كاروشة النطق رسمياً
عبد الله علي إبراهيم
(في مناسبة ذائعة دكتور علاء الدين نقد المسرف ونفي "تقدم" أنه مأذون للنطق رسمياً عنها وجدت أنني كتبت 3 مقالات في مناسبات قديمة ومختلفة غير حفية بالناطق الرسمي عن أحزابنا)
خجلت لوفدي الحكومة والحركة المرافقين للسيد علي عثمان والعقيد جون قرنق في مفاوضات نيفاشا حين قرات أن وسطاء إيقاد قاموا بجمع الهواتف منهم لمنعهم من الادلاء بتعليقات للإعلام.
ما لوثة النطق للصحف التي أصابت أهل الأحزاب؟ ربما كان للتكنلوجيا دخل في ذلك. فالجوال قد قرب المسافات . . . وكثيراً. وتستطيع ان تنطق به للصحافة وأنت في جب أو في بطن حوت وفي النوم أو في الصحيان. . . قل لي. وبواسطته تستطيع أن تتجاوز المفاوضين الراسخين إلى ناس قريعتي راحت من طلاب الصلات الحميدة. ومن الجهة الأخرى فالنطق الرسمي عن الأحزاب وظيفة جديدة فيما أرى. كان للحكومة ناطق رسمي هو وزير الاعلام أما الأحزاب فقد كان ينطق عنها قادتها المعروفون. وترافق نشوء هذه الوظيفة مع ضعف الأحزاب التي كاد جسدها يتلاشى ولم يبق منها الا الخشم البيملا الدود دا. وعوضت الأحزاب عن ضمور فعلها في واقع الناس بناطق ينطق ما شاء له أعوج عديل، اشتر افرق، أسود أبيض، والعاقبة عندكم في المسرات.
واعتقد أن للصحف أيضاً دخلاً في خلق طبقة الناطقين الرسميين. فصحافتنا الراهنة امتداد للصحيفة الغازيته أي تلك التي تعني بشمارات الحكومة. ولأنها نادراً ما استقلت بعمل مؤسسي لطلب الحقيقة عادت أدراجها الي قبو الصفوة. وكدنا نخرج من حالات الغازيته بتحقيقات جريدة "الحرية" عن موات المدن السودانية، أو بتحقيقات زميلي أعلاه عثمان ميرغني الجريئة في اداء الدولة (عموده فوق عمودي بجريدة الصحافة). وقد احترقت أصابعه من عضها. وهناك قلم التاج عثمان بالرأي العام الذي يزور أمكنة في الريف الصدئ ما خطرت ببال بشر صحفي. فلو انشغلت الصحف بطلب مهني مستقل للحقيقة لما احتاجت لناطق رسمي، أو لوضعت منطوقه ومنطقه تحت مجهر أوسع. فلم أقرأ طوال أزمة دارفور لصحفي كان هناك والأحداث تأخذ بخناق البلد غير أنني قرأت ردوماً من منطوقات حزبية ورسمية لا هنا او هناك. واعترف بأن رفيقاً قديماً لماحاً سألني أن أسافر لدارفور في إجازة لي قصيرة خلال انفلاق الوضع في الإقليم. واستحسنت الفكرة وحالت دون ذلك ضرورة أسرية.
ومع خجلي لأعضاء الوفود الذين جردهم الوسطاء من جوالاتهم إلا إنني اعتقد أنهم مرقوا منها بالهين برضو. كنت أتمنى أن يركعوهم "ديس" يلزموا محلهم في بدروم فندق نيفاشا ولا "يطلقوهم" الا بعد انتهاء المفاوضات أعوج عديل. وقال المرحوم عبد الله الطيب أن اركع ديس (وديس لغة في العشرة) عقوبة فرنسية مسيحية يبقي التلميذ بمقتضاها على ركبتيه لمدة عشر دقائق. وربما شفت هذه العقوبة الفرنسية أهل الوفود من مرض نقص المناعة ضد النطق الرسمي. يا أيها الناطقون الرسميون كاروشه تاكلكم. شرطتو عينا.
IbrahimA@missouri.edu
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
أوفى مختصر لتراجيديا التلاشي الآتي
كتب الصديق العزيز والكاتب الكبير مامون التلب في صفحته بفيس بوك في: "منشور Mamoun Eltlib" التالي:
كتبت الشاعرة نجلاء عثمان التوم:
[نَعَى الحاج عثمان حسان عارفو فضلِه، قالوا متاعُه في الدنيا الفانية كان حبّ الرسول عليه الصلاة والسلام، و عمارته كانت حلقة الذكر، وأرفقوا مقطعاً مصوَّراً للشيخ في حلقة الذكر وهو مأخوذ بالكلية في عالم الروح والامتثال للحب. علَّق الناعي أن الحاج عثمان حسان نال منه الجنجويد. ألا تنزَّلت عليك رحمة ومغفرة من رب العباد أيها الذاكر الصوفي عامر النفس بمحبة النبي، وتنزَّل على أهلك ومحبيك بالسلوى وحسن العزاء.
