أفضل 10 دول في العالم للاستثمار في 2024
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
في ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة وعدم اليقين الاقتصادي في العديد من دول ومناطق العالم، فإن من الأهمية بمكان أن يدرس المستثمرون بعناية أين يضعون رؤوس أموالهم وفي أي دول.
وانخفض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة 2% إلى 1.3 تريليون دولار في عام 2023 وسط تباطؤ اقتصادي وتوترات جيوسياسية متزايدة، وفقًا لتقرير الاستثمار العالمي 2024، الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).
ومع ذلك تراجع التضخم خلال العام الجاري، وعادت سلاسل التوريد العالمية إلى طبيعتها، فيما تقترب مؤشرات الأسهم الرئيسية مجددًا من مستوياتها القياسية المرتفعة مع ظهور علامات على عودة السيولة.
وتشترك أفضل الأماكن للاستثمار في عام 2024 ببعض الأمور منها أن معظم الوجهات الاستثمارية الرائدة تتمتع بالأمان الجيوسياسي مع الحد الأدنى من مخاطر الصراع.
وتقع دول مثل سنغافورة وإندونيسيا بعيدا عن مناطق الصراع المحتملة، وتوفر الاستقرار في خضم الاضطرابات العالمية وفق ما ذكرت منصة أنفيست آسيان.
آسيا تتقدم وأوروبا تتراجعوارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة العام الماضي بالدول الآسيوية مثل إندونيسيا والصين وماليزيا والفلبين، وتراجعت في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 4%، وهو أول انخفاض سنوي منذ عام 2020، وفقًا لدراسة جاذبية أوروبا الذي أجرته شركة (إرنست آند يونغ) هذا العام.
والاتحاد الأوروبي هو ثالث أقوى اقتصاد في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، ولديه قاعدة صناعية متنوعة، وبنية تحتية قوية وبعض المؤسسات الأكاديمية والبحثية الرائدة في العالم، فضلا عن قوة عاملة عالية التعليم والمهارة.
ومع ذلك، تظهر المزيد من البيانات أن أوروبا بحاجة إلى إعادة التفكير في الطريقة التي تحفز بها النمو الاقتصادي وتجذب الاستثمار الأجنبي المباشر؛ فقد تراجعت حصة أوروبا من الناتج الصناعي العالمي من 21% إلى أقل من 15% بين عامي 2001 و2021.
وفي الآونة الأخيرة، قدرت منظمة أونكتاد أن قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر في أوروبا انخفضت بنسبة 20% في عام 2023، وفي نفس الفترة، زاد الاستثمار بنسبة 2% في الولايات المتحدة، و8% في الصين، و17% في جميع أنحاء آسيا.
وفي هذا التقرير نستعرض أفضل 10 دول للاستثمار على مستوى العالم وفق ما ذكرت مجلة (أو إيه سي وورلد)، آخذين بعين الاعتبار عددا من العوامل التي يحمل كل منها وزنا كبيرا في تحديد جاذبية الدولة بشكل عام.
وتشمل هذه العوامل مستويات الفساد، والحرية الشخصية والتجارية والنقدية، ونوعية القوى العاملة، وتدابير حماية المستثمرين، وتطوير البنية الأساسية، والسياسات الضريبية، ومؤشرات جودة الحياة، والكفاءة البيروقراطية، والاستعداد التكنولوجي وفق نفس المصدر.
ويلاحظ في هذه القائمة تقدم الدول الآسيوية وتراجع دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك غياب الدول العربية عن المراكز العشرة الأولى، إذ تأتي الإمارات في المركز الـ15 عالميا، تليها سلطنة عمان في المركز 21 عالميا، والبحرين في المركز 43، والسعودية في المركز 54، كما يلاحظ تراجع إسرائيل للمركز 25 بفعل عدوانها المستمر على الأراضي الفلسطينية، وهروب الاستثمارات ورؤوس الأموال منها.
