اغتيال هنية.. خيارات إسرائيل وإيران وحماس وانعكاساتها على حرب غزة
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم 31 يوليو/تموز 2024 اغتيال رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران عقب مشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.
الاغتيال، كما تحدث عنه خبراء ومراقبون، شكّل نقطة تحول في فهم صيرورة الأحداث المتواصلة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحرب إسرائيل المستمرة على غزة، وتأثيراتها المستقبلية على الاستقرار الإقليمي والدولي في ظل ارتفاع حدة الاستقطاب بالمنطقة.
في هذا الإطار، استطلع مركز رؤية للتنمية السياسية آراء مجموعة من الخبراء والأكاديميين، في محاولة لفهم طبيعة الخيارات والانعكاسات التي تركها الاغتيال، خصوصًا في ظل ما باتت تشهده المنطقة من حراك سياسي، وتسخين عسكري وميداني.
هناك العديد من الدلالات لاغتيال هنية، أولاها قدرة إسرائيل على الوصول إلى القيادات السياسية، خصوصًا المؤثرة في القرار السياسي والميداني، والثانية استهداف رأس الطاقم المفاوض الفلسطيني.
وهذا يمكن أن يفهم منه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس لديه خيارات سوى استمرارية الحرب، وفتح جبهات جديدة، وإطالة أمد الصراع والمواجهة من خلال تأزيم المنطقة عبر سلسلة الاغتيالات ما بين بيروت وطهران.
إضافة إلى إبراز القدرة الإسرائيلية ببقائها محل ثقة الشريك الإستراتيجي الأميركي، أو الشركاء الغربيين، لإقناعهم أنه ما زال يمكن التعويل عليها كمرتكز لحماية مصالحهم في المنطقة، وأن ما تعرضت له لم يؤثر على قدراتها الأمنية والاستخباراتية، وأنه بمقدورها قيادة الصراع بما يلبي الأهداف التي تتطلع إليها، خصوصًا بعد الاهتزاز الذي تعرضت له في السابع من أكتوبر/تشرين الثاني 2023.
أعتقد أن هناك توجها لدى إيران وحزب الله بعدم الذهاب إلى حرب شاملة، وأن رد الحزب وطهران سيكون ضمن قواعد الاشتباك، فلا أحد معني بفتح جبهة عريضة للمواجهة مع إسرائيل، ويبقى ارتفاع التصعيد أو خفضه خاضعًا للتطورات والحسابات الميدانية، ولرد الكرامة وحفظ ماء الوجه، لذا ستبقى وحدة الساحات جبهة إسناد تضامني أكثر منها الدخول في معركة مشتركة، أو تغيير قواعد الاشتباك.
لست متفائلًا من تأثير عملية الاغتيال على إنهاء الانقسام الفلسطيني الداخلي، لأننا ما زلنا نتعامل بردود الأفعال، وذلك خاضع أيضًا لترتيبات تتعلق بالأبعاد السياسية وإدارة الحالة الفلسطينية الداخلية، وهذه لا يمكن ترتيبها ما لم تتوقف الحرب، بالتالي سنبقى نراوح في المربع ذاته في انتظار نهاية الحرب وما قد يترتب عليها، لأنه لا يوجد اتفاق بين فتح وحماس على المرحلة الانتقالية.
وباعتقادي ستتجه حماس أكثر نحو الخيارات العسكرية، وبموازاة ذلك سيكون هناك خط براغماتي، لكن نفوذ حماس وجناحها العسكري في غزة سيكون أكثر تأثيرًا في مواقفها وإدارتها للملفات المستقبلية.
خيارات إسرائيل هي انتظار رد حزب الله وإيران، والثابت الوحيد أن تل أبيب لم تعد قادرة على حماية نفسها بشكل منفرد في ظل اشتعال كل الجبهات دون حماية وإسناد أميركي غربي، والحسابات الداخلية الأميركية لن تضغط على إسرائيل، لذلك ستبقى خيارات التصعيد هي المسيطرة على المرحلة المقبلة.
