هل تحول قبول الطلبة في جامعات مصر إلى تجارة تستقطب أصحاب الأموال؟
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
القاهرة- داخل القاعة الدراسية نفسها في مصر يجلس طالبان، كلاهما يؤدي اختبارات الثانوية العامة، أحدهما قلق والآخر مطمئن، والفارق بينهما ليس مستوى التحصيل العلمي، بل قدرة أسرتيهما المالية.
ومع ظهور نتائج الامتحانات، يُدرَك مآل القلق والاطمئنان، فـ4 درجات فقط حالت بين الطالب عمار ورغبته في الالتحاق بإحدى كليات القطاع الطبي الحكومية، بينما زميله الذي تحصل على مجموع أقل منه بـ20 درجة سيصبح طبيبًا بعدما ضمن مقعدا بكلية طب الأسنان في إحدى الجامعات غير الحكومية.
وبنظرة شاملة على نظام التعليم العالي في مصر، فالدرجات الأربع التي أخفق عمار في الحصول عليها ضمن مجموعه الكلي ليست هي الحائل أمام حلمه، بل تكمن المشكلة في كونه غير قادر ماليًا على دفع رسوم الالتحاق بالجامعات الخاصة والأهلية.
تنسيق متباينوانتهت الأحد الماضي الفترة المسموح بها لطلاب الثانوية العامة للتسجيل بالمرحلة الثانية لتنسيق القبول في الجامعات، بينما ظهرت الأسبوع الماضي نتائج القبول بالمرحلة الأولى.
وبدا التباين جليًا بين درجات القبول للمرحلة الأولى بالكليات الحكومية ونظيرتها الخاصة والأهلية، فبينما يقبل الطب الحكومي من نسبة لا تقل عن 93.17%، يتيح تنسيق الخاص والأهلي فرصة للطالب الحاصل على مجموع 74%.
ويحدث التباين نفسه مع تنسيق مختلف الكليات، فعلى سبيل المثال، تقبل كليات الهندسة الحكومية من نسبة 88.65%، بينما الخاصة والأهلية تنخفض إلى 65%، والصيدلة الحكومية من 91.7% مقابل 71% بالجامعات غير الحكومية، والتي ينخفض بها تنسيق كليات الإعلام إلى 53%، في حين لا يقل التنسيق الحكومي عن 83%.
ورغم الإعلان الرسمي عن تنسيق القبول بالجامعات الأهلية والخاصة، فإن ثمة تنسيقا داخليا لكل جامعة، وعادة ما ترتفع نسب التنسيق الخاصة بكل واحدة بالتناسب مع الإقبال الطلابي للالتحاق بها.
وعلى المسار نفسه، تختلف المصروفات الدراسية بين الجامعات الحكومية وغير الحكومية، فلا تزيد رسوم الكليات الحكومية للسنة الدراسية عن مئات الجنيهات بينما تتجاوز مصروفات الخاصة والأهلية حاجز 100 ألف جنيه (2053 دولارا).
وأعلنت عدة جامعات خاصة رسوم الالتحاق بكلية الطب البشري، فحددت جامعة "6 أكتوبر" مصروفات العام الدراسي الجديد بنحو 140 ألف جنيه (2874 دولارا)، وارتفعت التكلفة في الجامعة الحديثة للعلوم والتكنولوجيا إلى 160 ألف جنيه (3285 دولارا)، في حين وصلت مصروفات جامعة حورس إلى 230 ألف جنيه (4722 دولارا).
في المقابل، طرحت الجامعات الأهلية أسعارا تنافسية لدراسة الطب مقارنة بنظيرتها الخاصة، ففي جامعة المنصورة بلغت المصروفات 130 ألف جينه (2669 دولارا)، بينما ينخفض المبلغ بجامعة بني سويف إلى 110 آلاف جنيه (2258 دولارا).
وتتفاوت الرسوم الدراسية بشكل كبير بين الجامعات الأهلية فيما بينها، فقد أعلنت جامعة النيل الأهلية تكلفة الالتحاق بكلية الهندسة حيث تصل إلى 145 ألف جنيه (2977 دولارا)، بينما تنخفض التكلفة إلى أقل من النصف في جامعة الزقازيق، فلا تزيد على 60 ألف جنيه (1232 دولارا).
