هل يضع ماكرون فرنسا أمام انقلاب مناهض للديمقراطية؟
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
باريس – بعد مشاورات طويلة أُجريت يومي الجمعة والاثنين الماضيين في قصر الإليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والقوى السياسية الرئيسية، أعلن ماكرون استبعاده تعيين مرشحة التحالف اليساري لوسي كاستيتس لقصر ماتينيون.
وبعيدا عن عدسات وسائل الإعلام، يستأنف ماكرون المناقشات لاختيار رئيس للوزراء وحل الجمود السياسي، وهذه المرة من دون الجبهة الشعبية الجديدة أو التجمع الوطني أو رئيس حزب الجمهوريين إريك سيوتي.
وفي الوقت الذي يرى فيه محللون سياسيون أن مبدأ "أنا أو الفوضى" الذي سعى ماكرون إلى فرضه منذ بداية ولايته الأولى، فقدَ تماسكه واهترأ، ولا يزال يأمل في العثور على شخصية قادرة على مواصلة سياساته، في إشارة واضحة إلى أن معسكره الرئاسي يرفض تقاسم السلطة ويسعى للتعايش دون تناوب.
مناورة تكتيكية
وفي بيان صحفي من الرئاسة، مساء الاثنين الماضي، أكد ماكرون أن "الحكومة التي تعتمد على برنامج وأحزاب الجبهة الشعبية الجديدة فقط ستخضع للرقابة على الفور من جانب كافة المجموعات الأخرى الممثلة في الجمعية الوطنية".
وبرر ذلك بالقول إن "الاستقرار المؤسسي لبلادنا يتطلب منا عدم الإبقاء على خيار كاستيتس"، وذلك لأن حكومته ستحظى "بأغلبية تزيد على 350 نائبا ضدها، وهو ما من شأنه أن يمنعها فعليا من التحرك".
ومن وجهة نظر الأداء الديمقراطي، يجد الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي ومركز الأبحاث السياسية برونو كوتريس أن إجراء هذه المناقشات كان ضروريا، لكنها كانت مجرد مناورة تكتيكية من قبل رئيس الدولة للتظاهر بالتشاور، لأن قراره بشأن رفض مرشحة التحالف اليساري كان محسوما مسبقا.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح كوتريس أن ماكرون كشف أوراقه يوم 10 يوليو/تموز الحالي عندما توجه برسالة إلى الفرنسيين يخبرهم فيها برأيه بشأن نتائج الانتخابات التشريعية عندما قال "لم يفز أحد".
كما يعتبر أن مسألة الاستقرار السياسي حجة طرحها رسميا فقط، أما الدستور فلا يحتم عليه ضمان الاستقرار وإنما ضمان حسن سير المؤسسات، لذا فمن الواضح أن الأداء السليم للمؤسسات يمكن أن يتضمن شكلا من أشكال الاستقرار الحكومي.
أما المحلل السياسي إيف سنتومير فيصف مناقشات الإليزيه بـ"العقيمة" لأنها تدل على أنهم في وضع صعب بغض النظر عن شكل الحكومة المقبلة التي لن تؤدي إلى الاستقرار السياسي خلال الأشهر المقبلة.
وبرأيه، فهي تعني وجود سوء نية من جانب الرئيس الذي يرفض ترك احتمال وجود رئيس وزراء يساري على رأس الحكومة، وأيّا كان الحل الذي سيختاره، فإن خطر عدم قدرة الحكومة على الاستمرار لن يكون مستحيلا.
وأضاف سنتومير -للجزيرة نت- أن ماكرون يلعب بورقة الاستقرار المؤسسي لتبرير رفضه مرشحة تحالف اليسار "فلو كان مهتما حقا بالاستقرار ما كان ليفعل كل ما قام به في الأشهر والسنوات الأخيرة". لذا يعتقد المحلل أن محاولة كسر التحالف بين الاشتراكيين وحزب "فرنسا الأبية" تنبثق عن حسابات سياسية بحتة ولا تتعلق بمصلحة أو رؤية الدولة.
