جبريل وطارق ووائل.. حررتهم المقاومة فردّوا الجميل لدماء غـزة
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
الضفة الغربية - صفا
جبريل جبريل وطارق داوود ووائل مشّة؛ ثلاثة مقاومين من الضفة الغربية المحتلة، عاشوا حياة الأسر في سن الفتوة، وحررتهم المقاومة من سجون الاحتلال، فخرجوا أصلب عودا وأشد عزيمة، وردّوا الجميل لأهل غزة الذين دفعوا من دمهم وأرواحهم ثمنا لحريتهم.
في نوفمبر/ تشرين الثاني، كان جبريل وداوود ومشّة على موعد مع الحرية بعد أن أدرجت أسماؤهم في قوائم الإفراجات ضمن صفقة تبادل التهدئة بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي.
ولم يشأ الفتية الثلاثة أن يلتفتوا إلى حياتهم الخاصة وتأمين مستقبلهم، فما لبثوا أن انخرطوا في المقاومة تحت لواء كتائب القسام الجناح العسكري لحركة "حماس"، ونفذوا عمليات مسلحة إسناداً لغزة حتى باتوا هدفا للاحتلال الذي طاردهم إلى أن اغتالهم في 3 حوادث منفصلة في أغسطس الجاري.
وما بين تحررهم بالصفقة واستشهادهم، 10 شهور من المطاردة اقتحم الاحتلال فيها منازل ذويهم، واعتقال أقاربهم مرات ومرات، بهدف الضغط عليهم لتسليم أنفسهم، لكنهم كانوا يردون بتنفيذ مزيد من عمليات إطلاق النار، رافضين التسليم أو الاستسلام.
الشهيد طارق داوود
رغم أن طارق داوود، أتم عامه الثامن عشر قبل أيام، إلا أن صغر سنه لم يمنعه من المشاركة في صفوف المقاومة قبل اغتياله، ليصبح قائدا ميدانيا بكتائب القسام ومطارداً لقوات الاحتلال الإسرائيلي وهو في سن الـ17.
ولم تكن علاقة داوود بالمقاومة وليدة الصدفة، فقد سبق له أن خاض اشتباكات ومواجهات مع قوات الاحتلال وهو في سن الـ14 عاما، حتى اعتقله الاحتلال قبل عامين، وحكم عليه بالسجن مدة 7 سنوات، ليمضي في سجون الاحتلال عامًا كاملاً قبل الافراج عنه في صفقة التهدئة.
واقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلة داوود في مدينة قلقيلية عشرات المرات بعد استئناف عمله المقاوم، واعتقل والديه وأشقاءه، للضغط عليه.
وأكّدت مؤسسات الأسرى أنّ عائلة داوود تشكّل نموذجًا لمئات العائلات التي تعرضت لعمليات اعتقال كرهائن في إطار جريمة العقاب الجماعي، بهدف الضغط على أبنائهم المطاردين.
ومساء الاثنين 12 أغسطس/ اب، أعلن الاحتلال عن استشهاد المطارد داوود، بعد وقت قصير من تنفيذه عملية إطلاق نار في قلقيلية أصيب فيها مستوطن بجروح خطيرة.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن داوود اشتبك مع جنود الاحتلال قرب بلدة عزون شرق قلقيلية، واستشهد هناك.
وفي بيان لها، وصفت كتائب القسام الشهيد داوود، بـ"القائد الميداني القسامي"، مشيرة إلى أن اغتياله تم أثناء انسحابه بعد تنفيذ عملية إطلاق نار تجاه مستوطن إسرائيلي.
وفي حديث صحفي سابق، قالت والدة الشهيد داوود إنه قال لها: "في كل الأحوال أنا ميّت، أعمل شيء لربنا أحسن لي، وأنا من الآن فداء للوطن".
وأضافت والدته: "حالنا لن يكون أحسن من حال شعبنا في غزّة، ولا خيار أمامنا إلا الرضا أسوة بجميع أبناء هذا الشعب".
الشهيد وائل مشة
وعندما أفرج عن وائل مشّة مساء 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لم تردعه أهوال السجون عن تحدي الاحتلال بترديد هتافات تحيي المقاومة كتائب القسام وقائدها محمد الضيف، وكانت غزة حاضرة في ذهنه وتفكيره.