سوق كبيرووفق التصريحات الرسمية، ارتفع عدد الجامعات المصرية خلال العشر سنوات الماضية بنسبة زادت على 120%.
وبلغ عدد الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية 108 جامعات حتى يوليو/تموز الماضي، بينما لم يتجاوز العدد 49 جامعة عام 2014.
ويتوزع هذا العدد بين 27 جامعة حكومية و32 جامعة خاصة و20 جامعة أهلية و10 جامعات تكنولوجية و9 أفرع لجامعات أجنبية و6 جامعات باتفاقيات دولية وجامعتين باتفاقيات إطارية وجامعة بقوانين خاصة تُشرف عليها وزارة التعليم العالي.
ويمكن ملاحظة الاهتمام الحكومي بالتوسع في إنشاء الجامعات الأهلية على حساب الحكومية، فخلال 10 سنوات تم إنشاء 4 جامعات حكومية فقط، بينما تم تأسيس 16 جامعة أهلية.
ودافع المتحدث الرسمي لوزارة التعليم العالي عن التوجه نحو التعليم غير المجاني، معتبرا الجامعات الأهلية الجديدة رافدًا مهمًا من روافد التعليم العالي في البلاد.
وقال -في بيان رسمي- إن هذا النوع من الجامعات ساهم في تخفيف الضغط المتزايد على الجامعات الحكومية، واستيعاب الزيادة على طلب الالتحاق بالتعليم الجامعي، مضيفا أنها جامعات لا تهدف لتحقيق الربح.
ووفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغ عدد طلاب التعليم العالي المقيدين بالعام الدراسي الماضي في مصر نحو 3.7 ملايين طالب بنسبة نمو بلغت 5.7% عن العام الذي يسبقه.
وارتفع عدد الطلاب المقيدين بالجامعات الخاصة والأهلية لنحو 297 ألف طالب يمثلون 8% من إجمالي طلاب التعليم العالي العام الدراسية الماضي مقابل 229 ألف طالب في العام الدراسي (2021-2022) بنسبة زيادة 29.7%، فضلا عن 697.7 ألف طالب مقيدين بالمعاهد العليا والأكاديميات الخاصة، يمثلون 17.9% من إجمالي طلاب التعليم العالي.
وحسب التصريحات الرسمية، تبلغ ميزانية وزارة التعليم العالي للعام المالي الجديد 117 مليار جنيه (2.4 مليار دولار).
طبقية تعليميةتطمح الأسر المصرية إلى التحاق أبنائها بكليات القطاع الطبي والهندسي، التي تُعرف مجتمعيا بكليات "القمة"، إذ يضمن خريجوها الوظائف والاحترام المجتمعي، ذلك ما يفسر به الخبير التعليمي محمد فتح الله زخم الإقبال على كليات القطاع الطبي والهندسي بالجامعات الخاصة والأهلية رغم ارتفاع أسعارها.
وأشار، في حديثه للجزيرة نت، إلى توجه الحكومة السنوات الأخيرة لمنافسة الجامعات الخاصة عبر تأسيس الجامعات الأهلية، موضحا انتهاج الإستراتيجية نفسها حيال التعليم ما قبل الجامعي، إذ أنشأت مدارس خاصة تحت إشراف إدارة المشروعات بوزارة التربية والتعليم.
وشكك الخبير -الذي يعمل بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي- في جودة التعليم غير الحكومي، مستدلا بالتصنيفات الدولية، إذ يتراجع ترتيب الجامعات الخاصة والأهلية مقابل تقدم الجامعات الحكومية.
وأدرج تصنيف شنغهاي الدولي، الشهر الجاري، 8 جامعات حكومية مصرية ضمن أفضل ألف جامعة في العالم لعام 2024، ولم تدخل أي جامعة خاصة أو أهلية ضمن التصنيف.
وتضمن تصنيف "كيو إس" 15 جامعة مصرية، من بينهم 5 جامعات خاصة وأفرع لجامعات دولية، ضمن أفضل 1400 جامعة لعام 2024.