شكلت عملية اغتيال هنية استفزازًا متعمدًا من قبل حكومة نتنياهو، الباحثة عن مواجهة مباشرة تهدف في محصلتها النهائية إلى تحقيق حلم نتنياهو واليمين الذي يحيط به، والقاضي بتدمير المشروع النووي الإيراني، وإضعاف قوة حزب الله. إذ إن هذا الهجوم سيدفع إيران وأصدقاءها في المنطقة إلى الرد على هذا العدوان.
خيارات طهران تفرض عليها أن يكون الرد بشكل مباشر نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة (إسرائيل)، وبكل تأكيد معها أصدقاؤها في ما يُطلق عليه محور المقاومة، وهذا يعني بالضرورة تكريس مفهوم وحدة الساحات واقعًا ملموسًا، وليس مجرد شعار يتم ترديده. وأن أي رد لا يكون مثل رد الرابع عشر من أبريل/نيسان الماضي سيكون غير مقنع، وسيبقي اليد العليا لإسرائيل.
وفي انعكاسات الحادثة على الحالة الفلسطينية الداخلية، لا شك بأننا نعيش واقعًا أشبه بالانفصام الناتج عن الانقسام الجغرافي. فالضفة، ورغم الحالة النضالية المقاوِمة في شمالها، فإنها تعيش حالة يمكن وصفها بالحيادية، وهذا مختلف تمامًا عن الواقع الذي تعيشه غزة من وحدة وتلاحم. إلا أن الاغتيال خلف حالة من التقارب بين معظم مكونات المجتمع الفلسطيني، رغم التباين الكبير في وجهات النظر حول آلية حل القضية الفلسطينية.
الخيارات المتاحة أمام حماس محدودة، مما يفرض عليها المضي في المقاومة، لأن أي تراجع يعني خسارة على جميع الصعد.
تشير المعطيات إلى أن الاغتيال يأخذ المنطقة إلى مزيد من التصعيد محليًا وإقليميا، وهذا ما يريده نتنياهو، مما يعني أن وقف إطلاق النار أصبح محدودًا.
يطرح اغتيال هنية أسئلة عديدة حول تفاصيله ونتائجه، وأهمها سؤال الاختراق الأمني لإيران كدولة تعد قوة إقليمية مؤثرة في المنطقة، إذ يكشف هذا الاغتيال عن نقاط ضعف في النظام الأمني والاستخباراتي في إيران، وهي مطالبة بالإجابة عن الأسئلة، لا سيما وأنها فشلت في حماية قائد حليف في عاصمتها، مما يعد خرقًا أمنيا خطيرًا ويثير تساؤلات بشأن سلامة كبار القادة الإيرانيين، وقدرة إسرائيل على استهدافهم. وبالتالي هذا الاغتيال هو رسالة تحدّ لطهران، ودخول المنطقة إلى مرحلة جديدة لن يكون فيها خطوط حمر.
يريد نتنياهو من العملية إطالة أمد الحرب، خاصة وأنه يتلقى كل الدعم المطلوب لاستمرارها من أميركا. وقد تشكل هذه نقطة تحول في الحرب على قطاع غزة، فإما أن تفتح الباب الواسع أمام تصعيد كبير في المنطقة، قد يصل إلى حرب إقليمية، وهذا يرتبط برد إيران، وإما تدفع إسرائيل لقبول اتفاق الهدنة ووقف الحرب، على أساس أن نتنياهو حقق إنجازًا كبيرًا يستطيع أن يحفظ فيه ماء وجهه أمام الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لا سيما أن هناك أصواتًا إسرائيلية تتهمه بتأخير التوصل إلى اتفاق وتبادل للأسرى.
أرادت تل أبيب تفكيك مفهوم وحدة الساحات، وتوجيه رسالة شديدة لإيران التي تقود محور المقاومة، في محاولة لردع الأطراف كافة عن تنفيذ هجمات على إسرائيل، لكن ما زلنا أمام حدث كبير لا يمكن توقع نتائجه، وليس مؤكدًا أيضًا أن دولة الاحتلال لديها القدرة على تحقيق أهدافها منه.