انقلاب ضد الديمقراطية
وقد انتقدت جميع مكونات التحالف اليساري رفض ماكرون السماح لها بتعيين الحكومة، رغم احتلالها المركز الأول في نتائج الانتخابات التشريعية المبكرة، وندد المنسق الوطني لحزب "فرنسا الأبية" مانويل بومبارد بما سماه بـ"الانقلاب المناهض للديمقراطية الذي يتم تنفيذه على أساس حجة لا معنى لها".
في المقابل، يعترض الباحث كوتريس على تسمية ما يحدث بـ"الانقلاب" لأن ما يفعله الرئيس الفرنسي -باعتقاده- هو أمر دستوري تماما، لذا لا يمكن القول إنه يدير ظهره للديمقراطية الليبرالية والتمثيلية.
وأشار في الوقت ذاته إلى أن قرارات ماكرون تثير سلسلة من التساؤلات حول الشرعية الديمقراطية، مثل: هل يجب مراجعة نص الدستور ليكون أكثر دقة؟ وهل من الطبيعي أن تبقى الحكومة المستقيلة في استقالتها الجامدة كل هذه المدة؟
ويسعى الرئيس الفرنسي إلى الاستمرار في مخاطبة قوى الوسط ويسار الوسط والاشتراكيين والخضر ويمين الوسط والجمهوريين بشكل حصري، مما يعني استبعاده -من الناحية الرمزية- كلا من حزبي "فرنسا الأبية" وإريك سيوتي والتجمع الوطني الذي يعتبره خارج مجال الوسطية، وفق الباحث.
بدوره، يوضح المتخصص في الشأن الفرنسي إيف سنتومير أن ماكرون يحاول -كما فعل سابقا- نشر فكرة وجود معسكر وسطي أو حكومي يتناغم مع الجمهوريين والحزبين الاشتراكي والشيوعي والخضر، بهدف النظر إلى اليسار المعتدل على أنه معتدل، واليمين على أنه "متطرف"، وهو ما يمكن أن يمثل "جزءا من اللعبة الماكرونية".
سيناريوهاتوبينما يصر سنتومير على تشبيه المشهد السياسي الفرنسي الحالي بـ"الضبابي"، لا يستبعد أن يقع الاختيار النهائي على رئيس للوزراء ينتمي إلى يسار الوسط أو يمين الوسط لتشكيل حكومة تدوم مدة معينة، مؤكدا أن الحكومة المقبلة لن تصمد طويلا وسيستمر عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
من جانبه، يطرح كوتريس عدة سيناريوهات محتملة كالتالي:
الأول: عدم تعيين ماكرون رئيس وزراء من المعسكر الرئاسي، وإنما شخص من يمين الوسط أو يسار الوسط لديه رصيد كاف على مقاعد الجمعية الوطنية ليتمكن من تحقيق الأغلبية بشكل تدريجي، وفقا للنصوص وخاصة الميزانية.واستنادا على هذا التحليل، يتم بالفعل الحديث في الوقت الراهن عن رئيس الوزراء الأسبق برنارد كازينوف للرئيس الأسبق فرانسوا هولاند، والرئيس السابق لديوان المحاسبة ديدييه ميغو، لأن كليهما اشتراكي في الأصل ويحظى باحترام كبير في المشهد السياسي لنزاهتهما وإنجازاتهما في الدولة. الثاني: اختيار رئيس وزراء أقل توافقا لجلب أصوات الوسط من الطرف الآخر، وفي هذه الحالة، يعتبر كوتريس أن البلاد ستشهد عدم استقرار وزاري قد يكون بمثابة عودة إلى الجمهورية الرابعة، أي حكومات تعمل لبضعة أسابيع أو أشهر فقط. الثالث: تشكيل حكومة تكنوقراط التي لا يمكن أن تنجح إلا بموافقة جميع المجموعات السياسية بطريقة انتقالية، لكن هذا الحل يبقى هشا لأن فرنسا بحاجة إلى حكومة مكونة من مسؤولين منتخبين وسياسيين يعرفون البرلمان ومجموعات سياسية قادرة على تجاوز انقساماتها لمصلحة البلاد، حسب المتحدث.