وحذر فتح الله من تنامي أمراض مجتمعية بسبب ما سماها "الطبقية التعليمية"، مثل الحقد الطبقي وفقدان الهوية، إلا أنه رأى فائدة لهذا النوع من التعليم إذ يستوعب أعدادًا كبيرة من الطلاب في ظل عجز الحكومة عن إنشاء جامعات مجانية تسع كل خريجي الثانوية العامة.
الأفضلية للوافدولا يقتصر انخفاض درجات القبول بالكليات على الجامعات الأهلية والخاصة، بل تدخل في مضمار المنافسة الكليات الحكومية، ولكن تلك المرة لجذب الطلاب غير المصريين.
وتتيح الجامعات المصرية الحكومية للطلاب الأجانب فرص الالتحاق بها بتنسيق منخفض جدًا مقارنة بنظيره المحدد لأبناء الوطن نظير مبالغ مالية تتراوح بين 2500 و6 آلاف دولار.
وقبل 5 أعوام، أعلنت وزارة التعليم العالي التوجه نحو استقبال مزيد من الطلاب الأجانب بالجامعات المصرية في إطار مباردة "ادرس في مصر" ورفعت نسبة الوافدين من 5% من إجمالي عدد الطلاب الملتحقين بالجامعات لتصبح 25%.
على إثر ذلك، تضم قاعات الدراسة بكليات الطب الحكومية طلابا مصريين حاصلين على مجموع لا يقل عن 93% بالثانوية العامة وطلابا وافدين حاصلين على مجموع لا يزيد على 75%.
ويبدو التناقض واضحًا في الأرقام المعلنة حول أعداد الطلاب الوافدين بمصر، فبينما أعلن وزير التعليم العالي السابق خالد عبد الغفار، قبل عامين، عن 100 ألف طالب بالجامعات المصرية يدفعون رسوما مقدرة بـ480 مليون دولار، قال وزير التعليم الحالي أيمن عاشور إن عدد الطلاب الوافدين لا يتجاوز 26 ألف طالب خلال العالم الدراسي الماضي.
انعدام تكافؤ الفرصواعتبر الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية والتنمية كمال مغيث منح الطالب الأجنبي الأفضلية للالتحاق بالجامعات الحكومية على حساب الطالب المصري انتهاكًا لمبدأ تكافؤ الفرص الذي من المفترض أن يبنى عليه أي مشروع تعليمي وطني.
وبيّن للجزيرة نت أن الحكومة وجدت في الطلاب الأجانب حلا لمواجهة الصعوبات المالية التي تعاني منها الجامعات الحكومية، إذ يدفعون مبالغ مالية كبيرة بالعملة الصعبة نظير الخدمة التعليمية من "دون مراعاة كون الوافد يحتل المقعد التعليمي الخاص بالمصري"، حسب قوله.
والمنطق الربحي في التعامل مع الطلاب الأجانب بالجامعات الحكومية تُدار به الجامعات الخاصة، حسب رؤية مغيث، مشيرا إلى أن الجامعات غير الحكومية أخلّت بمبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص والعدالة التربوية.
ورفض أستاذ أصول التربية إطلاق اسم "الجامعات الأهلية" على الكيانات التعليمية التي تم تأسيسها مؤخرا، قائلًا إن "أول جامعة مصرية أنشئت عام 1908 كانت جامعة أهلية وتبرع لتشييدها رموز بالحركة الوطنية ووجهاء وأمراء، أما ما تم تأسيسه مؤخرا، فعبارة عن كيانات هادفة للربح فقط وليست أهلية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات الخاصة والأهلیة کلیات القطاع الطبی الجامعات الحکومیة الجامعات الأهلیة الجامعات المصریة الثانویة العامة التعلیم العالی إنشاء الجامعات العام الدراسی غیر الحکومیة جامعة أهلیة غیر الحکومی على مجموع ألف طالب ألف جنیه فی مصر
إقرأ أيضاً:
وزيرا التعليم العالي المصري والفرنسي يشهدان توقيع 42 بروتوكول تعاون بين الجامعات المصرية والفرنسية
شهد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وفيليب بابتيست وزير التعليم العالي والبحث الفرنسي، توقيع عدة بروتوكولات واتفاقيات لتعزيز التعاون المشترك بين مصر وفرنسا، وذلك ضمن فعاليات ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية، على هامش زيارة إيمانويل ماكرون رئيس فرنسا، وذلك بحضور إيريك شوفالييه سفير فرنسا في مصر، وعدد من رؤساء الجامعات المصرية والفرنسية، وقيادات التعليم العالي بالبلدين، وأمناء المجالس، ورؤساء المراكز والمعاهد البحثية، وعدد من الشركات الفرنسية العاملة في مصر، ولفيف من كبار الإعلاميين والصحفيين، وذلك بقاعة الاجتماعات الكبرى بجامعة القاهرة.
