}[الإسراء:55]، فمقامه بين الأنبياء والرسل مقامٌ عظيم، قدوةٌ لغيره من الرسل والأنبياء ممن أتى بعده؛ ولهـذا تُقَدّم الكثير من الدروس والعبر من حياته، من سيرته، لهم في مقام القدوة، واستلهام الدروس والعبر.
قبل أن ندخل في تفاصيل القصص القرآني عنه، نعرض عرضاً موجزاً عن مقامه العظيم، وعناوين عن شخصيته وكماله الإنساني والإيماني:
نبي الله إبراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»، كما قال الله عنه: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا}[البقرة: 124]، هو شخصيةٌ عالمية، تلتقي على تعظيمه وتقديره الكثير من الأمم، والطوائف، والملل، والأديان، بل وتدَّعيه رمزاً لها، كُلٌّ منهم يدَّعي أنه رمزٌ له، وتدَّعِي الاقتداء به، إلى درجة أن مشركي العرب، الذين كانوا على الوثنية في الجاهلية، كانوا يدَّعون أنهم يقتدون به، ويعتبرونه الرمز العظيم لهم، مع ما هم عليه من انحراف كبير، وكفر بالرسالة والرسل والأنبياء، وهم في حال الشرك والوثنية، كذلك هو حال اليهود، يدَّعونه رمزاً لهم، وينسبونه منهم، في انتمائه العقائدي والديني، وكذلك هو الحال بالنسبة للنصارى، وبالنسبة لغيرهم، هناك كذلك أقوام، وأمم، وطوائف، وملل، لها نفس الدعوى.
ولهـذا رد الله عليهم في القرآن الكريم، في قوله «جَلَّ شَأنُهُ»: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[آل عمران:67]، ليرد عليهم في تلك الادَّعاءات، ويقول: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ}[آل عمران:68]، بين كل للذين يدَّعون أنه رمزٌ لهم، وأنهم يقتدون به، وأنهم منتمون عقائديًا ودينياً إليه، أولى الناس به من؟ {لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}[آل عمران:68]، يعني: هم الذين- فعلاً- يمثلون امتداداً لنهجه: رسول الله محمد «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، والذين آمنوا معه، هم الذين يمثلون امتداداً لنهج نبي الله إبراهيم وملته ودينه، وهم أولى الناس بهذا الانتماء.
فيما يتعلق بنماذج من العناوين القرآنية عن شخصيته: وهو- كما قلنا- من منحه الله الوسام الرفيع، العظيم، العجيب، الذي يندهش الإنسان أمامه، عندما قال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا}[النساء:125]، فيما يفيده هذا من علاقته العظيمة بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومنزلته الرفيعة جدًّا، (معنى: خليلاً، يعني: حبيباً وولياً)، الله اتَّخذه حبيباً له وولياً، وهو في مقام المحبة لله، والمحبة من الله له في مستوى عالٍ جدًّا، مُقَرَّبٌ جدًّا من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يحبه الله محبةً عظيمة، ويحظى بمنزلةٍ رفيعة، وهذا بنفسه وسامٌ عظيم، يبيِّن ما هو عليه من الكمال الإيماني والطهارة، وسنتحدث عن هذه النقطة- إن شاء الله- في سياق القَصص، عندما ندخل في التفاصيل؛ ولـذلك هو حظي برعايةٍ عجيبةٍ من الله، وهذا من الدروس المهمة في قصص نبي الله ابراهيم «عَلَيْهِ السَّلَامُ»: ما حظي به من رعايةٍ عجيبةٍ من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وما منحه الله، هذا درسٌ مهمٌ جدًّا في رعاية الله لأوليائه، وما يمنحهم، ما يمنحهم ويَمُنُّ به عليهم في إطار رعايته لهم، فله مكانته الراقية، ومنزلته الرفيعة في علاقته بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
يقول الله «جَلَّ شَأنُهُ» في القرآن الكريم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا}[النحل:120]، هذا التعبير العجيب: {كَانَ أُمَّةً}، يُقدِّم لنا صورةً عن كمال إبراهيم، عن منزلته الرفيعة، عن دوره العظيم:
• كَانَ أُمَّةً فيما حازه من كمالٍ إنسانيٍ وإيمانيٍ ومواصفاتٍ راقية، وفيما حمله من قيم، وجسَّده من مبادئ، يعدل أُمَّةً بكلها، يساوي أُمَّةً بكلها، فاجتمع فيه ما لو تفرَّق في أُمَّة، من مواصفات الكمال الإيماني والأخلاقي والإنساني، لكانت أُمة نموذجية، لكانت أُمَّةً صالحة، هذا تعبير عظيم جدًّا، هذا يُقرِّب لنا وإلى أذهاننا مستوى عظمة شخصيته، ومستوى كماله.
• وكَانَ أُمَّةً في أهليته العالية، في مقام الاهتداء والقدوة؛ فكان رمزاً للأنبياء، وإماماً للناس، ومعلماً عالمياً للمجتمع البشري.