تتمثل ردة الفعل الفلسطينية حول اغتيال هنية في الدعوة إلى المزيد من الصمود في وجه الاحتلال، وضرورة إنجاز وحدة القوى والفصائل الفلسطينية، وكذلك المطالبة بتشكيل قيادة فلسطينية موحدة في إطار منظمة التحرير باعتباره الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين للاستثمار في التضحيات العظيمة التي قدموها.
وبالتالي يمكن أن يؤسس الاغتيال لمرحلة إعادة توحيد المواقف الفلسطينية، لكن لا بد من ترجمة هذه المواقف والمطالب إلى خطوات عملية على أرض الواقع.
أما حركة حماس، فلن يتأثر برنامجها أو رؤيتها بالاغتيال، لكن هذا لا ينفي أن هناك انعكاسات سلبية على الحالة الفلسطينية على صعيد المعنويات، فلا يمكن إنكار أن هناك حالة من الإحباط والشعور بالضعف والخذلان.
وفي المقابل، فإن اغتيال هنية يضرب سردية الاحتلال ومنصاته الإعلامية التي اشتغل عليها خلال شهور الحرب حول افتراق أجندة قيادة المقاومة في الخارج عن هموم الشارع، فهذه القيادة تقدم تضحيات مثل أهل غزة المحاصرين في الداخل.
ويرتبط رد إيران بحساباتها في توسيع رقعة الصراع العسكري في المنطقة من عدمه. لكنها تجد نفسها مع بداية عهد رئيسها الجديد أمام اختبار كبير، فهي تريد أن تقوم برد ما، لكنها في الوقت نفسه لا تريد التورط في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل، ولا تريد التأثير سلبيًا على فرص الحوار مع واشنطن.
هناك عدة أبعاد لعملية الاغتيال، منها إعادة قوة الردع الإسرائيلية، وإهانة منظومة إيران الأمنية، وتوجيه رسالة إلى كل أعداء إسرائيل بأن مصيرهم الموت، وأن لا جغرافيا محصنة من ذلك، وأن لا أحد بعيد عن يد إسرائيل الطويلة.
وستطيل عملية الاغتيال أمد الحرب، وتنسف جهود الوسطاء، ويمكن أن تشكل دافعًا لفصائل المقاومة للمزيد من الضربات للآليات العسكرية الإسرائيلية داخل جغرافيا غزة، ويمكن القول إن العملية أوصلت الأوضاع في غزة إلى نقطة اللاعودة، وستضاعف الفصائل الفلسطينية من جهدها في التصدي للاحتلال لإظهار أن رحيل قيادي بحجم إسماعيل هنية لن يؤثر سلبًا على الفصائل، بل إيجابًا.
وإن رحيل هنية سيشكل مصدر قوة لوحدة الساحات، وسينقل الصراع إلى مستويات مختلفة، وهذا يعتمد على طبيعة الرد من كل الساحات. أما على مستوى التأثير الفلسطيني الداخلي، فعملية الاغتيال لن تشكل حافزًا للقوى الفلسطينية بالتوجه نحو الوحدة الوطنية، لأن الأمر أعقد من الأشخاص، ويعبر عن فجوة بين توجهات وتيارات، ولكنها قد تخفف من حدة المناكفات والردح على المنابر الإعلامية.
وستركز خيارات حماس على ترتيب الوضع الداخلي بما يتناسب مع توجهات القيادة الجديدة، إلى جانب تصعيد المقاومة بغزة، ودفع الضفة للانخراط أكثر في العمل المقاوِم، إضافة إلى تصلب أكثر في مواقف الحركة في المفاوضات، لإيصال رسالة بأنها لن تتأثر برحيل رئيس مكتبها السياسي.
وستتركز خيارات إيران ما بين تعزيز دعمها لحلفاء محور المقاومة، والعمل على توجيه ضربة من جغرافيا إيران مباشرة للجغرافيا الإسرائيلية، وربما استهداف مصالح إسرائيلية في الخارج، وفي الوقت ذاته التنسيق مع باقي الساحات لتنفيذ ضربات.
