معاناة من أجل الاستمرار في العيش.. أوضاع اقتصادية مؤلمة في بيت لحم
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
وصف سكان من بيت لحم بالضفة الغربية، الحياة هناك بأنها صارت مثل "الجحيم"، حيث تحولت إلى "مدينة أشباح" تعيش في ظل أزمة اقتصادية قاسية، وتوترات متزايدة مع المستوطنين والجيش الإسرائيلي، في أعقاب هجمات السابع من أكتوبر.
ورصد تقرير لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، ما يواجه سكان المدينة، التي كان يزورها سنويًا في الأوضاع الطبيعية نحو 1.
وقال سامي خميس، وهو أب لخمسة أطفال ويملك مقهى يقع على مسافة قصيرة من كنيسة المهد، إن "الوضع أسوأ مما كان عليه أثناء جائحة كوفيد-19"، حيث لا يجد الرجل أي زبائن في ظل الحرب الدائرة والتوترات المتزايدة بالمنطقة.
ولفت التقرير إلى أن أموال السياحة "جفّت" في بيت لحم منذ السابع من أكتوبر، حيث وجهت الحكومات في دول العالم المختلفة مواطنيها بعدم السفر إلى المدينة، وباتت الشوارع التي تكون مزدحمة عادة، خالية من الزوار، فيما أغلقت مئات الشركات المحلية على مدار الأشهر الماضية.
ووفق تقديرات لوزارة السياحة الفلسطينية، فقد تكبد قطاع السياحة في الضفة الغربية خسائر تقدّر بنحو 2.5 مليون دولار يوميًا خلال فترة حرب غزة، وتكبدت مدينة بيت لحم وحدها 67 بالمئة من تلك الخسائر.
"تحوّل صارخ"الشابة الباريسية آنا روسينول، قالت للصحيفة الإسرائيلية إنها جاءت لاستكشاف المواقع الدينية في بيت لحم مع صديق لها، وأوضحت: "كنا السائحين الوحيدين هناك"، مضيفة وهي في حالة صدمة: "أتيت هنا قبل بضع سنوات، وكان المكان مزدحما".
وبدوره، واصل خميس (45 عاما) حديثه، وقال: "لا يمكنني توفير ما يحتاجه أطفالي، أخبرهم بأن يذهبوا إلى النوم"، موضحا أنه في كثير من الأوقات "لا يملك ما يكفي من المال لتوفير الطعام والمواد الأساسية الأخرى لأسرته".
وأشار التقرير أيضًا إلى أن تراجع أعداد السياح "دمّر حياة الشباب في العشرينيات والثلاثينيات من العمر، الذين يعيشون مع والديهم، وأصبحوا غير قادرين على الانتقال وتأسيس أسرهم الخاصة".
وقال ليث المعطي (29 عاما)، الذي يعمل سائق سيارة أجرى ويرعى والديه المسنين: "لا أملك المال الكافي للزواج، ولا أستطيع التفكير في هذا الأمر حاليًا".
وأشار إلى أنه يجني ما يعادل ثمن علبة سجائر في اليوم، وتابع: "لو طلبت والدتي الذهاب إلى المستشفى، أطلب منها الانتظار، ولو أراد والدي شراء شيء، أقول له إنني لا أملك ما يكفي".
"الجحيم"أما ليث صبيح (27 عاما) الذي يعمل كمرشد سياحي، وأب لطفلة تبلغ شهرين من العمر: "لو علمت أن الحرب ستبدأ، لما فكرت في إنجاب طفلة"، موضحا أنه يخشى على مستقبل ابنته في وقت يكافح فيه من أجل سداد مستحقات الرهن العقاري على منزل الأسرة.
وأشار إلى أن زوجته باتت مستعدة لبيع المجوهرات التي اشتراها لها في حفل الزفاف "من أجل الاستمرار في العيش".
ولفتت "هآرتس" إلى أن قطاع السياحة ليس وحده الذي يعاني جراء الحرب، بل هناك 130 ألف عامل من الضفة الغربية كانوا يملكون رخصا للعمل في إسرائيل ومستوطناتها قبل حظرهم بشكل مفاجئ في أعقاب السابع من أكتوبر.
