تحظى ألمانيا بمكانة مرموقة عالمياً، حيث تتمتع بأقوى اقتصاد في القارة العجوز، وثالث اقتصاد على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة والصين. إضافة إلى أن ألمانيا تهتم بالبحث العلمي ودعم المشاريع البحثية على كافة المستويات حيث أصبحت وجهة كثير من المهاجرين سواء من داخل الاتحاد الأوربي، أو حتى من خارجه، بسبب رفاهية العيش فيها، وتوفر قوانين للرعاية الصحيّة المتميزة، فضلا عن دعم المتقاعدين وأصحاب الدخل المحدود من خلال برامج التكافل الاجتماعي.

كل تلك الميزات من رفاهية العيش، وارتفاع مستوى دخل الفرد، وغيرها من مظاهر الحياة المتطورة، باتت في خطر الآن بحسب التقارير السنوية للمؤسسات البحثية المعنية داخل وخارج ألمانيا. إذ يعزو الخبراء نتيجة تلك التقرير إلى أنّ المجتمع الألماني، كغيره من المجتمعات الأوربية يعاني نسبيا من الشيخوخة، وقلّة فئة الشباب القادر على العمل. وبالتالي فإنّ العامل الرئيس لتنفيذ مشاريع النهوض الاقتصادي والاجتماعي، وهو اليد العاملة، غير موجود.

نقص اليد العاملة

ذكر موقع دويتشه فيله الألماني أنّ البلاد بحاجة إلى مئات الآلاف من اليد العاملة سنويا كي تحافظ على استقرار الاقتصاد وتدفع عجلة التقدم، خاصة في ظل التضخم الذي يشهده العالم منذ جائحة كورونا، مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية. كما ذكر معهد الخطيط الإستراتيجي في تقريره السنوي أنّ معظم القطاعات الحيوية في ألمانيا تعاني نقصا حادا باليد العاملة، وفي مقدمة تلك القطاعات التعليم والرعاية الصحية وتقنية المعلومات.

وهو الأمر الذي دفع الحكومة إلى السعي جاهدة لجذب العمالة الماهرة من الخارج، من خلال إقرار قوانين وتشريعات تسهل للعمال من الخارج المجيء إلى ألمانيا. فقد قامت الحكومة بتبسيط الإجراءات للتسهيل على العمال الأجانب الحصول على الإقامة. كما أطلقت برامج لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة التي توظف مهاجرين ولاجئين.

ومن جانبه ذكر معهد روبرت كوخ للدراسات أنّ ألمانيا تعاني منذ سنوات من نقص حاد باليد العاملة في مختلف قطاعات الحياة، وأنّ هناك أسبابا مختلفة لهذا النقص، منها عدم اقتناع كثير من الألمان بفكرة الإنجاب، الأمر الذي أدى لارتفاع نسبة الشيخوخة بالمجتمع، إضافة إلى هجرة عدد كبير من السكان، والاستقرار في بلدان أخرى مثل إسبانيا أو سويسرا أو حتى أميركا. لذا لجأت ألمانيا من أجل مواجهة هذا التحدي إلى الاستعانة بخبرات اللاجئين الذين توافدوا إليها منذ عام 2015 ليصبحوا هم وأبناؤهم تعويض نقص اليد العاملة.

المهاجرون فرصة لسد النقص

كانت سياسة الباب المفتوح -التي انتهجتها الحكومة السابقة تحت قيادة المستشارة أنجيلا ميركل– سبباً في تزايد عدد المهاجرين في ألمانيا منذ عام 2015. ومع ارتفاع نسبة هؤلاء المهاجرين، وجدت الحكومة فيهم فرصة كبيرة لتعويض النقص الحاد في العنصر البشري الذي يعاني منه الاقتصاد.

وقد بدأت برلين بتطوير برامج لدمج المهاجرين في المجتمع من خلال تعليمهم اللغة الألمانية، والتعريف بقوانين البلد، ودعم مشاريعهم الاقتصادية.