أفضل 10 دول للاستثمار في العالم عام 2024
10 – الولايات المتحدة الأميركية
تحتل الولايات المتحدة الأميركية المركز العاشر في هذه القائمة، وهو ما يؤكد مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، وكدولة رائدة في مجال الابتكار وريادة الأعمال، وبفضل بيئة الأعمال المتنوعة ورأس المال الوفير والمواهب وثقافة الابتكار. تقدم الولايات المتحدة فرص نمو وربح قوية للمستثمرين، وتبقى وجهة استثمارية رائدة في قطاعات التكنولوجيا والرعاية الصحية والتمويل والتصنيع.
وتوفر الأطر القانونية والتنظيمية القوية للشركات بيئة آمنة للنمو على المدى الطويل.
يسلط احتلال الفلبين المركز التاسع الضوء على إمكاناتها كلاعب رئيسي في جنوب شرق آسيا. ومع وجود سكان شباب وموقع إستراتيجي وسوق استهلاكية متنامية، تقدم البلاد فرصا كبيرة للمستثمرين.
كما أن البنية التحتية القوية، وبيئة الأعمال المحسنة، والمبادرات الحكومية لتعزيز الاستثمار وريادة الأعمال تجعل الفلبين وجهة جذابة.
علاوة على ذلك، فإن خبرتها في مجال الاستعانة بمصادر خارجية لتطوير الأعمال والسياحة والزراعة تعزز جاذبيتها لأولئك الذين يسعون إلى الاستثمار في الأسواق الناشئة.
8- بولندا
يسلط تصنيف بولندا في المركز الثامن الضوء على بروزها كاقتصاد ديناميكي وسريع النمو في وسط وشرق أوروبا، وبفضل موقعها الإستراتيجي، والبيئة الملائمة للأعمال التجارية، تجتذب بولندا استثمارات أجنبية كبيرة، كما تجعلها بنيتها التحتية القوية، والعمالة الماهرة والمدربة، وسياساتها الحكومية الداعمة مركزًا مثاليًا للتصنيع والخدمات والابتكار.
وبالإضافة إلى ذلك، يوفر اندماج بولندا في الاتحاد الأوروبي للشركات إمكانية الوصول إلى سوق واسعة ومزدهرة، مما يعزز جاذبيتها للمستثمرين.
7- أستراليا
يؤكد تصنيف أستراليا في المركز السابع على سمعتها كبلد يتمتع باقتصاد مستقر ومزدهر ولديه موارد طبيعية وفيرة وبيئة عمل مرنة، وتوفر المؤسسات القوية والسياسات الاقتصادية السليمة والقوى العاملة الماهرة للمستثمرين بيئة آمنة وشفافة للأعمال.
ويجعل القرب من الأسواق الآسيوية سريعة النمو، والخبرة في التعدين والزراعة والتصنيع المتقدم أستراليا وجهة جذابة للاستثمار في مختلف الصناعات.
6- إسبانيا
تعد إسبانيا بوابة أوروبا، ومركزا للأعمال والسياحة، وبفضل تراثها الثقافي الغني وبنيتها التحتية ذات المستوى العالمي واقتصادها المتنوع، توفر إسبانيا للمستثمرين إمكانية الوصول إلى سوق ناضجة ذات إمكانات كبيرة للنمو.
ويوفر موقعها الإستراتيجي وعضويتها في الاتحاد الأوروبي للشركات إمكانية الوصول إلى قاعدة مستهلكين واسعة وظروف تجارية مواتية، بالإضافة إلى ذلك، يتماشى التزام إسبانيا بالطاقة المتجددة والتنمية المستدامة مع الاتجاهات العالمية، مما يجعلها وجهة جذابة للمستثمرين المهتمين بالبيئة.
5- إندونيسيا
يُسلط تصنيف إندونيسيا في المركز الخامس الضوء على صعودها كلاعب رئيسي في اقتصاد جنوب شرق آسيا، ومع وجود ثروة سكانية شابة، وموارد طبيعية وفيرة وموقع إستراتيجي، توفر إندونيسيا فرصا جذابة للمستثمرين الذين يستهدفون الأسواق الناشئة الديناميكية.