وقال محمود سليمان: "الحياة أصبحت كالجحيم"، وذلك بعدما ظل عاطلا عن العمل لأكثر من 10 أشهر، بعد إلغاء السلطات الإسرائيلية تصريح عمله كـ"سبّاك" داخل المناطق الإسرائيلية.
وفي معظم الأيام، يعيش سليمان (63 عاما) على محاولات بيع الكوفيات والبطاقات البريدية خارج كنيسة المهد، أملا في وجود أي سائحين يشترون منه.
وتابع: "لدي 8 أطفال، اثنان منهما كانا في الثانوية العامة، لكن حاليا لا يمكنني تحمّل التكاليف. وواحدة أنهت للتو المرحلة الثانوية، ولن تذهب إلى الجامعة أيضًا. كان الوضع سيئا قبل الحرب لكنه أفضل مما هو عليه حاليًا، فقد كنت قادرا على دفع ثمن الكهرباء والماء والغذاء".
وقالت مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، وهي منظمة عالمية غير ربحية وغير حكومية، إنه في ظل أشهر من الضغوط الهائلة على اقتصاد الضفة الغربية منذ بدء الحرب في غزة، فرضت إسرائيل مجموعة صارمة من التدابير التقييدية، "يقول المسؤولون الإسرائيليون إنها ضرورية بسبب المخاطر الأمنية".
لكن الإغلاقات الداخلية في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتعليق تصاريح العمل لنحو 148 ألف فلسطيني كانوا يتنقلون إلى وظائفهم في إسرائيل، وفقدان 144 ألف وظيفة إضافية في المنطقة، أدت إلى صدمة اقتصادية ضخمة للفلسطينيين.
وقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية بنحو 20 في المئة في الربع الأخير من عام 2023، مقارنة بالعام السابق.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الضفة الغربیة بیت لحم إلى أن
إقرأ أيضاً:
أوضاع كارثية تزيد معاناة النازحين بحثا عن بصيص حياة
مع عودة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تصاعدت معاناة السكان، ليس فقط بسبب القصف المستمر، بل أيضًا نتيجة لأزمة المواصلات الخانقة الناتجة عن منع الاحتلال إدخال الوقود. ومنذ اندلاع الحرب مجددًا في 18 مارس، اضطر الكثيرون للنزوح سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة تحت طقس قارس، حاملين أمتعتهم على رؤوسهم بحثًا عن الأمان أو لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
لقد أصبح الوصول إلى أبسط مقومات الحياة في غزة مهمة شبه مستحيلة. في ظل هذه الأزمة المتفاقمة، لجأ المواطنون لاستخدام العربات التي تجرها الدواب كوسيلة للنقل، إلا أن الضغط الهائل عليها بسبب تزايد أعداد النازحين جعلها غير متاحة للجميع. ومع استمرار الأزمة، بات السير على الأقدام عبر طرق وعرة ومليئة بالدمار والركام هو الخيار الوحيد المتبقي أمامهم، في معاناة متواصلة للبحث عن الأمان وتأمين أساسيات الحياة.
ولم يكن الطريق إلى مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح مجرد رحلة قصيرة، بل كان مشهدًا يجسد معاناة حقيقية لسلامة دبابش، الذي بلغ من العمر 62 عامًا، وزوجته المصابة بمرض السكري. بعد استئناف الحرب في 18 مارس، اضطر الرجل العجوز إلى النزوح مع عائلته بأكملها، بما في ذلك أبناؤه وأحفاده، سيرًا على الأقدام من شرق مخيم المغازي إلى المنطقة المحيطة بالمستشفى.
يحكي سلامة بحزن ووجع لـ«عُمان»: «كنا نحمل خيمتنا وبعض الأمتعة من أواني المياه والطعام والملابس وبعض الأثاث الخفيف. كان الأمر شاقًا جدًا. لم نجد حتى عربة كارو نستقلها. في الطريق، سقطت زوجتي على الأرض، ولم أستطع حملها وحدي، ولكن ساعدني بعض الشباب في نقلها إلى مستشفى شهداء الأقصى».