وفي النهاية لا تستطيع إيران الصمت، والرد سيكون محسوبًا بما لا يجر المنطقة إلى حرب تكون إيران طرفًا مباشرًا فيها، الأمر الذي يؤثر على مشروعها في المنطقة، الذي له علاقة بتمددها في الشرق الأوسط، إضافة لمشروعها النووي.
وبخصوص خيارات إسرائيل، فإنها ستحاول أن تستثمر في الأزمات، وهذه فرصة ذهبية لها من أجل إشعال حرب إقليمية، وهي تدرك أن النظام الرسمي الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن يتخليا عنها، وبالتالي جرهم إلى حرب تخلص إسرائيل من عقدة المقاومة في المنطقة، وتوريطهم في مواجهة مباشرة مع إيران، مما يعني أن مستقبل الجهود لوقف إطلاق النار قد لا تكون ذات أولوية في المرحلة المقبلة من المنظور الإسرائيلي.
دون أدنى شك أن مكان اغتيال هنية له دلالات، فإسرائيل تريد إيصال رسالة بأنها قادرة على الوصول لإيران، بل أبعد من ذلك، لتحرجها وتحرج محور المقاومة.
لن تؤثر عملية الاغتيال على مجريات الأحداث بشكل مباشر، معنويًا كان هنالك تأثير، أما على مجريات القتال فلن يكون هنالك تأثير، بشكل عام حلف المقاومة يدفع ثمنًا، وتقديم الدعم الإيراني له ثمن، بمعنى أن التأثيرات غير مباشرة.
إذا كان هنالك تأثير على وحدة الساحات، فسيكون متعلقًا بالجبهة الشمالية، أي إذا شعرت إيران أن الحرب ستكون إقليمية، وستشارك فيها الولايات المتحدة، فهذا سيدفعها إلى إعادة التفكير في كيفية التعامل في الجبهة الشمالية، ولربما ستفكر بخطوة في العودة إلى الوراء.
ربما يكون على الجبهة الداخلية الفلسطينية تأثير، لكن ليس بالضرورة أن يكون إيجابيًا. هنية له ثقل وحضور، وهذا يطرح تساؤلات حول كيف ستكون طريقة التفكير، وإلى أي درجة يمكن أن يتقاطع نهج السلطة مع نهج السنوار، ويمكن أن تفرض ظروف الحرب على الأطراف توجهاتٍ تكون بخلاف كل التوقعات.
خيارات حماس هي ذاتها وستصبح محددة أكثر، فإما أن تعمل بكل قوتها لإيقاف هذه الحرب، وإعادة صياغة علاقتها مع المنطقة والسلطة والقضية الفلسطينية، ومقاربتها تجاهها، وإما المضي حتى النهاية بكل ما في ذلك من مخاطرة، ولكن أعتقد أن خيارات حماس باتت صعبة أمام تضييق الخناق عليها، وتشديد الضغوط الإسرائيلية، ومطالبتها بالاستسلام الكامل.
حسابات رد إيران معقدة، فهي دولة لديها منظومتها واقتصادها ومشروعها النووي، وفي الوقت نفسه لديها هامش واسع، فمن الممكن أن ترد ردًّا رمزيا، مع رد واسع من حلفائها، ومن الممكن أن لا ترد إذا رأت أن هذا الرد قد يمنع وقف الحرب.
الرد قد يترتب عليه تغيير كبير، وعدم الرد سيؤثر على صورتها، ولذلك هي تريد مقابلًا لعدم الرد، وقد يُدخلها الأمر في عملية سياسية، أو ربط بين الرد وتنفيذ صفقة.
لاغتيال هنية عدة دلالات، أولاها أنه يعد إنجازًا استخباراتيا لإسرائيل، والثانية أن إسرائيل تسير في طريق التصعيد، وأن لا نية لها لتهدئة الأمور والتوصل إلى صفقة على الأقل في الوقت الحالي، وهذا الأمر يعد استخدامًا لسياسة "حافة الهاوية"، التي من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية، وبهذا المعنى فنتنياهو يقامر بمستقبل إسرائيل، لأنه يتخذ خطوات غير محسومة النتائج، ولذلك قد تتدحرج الأمور ككرة الثلج بطريقة لا يمكن لأحد التنبؤ بها.