وأطلقت الحكومة مشاريع بنية تحتية طموحة، وإصلاحات لتحسين بيئة الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي. وعلى الرغم من التحديات مثل البيروقراطية وعدم اليقين التنظيمي، فإن آفاق النمو في إندونيسيا على المدى الطويل قوية، مما يجعلها وجهة جذابة للأعمال والاستثمار.
4- الهند
تحتل الهند المركز الرابع في هذه القائمة، ولا عجب في ذلك فهي واحدة من أسرع الاقتصادات الكبرى نموًا على مستوى العالم، وذلك مع وجود سوق واسعة ومتنوعة، وموارد طبيعية غنية، وطبقة متوسطة مزدهرة.
وتوفر الهند فرصًا استثمارية كبيرة في مختلف القطاعات على الرغم من التحديات مثل البيروقراطية واختناقات البنية التحتية، لكن الحكومة الهندية قدمت إصلاحات لتحسين سهولة ممارسة الأعمال وجذب الاستثمار الأجنبي.
وتوضح مبادرات مثل (صنع في الهند) و(الهند الرقمية) التزام البلاد بتهيئة بيئة عمل مواتية مع الاستفادة من التكنولوجيا لدفع النمو نحو آفاق جديدة.
3- تايوان
يؤكد بقاء تايوان في المركز الثالث على صعودها كلاعب اقتصادي عالمي ديناميكي، إذ تشتهر بالابتكار والخبرة التكنولوجية، وأصبحت مركزًا رئيسيًا للصناعات التكنولوجية المتقدمة والتصنيع.
ويجتذب موقعها الإستراتيجي في شرق آسيا والبنية الأساسية المتقدمة والقوى العاملة الماهرة وقوانين حماية حقوق الملكية الفكرية، المستثمرين الباحثين عن فرص إقليمية.
2 – المملكة المتحدة
تأتي المملكة المتحدة في المركز الثاني مما يؤكد على جاذبيتها الدائمة كقيادة اقتصادية عالمية.
على الرغم من التغيرات السياسية الأخيرة، توفر المملكة المتحدة بيئة عمل مستقرة وشفافة، كما تجعلها حمايتها القوية للمستثمرين، وأنظمتها القانونية الراسخة، ومجموعة المواهب المتنوعة، الخيار المناسب للشركات المتعددة الجنسيات والشركات الناشئة.
وباعتبارها مركزًا ماليًا رائدًا يتمتع بإمكانية الوصول إلى الأسواق الأوروبية، تواصل المملكة المتحدة جذب المستثمرين الباحثين عن الاستقرار وفرص الكسب والنمو.
1- سنغافورة
يعكس صعود سنغافورة إلى المركز الأول تفانيها في خلق بيئة مواتية للأعمال، وبفضل مستويات الفساد المنخفضة، والأطر القانونية القوية، والقوى العاملة ذات المهارات العالية، اكتسبت سنغافورة سمعتها كمركز مالي عالمي.
كما أن موقعها الإستراتيجي، والبنية التحتية المتطورة، والسياسات الحكومية الاستباقية تجعلها وجهة مثالية للشركات التي تهدف إلى التوسع في آسيا، كما يلبي تركيز سنغافورة على الابتكار والتقدم التكنولوجي متطلبات الشركات الحديثة، ويجذب رؤوس الأموال للاستثمار في مختلف القطاعات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاستثمار الأجنبی الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة المملکة المتحدة للاستثمار فی بیئة الأعمال وجهة جذابة الوصول إلى فی العالم فی المرکز
إقرأ أيضاً:
كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!
