إيران.. أجندة عراقجي بين حل أزمة الاقتصاد وحفظ التموضع الإقليمي
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
طهران– في لحظة تاريخية مليئة بالتحديات والصراعات، تولّى عباس عراقجي منصب وزير الخارجية في إيران، في وقت تتشابك فيه الأزمات الإقليمية والدولية مع المصاعب الداخلية التي تواجهها البلاد.
ويأتي تعيين عراقجي بالتزامن مع تصاعد التوترات بين إيران والغرب، واستمرار العقوبات الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى تحولات جذرية في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط تمثلت بالحرب في غزة والمواجهة بين "محور المقاومة" والاحتلال الإسرائيلي.
وخلفية وزير الخارجية الجديد كدبلوماسي مخضرم شغل مناصب مهمة مثل نائب وزير الخارجية والمفاوض النووي البارز، أهّلته لهذا المنصب الحساس.
والوزير عراقجي، المعروف بقدرته على المناورة بين المصالح المتضاربة وإدارة المفاوضات المعقدة، يحمل على عاتقه مسؤولية ثقيلة تتمثل في إعادة بناء الثقة الدولية بإيران، ومواجهة التحالفات الإقليمية المتغيرة، سعيا لتحسين الوضع الاقتصادي الذي يئن تحت وطأة العقوبات.
عراقجي في استقبال نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن في طهران (رويترز) تقليل تكلفة الصراعاتوفي مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني، هي الأولى بعد توليه منصبه، تحدث عراقجي بالتفصيل عن السياسة الخارجية للحكومة الـ14، وقال "نحاول أن نكون فاعلين في التطورات الدولية وليس مجرد مشاهدين لها".
وحول العلاقات مع أوروبا، تحدث عن تعزيز التفاعل القائم على الفرص والاحترام المتبادل مع أوروبا، من أجل تأمين المصالح الوطنية للبلاد.
وفي ما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، قال "لا نتطلع إلى حل الخصام والتوترات مع الولايات المتحدة، فالعديد من هذه التوترات تنبع من سلسلة من الاختلافات الأساسية في الرأي، وهي ما نحاول إدارتها".
وخلص إلى أن الإدارة الإيرانية الجديدة تسعى إلى "تقليل تكلفة الصراعات وتقليل التكاليف التي يتكبدها الناس". وقال أيضا ردا على سؤال حول العقوبات "نتبع إستراتيجيتين، هما تحييد العقوبات والعمل على رفعها، وبطبيعة الحال، فإن مسألة تحييد العقوبات لها أولوية أعلى".
ونبه عراقجي إلى صعوبة إحياء الاتفاق النووي وعزا ذلك إلى تغير الأوضاع الدولية، مثل الحرب الأوكرانية، التي كان لها بالغ الأثر على النظرة الأمنية في أوروبا، كما أن الحرب في غزة والهجوم الذي شنه "النظام الصهيوني" وعمليات القتل التي وقعت هناك، قد غيرت ظروف المنطقة بالكامل.
من جهة أخرى، وبحسب الوزير الإيراني، انتهت بعض التواريخ التي كانت موجودة في الاتفاق النووي نفسه، وبالتالي لا يمكن إحياؤه بشكله الحالي. مضيفا أنه يجب إعادة فتح هذا الاتفاق، وتغيير أجزاء منه، وهذه ليست مهمة سهلة، فبمجرد فتح الاتفاق، سنكون أمام مهمة صعبة لإعادة تجميعه مرة أخرى.
إيران في مفاوضات غزةوفي ما يتعلق بسياسة إدارته المرتقبة بشأن دعم المقاومة، أكد عراقجي أن "محور المقاومة مدعوم من قبلنا، وهذا الموضوع واضح في برنامجنا، هذه هي سياستنا المبدئية، وهي نابعة من مدرسة وعقيدة"، مؤكدا أن بلاده حاضرة في غزة، وإن كانت هناك دول أخرى تتوسط في مفاوضات وقف إطلاق النار.
وقال عراقجي إن سياسة إيران الخارجية يجب أن تكون نشطة وأن تلعب دورا ليس فقط على المستوى الميداني، بل أيضا على المستوى الدبلوماسي. وعبر عن رفضه "أن تأتي دول أخرى وتخطط لما تسمى بمفاوضات وقف إطلاق النار دون الالتفات إلى رغبات الشعب الفلسطيني ومواقف إيران".