في كلمته، توجه الدكتور أيمن عاشور بالشكر لكل من السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية وإيمانويل ماكرون رئيس فرنسا، لدعمهما الذي مثل ركيزة أساسية في تحقيق تطوير نوعي في علاقات التعاون بين البلدين في كافة المجالات وخاصة التعليم العالي والبحث العلمي.
تعزيز خطط التنمية في إفريقيا والدول الفرنكوفونيةأكد الدكتور أيمن عاشور عمق العلاقات التاريخية التي تربط بين مصر وفرنسا، خاصة في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي، مشيرًا إلى حرص مصر على دعم علاقات التعاون الثقافي والعلمي مع فرنسا، وفتح المزيد من قنوات التعاون مع الجامعات الفرنسية، من خلال استحداث برامج وتخصصات جديدة يحتاجها سوق العمل، موضحًا أن هذا يأتي تنفيذًا لتوجيهات القيادة السياسية بالتوسع في التعاون مع الجامعات العالمية ذات السمعة والمكانة الدولية المتميزة؛ للاستفادة من خبراتها في تقديم برامج دراسية ذات جودة عالمية، لافتًا إلى نجاح الوزارة في إجراء شراكات مع عدد من المؤسسات التعليمية الدولية.
واستعرض الدكتور أيمن عاشور ما حققته منظومة التعليم العالي المصرية من إنجازات من بينها تضاعف أعداد الجامعات المصرية خلال السنوات العشر الماضية والتي تضم ما يقرب من 4 ملايين طالب مصري منهم 53% من الفتيات وهو ما يعكس دور مصر في تمكين المرأة لتكون شريكة في التنمية، فضلًا عن 180 ألف طالب وافد من 119 دولة، مستعرضًا دور بنك المعرفة المصري في الارتقاء بالتصنيفات الدولية للجامعات المصرية والذي يُعد من أكبر البوابات الرقمية للتعليم عن بُعد، مؤكدًا دور الشراكة المصرية الفرنسية في دعم مسيرة التنمية في البلدين، وفي ذات الوقت، تدعم جهود مصر لتعزيز دور مصر كقبلة للتعليم في الوطن العربي وإفريقيا.
وأشار الوزير إلى أن التعاون الدولي يعد من أهم محاور الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي التي أُطلقت في مارس 2023، والتي تتماشى مع رؤية مصر 2030، مؤكدًا أن ما نشهده اليوم من فعاليات ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية يمثل طفرة غير مسبوقة في تاريخ التعاون المصري الفرنسي، الذي يمتد منذ عصور، وحتى العصر الحديث، موضحًا أن هذا التعاون يأتي في وقت تشهد فيه الدولتان تحديات تستدعي التكامل، والتعاون العلمي والبحثي المشترك للتغلب عليها، مع التركيز على البرامج العلمية الحديثة، وأولويات الاحتياجات البحثية التي تسهم في خدمة خطط التنمية في كلا البلدين، مؤكدًا أهمية التركيز في هذه الجهود على مجالات التكنولوجيا الحديثة، واستخدام الذكاء الاصطناعي، والابتكار؛ لتطوير الصناعة وتعزيز الاقتصاد الوطني.
وأضاف الوزير أن مصر تسعى من خلال "رؤية 2030" إلى تعزيز المعرفة والابتكار كمحركين رئيسيين للتنمية، مع التركيز على التخصصات في العلوم والتكنولوجيا، كما أطلقت إستراتيجيتها الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي، التي تدعم التكامل بين التعليم، البحث، والصناعة، وكذلك التأكيد على أن مصر أصبحت مركزًا إقليميًا للتعليم والبحث العلمي، خصوصًا للدول الإفريقية الناطقة بالفرنسية، عبر مبادرات مثل "تحالف وتنمية" و"مصر الرقمية.