وقال "مشّة" في مقابلة صحفية: "هنالك غصة في القلب بعدما فقدنا الكثير من الشهداء في غزة وعموم فلسطين، ويجب أن نقف إلى جانبهم".
وأضاف "نطلب من المقاومة الدفاع عن الأسرى لأن معاناتهم كبيرة في سجون الاحتلال".
واستشهد مشة فجر الخامس عشر من أغسطس/ اب الجاري، خلال اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال التي اقتحمت مدينة نابلس لتأمين الحماية للمستوطنين خلال اقتحامهم قبر يوسف، وتم استهدافه وعدد من المقاومين بقصف من طائرة مسيرة داخل مخيم بلاطة.
وتروي والدة "مشّة" تفاصيل اللحظات الأخيرة من حياة ابنها الذي استشهد في، وتشير إلى أن آخر ما سمعته من ابنها قبل استشهاده كان هتافه وهو مشتبك مع الاحتلال "الله مولانا ولا مولى لهم".
وتضيف أنه وائل جاء إلى المنزل قبل ليلة من استشهاده "وأخذ يحضنني وينظر للمنزل، ويحضن إخوته، وأوصاهم قائلا: "اعتنوا ببعضكم البعض، واعتنوا بأبي وأمي"، ثم تركهم وخرج.
وتابعت القول "نظرت له من النافذة وأشار لي بيده، وعندما نظرت لعينيه قلت لنفسي إن وائل لن يرجع".
الشهيد جبريل جبريل
وفور تحرره بالصفقة يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، انضم الفتى جبريل جبريل من مدينة قلقيلية، لكتائب القسام، لينفذ بعدها عدة عمليات إطلاق نار وتفجير عبوات ناسفة بجيش الاحتلال، ويصبح إثر ذلك مطلوبا للاحتلال.
واستشهد "جبريل" مساء الاثنين 26 أغسطس/ اب، إثر قصف جيش الاحتلال بمسيّرة منزلا في مخيم نور شمس شرقي طولكرم.
ولم تكتف قوات الاحتلال بالتضييق على عائلته خلال فترة المطاردة، بل عادت واعتقلت شقيقه أشرف بعد استشهاد جبريل، واعتدت عليه بالضرب قبل أن تفرج عنه.
وفي تصريحات للإعلام قبل اعتقاله، قال أشرف جبريل، إن شقيقه جبريل نذر نفسه منذ لحظة تحرره لسداد دين المقاومة وطوفان الأقصى، وإنه كما تحرر بصفقة بفعلهما فإنه سيرد هذا الدين لهما".
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: الشهيد طارق داوود الشهيد جبريل جبريل كتائب القسام حماس قوات الاحتلال اغتيالات قلقيلية مخيم بلاطة الحرب على غزة طوفان الأقصى قوات الاحتلال
إقرأ أيضاً:
ما هو سلاح المقاومة الذي يريد الاحتلال الإسرائيلي نزعه من غزة؟
يتبين للمتابع منذ عودة حرب الإبادة الصهيونية على قطاع غزة في 18 آذار/ مارس الماضي أنها حرب فوق كل الأهداف المعلنة المزعومة لها، وعودتها خارج كل المبررات المساقة من الإسرائيليين، وجاءت بعد اختبارهم الناجح للعالم وللإدارة الأمريكية الجديدة عبر انتهاك الاتفاق عشرات وربما مئات المرات أمام ترامب، فكانت نتيجة طبيعية للشعور المفرط بقوة الدعم الأمريكي لكل ذلك. وفي الواقع كانت بقرار وأمر أمريكي يدعو بنيامين نتنياهو لذلك أو يحركه بهذا المسار لينوب عن واشنطن في إبادة أهل غزة؛ لدوافع سياسية اقتصادية كشف عنها ترامب نفسه من خلال صفقته المضخمة حول غزة مع بدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الذي دمرته إسرائيل، وهو ما شكل حجر الأساس الأمريكي لتدمير الاتفاق وبما يتماشى مع رغبات نتنياهو الشخصية والسياسية بمواصلة حرب ضد شعب فلسطيني أعزل، بهدف دفعه نحو التهجير القسري وتفريغ غزة وسرقتها.