وبعد،
إن قتل الحاج عثمان حسان ليس قتلاً لرجل فرد، ولا أظنّه مقصوداً لشخصه. تقتل هذه الحرب ورُمحُها الجيش الاستعماريّ التقليديّ المُرَكّب عَليه سنان الجنجويد أهل السودان بنيّة إبادة أكبر عددٍ منهم؛ بالقنص العمد وفتح الجبخانة في الصدور والقصف والدانات تسقط على رؤوس الناس، وبالحصار والتجويع والتعذيب. كما يُقتل الناس بالتهجير والاغتصاب وأهوال الخروج الجماعي بحثاً عن ملجأ. يموت الناس بسلاح الترهيب وبلؤم العدو وإهانته الفادحة لهم ولمقدساتهم.
لقد أُبيد شعبُ كبار السن الذين لم تسمح لهم هشاشتهم الطبيعية بتحمل ظروف الفرار الرهيبة والضرب في الخلاء بلا هادٍ ولا نصير، كما أُبيد شعب المرضى الذين تعتمد نجاتهم على الوصول إلى الدواء المنقذ للحياة، ذهبَ في مقدّمتهم مرضى الفشل الكلوي، الذين واجهوا توقّف أجهزة الغسيل على نحوٍ نهائيّ وبلا أملٍ في استعادتها، وقضوا أيامهم الأخيرة وهم ينتظرون الموت في كلّ لحظة، ويعزّون بعضهم البعض في من سَبَقَهم إليه. أُبيد جميعُ المصابين بموجات متعاقبة من الأوبئة كما يحدث في الهلالية، كما أُبيدت الحوامل متعسّرات الولادة في غياب الوصول إلى مطلوبات التدخّل الجراحي. أُبيد شعبُ الجرحى الذين تلتهب جروحهم في غياب المضادّ الحيوي ويلتهم التسمم قدرتهم على الحياة، كما أُبيد شعب المغتصبات والمسترقات بالقتل المباشر او العنف الشديد المسبب للنزيف. أُبيد شعب المواليد الذين وُلِدوا في ظروف وبيئة معادية، كما أُبيد شعب مرضى الأزمة ومشاكل الصدرية في غياب البخاخات المُنقذة للحياة.
هذا العنف لا يستهدف فقط إبادة الإنسان السوداني، بل إبادة وجهة نظره وطريقَتِهِ في فهم الوجود والعالم والله والإنسان والأرض والزرع والضرع. إن إنساناً مثل المرحوم الحاج عثمان حسان، الزاهد المحبّ للرسول، هو نموذج الإنسان الخارج على تعريفات السوق المفتوح. إنه ليس مُستَهلِكَاً، وليس سلعة، وليس مُحتَكِرَاً لوسائل الإنتاج. بينما كان مسموحاً للحاج عثمان في الماضي أن يكون خارجاً على السوق المفتوح، موجوداً على هوامِشِه، مُغفَلاً منسِيَّاً بحيث يُمكن له العيش زاهداً في الدنيا وسُوقها، يتتبَّع حلقات الذكر ويذهب في رحلات عشق الرسول الروحية؛ لم يعد نمطُ حياته الآن مقبولاً أو مَسمُوحَاً به، لقد وصلت الرأسمالية الفاشية درجة من التوحش لا تَسمَح بالتسامح مع هذه الجيوب الخارجة، يَجِب أن يخرج الحاج عثمان من حلقة الذكر ويدخل في السوق المفتوح بقوّة الإبادة الجماعية، يدخل السوق في شكل جثةٍ تتنحَّى لتُفسِح المجال للمشاريع الكبيرة. إنه سوء حظٍّ ليس إلا، فقد تصادف أن الحاج عثمان الزاهد يعيش في أرضٍ شديدة الخصوبة، ومحاطٌ بمصادر غنيّةٍ للمياه كفيلة بحلّ مشكلات الإقليم و إغلاق ملف الأمن الغذائي لملايين المستهلكين. وجود هذا الإنسان يُشَكِّل عقبةً في طريق استثمارات ملياريّة ومصالح ضخمة وموازين قوى ستُشَكِّل خريطة المستقبل الإقليمي والعالمي.
إن مفردات الحرب في السودان المقصورة حالياً على البَلبسة والدعمنة والقحتنة تُشَوِّش الصورة الكاملة للصراع الاستعماري، يسأل السودانيون في ذهول ماذا دهى الإمارات تقوم علينا بالمرتزقة قتلاً وتهجيراً واغتصاباً؟ والإمارات هي السوق يأتينا استعماراً كما أتانا أول مرة في حملة الخديوي، ثم بالثانية في حملة كتشنر. استهدفت الحملتان، تحالفاً مع مجموعات محلية، عمومَ السودانيين ونهبت مواردهم وأرضهم وضرعهم، كما سحقت السكان بالضرائب الباهظة وحملات التأديب الانتقامية متى امتنعوا عن دفعها أو احتجّوا على الحُكام.