• وكَانَ أُمَّةً في دوره العظيم، الذي قام به في إرساء دعائم الحق والخير والهدى، وفي تصديه للطغيان والضلال، وما بذله من جهدٍ في ذلك، بالرغم من أنه بدأ بمفرده، لكنَّ حجم هذا الدور الذي نهض به، بما تنهض به أُمَّة، إلى هذا المستوى، شخص له هذا الدور، له هذا التأثير، يعادل مجهود أُمَّة، ودور أُمَّة، ونهضة أُمَّة، وحركة أُمَّة، هذا يفيد مستوى الدور العظيم الذي قام به، وما بذله من جهد، وما حققه من تأثير ونتائج.
ولهـذا عندما قال الله عنه هذا التعبير، فهو تعبير جامع، جمع كل هذه الدلائل والمفاهيم.
{كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل:120]، هنا يعرض لنا القرآن الكريم مواصفات راقية جدًّا، تبيِّن لنا كيف كان في مستوى إيمانه، كيف كانت علاقته بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهذا من أهم ما أهَّله لهذا الدور، وارتقى به إلى هذه المنزلة، وهذا المقام العظيم.
{قَانِتًا لِلَّهِ}، هذه مواصفات مهمة، مجموعة من المواصفات تندرج تحت عنوان (قَانِتاً لِلَّهِ)، كان خاضعا لله، مطيعاً له؛ ولـذلك ففي قوله «جَلَّ شَأنُهُ»: {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا} كم يجتمع لنا؟ يجتمع لنا أنه كان نموذجاً عظيماً:
• في المحبة لله تعالى، والإخلاص له، والاستقامة على نهجه.
• وفي الخضوع التام لله.
• وفي الخشوع لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى».
• وفي الثبات على نهج الله.
كل هذه العناوين تجتمع تحت قوله تعالى: {قَانِتًا لِلَّهِ حَنِفًا}، وسنتحدث أيضاً في سياق التفاصيل، في القَصص عن نبي الله إبراهيم، عن كيف تجسَّدت هذه العناوين في واقعه، في حركته، في أعماله، في مواقفه، بشكلٍ عظيمٍ ومميَّز.
عَـــرَض القُـــرْآنَ الكريـــم عنـــه أيضــاً أنه:
• كان رمزاً عظيماً في التسليم لله تعالى والإسلام له: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[البقرة:131]، في التفاصيل في القصص عنه سيأتي نماذج في واقعه العملي، عن هذا الإسلام والتسليم لله «جَلَّ شَأنُهُ»
• قدَّمه على أنه نموذج راقٍ في المصداقية، {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم: 41]، (صِدِّيقًا): مصدقاً بكلمات الله تعالى، وكانت مصداقيته في أقواله، في انتمائه، في أعماله، تامة وراقية جدًّا.
• نموذج في اليقين، وسيأتي الحديث عن ذلك.
• في الشكر: {شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ}[النحل:121]، يُقدِّر نعم الله عليه، ويُعظِّم نعم الله عليه، ويشكر الله على نعمه في أقواله، في أفعاله، وفي أعماله، بقلبه وسلوكه، وسيأتي أيضاً تفاصيل عن هذا الموضوع، وهذا العنوان.
• في الرشد، والعلم، والحجة، والحكمة، والبصيرة كذلك: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ}[الأنبياء:51]، كان راشداً، حكيماً، على بصيرة، على معرفة، على علم، {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ}[ص:45]، فهو من المتمسكين، والمقدمين، والمسهمين، في إقامة الحق، وفي مسيرة النبوة والرسالة أعطى دفعاً كبيراً للحق والهدى، استمر لأجيالٍ طويلة، {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ}[الأنعام:83]، وستأتي التفاصيل أيضاً عن ذلك.
• في الحلم: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ}[التوبة:114]، وفي آيةٍ أخرى: {لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ}[هود:75]، فهو من ذوي الحلم، ونموذج في الحلم، وستأتي التفاصيل، وتعريف هذا العنوان ودلالاته.
• في الكرم، في حسن الضيافة: كذلك في القصص تأتي التفاصيل.
• رمزٌ في البراءة، والموقف الحاسم من أعداء الله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا}[الممتحنة:4].
العناوين كثيرة، والتفاصيل كثيرة، وكثيراً من العناوين نأتي اليها مع المفاهيم، مع الحقائق، مع الدروس، مع العبر، في سياق القَصَص الذي قَصَّهُ الله عنه، وقدَّم في ذلك القصص- كما قلنا- نماذج من ظروف متنوعة، وشؤون مختلفة، وأحوال متعددة.
نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء، وَأَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ، وَالقِيامَ، وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِي هَذَا الشَّهْر الكَرِيم مِنْ عُتقَائِهِ وَنُقذَائِهِ مِنَ النَّار.
وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