كانت الرحلة طويلة ومؤلمة، فالطريق الذي قطعوه تجاوز الأربعة كيلومترات وسط موجة من البرد القارس والصقيع.
يضيف سلامة: «ليست هي فقط من سقط، الكثير من المسنين والأطفال سقطوا من التعب والإعياء. ومع كل هذا، نحن نلتمس الأمان هنا، لكن لا توجد منطقة آمنة في غزة كلها. نشعر أننا محاصرون، جيش الاحتلال يتلاعب بنا وبأرواح أبنائنا. لا يوجد سولار، لا توجد مواصلات، لا يوجد طعام أو شراب، فقط قصف وموت. نحن ننتظر الموت».
ورغم وصولهم إلى المنطقة المحيطة بالمستشفى، لا يزال الخوف يرافقهم: «غدًا سوف أذكرك، سيطلبوا منّا النزوح من هنا»، يقولها سلامة بنبرة يائسة تعبر عن إدراكه العميق بأن المكان الذي يلتجئون إليه الآن قد يصبح غدًا ساحة للدمار.
المشي مسافة طويلة مع علة في القلب
حتى الغزيين الذين تمسكوا بعدم النزوح في هذه المرة، يواجهون صعوبة في التنقل للذهاب إلى المستشفيات وقضاء مصالحهم، بسبب غياب وسائل المواصلات، وارتفع ثمن المتوافر منها؛ بسبب شُح السولار، جراء إغلاق الاحتلال للمعابر بشكل كامل منذ أكثر من 20 يومًا.
اضطر نائل النجار، البالغ من العمر 53 عامًا، كان قد خضع لجراحة قسطرة قلبية. اضطر إلى السير على الأقدام لقطع مسافة ثلاثة كيلومترات من منطقة الشيخ ناصر في خان يونس، في محاولة منه لتخليص معاملة بسيطة في السجل المدني، لإصدار هوية بدل فاقد حتى يتمكن من تسجيل ابنته في إحدى مدارس التعليم عن بُعد في خان يونس، التي فتحت أبوابها مؤخرًا.
يقول نائل لـ«عُمان»: «بدأت رحلتي منذ الساعة الثامنة صباحًا، ولم أنتهِ حتى الساعة الثالثة مساءً. كان الطريق متعبًا ومرهقًا. عندما وصلت، كانت قدماي متعبتين وظهري يؤلمني بشدة»
ارتفاع أسعار الوقود بسبب الأزمة لم يكن سوى إضافة لمأساته. يوضح: «سعر الوقود أصبح مرتفعًا جدًا، وبالتالي المواصلات أصبحت باهظة الثمن. نحن نعيش في فقر وبطالة، وهناك قلة عمل وأمراض مزمنة. حتى لو كان لدينا المال، فالتنقل أصبح صعبًا بسبب تدمير البنية التحتية وتأثر السائقين بالأوضاع الراهنة».
يطالب نائل مؤسسات حقوق الإنسان وكل دول العالم بالضغط على الاحتلال لتوفير أبسط مقومات الحياة: «لقمة العيش أصبحت صعبة جدًا. الأفران تحتاج إلى وقود لإنتاج الخبز، الغاز في البيت ضروري للطهي، والمواصلات ضرورية للتنقل».
أزمة سولار
يشكو أحمد العطار، سائق سيارة أجرة، إغلاق الاحتلال للمعابر ومنع دخول السولار منذ مطلع شهر مارس الحاليّ. يقول: «الاحتلال يتعمد منع دخول السولار إلى قطاع غزة. سعر لتر السولار ارتفع من سبع شواكل إلى أربعين شيكل. كثير من سائقي الأجرة ركنوا سياراتهم، وأصبحوا عاطلين عن العمل. هذا الوضع لا يحتمله أحد».
ويضيف لـ«عُمان»: «أنا عن نفسي قد أعمل لساعات قليلة ثم أتوقف عن العمل. السولار الموجود معي الآن يمشيني 20 كيلومترا فقط وبعدها سأتعطل عن العمل. في أحيان كثيرة لا أستطيع توفير الطعام والشراب لبيتي، فنلجأ إلى تسول المساعدات».