ولا تملك إيران إلا أن ترد للحفاظ على هيبتها في المنطقة، وعلى تأثيرها الإقليمي، وعلى توازن الردع. ولذلك ليس السؤال هل سترد؟ وإنما ما حجم الرد وطبيعته؟ ومن خلال ما يتداول من تصريحات، فإن الرد هذه المرة لن يكون كالمرة السابقة، وإنما أقوى من ذلك، وقناعتي الحالية هي أن طهران لا تسعى إلى الانجرار إلى حرب إقليمية، وإنما تسعى إلى ترسيخ قواعد اشتباك.
وخيارات إسرائيل منقسمة، فنتنياهو له خياراته وهي الاستمرار في التصعيد والضغط العسكري. أما إسرائيل كدولة فخياراتها متناقضة، فالتيار اليميني يريد الحرب ويسعى لها، في حين يرى الجيش أنه آن الآوان لقطف ثمار العمل العسكري من خلال عملية سياسية. ولكن ما زال التيار اليميني هو المسيطر الذي يرسم ملامح المرحلة ويحدد إيقاع العمل، وهذا يعني احتمال استمرار الحرب.
قد يهدف هذا التصعيد إلى الضغط على حماس لإبداء بعض المرونة في المفاوضات. لكن على العكس من ذلك، فالمرجح أن يزيد الاغتيال من حدة المواجهة، وقد تطيل مداها الزمني على الأقل في المدى المنظور، وقد يحدث تدخل دولي بعد التصعيد المرتقب، وتوقف الحرب على إثره.
داخليًا، ما تزال هناك مشكلة مستعصية من جانب السلطة الفلسطينية والقيادة الحالية للمنظمة، فهي تكتفي بالترقب، ولا تتخذ خطوات عملية من أجل توحيد الساحة الفلسطينية، مع أنها ذهبت للتوقيع على اتفاق بكين مع الفصائل الفلسطينية، إلا أنه ظل حبرًا على ورق، ولم تجر أي خطوات تنفيذية على الأرض.
لعملية الاغتيال دلالات عدة، أولاها أن إسرائيل ذاهبة إلى الحد البعيد في الحرب على غزة، أي أنها ليس لديها خطوط حمر، وهي جاهزة لأي سيناريو. ومن ناحية أخرى، فهي تريد الحصول على لحظة النصر الآنية لمؤسساتها الأمنية والعسكرية والسياسية، وتريد أن تقول إنها تحقق أهدافًا، وإن أجهزتها الأمنية تستطيع الوصول لأي مكان.
كما أنها أرادت إيصال رسالة لإيران بأنها موجودة في مرمى الاستهداف الإسرائيلي، وأن إسرائيل تستطيع الوصول إلى الأهداف حتى في قلب إيران، وأنها غير متخوفة من ارتدادات ذلك.
باعتقادي أنه لن يكون للاغتيال تأثير كبير على مجريات الحرب على قطاع غزة، لأن المقاومة تؤدي أقصى ما لديها، والاحتلال الإسرائيلي يذهب إلى أبعد ما لديه من قوة، ولذلك لن يكون هناك تأثير ميداني كبير، ولكن يمكن أن تحدث ردة فعل من المقاومة للانتقام لاغتيال هنية، ولكنها ستكون مؤقتة.
وفي السياق الأعم، فإن هذا الاغتيال قد يضع المنطقة على مفترق طرق، فإما أن نكون أمام موجة تصعيد إقليمية قد تتطور إلى حرب شاملة، وإما أن تجد الأطراف المعنية نفسها مضطرة إلى التوصل إلى تفاهمات وتسويات لتجنب التصعيد.
ليس أمام إيران خيار سوى الرد، ولكن مستوى هذا الرد لن يؤدي إلى تفجر الأمور تجاه حرب إقليمية شاملة، وإنما إلى تصعيد محدود، بيد أن ذلك لا يعني أنهم قادرون على الحيلولة دونها وضبط إيقاع الأحداث بما لا يؤدي إليها.