••هل تنهض المجتمعات لخصائص ثقافية متأصلة فيها أم يعود الأمر لسبب آخر؟ إن هذا السؤال يحتل موقعاً مركزياً في البحوث الاجتماعية المعاصرة، ويراد به فحص الجدل الدائر حول أسباب النهضة والتقدم الاجتماعي، ولعل طرحه يعود لفترة أقدم حين اطمئن علماء الأنثروبولوجيا إلى فرضية علاقة القيم الثقافية بقضية النهضة في الحياة الاجتماعية من مناحيها كافة، فالبعض منهم وضع شرطاً أساسياً لتركيز عمليات النهضة، وهو تحصيل التعليم وبناء المؤسسات، ولكن أكبر انعطافة هددت وثوقيات الاجتماعيين حول دور القيم الثقافية واعتبارها المرتكز الأساس في نهضة الشعوب، كانت على يد جاك غودي (توفي 2015م) الأنثربولوجي الإنجليزي والمحاضر الأشهر في جامعة كمبريدج، وغودي ومنذ الستينيات حين أصدر كتابه «محو الأمية في المجتمعات التقليدية «1968م» استطاع هدم الأساس الذي تقوم عليه المركزية الأوروبية ابتداءً من عصر النهضة وحتى الآن، وهي فرضة تشدد على أن ثمة خصائص «أوروبية بالطبع» موروثة من الحضارات اليونانية واللاتينية ثم من الأديان يهودية ومسيحية كلها هي التي مكَّنت لهذا الغرب من إنجاز عمليات النهضة، وما أعاق هذه العمليات في المجتمعات الأخرى هو فقدانها هذه الخبرة الثقافية المستندة إلى العقلانية والتي تنتشي فيها روحانية الشرق، وبذا فإن العالم الغربي تقدم لأنه صنع تاريخاً علمياً تسنده قيم ثقافية مكتسبة من سياق معرفي خاص، هو سياق الذات الغربية من اليونان وحتى عصر التنوير لينتج نهضةً ثقافية شاملة، أما غودي فإنه يقف على النقيض من ذلك تماماً، ويرى أن هذه السردية معرضة دائماً إلى التزوير وطغيان الأنا أكثر منها حقيقة اجتماعية، ليقول في تحليله أن تقدم جزء من العالم في الوقت الذي يتزامن معه ركود في أجزاء أخرى لا يعود إلى الخصائص الثقافية المتأصلة في طرف وغائبة في آخر، بل إن مسألة التقدم خاضعة وباستمرار لديناميكيات يمكنها أن تتوفر وفق عمليات مستمرة من التحديث الذاتي.
•وغودي نشر في العام 2007م كتابه «سرقة التاريخ» وهو بيان متماسك عن الكيفية التي استطاعت بها أوروبا أن تنسب لنفسها تراثاً علمياً لا يخصها بالدرجة الأولى، بل الأمر يشبه «السرقة» وأنها بموجب هذا التراث المركب بعنف التدوين بنت عليه قيماً إنسانية، قالت أنها أوروبية، أوروبية فقط، ويشير غودي إلى أن هذه المركزية أجبرت بقية العالم على ارتداء أقنعة تفكير لا تبصر معالم للتقدم إلا من وجهة نظر غربية في الأساس، واستمراراً في مشروعه صدر كتابه «الشرق في الغرب» والذي يعد نظرية في فضح الإدعاء الغربي بامتلاك العالم وصناعته بل وصياغة قيمه بشكل أحادي ومطلق، وقد صدر هذا الكتاب في نسخته العربية بترجمة محمد الخولي، والحقيقة أنه لا عذر لمن يشتغلون في المسألة الاجتماعية متخصصون ومهتمون من الإطلاع عليه ودراسته ونقده، وذلك للفائدة العظمى، ليس فقط كونه يفضح عمليات التنهيب التي مارستها أوروبا على العالم، وكيف صنعت أقانيم خالدة تحط من قدر كل ما هو غير أوروبي، بل الفائدة الأكبر تعود إلى كونه منجز محكم التأسيس قوي الحجة، ولدقة أحكامه فإنه يطرح التساؤل حول، متى أصبح الأوروبيون على وعي بتفوقهم بالنسبة إلى سائر الأمم؟» وفي إجابته عن هذا السؤال يقدم لنا مادة تحليلية عميقة وذات تكوين متسق يفسر بها بعض المقولات التي صنعت هذا التمايز، بل ويقوم