وتشير المعطيات منذ استئناف الإبادة إلى أن معركة وجودية لم يعد يخوضها الاحتلال ضد المقاومة المقاتلة ككيان عسكري في قطاع غزة، بل إنها معركة وجودية بالنسبة إليه ضد كل الوجود الفلسطيني في قطاع غزة، وانتقل الحديث المعلن المكشوف لدى كثير من قادته ووسائل إعلامه باعتبار المدنيين أضرارا
جانبية إلى جعلهم هدفا معلنا، وهو أوقح أنماط الإصرار على الإبادة، فما يحدث في غزة الآن حرفيا هو إبادة فقط وإبادة للسكان الأصليين بدون الحد الأدنى من المقاومة المعتادة المعهودة، أو على الأقل الظاهرة بتكتيك المعارك الثابتة والتصدي المباشر.
إنها حرب يشنها جيش منظم على عظام المدنيين وخيام النازحين دون مقدمات أو مبررات، فحتى مبرر هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 قد بطل كليا من النواحي السياسية والعسكرية والشعبية التي تحركها دوافع الانتقام نفسها والرغبة بالتدمير العسكري للمقاومة الفلسطينية نفسها وتحرير الأسرى، هذا إن افترضنا بشكل حيادي للحظات أنها معركة لفعل ذلك، فكل ذلك لم يعد مبررا بالمرة ولم يعد أحد يمكنه تصديق كل ذلك، حتى من كثير من الجنود وضباط الجيش والمخابرات في دولة الاحتلال وكثير من حلفاء إسرائيل والمؤيدين لإبادة غزة، فانتقلت إسرائيل بكل وقاحة لمرحلة الإفصاح عن الهدف المباشر، وهو القتل الجماعي بهدف القتل الجماعي الذي يؤدي لتهجير السكان أو دفعهم للهجرة بعد قتل نسبة كبيرة منهم. حتى الجولة الأولى من الإبادة قبل الاستئناف الأخير في 18 آذار/ مارس الماضي لم يكن شكلها بهذا الشكل.
وهذا الكلام ليس للوم المقاومين، فهم بذلوا كل ما يملكون وما يمكنهم سواء أكانوا يحاولون الحفاظ على بعض مقدراتهم المحلية أو ضرب العدو بذكاء وبشكل نوعي محقق ليظهر بمظهر الإرهابي أكثر وأن يسوؤوا وجهه أكثر سياسيا وحقوقيا وعسكريا من خلال عدم الرد أو التعامل معه عسكريا بنفس الطريقة السابقة قبل استئناف الإبادة، أو ربما بسبب أنه لم يعد لديهم مقدرات كافية لفعل ذات الأمر. وأتحدث هنا بتجرد تام وحيادية مؤقتة.
وفي سياق المقترح المقدم لاتفاق جديد مؤخرا فهناك نقطتان خطيرتان في المقترح الجديد الذي مررته مصر لحركة حماس من الاحتلال والذي قالت حركة حماس إنها تدرسه، وهما: تضمنه شرطا ابتزازيا بالتفاوض على نزع سلاح المقاومة بغزة كشرط أساسي لأي اتفاق لوقف إطلاق النار وفقا لما تم نشره وتداوله، وهو أمر رفضته حماس كليا وقطعيا، وثانيا فكرة الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ضمن دفعتين فقط مقابل أسرى فلسطينيين، والتزامات تترتب على الاحتلال وضمن فترات زمنية. وهذا يسهل على إسرائيل التنصل لاحقا والعودة للإبادة التي ترغب بها، فهي فعلت شيئا مشابها وتنصلت من التزاماتها في الاتفاق الأخير ومنعت الانتقال للمرحلة الثانية رغم أن الإفراج كان يتم على دفعات صغيرة، فإن تم تعجيل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين ضمن دفعتين فهذا يعني تعجيل تمكن الاحتلال من التنصل منه في حال لم تكن هناك ضمانات أقوى ضد إسرائيل؛ من خلال ابتزازها بأوراق من المقاومة داخليا أو بقوة ردع من المجتمع الدولي.