ومن هذه البرامج:

تمويل مراكز تعليم اللغة الألمانية. معادلة الشهادات غير الألمانية. تمويل برامج التدريب الفني والمهني. تشغيل المهاجرين بقطاع التعليم

يعاني التعليم كغيره من القطاعات الحيوية من نقصٍ حاد في أعداد المعلمين بالمدارس ورياض الأطفال، ويمثل هذا تحديا للحكومة. لذا حاولت الإفادة من خبرات اللاجئين، بعد أن لاحظت أنّ العديد منهم لديه خلفيات تعليمية وتجارب سابقة بالتعليم في بلدانهم الأصلية. ومن هنا بدأت الجامعات الألمانية في إطلاق مبادرات لإعادة تأهيل المعلمين من اللاجئين.

وفي وقتٍ سابق، صرّحت إيفونا غيباور وزيرة التعليم بحكومة شمال الراين-ويستفاليا إنّ الولاية تعمل بالتعاون مع باقي الولايات والحكومة الفدرالية على سد النقص في المعلمين من خلال تأهيل اللاجئين للعمل بالتدريس.

وأكدت الوزيرة اهتمام حكومتها بخبرات اللاجئين والرغبة في الإفادة من تلك الخبرات من خلال برامج إعادة التأهيل التي يتم تمويلها.

من جهته قدّم الحزب الديمقراطي الحر (ليبرالي) مقترحا يهدف إلى الاستعانة بالمعلمين اللاجئين من أجل مواجهة التحديات التي تهدد قطاع التعليم على مستوى ألمانيا.

وفي تقرير نشرته رابطة المعلمين في ألمانيا عام 2020، فإنّ هناك أكثر من 15 ألف وظيفة شاغرة بالمدارس في مختلف المراحل بدءاً من المرحلة الابتدائية.

كما أكدت مؤسسة بيرتلسمان البحثية -في إحدى دراساتها حول واقع التعليم في ألمانيا- أنّ قطاع التعليم يعاني من نقص شديد بالكوادر التعليمية، وأنّ هذا النقص سيصل إلى أكثر من 26 ألف وظيفة شاغرة بحلول عام 2025.

ومن جانبها صرحت مديرة مشروع التعليم والجيل القادم أنجيلا مينشر أنّ هناك مشاريع عديدة لتأهيل المعلمين اللاجئين، بهدف تدريبهم على طرائق تدريس حديثة، وتعريفهم بنظم التعليم الألماني. ومن هذه المشاريع ما يسمى "Lehrkräfte Plus" وهو برنامج تأهيلي لمدة عام مخصص للمعلمين اللاجئين. ويتم تقديمه في جامعة بيلفيلد وجامعة الرور في بوخوم، وجامعة زيغن.

ويركز هذا البرنامج على تعلّم الألمانية والتدريب على طرق وأساليب التدريس الحديثة المتّبعة بالنظام التعليمي في البلاد. كما يتضمن فترة تدريب في المدارس بهدف التعرف على نظام التعليم الألماني عن كثب.

وبعد الانتهاء من البرنامج، تتاح للخريجين عدة فرص للعمل في المدارس سواء كمساعد مدرس أو حتى مدرس بنظام جزئي للمراحل المتوسطة والثانوية.

وفي مقابلة مع موقع "دي فيلت" ذكرت وزيرة التعليم بولاية شمال الراين ويستفاليا أنّ برامج إعداد المعلمين اللاجئين تهدف إلى مواجهة نقص المعلمين، حيث تقدم جامعات بيلفيلد وبوخوم وزيغن وغيرها من الجامعات برامج لتأهيل المعلمين اللاجئين للعمل في التدريس بالمدارس، وقد التحقت جامعات أخرى بهذه المشاريع وبدأت تمويل برامج تأهيلية مماثلة، مثل جامعات كولونيا وآخن وديسبورغ.

الحكومة الألمانية عمدت لتبسيط إجراءات التأشيرة والإقامة للعمال الأجانب (شترستوك) برامج إعادة تأهيل المعلمين اللاجئين

بدأت جامعة بيلفيلد في ولاية شمال الراين-ويستفاليا منذ عام 2017 بتنفيذ تلك المشروعات، ومن ثم تلتها جامعة الرور في مدينة بوخوم، وبعد ذلك سارت كثير من الجامعات على نفس النهج.

ويقول مهند الشاهين، وهو لاجئ عراقي كان يعمل مدرسا للإنجليزية في بلاده قبل وصوله إلى ألمانيا عام 2015 "إنها فرصة جيدة أن أعمل هنا في مجال التعليم، فأنا أمتلك خبرة واسعة في هذا المجال، وأسعى إلى تطوير خبراتي".

