تأمُلات
كمال الهِدَي
استفزتني مادة (إعلانية) من الطراز العالي يعبر فيها نادي الهلال عن تعاطفه مع متضرري الفيضانات والسيول في بلدنا العزيز.
وأول سؤال يخطر على بال من بجمجمته عقل يفكر هو: ماذا عمن قُتلوا وشُردوا ونُهبوا وأنتُهِكت حرماتهم ونُزعت بيوتهم طوال أشهر هذه الحرب العبثية! ولِم لا نقرأ لهؤلاء الإداريين ومن يروجون لهم ويحاولون تجميل صورتهم القبيحة مواد شبيهة تعبر عن تعاطفهم مع هؤلاء؟!
ده كل القدرتوا عليه.
طيب قبل أن تزول الشدة التي أشرتم لها ورونا جزء من الأموال المشبوهة التي تُنفق بالمليارات على اللاعبين إرضاءً لفئة بعينها بينما جُل أهلنا يعانون، أنفقوا على هؤلاء المتضررين الذين أضحوا بلا مأوى ولا ملبس ولا لقمة عيش.
ما يقوم به بعض إداريي أندية الكرة واتحاداتها لا يختلف عن ما تقوم به ندى القلعة على فكرة، لكنكم تركزون على تلك وتغضون الطرف عن هؤلاء، بل وتنشرون مثل هذا التعاطف (الورقي) للترويج لإداريين يساهمون في كل المآسي التي نعيشها.
قلتها مراراً وسأعيد قولها: اتقوا الله في أنفسكم وفي وطنكم وأهلكم وحاولوا أن تضحوا بالقليل، فقد ضحى عباس فرح وهزاع ومحجوب وست النفور ورفاقهم الأنقياء بأرواحهم الغالية، فهل يعز عليكم أنتم قبيلة الكورنجية التضحية بعاطفة ولو لفترة محدودة حتى تعدي سحب الحزن والأوجاع التي نعيشها!!
من تابع فرح الأيام الماضية لابد أنه ظن أن الهلال ظفر بكأس أفريقيا، لكن الواقع أنه بلغ مرحلة ظل يتخطاها بكل سهولة على مدى سنوات عديدة، فلماذا كل هذا الضجيج!! يحدث ذلك لأن هؤلاء الإداريين يؤدون أدوراً رُسمت لهم بعناية، وللأسف يفوت ذلك (غفلة أو عن عمد) على أناس متعلمين ومستنيرين، وبرضو راجين الفرج!!
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ومافي فرج بجيكم وأنتم نياماً على أسرتكم أو تههلون لإداريين (جوكية) أو تتهافتون وتركضون وراء ندى القلعة وآية آفرو وغيرهن.
كمال الهِدى
kamalalhidai@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
الساحل السوري وانكشاف الزيف الإنساني
يمانيون../
تتوارد الأخبار السوريّة المفجعة: صور ومشاهد يندى لها جبين الإنسانية، مجازر تتنقّل بحسب خطوات القتلة، إعدامات ميدانية مشهودة والتّهمة “علويّ” أو “مسيحيّ”. الساحل السوري أصبح بركة دم مسفوك بسيف التكفير والإرهاب المتعدّد الجنسيات. أطفال ونساء وعُجّز ورجال يتعرّضون لأبشع أنواع التعذيب قُبيل القتل. كلّ هذا يجري في ما يواصل المبتهجون بسقوط النظام السابق رقصهم فوق جثث ضحايا إرهاب النظام الحالي، وينكشف زيف إنسانيّتهم للمرّة الألف: هؤلاء الذين بكوا بحرقة لأجل سجناء صيدنايا يصفقون اليوم لمجازر الإبادة التي تُرتكب بحقّ الأبرياء فقط لأنّ القاتل لا يعادي “أميركا”. هذه الإنسانية المشوّهة العاملة بخدمة الشرّ، هي نفسها التي اختلقت ألف ذريعة تبيح للصهيوني أن يدوس بدباباته فوق أجساد الفلسطينيين في غزّة.
بثّت “العربية” يوم أمس تقريرًا يتحدّث عن توزيع “هدايا رمضانية” على سكان الساحل السوري، ولم يصلها تعداد الضحايا الذين ملؤوا الشوارع والبيوت مغرقين بدمهم. للوهلة الأولى، يشعر المتلقي أنّ تقريرًا كهذا هو اشتراك فعلي بالقتل، فمحاولة التستّر على الجريمة جريمة أيضًا، فما حال محاولة التعتيم التّام على مجزرة لا يوجد في معجم توصيف الوحشية مفردة تفيها وحشيّتها.