وبالعودة لمسألة حرب الإبادة وقدرات المقاومة، فربما يرجح أن المقاومة تركت الجيش الإسرائيلي يقاتل دون إشعارها له بوجود عمليات مقاومة ثابتة متكررة الضربات ومتوقعة التكتيكات، وهو ما يربك الاحتلال ويعزز عنصر المفاجأة لدى المقاومة والخوف لدى الجنود الإسرائيليين المتوغلين، كما يعزز من استراتيجية اقتصاد القدرات لديها، ومن ناحية أخرى يثبت أو يتقارب مع نظريات عسكرية تحدث عنها جنرالات أمريكيون متقاعدون من أن المقاومة (بشكل عام وليست الفلسطينية فقط، بل من حيث المبدأ لدى المقاومات) تعمل أحيانا بتكتيكات تحاول إبراز الجانب الإجرامي والدموي الوحشي غير المبرر للاحتلال ضد السكان، من خلال كشف معركته الحقيقية التي هي ضد كل السكان الأصليين وليس ضد حَمَلة السلاح والمقاتلين، وهذا بحد ذاته يضعفه ويضعف روايته ويربكه أمام مجتمعه وأمام العالم وأمام المقاومين أنفسهم.
والمحتل في كل الأحوال يرتكب الجرائم وسيتم الرد عليه مهما اختلف التكتيك في القتال، لكن هذه الأساليب ترفع من أسهم المقاومة والرأي العام الداعم لها وللشعب الفلسطيني، وتحسن الحالة النفسية للمقاومين وتحسن الاستثمار الوطني والنتائج الممكنة بالتضحيات الكبيرة وفقا لوجهات نظر، كما تُشعر الجندي الإسرائيلي بأنه يقاتل بشكل عبثي ودون وجهة أو هدف واضحين، كما ينزع هذا الأسلوب وفقا لمقالة للمحلل في قناة الجزيرة سعيد زياد؛ الشرعية عن حرب الاحتلال داخليا أمام جمهور الإسرائيليين ويظهرها بمظهر الحرب العبثية التي تشن لأهداف شخصية لدى نتنياهو واليمين الإسرائيلي.
وعلى الرغم من كل ذلك تبقى حقيقة أن المقاومة هي بإمكانيات محدودة عسكريا من الناحية العملية، وموضوعيا إن أردنا مناقشة الأمر المتعلق بالشرط الإسرائيلي بنزع سلاح المقاومة بواقعية عسكرية وسياسية، فهدف إضعاف المقاومة عسكريا قد تحقق إسرائيليا وإن نسبيا، فيستحيل أن تكون المقاومة لم تفقد كثيرا من قوتها مقارنة بما قبل هذه الحرب الوحشية، وهذا لا يعني أنها غير قادرة على الردع والصمود والثبات.
وفكرة نزع سلاح المقاومة هي فكرة غير قابلة للتنفيذ بتاتا؛ ليس لأنه أمر غير قابل للمساومة والنقاش أو لأنه من ثوابت الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة للدفاع عن بقائه على قيد الحياة ومواجهة الاحتلال دون شطب كامل له ولهويته، فالفلسطينيون صنعوا سلاحهم محليا ويمكنهم صناعة مثله من أبسط الإمكانيات دائما، ولكن لأنه لا يوجد سلاح للنزع أصلا، بل هي محاولات فلسطينية لإيجاد سلاح وردع والحفاظ على البقاء، وليس سلاحا بالمعنى الحقيقي للسلاح الذي يمكن نزعه.
وفكرة استمرار القصف الإسرائيلي على غزة والتدمير والقتل حتى اللحظة دون مواجهة عسكرية شاملة في كل زقاق وشارع وحي كالسابق؛ من منظور عسكري غير مبررة عند الإسرائيليين، فالمقاومة حاليا شبه منزوعة السلاح وإن نظريا وصوريا أو إن كانت تفعل ذلك كخدعة، لكن هذا ما يظهر واستنفدت كثيرا من إمكانياتها في مراحل مضت من محاولة التصدي لجرائم الإبادة، بل إن أسلحتها من الأساس دفاعية خفيفة يمكنها إن استخدمت بذكاء واقتصاد ومرونة كما أن تحدث إصابات مؤكدة لكنها ليست حاسمة، ولا يمكن غالبا من تكرار طوفان الأقصى كل عدة سنوات مثلا، فعن أي نزع سلاح يتحدث الإسرائيليون إذا؟!