ويشير إلى أزمة أخرى تواجههم كسائقين إلى جانب أزمة الوقود: «لا نجد قطع غيار لسياراتنا، وإن وجدت تكون باهظة الثمن. أي عطل بسيط في السيارة أصبح يكلف فوق المائة شيكل. قبل الحرب كانت بعض الأعطال نصلحها مقابل 5 شواكل فقط».
ارتفاع قيمة تعريفة الركوب
وبسبب ارتفاع سعر لتر السولار بشكل مبالغ فيه، اضطر السائقون، الذين ما زالوا يعملون بالقليل من السولار المتوافر في القطاع، إلى رفع قيمة تعريفة الركوب، وهو ما ألقى بالمزيد من الأعباء على كاهل الغزيين، الذين يعانون أصلًا من الفقر والبطالة بعد أكثر من 15 شهرًا عاشوها وسط الحرب والحصار.
فقد خرج شريف رضوان، البالغ من العمر 38 عامًا، من بيته في بلدة خزاعة شرقي مدينة خان يونس، متوجهًا إلى مستشفى ناصر غربي المدينة. كانت رحلته قاسية ومضنية، حيث اضطر للمشي مسافة خمسة كيلومترات قبل أن يتمكن من إيجاد وسيلة مواصلات.
يقول شريف لـ«عُمان»: «ركبت وسيلة مواصلات كلفتني 38 شيكل، بينما كنت أركب نفس الوسيلة قبل الحرب مقابل 6 شواكل فقط. الغلاء كبير جدًا ولا نستطيع تحمله. نحن في أزمة اقتصادية خانقة».
يضيف بتعبير يعكس يأسه: «الناس أصبحت لا تخرج لقضاء حاجاتها. الفقر والبطالة يعصفان بالجميع، وأصبحوا غير قادرين على تحمل موجات أخرى من النزوح في ظل أزمة الوقود والمواصلات».
شُح في عربات الكاروولجأ بعض الغزيين إلى استقلال الدراجات أو عربات الكارو، للتغلب على أزمة المواصلات. ولكن مع الضغط عليها في ظل تجدد موجات النزوح أصبحت غير متوافرة للكثيرين.
يقول أسامة الحلو (39 عامًا): «والله أغلب المشاور نقضيها يعني مشيًا على الأقدام أو من خلال استقلال عربة كارو أو دراجة، لأن المواصلات صعبة جداً حالياً، السولار غالي، الغاز مش موجود، لا توجد وسائل مواصلات أصلًا، السائقون التزموا الخيام والمنازل».
ويضيف : «حتى العربات الكارو مش موجودة يا عمي، شاهدت الكثير من النازحين يمشون على أقدامهم، كبار في السن وأطفال متعبين مرهقين، نحن نعاني هنا ومفيش حد مدور علينا».
ويوضح: «نعاني من التعب والإرهاق الشديد في التنقل مشيًا على الأقدام، الأصحاء يتعبون من هذه الطرق المكسرة المليئة بالدمار والركام، فما بالك بأصحاب الأمراض؟ المشوار الذي كان يأخذ منا نصف ساعة، أصبح حاليًا يستغرق ساعات، لازم تطلع من بيتك قبلها بساعتين أو ثلاث على الأقل».
لابُد من تدخل دولي
يقول أنيس عرفات، المتحدث باسم وزارة النقل والمواصلات في غزة: «منذ مطلع مارس الحالي، تمنع السلطات الإسرائيلية بشكل كامل إدخال الوقود ومشتقاته إلى قطاع غزة، مما تسبب في نقص حاد في السولار والبنزين».
ويضيف لـ«عُمان»: «هذا النقص أثر بشكل كبير على قطاع المواصلات، حيث ارتفعت أجور النقل إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة، مما يجعل التنقل اليومي للمواطنين أشبه بكابوس».
وبصفته متحدثًا رسميًا باسم وزارة النقل المواصلات، يناشد عرفات المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الضغط على الاحتلال الإسرائيلي؛ للسماح بدخول الوقود بشكل منتظم، لتخفيف معاناة المواطنين وضمان استمرارية خدمات النقل الأساسية.