وتبدأ البرامج بتعليم اللاجئين الألمانية بالتزامن مع إعطاء محاضرات عن طرائق التدريس الحديثة، إلى جانب القيام بورشات عمل مكثفة تحت إشراف خبراء في مجال التعليم من مختلف الجامعات الألمانية.

وأما محمد البلخي، وهو مدرس قادم من سوريا، فقد حصل على فرصة للانضمام لهذا البرنامج، فيقول "بالتزامن مع الدراسة يتم إرسال الشهادات التي نمتلكها إلى مراكز معادلة الشهادات الأجنبية التابعة لكل ولاية، بعد إتمام فترة التدريب والنجاح في امتحان الألمانية، ووصول الموافقة على الاعتراف بشهاداتنا الأصلية نكون قد أصبحنا جاهزين للتقدم إلى الوظائف الشاغرة بصفة معلم، سواء في المرحلة الابتدائية أو المتوسطة أو حتى الثانوية).

ومن جانبها تقول سوزان، وهي لاجئة سورية كانت تعمل مدرسة لمادة التاريخ "التدريب لمدة عام كامل أمرٌ ممتع للغاية، نتعرف خلال هذه الفترة على النظام التعليمي بألمانيا، ونتدرب على طرق تعليم متنوعة، مما يجعل من فرص الحصول على عمل في المدارس هنا أمرا متاحا لنا، بعد أن كان حلماً صعب التحقيق".

ورشة عمل بألمانيا (غيتي) تذليل العقبات البيروقراطية

جدير بالذكر أنّ شروط التوظيف في مجال قطاع التعليم بألمانيا تعدّ صعبة حتى على المواطنين أنفسهم الذين يرغبون في العمل بهذا المجال، إذ لابدّ للطالب بعد إتمام مرحلة الثانوية العامة أن يدرس بالجامعة تخصصين على الأقل، كأن يدرس مادة الرياضيات مثلا مع مادة أخرى كالرياضة أو العلوم أو الموسيقى، ومن بعد ذلك يجب أن يقوم بعمل سنة كاملة من التدريب في المدارس تحت إشراف المسؤولين عنه بالجامعة، وهو ما يسمى "رفرندريات" إلى جانب دراسة الماجستير في التعليم بإحدى الجامعات.

وهذه الشروط جميعها كانت تمثل العائق الأكبر أمام المعلمين الأجانب لخوض هذه التجربة، إلا أنّ الحكومة عملت بالتعاون مع الجامعات على تسهيل هذه الشروط قدر الإمكان، كي تضمن دخول المعلمين الأجانب سوق العمل، لسد نقص اليد العاملة الذي تعاني منه ألمانيا في مختلف المجالات، ومنها التعليم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی ألمانیا فی المدارس من خلال أو حتى

إقرأ أيضاً:

مستقبل سوريا.. 80% من اللاجئين السوريين يرغبون في العودة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

أظهرت نتائج مسح إقليمي أجرته مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة اللاجئين السوريين الراغبين بالعودة إلى وطنهم، حيث أعرب 80% من عينة عشوائية شملت 4,500 لاجئ سوري في 5 دول، من بينها الأردن، عن تطلعهم للعودة إلى سوريا قريبًا.

وذكرت مفوضية اللاجئين في تقرير لها أن هذه النسبة تمثل ارتفاعًا حادًا مقارنة بنسبة 57% التي سجلت في المسح السابق الذي أجري في أبريل 2024، مما يشير إلى تجدد الآمال في العودة الآمنة في المستقبل القريب.

ووفقًا للمسح الإقليمي الذي أجرته المفوضية بعنوان "تصورات اللاجئين السوريين ونواياهم في العودة إلى سوريا" في فبراير الماضي، فإن نحو 5.5 مليون لاجئ سوري يقيمون في الأردن وتركيا ولبنان والعراق ومصر أعربوا عن رغبتهم في العودة إلى ديارهم.

كما شهدت نية اللاجئين بالعودة على المدى القريب قفزة نوعية، حيث أعرب 27% من اللاجئين عن رغبتهم في العودة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، مقارنة بنسبة ضئيلة بلغت 1.7% في المسح السابق.

