مفارقة السلطة: الفصائل المسلحة العراقية تنقلب على اليد التي أطعمتها
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
آخر تحديث: 29 غشت 2024 - 10:11 صبقلم: أدهم إبراهيم في متاهة الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، هناك أحداث تتسم بالتناقض، مثل أعمال الميليشيات الولائية في العراق. فقد برزت من الوضع المضطرب في هذا البلد سلسلة من الهجمات على القواعد العسكرية الأميركية من قبل الميليشيات الولائية، التي تعمل تحت ذريعة مقاومة الاحتلال الأجنبي.
ومن المفارقات أن العديد من هذه الفصائل تدين بوصولها إلى السلطة إلى وجود الولايات المتحدة في العراق، مما يخلق مشهدًا معقدًا ومتناقضًا يثير تساؤلات حول الطبيعة الحقيقية لدوافعها. ومما يجعل الوضع أكثر تعقيدًا أن هذه الفصائل المسلحة تأتمر بأوامر النظام في إيران – الدولة التي ينظر الكثيرون إلى نفوذها في العراق على أنه شكل آخر من أشكال الاحتلال.إن الديناميكيات المحيرة لهذه الفصائل، ودوافعها، والتداعيات الأوسع على العراق والمنطقة، تخل بالتوازن الدقيق الذي تواجهه حكومة بغداد في التوفيق بين مطالب الولايات المتحدة من جهة والفصائل المدعومة من إيران من جهة أخرى. وإذا عدنا إلى جذور المشكلة نرى أن الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 قد غير المشهد السياسي في البلاد بشكل جذري، وخلق فراغًا في السلطة سرعان ما ملأته جماعات مسلحة مختلفة، وقامت الولايات المتحدة بقصد أو بغير قصد بتمكين هذه الفصائل، ودمجها في الإطار السياسي الجديد.وفي هذا الواقع تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية إنسانية وأخلاقية حيال العراق، فهي المتسبب الرئيس في الإخفاق الأمني والفشل السياسي والاقتصادي لهذا البلد. إن الميليشيات الولائية التي تشكلت على أسس طائفية قد اكتسبت نفوذًا كبيرًا بعد احتلال داعش لمناطق عديدة في العراق. والكثير من الفصائل المسلحة تتلقى الدعم المالي من حكومة بغداد، إلا أن التوجيه اللوجستي والعسكري من طهران. إن علاقاتها مع إيران تنطوي على تناقض واضح، فبينما تشجب هذه الفصائل الاحتلال الأميركي، يبدو أنها تغض الطرف عن الوجود الإيراني الكبير في بلادها. وقد أدى ذلك إلى اتهامات بأن ما يسمى بالمقاومة لا يتعلق بالسيادة العراقية بقدر ما يتعلق بخدمة المصالح الإستراتيجية لإيران. وبالرغم من أن هذه الفصائل تنتمي إلى الحشد الشعبي الذي ارتبط برئيس الوزراء، إلا أنها لا تلتزم بالتوجيهات والقرارات الصادرة عنه. وكثيرًا ما تحدث صدامات بين هذه الفصائل وجهات أمنية أخرى، حتى داخل المنطقة الخضراء. وقد ذهب العديد منها إلى سوريا للمشاركة في القتال الدائر هناك دفاعًا عن النظام، مما يهيئ الأجواء للمزيد من التصعيد وزج العراق في حروب لا طائل تحتها، بل تزيد من معاناة الشعب. أظهر سلوك هذه الفصائل آثارًا عميقة على أمن واستقرار العراق والدول المحيطة، كما أخل بالسيادة الوطنية وقوّض السلطة المركزية.إن وجود جماعات مسلحة متعددة يشكل تهديدًا لوحدة القرار السياسي والأمني للحكومة، فعندما تمتلك جهات فاعلة غير حكومية السلطة العسكرية، فإن ذلك يقوض احتكار الدولة للعنف، وهو أمر ضروري للحفاظ على القانون والنظام. كما يخلق بيئة من الصراع الدائم، مما يجعل من الصعب على الحكومة التركيز على بناء الدولة وتوفير المتطلبات الأساسية لمواطنيها. لقد بات من الضروري حصر السلاح بيد الدولة فقط، والضرب على يد الميليشيات والفصائل المسلحة مهما كانت تبعيتها أو أهدافها المعلنة. وفرض عقوبات قاسية على استخدام السلاح من أيّ جهة كانت ولأيّ غرض كان.إن ترسيخ السيطرة على الأسلحة وحل الفصائل المسلحة يتطلب وجود قيادة سياسية جريئة قادرة على فرض سلطتها وهيمنتها على القرار واحتكار استخدام القوة. وهذا من شأنه تعزيز سيادة العراق واستقلاله ويحد من نفوذ القوى الأجنبية التي تدعم هذه الجماعات في الكثير من الأحيان لتحقيق مصالحها الإستراتيجية الخاصة. ومن شأنه أيضًا تعزيز الهوية الوطنية وجعلها أكثر تماسكًا حيث لن يعود المواطنون منقسمين بسبب الولاءات لمختلف الميليشيات.في جوهر الأمر، لا يقتصر نزع سلاح هذه الفصائل على إنهاء العنف فحسب؛ بل يتعلق الأمر باستعادة سيادة القانون، وتمكين الحكم الفعال، وتمهيد الطريق لعراق مستقل ومزدهر.
المصدر: شبكة اخبار العراق
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الفصائل المسلحة هذه الفصائل فی العراق الفصائل ا
إقرأ أيضاً:
التقسيم والدولة الشيعية: جدل جديد في الفضاء السياسي العراقي
مارس 16, 2025آخر تحديث: مارس 16, 2025
المستقلة/- تعيش الساحة السياسية العراقية في الفترة الأخيرة حالة من الجدل حول فكرة “التقسيم” و”الدولة الشيعية”، وهو نقاش غير مسبوق في تاريخ العراق الحديث. لطالما كانت فكرة “الإقليم السني” تثار بين الحين والآخر خلال الأزمات السياسية المتعلقة بالمكون السني، ولكن ظهور فكرة “الدولة الشيعية” يشكل تحولًا دراماتيكيًا في الطروحات السياسية.
البداية كانت مع تصريح لزعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، في أحد البرامج التلفزيونية، عندما قال إن الشيعة قد “سينفردون بالنفط” إذا ما تم إجبارهم على التقسيم. هذا التصريح أثار موجة من النقاشات السياسية والشعبية، ودفع النائب حسين مؤنس، عضو كتلة حقوق، إلى الترويج لهذه الفكرة، التي تتجاوز مفهوم “الإقليم” إلى فكرة “دولة شيعية” تحت اسم “دولة العراق الشيعية”.
من اللافت في هذه الدعوات أن الحديث لم يعد يدور حول مجرد إقليم مستقل بل حول “تقسيم” العراق وإنشاء دولة جديدة تقتصر على المحافظات الشيعية التسع. كما تم طرح فكرة تغيير علم العراق، باستبدال عبارة “الله أكبر” بعبارة “علي ولي الله”، ما جعل هذا النقاش أكثر إثارة للجدل والتساؤلات حول خلفياته وأهدافه.
الحديث عن تقسيم العراق إلى دول شيعية، سنية وكردية، ليس أمرًا جديدًا، لكن ما يميز هذه المرة هو توقيت طرحه، خاصة مع تراجع تأثير “الهلال الشيعي” في المنطقة بعد فقدان إيران لموقعها الاستراتيجي في بعض الدول العربية مثل سوريا ولبنان. يعتقد البعض أن هذا الطرح يأتي في سياق محاولات لتحصين “الحاكمية الشيعية” في العراق في مواجهة أي محاولات لتغيير توازن القوى داخل البلد أو حتى في المنطقة.
وقد أثار هذا الموضوع قلقًا واسعًا بين السياسيين والمثقفين السنة، وبعض المدونين الليبراليين، الذين شككوا في وجود توجهات خفية تعمل على تأسيس “دولة شيعية” وفقًا لخطة سياسية تستهدف إعادة رسم الخارطة السياسية للعراق. وربط بعضهم هذا الجدل بمحاولات للحد من قوة وتأثير الحاكمية الشيعية في العراق، في وقت تتصاعد فيه التكهنات حول إعادة ترتيب النفوذ في المنطقة بعد التغيرات الكبيرة التي شهدتها بعض الدول العربية.
التفاعل مع هذا الموضوع لم يقتصر على السياسيين، بل انتقل إلى منصات التواصل الاجتماعي، حيث شهدت الكثير من النقاشات والمواقف المعادية لهذه الفكرة، معتبرة أن هذا الطرح قد يهدد وحدة العراق ويقوي الانقسامات الطائفية، في وقت يشهد فيه البلد أزمات اقتصادية وأمنية تتطلب توحيد الجهود للتصدي للتحديات الداخلية والخارجية.
في ختام هذه القضية، يمكن القول إن الدعوات التي ظهرت مؤخرًا حول تقسيم العراق إلى “دولة شيعية” تعد استثنائية وتعكس تحولًا في الخطاب السياسي الشيعي الذي كان يعارض بشدة أي حديث عن التقسيم، وهو ما يعكس حالة من الضبابية حول المستقبل السياسي للعراق. يتبقى أن نراقب كيفية تطور هذه الدعوات وما إذا كانت ستظل مجرد حديث في الغرف المغلقة أم ستتحول إلى مشروع سياسي حقيقي في المستقبل.