عمليات تهجير ونزع أراضي المزارعين ليست بدعة، بين أيدينا واقع تهجير المزارعين في دارفور و جبال النوبة وتحويل هوياتهم إلى نازحين مضطرين إلى القرية النيوليبرالية التي تُسمَّى المعسكر، في هذه القرية النموذجية يُعاد تعريف الإنسان والأرض والسيادة والأمن الغذائي وكرامة الوجود الإنساني نفسها. يظهر في هذه القرية ربٌّ جديد لا ذِكرَ له في حلقات قراءة القرآن في الخلاوي أو صلوات الكجور. الرب الجديد مولع بالظهور، وحريص على كتابة اسمه وشعاره على جميع هِبَاتِهِ باللّون الأزرق، اسمه مطليٌّ على الخيام وفي كرَّاسات المدرسة وفي جركانات الموية، وعلى سيارات الدفع الرباعي، وشوالات القمح وجاكيتات الموظفين الأميين. خرج المزارعون من دورة الإنتاج ودخلوا في هويتهم الجديدة إي دي بيز. خرجوا من الحقل إلى النظام الدولي.
في مطلع القرن العشرين هَجَّر الاستعمار البريطاني المزارعين من أرضهم في الجزيرة وصادر منها ما أراد، مع هندسة نظام زراعي جديد تركيزه منصبٌّ على سلعة القطن النقدية. اتخذ ذلك العنف شكل مشروعات تنموية ونهضة حضارية وتعليم ليُخفي درجات من الترهيب والقسر والاستغلال الغاشم لموارد السودان. تلك الرأسمالية ذات الوجهين انتهت، الآن تدحرج العالم إلى واقع الوجه الواحد الواضح المباشر للعنف واغتصاب الموارد. أُجريت تجارب ناجحة في دارفور قبل عقدين، وحان الآن وقت تعميم التجربة. في الواقع الجديد غير مسموح للسودانيين أن يكونوا سودانيين، هذه المهلة و تقديس الأشياء الخاطئة مثل علاقات الرحم والجيرة، أو النزوع للأنس والتلاقي، كل هذه الأغاني والأشعار والأمثال والقَطَامَة والمساخة والريدة ورقاد الواطة، كل هذه الأشياء في حالة غروب الآن. لم يعد مسموحاً لكم بالنزوع الروحي لحب الرسول والزهد في الدنيا أم قُدود، أن تزرعوا الدخن الذي تأكلون، أو تخمّروا الذرة التي تحصدون، أن تشاركوا في النفير و تسافروا من بلد لبلد لرفع الفاتحة، أن تقيسوا الوقت بالأذان لأن القول بجيكم بعد صلاة العصر، أو تعال اشرب معانا شاي المغرب، أن تسعوا في راحة الوالدين أحياءً ورحمتهم أمواتاً بمزيرة السبيل والرحمتات، أن تذهبوا إلى حلقة الذكر كل جمعة وأن تمرقوا البليلة كل أربعاء، أن تتوسّطوا صينية فطور العريس وتسيروا في السيرة وتقوموا وتقعدوا في ختان الولاد وتحلفون على فتح دفتر الخَتَّة ليدفع كلٌّ ما تَيسَّر من جنيهات. هذه الأشياء حُكِمَ عليها بالإبادة، لأنه لا توجد وجهة نظر أو طريقة وجود أو تفسير للعالم خارج السوق المفتوحة. يقول الاستعمار أنظر لهؤلاء السود الكسالى يجلسون على ثروة من المياه والأراضي والمعادن ولا يعرفون قيمتها أو كيف يتعاملون معها بينما العالم موشك على حروب المياه، لا سبيل لنا إلا التدخل لوقف هذا الغباء المنحط. هذا بالضبط ما قاله الرجل الأبيض عندما التقى بالسكان الأصليين في أمريكا لأول مرة. بعد أربعمائة عام من الآن سيكون السوق هو الدين الوحيد المسموح به، وسيتذكّر السكان الجدد في أرض السودان أجدادهم العظماء الذين بدأوا الحضارة في أرضٍ كان يسكنها بعض الأوباش الذين يمارسون طقوساً غريبة ويرقصون لأتفه الأسباب]. (انتهى المقتبس).
:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::
كتبت معلقاُ:
هذا أوفى مختصر لتراجيديا التلاشي الآتي
السؤال: هل من طريق للنجاة والبعث تحت هذا الرماد ؟!!.
هذا سؤال لا مهرب لأحد منه.
عزالدين صغيرون
izzeddin9@gmail.com