وصلت إسرائيل إلى مرحلة لا تدري، ضمنها، ما خياراتها في قطاع غزة الآن، فعسكريًا استنفدت كل خياراتها، وخياراتها المستقبلية غير واضحة، كما قال ليبرمان: إسرائيل لا تمتلك إستراتيجية واضحة، وهذا يعقد المشهد بالنسبة لإسرائيل. وعليه فخيارها الآني هو المراوحة في المكان، أي إبقاء الحرب على غزة لحين تحسن وضع نتنياهو الداخلي.
ودوليًا تنزعج إسرائيل من بعض المواقف، لكنها مواقف غير مؤثرة، فما دامت تتلقى الدعم الأميركي بشكل كبير فهي غير مكترثة ببعض المواقف الدولية الأخرى.
أثبتت جنازة إسماعيل هنية أن حماس تمثل قيمة أكبر مما كان يتوقع ليس فقط في الشارع الإيراني، وإنما في الشارع العربي كله، وهذا ما رأيناه من مظاهر حزن وتأبين وتفاعل في الشارع العربي والإسلامي. وأثبتت الحرب الحالية أن وحدة الساحات كمفهوم وتطبيق كانت أعلى من المتوقع.
الحالة الفلسطينية الداخلية مستعصية، رغم وجود بعض التفاهم بين حماس وفتح، خاصة بعد نعي الرئيس الفلسطيني محمود عباس لهنية، ولكن من الواضح أن هناك فجوة كبيرة تغذيها مخاوف السلطة الفلسطينية من أن أي اتفاق مصالحة مع حماس سيؤدي إلى غضب إسرائيلي وأميركي، فالعلاقة مع الحركة حاليًا بالنسبة للسلطة الفلسطينية أكثر خطرًا من العلاقة معها قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
بالمجمل، يمكن القول إن هذا الاغتيال، إن لم يؤد إلى اندلاع حرب كبيرة في المنطقة، فإنه سيؤدي إلى تقصير عمر الحرب، ومن المحتمل أن يحدث هذا مع الانتخابات الأميركية المقبلة، فنحن أمام فرصة حقيقية لإنهاء الحرب.
يأتي اغتيال هنية في إطار مجموعة من العوامل، منها إثبات إسرائيل لإيران أنها قادرة على الوصول لكل الأماكن في أراضيها واختراق سيادتها، ومحاولة جرها إلى حرب يُمكن من خلالها توجيه ضربات للمراكز النووية الإيرانية.
تأثير الأمر على مجريات الحرب في قطاع غزة مرتبط بحركة حماس، وهي تمتلك هيكلًا تنظيميا هرميًا، لن يُعرضه اغتيال هنية للتلاشي، ولكن الموضوع قد يدعم باتجاه وقف إطلاق النار.
الموضوع على الأغلب سيؤثر على الوحدة الفلسطينية وتقليص حالة الانقسام، وتحديدًا إدارته، وربما يأتي خطاب الرئيس عباس أمام البرلمان التركي في هذا الإطار.
خيارات إيران للرد لن تصل إلى حرب إقليمية، وربما يكون الرد من محور المقاومة وليس من إيران نفسها.
أعتقد أن التركيز سيكون على وقف لإطلاق النار، ومن هنا جاءت مقترحات لجان الوسطاء وما يجري حاليًا.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الفصائل الفلسطینیة وقف إطلاق النار إلى حرب إقلیمیة خیارات إسرائیل عملیة الاغتیال محور المقاومة الاغتیال على هذا الاغتیال على قطاع غزة نقطة تحول فی اغتیال هنیة المنطقة إلى خیارات حماس على مجریات فی المنطقة فی الشارع وقف الحرب الحرب على قادرة على فی الوقت لا یمکن یمکن أن على غزة من خلال أن هناک لن یکون من ذلک
إقرأ أيضاً:
كيف ردت المقاومة الفلسطينية على تهديدات ترامب من أمام منزل السنوار المهدم؟
بعثت حركة المقاومة الإسلامية حماس٬ رسالة واضحة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب٬ عبر لافتة كبيرة نُصبت قرب منزل رئيس الحركة في غزة٬ الشهيد يحيى السنوار في خان يونس، كُتب عليها باللغات العربية والعبرية والإنجليزية: "لا هجرة إلا للقدس".