وتنسب مفوضية اللاجئين هذا التغيير في الرؤية إلى مجموعة من العوامل الدافعة، حيث أشار 52% من المستجيبين إلى أن تحسن الأوضاع الأمنية والسلامة في سوريا كان العامل المحفز الرئيسي لقرار العودة، بالإضافة إلى توفر احتمالية لم شمل الأسرة وتقديم مساهمات إيجابية في إعادة بناء الوطن.

وأشار العديد من اللاجئين إلى أهمية تنفيذ "رحلات معاينة" لزيارة الوطن قبل اتخاذ القرار النهائي، حيث يعتقد أكثر من 60% منهم أن ذلك سيساعدهم على تكوين صورة مباشرة عن الظروف الراهنة في سوريا.

نسب نوايا العودة بين دول اللجوء

كشفت الدراسة عن فروقات ملحوظة بين دول اللجوء فيما يتعلق بنوايا العودة. ففي الأردن ومصر، سجلت النسب أعلى، حيث بلغ معدل النية للعودة 40% في الأردن و42% في مصر، بينما جاءت النسب أقل في لبنان (24%) والعراق (12%).

وكشفت المفوضية أن الدراسة التي أُجريت شملت تفاصيل دقيقة عن ملف تعريف اللاجئين، حيث كان 38% من المشاركين من الإناث و62% من الذكور، كما أن 83% منهم من الفئة العمرية بين 25 و59 سنة، فيما يمثل الشباب (بين 19 و24 سنة) 11% فقط، وكان 78% منهم نقاط اتصال رئيسية، أي أنهم غالبًا ما يكونون رؤساء الأسر وصناع القرار الأساسيين.

وأبدى اللاجئون تفاؤلًا بالغًا بمستقبل سوريا، حيث يخطط أكثر من نصف اللاجئين الذين لا ينوون العودة خلال الأشهر الـ12 للعودة خلال السنوات الخمس المقبلة، ويرى الكثير منهم أن الدعم المالي والنقل والمساعدة في إعادة بناء منازلهم سيكون له دور محوري في تسهيل عودتهم.

الأمم المتحدة تقدم الدعم لتسهيل عودة اللاجئين

وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) قد أعلنت عن سعيها لجمع 22 مليون دولار لتسهيل عودة اللاجئين السوريين في الأردن إلى بلادهم في عام 2025، وتوفير الدعم الضروري لهم عند وصولهم إلى سوريا، وذلك من أصل خطتها لجمع 370.9 مليون دولار للهدف ذاته لخمس دول.

ووفقًا للمفوضية، عاد ما يقارب من 43704 لاجئين سوريين إلى وطنهم طوعًا خلال الفترة ما بين 8 ديسمبر 2024 و22 فبراير 2025.

وبحسب وزارة الداخلية الأردنية، غادر 42,675 سوريا من الأردن عبر معبر جابر الحدودي منذ عام 2018. وأكدت الوزارة أن جميع السوريين الذين غادروا المملكة "غادروا طوعًا".

ويستضيف الأردن قرابة 1.3 مليون لاجئ سوري، بينهم 660 ألف لاجئ مسجلون لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إضافة إلى قرابة 61 ألف لاجئ عراقي.

عائلة لاجئة سورية تعود إلى شمال سوريا من تركيا

مقالات مشابهة

  • مطار هامبورج يلغي 300 ‬رحلة قبل يوم من بدء إضرابات بألمانيا
  • رئيس الوزراء: زيادات رواتب المعلمين والعلاوات السنوية قيد الاعتماد!
  • عبد المسيح يشيد بدور المعلمين ويؤكد: أنتم في صلب معركتنا
  • النائب أحمد الخير يُهنئ المعلمين بمناسبة عيدهم: رسالتكم مقدسة
  • إتاحة استيفاء ملف ترقي المعلمين على هذا الرابط .. الآن
  • مستقبل سوريا.. 80% من اللاجئين السوريين يرغبون في العودة
  • تأخير وإلغاء رحلات من المغرب نحو ألمانيا بسبب إضرابات بالمطارات الألمانية
  • تعثّر جهود الإغاثة في بوروندي مع تدفق المزيد من اللاجئين الكونغوليين
  • إضرابات عن العمل في 11 مطاراً بألمانيا
  • برلمانية: الأولوية للصحة و التعليم و برامج الحماية الاجتماعية بـ الموازنة الجديدة