وكما العربية، دول وشخصيّات رسمية، عادت سورية وحاربتها طوال سنين بذريعة أنّ النظام فيها يقمع شعبه، تغضّ طرفها اليوم عن جريمة متواصلة، يستهدف فيها القاتل السوريين العُزّل في بيوتهم وأحيائهم، ويستقدم مرتزقة متوحشين من كلّ أصقاع الأرض كي يرتكبوا كلّ ما يمكن من فِعال مجرمة: سبي واغتصاب وتنكيل وإذلال وقتل بمختلف الطرق وبعد القتل تنكيل بالجثث وانتهاك لكل الحرمات!
يتحدّث القتلة عن فعالهم بفخر في فيديوهات لا يخجلون من بثّها على منصات التواصل، ويتبجّح مؤيدوهم بما يسمّونه انتقامًا من “فلول النظام السابق”. لنسلّم جدلًا أنّ هؤلاء الضحايا وبالأخصّ الأطفال هم من مؤيّدي النظام السابق، هل يبيح هذا الأمر التنكيل بهم وقتلهم؟! دعنا من كلّ الشعارات الزائفة التي تمجّد الديمقراطية وحريّة الفكر والاعتقاد، ما الذي قد يبرّر هذا المستوى من العنف، هذا الإرهاب، هذا التطهير الديني والمذهبي؟ وما الذي قد يدفع بالأنظمة والدّول للسكوت عنه بهذا الشكل الذي لا يمكن إلّا أن يكون اشتراكًا في الجريمة؟
وللمفارقة، حين يقوم “مسلم” أو “عربي” أو “ذو أصول عربية” بارتكاب جريمة قتل في الغرب، ولو بخلفية جنائية، يتمّ تحويلها إلى جريمة إرهابية بخلفية دينية أو مذهبية، وتسارع دول وسفارات لتصدير بيانات إدانة وشجب، ويتسابق عربٌ ومسلمون وذوو أصول عربية للتبرّؤ من فعلة الفاعل، وكذلك تسارع منظمات حقوقية لتبرير الإسلاموفوبيا ومداواة المجروحة قلوبهم من المشهد. أما أمام المشهد السوريّ الدامي والواضح، يصمت بعض هؤلاء متجاهلًا المشهد، وبعضهم الآخر يصفّق له أو يجتهد في صناعة المبرّرات والذرائع.
تحدّثت “فوكس نيوز” عن أربعة آلاف قتيل من العلويين والشيعة والمسيحيين في الساحل السوري خلال اليومين الماضيين، وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان عن تخطّي عدد الضحايا للألف بين نساء ورجال وأطفال وعجّز. تمتلأ منصّات التواصل بالتسجيلات والفيديوهات المرعبة. وتتردّد أصداء نداءات الاستغاثة وأنّات الاحتضار من شوارع وبيوت الساحل السوري؛ ويصمت الذين ملؤوا الدنيا ضجيجًا في كلّ مرّة تحدّثوا فيها عن النظام السوري السابق! يصمت المنادون بحقوق الإنسان، والمحاضرون بحريّة المعتقد، والمبتهجون بتحرير السجناء مهما كان نوع الارتكاب الذي أدى إلى سجنهم.. يصمت الخطباء الذين كانوا يبلّلون المنابر بدموعهم إشفاقًا على “الأبرياء” في إدلب مثلًا.. يصمت الذين استخدموا كلّ وسائل الإعلام كي يدينوا ارتكابات النظام بحقّ الجماعات التكفيرية على مدى سنوات.. يصمت كلّ هؤلاء، في ما يتدفّق الدم المظلوم المستباح بخلفية دينية ومذهبية.. ما نشاهده اليوم هو ليس مجرّد انكشاف إنسانية مزيّفة وشعارات كاذبة.. ما نشاهده من صمت حيال الأحداث الدامية هذه هو اشتراك ميدانيّ بجريمة تطهير وإبادة، وفي مكان ما قد يكون تحريضًا عليها.
في الساحل السوريّ الآن، رائحة الدم المسفوك أقوى من كلّ الكلمات.. وأقوى من الصمت التعتيميّ والسكوت الذي يدفع القاتل إلى مواصلة جريمته.
موقع العهد الإخباري – ليلى عماشا