وجاء في بيان للحركة: "نقولها للعالم ألا هجرة لا إلى القدس، وهذا ردنا على دعوات التهجير والتصفية التي أطلقها ترامب ومن يدعم نهجه".
أكثر ما لفت انتباهي هو وجود الأعلام العربية في منصة المقاومة خلال تسليم الأسرى الإسرائيليين في خانيونس، وهو أمر يحمل دلالات هامة ورسائل كبيرة. pic.twitter.com/rPPcE8AXCK — أنس الشريف Anas Al-Sharif (@AnasAlSharif0) February 15, 2025
ويأتي ذلك بعد تهديد ترامب٬ الاثنين الماضي بإلغاء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة إذا لم يتم الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين، مشيرًا إلى أن السبت قد يكون موعدًا نهائيًا لهذا الإجراء.
وأكد ترامب: "إذا لم يتم إعادة جميع الرهائن من غزة بحلول الساعة 12 ظهرًا يوم السبت، سأدعو إلى إلغاء وقف إطلاق النار".
وأعاد ترامب تذكير تهديداته السابقة قائلًا: "أبواب الجحيم ستفتح إذا لم يعد الرهائن من غزة"، مضيفًا أن حركة حماس "ستكتشف ما أعنيه بهذا التهديد".
وتابع: "قد أتحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن اعتبار السبت موعدًا نهائيًا".
وأوضح أن إسرائيل ستتخذ قرارها بنفسها، لكنه أضاف: "بالنسبة لي، بعد الساعة 12 ظهرًا يوم السبت، أعتقد أن وقف إطلاق النار يجب أن ينتهي".
وأشار ترامب إلى أنه "لا يمكننا الانتظار كل سبت لخروج 2 أو 3 من الرهائن من غزة"، مؤكدًا أنه شاهد "حالة الرهائن الذين تم إطلاق سراحهم السبت الماضي وكانوا في وضع صحي صعب، ولا يمكن الانتظار أكثر".
وكان الناطق باسم كتائب القسام - الجناح العسكري لحركة حماس - أبو عبيدة، قال الاثنين الماضي٬ إن المقاومة ستؤجل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين حتى يلتزم الاحتلال الإسرائيلي ببنود الاتفاق وتعوض عن استحقاقات الأسابيع الماضية بأثر رجعي.
واتهم أبو عبيدة الاحتلال بانتهاك الاتفاق، مؤكدًا أن المقاومة ستؤجل تسليم الأسرى الإسرائيليين الذين كان من المقرر الإفراج عنهم يوم السبت "حتى إشعار آخر".
وفي تطور لاحق، أعلنت حركة حماس السبت إطلاق سراح ثلاثة رهائن إسرائيليين مزدوجي الجنسية، وسلمتهم إلى الصليب الأحمر في إطار اتفاق وقف إطلاق النار.
وردًا على تصريحات ترامب، أكدت حركة حماس أنها ستستمر في عملية تبادل الأسرى بعد حصولها على ضمانات من الوسطاء لإلزام الاحتلال الإسرائيلي ببنود اتفاق وقف إطلاق النار. وأشار المتحدث باسم حماس عبد اللطيف القانوع إلى أن "استئناف عملية التبادل اليوم جاء وفق التزامنا مع الوسطاء، وحصولنا على ضمانات لإلزام الاحتلال بالاتفاق".
وبعد الإفراج عن الأسرى من قطاع غزة٬ قال ترامب في منشور على منصة "تروث سوشيال": "لقد أفرجت حماس للتو عن ثلاثة رهائن من غزة، من بينهم مواطن أمريكي. ويبدو أنهم في حالة جيدة! وهذا يختلف عن بيانها الأسبوع الماضي بأنها لن تطلق سراح أي رهائن".
وأضاف: "سيتعين على إسرائيل الآن أن تقرر ما ستفعله بشأن الموعد النهائي المحدد للإفراج عن جميع الرهائن في الساعة 12 ظهر اليوم. ستدعم الولايات المتحدة القرار الذي ستتخذه!".