وأوضح الدكتور أيمن عاشور أن التعاون العلمي والبحثي المصري الفرنسي المشترك، يعكس دور الدولتين في دعم خطط التنمية في إفريقيا، والدول الفرنكوفونية، مع التركيز على الشباب الذين يشكلون غالبية السكان في مصر وإفريقيا، مؤكدًا أن دعم الشباب من خلال البرامج العلمية والتكنولوجية الحديثة يعد هدفًا مشتركًا، حيث تلعب مصر دورًا رياديًّا في قارة إفريقيا في مجالات البحث العلمي والابتكار، من خلال الشراكات بين الجامعات والمراكز البحثية المصرية والفرنسية، حيث يتم التركيز على مشروعات ذات اهتمام مشترك، ومنها تغير المناخ، الأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، وذلك بما يعزز التعاون في قضايا التنمية المشتركة بين البلدين.
ومن جانبه، أكد السيد فيليب بابتيست أن التعاون الأكاديمي والعلمي التاريخي بين فرنسا ومصر أسفر على مر العصور عن نتائج هامة في مجالات التدريب والبحث والابتكار، مشيرًا إلى أنه قد مضى 35 عامًا منذ أن فتحت كلية الحقوق التابعة للسوربون أبوابها داخل جامعة القاهرة؛ مما أسهم في استمرارية الثقافة القانونية المشتركة بين البلدين، لاسيما تلك الموروثة عن مدرسة الحقوق الخديوية الشهيرة التي تأسست في القاهرة عام 1868، لافتًا إلى أنه في مجالي الآثار وحفظ التراث، يواصل التعاون التاريخي تقدمه، حيث يتم تطوير واستخدام تقنيات متقدمة، مثل: المساحة التصويرية، والتصوير ثلاثي الأبعاد في وادي النبلاء، ووادي الملوك، وذلك من خلال فرق العمل الفرنسية والمصرية، وهذه الأمثلة تعكس التاريخ المشترك والثقة والطموح الذي يجمع بين البلدين.
وأعرب الوزير الفرنسي عن سعادته بتواجده في رحاب جامعة القاهرة، التي تعتبر صرحًا علميًا ساهم في إثراء الحياة الثقافية حيث أخرج لنا أبرز الشخصيات منها نجيب محفوظ، مشيرًا إلى أن الملتقى يعد دلالة قوية على قوة التعاون بين البلدين ويعكس الرغبة التي أبداها الرئيسان المصري والفرنسي في تعزيز هذا التعاون، مؤكدًا أهمية دور العلم في التقريب بين الشعوب فضلًا عن دوره في تحقيق النماء الاقتصادي، ويجب أن نواصل البناء وتوطين علاقاتنا على هذا الأساس.
وأكد وزير التعليم العالي الفرنسي أن اليوم، كما كان في الماضي، تتعدد التحديات التي يجب مواجهتها، وتتطور مع التحولات التكنولوجية، والتغيرات المناخية، والأزمات الصحية، حيث تمثل مصر، بشبابها الديناميكي والموهوب، مصدرًا هائلا للكفاءات، ومحركًا أساسيًّا على مستوى المنطقة، ويجب أن تكون هذه التحديات في صميم عملنا المشترك، وتستدعي تفكيرًا إستراتيجيًا حول كيفية تكثيف شراكتنا، وهيكلتها بشكل أفضل.
كما أكد وزير التعليم العالي الفرنسي أن هذا ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية يمثل لحظة جوهرية لتعزيز الروابط، وتحديد آفاق طموحة لمواصلة تعزيز شراكتنا الثنائية، مشيرًا إلى أن فرنسا ومصر يجددان التزامهما المشترك بتقديم تعليم عالٍ، وبحث علمي متميز، وذلك من خلال هدف واضح، وهو تقديم الأدوات معًا لمواطنيهما؛ لتمكينهم من مواجهة تحديات المستقبل، والإسهام بشكل فعال في تنمية البلدين.