أنا لا أتحدث هنا عن رؤية كل منا للطريقة الأفضل التي يمكن أن تدار بها معركة أو نهج قتالي من مقاومة شعبية ضد احتلال، فهذه معركة طويلة ولها رؤى عديدة كلها تحمل في طياتها الإيجابي والسلبي، وليس الحديث أيضا عن خلافات أيديولوجية أو خصومات سياسية أو توافق مع حركة المقاومة الأبرز حاليا، أو حول سؤال كيف نفكر باليوم التالي، فالأمر تجاوز ذلك منذ وقت طويل من عمر هذه المجزرة المتواصلة، وكل تلك القضايا نوقشت وقيل فيها كل شيء، بل إن اليوم التالي الفلسطيني نوقش مرارا وتكرارا بين الفلسطينيين بمن فيهم الفرقاء وتم التوصل لحالة يمكن تطبيقها كتشكيل حكومة وحدة وطنية أو لجان إسناد تدير القطاع مثلا. حتى مسألة إن كانت المقاومة قد فكرت مليا بنتائج الطوفان أم لا نوقشت، ولم تعد هذه المسألة هي الفكرة الرئيسية اليوم ولم يعد النقد الداخلي هو أساس الحل أو المشكلة، رغم أهميته، وذلك بصرف النظر عن كل الرؤى؛ من أكثرها تمسكا بالمقاومة المسلحة إلى الأبعد عنها أو حتى من يجاهر بالعداء معها. تجاوزت الأمور مسألة كيف يمكن للشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم دعم غزة وفلسطين في ظل حرب الإبادة المستمرة، كما تجاوز الأمر كل مراحل خذلان المدنيين والمقاتلين في قطاع غزة الذين خفت ذخيرتهم وجفف عنهم الطعام والدواء والماء وكل شيء، هذا عدا عن القتل الجماعي الذي لا يتوقف للحظة.
لكن بالفعل، ماذا يعني طلب نزع سلاح المقاومة في ضوء كل ذلك؟ وماذا تعني فكرة نزع سلاح كان بالأصل سلاحا دفاعيا مصنعا محليا خفيفا لم يعد موجودا منه الكثير، وحتى إن كان بالأصل موجودا فهو لا يعادل سلاح كتيبة شرطية في أصغر دولة في العالم؟ ماذا يعني نزعه كشرط لوقف المقتلة؟ وهل هذا يعني شيئا سوى تأكيد أن إسرائيل خائفة من أبسط أداة يمكن أن يقاتل بها الفلسطينيون للبقاء وتأكيد على استمرار المقتلة والإبادة أطول وقت ممكن؟
ما يعنيه ذلك باختصار هو أن السلاح الذي تتحدث إسرائيل عن ضرورة نزعه من غزة هو الشعب، نعم الشعب الفلسطيني، فإما نزع الشعب وتهجيره واقتلاعه أو الإبادة، أو ربما كلاهما معا، لأن السلاح العسكري الحقيقي بالأساس هو سلاح مقاومة قدراتها محدودة مصدرها الشعب نفسه، والتسليح كنظرية فعلية بسيط جدا وسطحي ومحدود في كل من تخشاهم إسرائيل عسكريا مقارنة بها، وهذا ما أثبتته الوقائع منذ نشوئها إلى اليوم وليس فقط خلال حرب الإبادة الأخيرة، ولا ترقى الأمور لفكرة النزع فهو سلاح متواضع خفيف بسيط محلي الصنع.
الشعب الفلسطيني في غزة ككتلة بشرية كبيرة هو السلاح المراد نزعه هذه المرة -على الأقل في غزة- لأنه سيقاوم دائما بمجرد بقائه في أرضه، وهو من يقاوم، وهو السلاح حتى لو امتلك حجرا أو قلما أو رصاصة. لو كان هناك سلاح عسكري حقيقي لدى الفلسطينيين لما استمر الشيء المدعو "إسرائيل" حتى اللحظة أصلا، باعتبار المعركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين هي المعركة الوجودية الصفرية الأشد بين الكيان والسكان الأصليين، ورفض نزع سلاح الفلسطينيين يعني رفض انتزاعهم من أرضهم بكل بساطة.