وأوضح وزير الخارجية الإيراني "لقد طلبت من زملائي في وزارة الخارجية أن تكون لدينا خطة محددة في هذا المجال، وأن يتحركوا على أساسها؛ فإن العالم أجمع يعترف بدور إيران في الميدان، وعليهم أيضا أن يعترفوا بدورنا السياسي".
وحول علاقات طهران مع بكين وموسكو، أكد عراقجي أن الصين وروسيا صديقتان حميمتان لبلاده و"علاقاتنا وتعاوننا وشراكتنا معهم إستراتيجية". وأضاف "تم التوقيع على رؤية 25 عاما من التفاعل والتعاون مع الصين في الحكومة الـ12. ولدينا خطة مدتها 10 سنوات مع روسيا، ومؤخرا تم التفاوض على خطة مدتها 20 عاما".
واعتبر أن العلاقات مع هذين البلدين ينبغي أن تظل ضمن علاقات طهران طويلة الأجل، "وأن تستمر تفاعلاتنا معهم في أي موقف. وهذه ستكون سياستنا في الحكومة الـ14".
قاد عراقجي سابقا المفاوضات النووية مع الغرب ويطمح لإعادة إحياء الاتفاق بعد توليه وزارة الخارجية (غيتي) تحالف إقليمي جديدومن جانبه، قال الباحث في القضايا السياسية عرفان بجوهنده، إن سياسة إيران الخارجية المستقبلية في عهد الوزير الجديد يمكن تقسيمها إلى قسمين عامين، إقليمي ودولي.
وفي السياسة الإقليمية، سيواجه عراقجي 3 تحديات رئيسية، وفق رأي بجوهنده:
معادلات الأمن الإقليمي واحتمال تغيرها بسبب حرب غزة، على حساب محور المقاومة وفلسطين. إدارة القوى المناهضة لإيران في المنطقة، والتي ستنتعش مع احتمال تولي ترامب منصبه. تموضع إيران في الممرات الدولية التي تمر بالمنطقة.وبالنظر إلى تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، بشأن رفض التراجع الإستراتيجي وإمكانية "التراجع التكتيكي"، رأى الباحث، في حديثه للجزيرة نت، أنه يمكن القول إن سياسة عراقجي الخارجية تجاه التحديات الإقليمية ستكون إلى حد كبير استمرارا للسياسة الخارجية للوزير الراحل حسين أمير عبد اللهيان.
ويعني هذا، بحسب بجوهنده، تنسيقا كاملا مع محور المقاومة من جهة، ومشاركة أكبر لوزارة الخارجية الإيرانية في البعد السياسي والدبلوماسي للقضايا المرتبطة بالمحور، ولا سيما المفاوضات.
وبالإضافة إلى ذلك، رجح أن تتجه طهران نحو خلق نوع من التحالف بين القوى الإقليمية الثلاث، إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وقد تضيف قوة رابعة وهي مصر، لتحقيق التوازن بشأن القوى المناهضة لإيران والمساعي الرامية إلى توحيد المنطقة ضدها.
ويرى الباحث الإيراني أن التحدي الأهم الذي يواجه عراقجي هو ملف العقوبات الغربية، التي فرضت ضغوطا اقتصادية على إيران وجعلت علاقاتها الخارجية غير متوازنة.
وبحسب بجوهنده، ثمة نقطتان لا بد من النظر فيهما بهذا الشأن:
أولًا: ستسعى طهران إلى تحييد العقوبات من خلال العلاقات مع الصين وروسيا، لكنها في الوقت نفسه ستسعى إلى تحقيق التوازن في سياستها الخارجية مع الدول الأخرى. ثانيًا: إحدى بؤر الأزمة مع الغرب هي القضايا الإقليمية، التي لن تسمح أبدا بأن تصبح موضوعا للتفاوض.وخلص الباحث إلى القول إن عراقجي سيتجه في الدرجة الأولى نحو إدارة التوتر وإبقاء الوضع مع الولايات المتحدة مستقرا، باعتبارها القوة الأساسية ضد بلاده، وبعد ذلك فإن ما سيتغير مقارنة بالماضي، هو أن عودة أميركا إلى المفاوضات النووية لن تكون الموضوع الرئيس ولكن طريقة ونوع التغيير في الاتفاق النووي.
سياسة التوازنوبدورها، رأت الباحثة في السياسة الخارجية عفيفة عابدي، أن أجندة عراقجي الخارجية ستتمثل في السياسة المتوازنة التي تقوم على الحفاظ على العلاقات وتعزيزها مع الشركاء الشرقيين وإحياء العلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها الترويكا الأوروبية.