ورحب الدكتور محمد سامي عبدالصادق رئيس جامعة القاهرة، بالحضور في رحاب جامعة القاهرة التي تمثل صرحًا علميًا واقدم المؤسسات التعليمية في مصر والوطن العربي وقارة افريقيا منذ تأسيسها عام 1908 وتلعب دورًا محوريًا في تخريج العقول والمبدعين والمفكرين، مشيرًا إلى أن ملتقى الجامعات المصرية الفرنسية الذي يُقام برعاية رئيسي جمهورية مصر العربية وفرنسا يأتي في إطار العلاقات الثنائية المتميزة بين مصر وفرنسا، والتي تقوم على الاحترام المتبادل والتعاون الثقافي، يحمل في طياتها دلالات كثيرة منها دور ومكانة الجامعة في استضافة الفعاليات التي تخدم قضايا التنمية المستدامة.
وخلال فعاليات الملتقى، تم استعراض نماذج التعاون الناجحة بين مصر وفرنسا، ومنها إعادة تأسيس الجامعة الفرنسية في مصر (UFE)، التي تقدم شهادات فرنسية معترف بها دوليًا، وتدعمها القيادة المصرية بتطوير حرم جامعي جديد يُتوقع أن يستوعب 3,000 طالب بحلول عام 2027، كما تم توسيع البرامج الأكاديمية لتلبية احتياجات سوق العمل في مجالات، مثل: (الأمن السيبراني والاستدامة البيئية).
كما تم تسليط الضوء على مدرسة الحقوق التابعة للسوربون بالقاهرة، التي تحتفل بمرور 35 عامًا على إنشائها، وتسهم في تعزيز الروابط القانونية بين البلدين، وكذلك تسليط الضوء على إطلاق شراكة هوبير كوريان – إمحوتب في 2005 لدعم التعاون العلمي بين مصر وفرنسا، حيث تم تمويل أكثر من 200 مشروع بحثي مشترك حتى اليوم.
وشهد الملتقى توقيع 42 اتفاقية وبروتوكول تعاون بين 13 جامعة مصرية و22 جامعة فرنسية لتقديم 70 برنامجًا لتلبية احتياجات وظائف المستقبل ومنهم 30 برنامجًا لمنح درجات علمية مزودجة؛ بهدف تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي وخدمة المجتمع بين الجامعات الفرنسية والمصرية، ودعم التعاون في مجال التدريب والأنشطة الأكاديمية من خلال تطوير برامج ومناهج دراسية مشتركة، وتنسيق الأنشطة التعليمية بين الجامعات في كلا البلدين، وتعزيز التعاون العلمي والتعليمي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وتسهيل تبادل الطلاب وأعضاء الهيئة الأكاديمية والإدارية، وكذلك إنشاء برامج تمنح درجات مزدوجة أو مشتركة، وتبادل المعلومات حول الإنجازات الأكاديمية في مجالات معينة.
وعلى هامش الملتقى، أقيمت جلسة نقاشية لاستعراض تجارب واقعية للشراكة البحثية والأكاديمية بين الجانبين المصري والفرنسي، وأوضح المشاركون بالجلسة مزايا الدراسة بالجامعات الفرنسية وكيف تثري تنمية التفكير النقدي والتفكير خارج الصندوق والإبداع، كما ثمّن المشاركون الجوانب الإنسانية التي تم اكتسابها ومنها توطيد أواصر الصداقة والاهتمام بتغيير المجتمع نحو الأفضل وتأصيل مبادئ حرية التعبير وهو ما ينعكس على فتح آفاق الاستكشاف وإجراء البحوث العلمية التي تخدم المجتمع، كما قدم المشاركون نصائح بشأن مستقبل البلدين في البحث العلمي ونصائح للباحثين والدارسين للاستفادة من التجربة التعليمية الثرية وانعكاساتها على الجوانب الشخصية والإنسانية.
جدير بالذكر أنه سبق وأن تم توقيع توقيع أضخم اتفاق إطاري للشراكة الدولية بين الجامعات المصرية والفرنسية، ويهدف هذا الاتفاق إلى منح درجات علمية مزودجة في 15 تخصصًا علميًا و100 منحة لدرجة الدكتوراه.