وبعد انشغال الفرنسيين بدورة الألعاب الأولمبية والعطلة الصيفية، من المتوقع أن يؤدي غياب رئيس الوزراء إلى سلسلة من الإشكاليات المهمة على شرعية الحكومة المستقيلة.
فعلى سبيل المثال، قدمت وزيرة التربية الوطنية مؤتمرا بشأن العودة إلى المدارس، رغم أن الجميع يعلم أنها لن تكون وزيرة بعد أيام قليلة عند تشكيل الحكومة الجديدة، في حين أرسل رئيس الوزراء غابرييل أتال رسائل إلى الدوائر الوزارية بخصوص موازنة فرنسا لعام 2025.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
مسؤول فرنسي يهاجم بعنف ماكرون وساركوزي وهولاند لحضورهم مباراة إسرائيل – فرنسا (فيديو)
#سواليف
أكد رئيس لجنة المالية في البرلمان الفرنسي إريك كوكرال أن قبول استقبال مباراة إسرائيل-فرنسا، وحضور الرئيس إيمانويل ماكرون، يعتبر رسالة غير مشرفة نظرا لما يحدث في غزة ولبنان.
????رئيس اللجنة المالية في البرلمان الفرنسي إيريك كوكرال:
حضور ماكرون للمباراة رسالة لنتنياهو ليواصل جرائمه في غزة ولبنان#غرفة_أخبار_RT #أخبار #RT_Arabic pic.twitter.com/ApNZJAZGQQ
وقال إريك كوكرال خلال تجمع حاشد: “لا أشعر بالفخر باحتضان مقاطعتي للفريق الإسرائيلي”.
مقالات ذات صلة كيف يتعامل الضمان مع متقاعد العجز الإصابي العائد إلى العمل.؟ 2024/11/15وأضاف: “نعتبر أن قبول استقبال المباراة وحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الحكومة ووزير الداخلية إضافة إلى الرئيسين السابقين ساركوزي وهولاند، هو رسالة لإسرائيل مفادها: يا نتنياهو واصل مجازرك وجرائمك في غزة ولبنان فرنسا تستقبل فريقكم ومهتمة بالمقابلة لا بالمجازر والإبادة”.
وأوضح إريك كوكرال: “نعتبر حضور ماكرون للمباراة رسالة غير مشرفة نظرا لما يحدث لقاء كل القرارات الأممية والمحكمتين الجنائية والعدل الدولية، وهي تمثل سياسة الكيل بمكيالين، حيث نتذكر أن الفريق الروسي حظر من المشاركة في الألعاب الأولمبية”.
وأكد على مواصلة التظاهر والدعوة لمقاطعة الحكومة الإسرائيلية لردعها.
وشهدت العاصمة الفرنسية باريس احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين في ساحة سان دوني عشية المباراة وسط استنفار أمني قبل المباراة.
في إطار دوري الأمم الأوروبية، تستضيف فرنسا، اليوم الخميس، منتخب إسرائيل والذي سيلعب ضد منتخبها، وسط إجراءات أمنية استثنائية، في ظل القصف المتواصل على غزة ولبنان، وبعد أسبوع من أعمال العنف التي وقعت في العاصمة الهولندية أمستردام، على هامش مباراة مكابي تل أبيب ضد أياكس.
ووفقا لصحيفة “لوموند” الفرنسية أصبح تأمين هذه المباراة والتي ستقام في ملعب فرنسا، في منطقة سان دوني أحد ضواحي العاصمة باريس، مشكلة كبيرة، حيث استشهدت الصحيفة بوصف قائد شرطة باريس، لوران نونيز، المباراة بأنها “عالية الخطورة”.