وفيما يتعلق بالملف النووي، قالت عابدي للجزيرة نت، إن إيران تسعى إلى حل الخلافات عبر المفاوضات بطريقتين: مسار المفاوضات المباشرة مع أوروبا، وكذلك المفاوضات غير المباشرة عبر الأصدقاء الإقليميين مع الولايات المتحدة، والتي جرت في الأشهر الماضية وفي الحكومة السابقة؛ معتبرة أن نجاح هذه المفاوضات أو فشلها سيكون مؤثرا للغاية في توجهات إيران السياسية والأمنية.
وأردفت عابدي أن أحد الجوانب المهمة في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، والتي ستكون بمثابة استمرار لسياسة الجوار الإيرانية، هو زيادة التفاعل مع جيرانها، وخاصة في جنوب الخليج، وعبر طرح مبادرة الحوارات الثنائية والمتعددة الأطراف والإقليمية على جدول أعمال الحكومة الـ14، مرجحة أن تجد هذه العلاقات مساحة جديدة في الفترة القادمة وخاصة في البعد الاقتصادي.
كما تشير الباحثة إلى استمرار دعم الدول الصديقة والمتحالفة مع إيران في محور المقاومة، لا سيما أنها "في السنوات الأخيرة وفي حرب غزة أثبتت إيران أن محور المقاومة هو جزء من محور الدفاع عن الدول الإسلامية في المنطقة ولا يتعارض مع أمن ومصالح الدول الإسلامية خارج محور المقاومة".
لكن القضايا التي تعتبر تحديات مستقبلية بالنسبة لعراقجي، وفق الباحثة، تكمن في:
"السجل السيئ للأميركيين في الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018". و"السجل السيئ للتعاون الأوروبي في مرحلة ما بعد انسحاب ترامب من الاتفاق". والأعمال "التخريبية للكيان الصهيوني" في دعم أعمال الشغب في البلاد.المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إيران الاتفاق النووی وزیر الخارجیة محور المقاومة فی السیاسة إیران فی
إقرأ أيضاً:
إعادة تموضع إيران في الشرق الأوسط
د. عبدالله الأشعل **
لا شك أن الاستثمار الإيراني السياسي في سوريا منذ الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 تعرض لضربة كبيرة حيث نجح الغرب وإسرائيل في القضاء على النظام الذي تحالف مع إيران وصمد في وجه كل محاولات الغرب لفك التحالف ثم أنه كان واسطة العقد بين إيران والمقاومة على الأقل في الجبهة اللبنانية والجبهة الفلسطينية وظهر ذلك في نظرية وحدة الساحات التي ضمت اليمن والعراق، إضافة إلى فلسطين ولبنان والأخطر أن شيطنة إيران في سوريا والمنطقة كلها هدفها الوحيد القضاء على المقاومة التي تنفرد إيران بدعمها، ولذلك يريد الغرب أن يقضي على الثورة الإسلامية أصلا وهي التي تحدت إسرائيل والولايات المتحدة يوم قيامها 12 فبراير 1979.
وفي ضوء هذه الحقيقة ومادامت إيران لاتزال مستعدة لدعم المقاومة بعد فقدان الساحة السورية واعتراف إسرائيل بأنها نجحت في إزالة نظام الأسد فالمؤكد أن إيران يجب أن تبريء نفسها من جرائم نظام الأسد التي ركز عليها النظام الجديد في دمشق، فلا يمكن لثورة إسلامية ومقاومة إسلامية أن تمتهن كرامة الإنسان في أي مكان.. ولذلك؛ فالعمل الأول في برنامج إعادة تموضع إيران هو التبرؤ من جرائم الأسد وليس ذلك تخليًا عن الحليف وإنما تركز إيران على أنها كانت تساند الدولة السورية والشعب السوري ضد المسلحين وضد عوامل تصفية هذه الدولة والجيش السوري وهي رأت أن أكثر من 70 دولة تصفي حساباتها على الأراضي السورية وعلى حساب الشعب السوري.