بتفكيكها بشكل منهجي عظيم. ويستمر الرجل في هدم التصورات الأوروبية حول مركزية الغرب ضد الشرق، ويرى أن حضارات أوروبا وآسيا نشأتا من أصل واحد، بل ويرى في منجزات الفكر السياسي الأوروبي المرتبط بتطور ظاهرته الاجتماعية كونها استندت على ترسانة فكرية هي أسس عمليات التطور الاقتصادي، فإنه يرى من ضمن مقولاته الهادمة لخديعة الغرب بأن الديموقراطية ليست صناعة غربية، فهو يرى أنه إذا كان القرن الخامس عشر هو بدايات هيمنة أوروبا على العالم، وهي هيمنة أفصحت عن نفسها بمقولة رئيسة وهي أن الشرق المتخلف يحتاج إلى النهضة، والتي لن تتم إلا على يد الغرب، فإن وسم الشرق بالتخلف لا يعدو إلا عملية احتيال ممتازة العرض، فالصين ظلت البلد الأقوى في صناعة البارود منذ زمن بعيد، وهي الصناعة التي مكنت لأوروبا التوسع وغزو العالم، ولولا البارود الصيني لما استطاعت القيام بهذا الكم من عمليات الغزو لعدد من البلدان، وهو هنا يشتبه بقوة في رواية التقدم الغربية تلك التي صنعت لنفسها مساراً خطياً يبدأ من بترارك «فرانشيسكو، أحد أعمدة التفكير الإنساني في عصر النهضة» وحتى ديكارت صاحب نظرية الشك وقواعد المنهج، ويرى الأمر مجرد خدعة، فكونها «أوروبا» اعتمدت في نهضتها على بناء أسطوريتها القومية، هي تلك التي استعادت اليوناني وأدمجته في ذاتها الاجتماعية لتقول بثبات عمليات النسب الحضاري فيها، والرجل محق فالأمر ليس إبداعاً أوروبياً فالحقيقة أن عمليات استثمار الماضي هي دينامية مستقرة في أي بناء اجتماعي متحرك.
•لقد تركز نقد غودي على «عصر النهضة» أو بالأدق على الجانب المظلم في هذه السردية، وأن الأمر ليس كما تعرضه المركزية الغربية وهي تبشر بحداثتها إبان عصر التنوير، وأنه لا صحة لهذه السردية القائلة بتواصل عمليات الانتقال الحضاري منذ اليونان وحتى إيطاليا النهضة، بل يرى أنها فترات عاشت فيها الذات الحضارية الأوروبية انقطاعاتها الكبرى، فسقوط الإمبراطورية الرومانية، وبدأ اعتناق شعوبها المسيحية، ثم ظهور عهد الإقطاع وما تلاه من تطور في الاقتصاد السياسي فإنه لا يمكن والحال كذلك أن نطمئن لوجود منظومة قيم ثقافية هي سبيل لأوروبا للحصول على التفوق الحضاري دون غيرها من الأمم..
•إن جملة المناقشات حول الغرب والشرق ظلت خامدة ودون تأثير إلى أن قام جاك غودي وبفضل قدراته استخدام مناهج التحليل التاريخية والتجريبية والمقارنة في علم الاجتماع من فتح مسارات جديدة لفهم هذه العلاقة، نعم هو يريد الذات الغربية محل للدرس، وليس الآخر، فالآخر يظل انعكاس لعمليات التحليل عنده، ولذا فإن سجالات النهضة العربية لن تفلح في بناء حقائقها دون الوقوف الجاد على جدل النهضة والتقدم في الكتابة الغربية، وغودي هو أحد أهم الأمثلة المنتجة لفهم جديد في سياق علاقات الغرب والشرق، بل إن حتى الفضاء السياسي الذي يصر على احتقاب نظرة متعالية ضد كل ما هو شرق، وبالتالي عربي هو الآخر فضاء يقوم على بنية معرفية أهم ملامحها الخديعة بوجود تفوق وامتياز غربي مطلق كونه عقلاني النزعة، ضد تخبط وتراجع مستمر لشرق عاطفي التوجه، والدعوة هنا أن نبنى فضاءً تداولياً بين المعرفي في الغرب والشرق، لا أن نكتفي بالصدى دون فهم حقيقي لجذور الوعي الغربي، حينها فقط ستكون أشغالنا مستقلة وليست مجرد ردود أفعال مكتومة.
غسان علي عثمان كاتب سوداني