النقطة الثانية في برنامج التموضع هي الخط الإعلامي إلى جانب هذا الخط السياسي والخط الإعلامي يلتزم بالنظرية العامة للإعلام وهي أن المرسل هو الإعلام الإيراني وأن الرسالة الإعلامية هي المضمون الذي تحمله الرسالة وأن المرسل إليه الشعوب والحكام العرب والعالم وأن التوقيت عنصر أساسي في النظرية الإعلامية فلابد من وضع خطة إعلامية علمية لحمل برنامج إعادة التموضع وتتضمن العناصر الآتية:
الأول: أن إيران لم ولن تكون شريكة مع أي نظام في انتهاك حقوق الإنسان لأنها تسير وفق الشريعة الإسلامية التي تقدس النفس البشرية والكرامة الإنسانية.
ثانيًا: التركيز على أن إيران لازالت تؤيد الحق ضد الباطل وسبق أن ساهمت في إنشاء حزب الله الذي حرر لبنان من الاحتلال الإسرائيلي وأن إيران تنظر إلى إسرائيل وأمريكا على أنهما مهددان للعرق البشري وأن زرع إسرائيل في هذه المنطقة يقصد به اضطراب أحوال المنطقة وخلق المتاعب لها وأن إيران تناهض الحركة الصهيونية وليس الشريعة اليهودية الغراء لأنها تفهم أن الإسلام دين واحد ولكن يتكون من شرائع متعددة ومتماثلة في ارتكازها على قيمة التوحيد.
ثالثًا: ترفض إيران الفتنة التي تصدرها الولايات المتحدة وإسرائيل إلى العالم الإسلامي وتؤمن بحرية العقيدة والإسلام ليس فيه شيعة وسنة وإنما الشيعة والسنة مذاهب فكرية تثري الشريعة الإسلامية ولكنها فتنة سياسية يطلقها الغرب تلاعبًا بعقول المسلمين.
رابعًا: معالجة إيران لنقطة هامة وهي تحالفات نظام بشار وأعدائه كيف تتعامل معهم إيران فلا يجوز أن تبذل جهدًا في معاداة أحد.
خامسًا: التركيز على عودة العلاقات الدبلوماسية مع مصر لأنها أكبر دول العالم العربي واستقرارها يخدم استقرار المنطقة كلها ولا تحاول إيران كما كانت تفعل الثورة الإسلامية يوم قيامها أن تتدخل في تحالفات مصر في المنطقة والعالم.
سادسًا: أن تتعامل إيران مع الدول الأخرى وفق أولوياتها ولكن لابد من التغطية الإعلامية والدبلوماسية لأنها بحاجة إلى الرأي العام العربي والعالمي.
سابعًا: أن تتعامل إيران مع النظام الجديد في سوريا ولا تعاديه ولا تصادقه وإنما تعتبره سلطة الأمر الواقع، فإذا حقق مصالحها ونحن نتفق معها في أن مصالحها ومصالحنا العربية تقتضي دعم المقاومة ولكن لا تعلق هذا الشرط على التعامل مع النظام الجديد في سوريا إلى أن يعلن صراحة أنه ضد المقاومة ومع إسرائيل في هذه الحالة سوف تجد إيران جبهة عربية واسعة تقف معها أن لم يكن الحكام فالشعوب العربية مطبوعة على كره إسرائيل وحب المقاومة.
ثامنًا: أن تبحث إيران عن الوسائل الأخرى التي تدعم بها المقاومة ولتعلم إيران أن تخليها عن المقاومة خطبًا لود أمريكا وإسرائيل لن يجدي نفعًا مادامت الخطة هي القضاء على إيران الثورة واستعادة ملك الشاه كهدف نهائي لاستقرار المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
تاسعًا: أن تكون إيران مرنة في اختيار أولوياتها والأولوية المطلقة هي لبقائها ومحاربة جميع طرق فنائها يلي ذلك الهدف الملف النووي الإيراني ثم تحسين العلاقات مع الحكومات الخليجية والعربية والإسلامية بالترتيب.
عاشرًا: أن تهتم إيران بالشعب الإيراني فتصلح الأوضاع الاقتصادية وتضع سياسات مرنة عادلة اتجاه الأقليات التي يتكون منها الشعب الإيراني حتى تفوت الفرصة على أعداء إيران لأنَّ إسرائيل أعلنت أنها اخترقت الصف الإيراني بفعل الأزمة الاقتصادية وعدم رضا بعض الأوساط عن توزيع المزايا السياسية فتمكنت من اغتيال هنية في طهران وهذه ضربة كبيرة للأمن الإيراني ولسمعة إيران والعلاج ليس في التحرش بإسرائيل وإنما في سد الثغرات الداخلية في المجتمع الإيراني.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصر