طهران– في لحظة تاريخية مليئة بالتحديات والصراعات، تولّى عباس عراقجي منصب وزير الخارجية في إيران، في وقت تتشابك فيه الأزمات الإقليمية والدولية مع المصاعب الداخلية التي تواجهها البلاد.

ويأتي تعيين عراقجي بالتزامن مع تصاعد التوترات بين إيران والغرب، واستمرار العقوبات الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى تحولات جذرية في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط تمثلت بالحرب في غزة والمواجهة بين "محور المقاومة" والاحتلال الإسرائيلي.

وخلفية وزير الخارجية الجديد كدبلوماسي مخضرم شغل مناصب مهمة مثل نائب وزير الخارجية والمفاوض النووي البارز، أهّلته لهذا المنصب الحساس.

والوزير عراقجي، المعروف بقدرته على المناورة بين المصالح المتضاربة وإدارة المفاوضات المعقدة، يحمل على عاتقه مسؤولية ثقيلة تتمثل في إعادة بناء الثقة الدولية بإيران، ومواجهة التحالفات الإقليمية المتغيرة، سعيا لتحسين الوضع الاقتصادي الذي يئن تحت وطأة العقوبات.

عراقجي في استقبال نظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن في طهران (رويترز) تقليل تكلفة الصراعات

وفي مقابلة مع التلفزيون الرسمي الإيراني، هي الأولى بعد توليه منصبه، تحدث عراقجي بالتفصيل عن السياسة الخارجية للحكومة الـ14، وقال "نحاول أن نكون فاعلين في التطورات الدولية وليس مجرد مشاهدين لها".

وحول العلاقات مع أوروبا، تحدث عن تعزيز التفاعل القائم على الفرص والاحترام المتبادل مع أوروبا، من أجل تأمين المصالح الوطنية للبلاد.

وفي ما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، قال "لا نتطلع إلى حل الخصام والتوترات مع الولايات المتحدة، فالعديد من هذه التوترات تنبع من سلسلة من الاختلافات الأساسية في الرأي، وهي ما نحاول إدارتها".

وخلص إلى أن الإدارة الإيرانية الجديدة تسعى إلى "تقليل تكلفة الصراعات وتقليل التكاليف التي يتكبدها الناس". وقال أيضا ردا على سؤال حول العقوبات "نتبع إستراتيجيتين، هما تحييد العقوبات والعمل على رفعها، وبطبيعة الحال، فإن مسألة تحييد العقوبات لها أولوية أعلى".

ونبه عراقجي إلى صعوبة إحياء الاتفاق النووي وعزا ذلك إلى تغير الأوضاع الدولية، مثل الحرب الأوكرانية، التي كان لها بالغ الأثر على النظرة الأمنية في أوروبا، كما أن الحرب في غزة والهجوم الذي شنه "النظام الصهيوني" وعمليات القتل التي وقعت هناك، قد غيرت ظروف المنطقة بالكامل.

من جهة أخرى، وبحسب الوزير الإيراني، انتهت بعض التواريخ التي كانت موجودة في الاتفاق النووي نفسه، وبالتالي لا يمكن إحياؤه بشكله الحالي. مضيفا أنه يجب إعادة فتح هذا الاتفاق، وتغيير أجزاء منه، وهذه ليست مهمة سهلة، فبمجرد فتح الاتفاق، سنكون أمام مهمة صعبة لإعادة تجميعه مرة أخرى.

إيران في مفاوضات غزة

وفي ما يتعلق بسياسة إدارته المرتقبة بشأن دعم المقاومة، أكد عراقجي أن "محور المقاومة مدعوم من قبلنا، وهذا الموضوع واضح في برنامجنا، هذه هي سياستنا المبدئية، وهي نابعة من مدرسة وعقيدة"، مؤكدا أن بلاده حاضرة في غزة، وإن كانت هناك دول أخرى تتوسط في مفاوضات وقف إطلاق النار.

وقال عراقجي إن سياسة إيران الخارجية يجب أن تكون نشطة وأن تلعب دورا ليس فقط على المستوى الميداني، بل أيضا على المستوى الدبلوماسي. وعبر عن رفضه "أن تأتي دول أخرى وتخطط لما تسمى بمفاوضات وقف إطلاق النار دون الالتفات إلى رغبات الشعب الفلسطيني ومواقف إيران".

وأوضح وزير الخارجية الإيراني "لقد طلبت من زملائي في وزارة الخارجية أن تكون لدينا خطة محددة في هذا المجال، وأن يتحركوا على أساسها؛ فإن العالم أجمع يعترف بدور إيران في الميدان، وعليهم أيضا أن يعترفوا بدورنا السياسي".

وحول علاقات طهران مع بكين وموسكو، أكد عراقجي أن الصين وروسيا صديقتان حميمتان لبلاده و"علاقاتنا وتعاوننا وشراكتنا معهم إستراتيجية". وأضاف "تم التوقيع على رؤية 25 عاما من التفاعل والتعاون مع الصين في الحكومة الـ12. ولدينا خطة مدتها 10 سنوات مع روسيا، ومؤخرا تم التفاوض على خطة مدتها 20 عاما".

واعتبر أن العلاقات مع هذين البلدين ينبغي أن تظل ضمن علاقات طهران طويلة الأجل، "وأن تستمر تفاعلاتنا معهم في أي موقف. وهذه ستكون سياستنا في الحكومة الـ14".

قاد عراقجي سابقا المفاوضات النووية مع الغرب ويطمح لإعادة إحياء الاتفاق بعد توليه وزارة الخارجية (غيتي) تحالف إقليمي جديد

ومن جانبه، قال الباحث في القضايا السياسية عرفان بجوهنده، إن سياسة إيران الخارجية المستقبلية في عهد الوزير الجديد يمكن تقسيمها إلى قسمين عامين، إقليمي ودولي.

وفي السياسة الإقليمية، سيواجه عراقجي 3 تحديات رئيسية، وفق رأي بجوهنده:

معادلات الأمن الإقليمي واحتمال تغيرها بسبب حرب غزة، على حساب محور المقاومة وفلسطين. إدارة القوى المناهضة لإيران في المنطقة، والتي ستنتعش مع احتمال تولي ترامب منصبه. تموضع إيران في الممرات الدولية التي تمر بالمنطقة.

وبالنظر إلى تصريحات المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، بشأن رفض التراجع الإستراتيجي وإمكانية "التراجع التكتيكي"، رأى الباحث، في حديثه للجزيرة نت، أنه يمكن القول إن سياسة عراقجي الخارجية تجاه التحديات الإقليمية ستكون إلى حد كبير استمرارا للسياسة الخارجية للوزير الراحل حسين أمير عبد اللهيان.

ويعني هذا، بحسب بجوهنده، تنسيقا كاملا مع محور المقاومة من جهة، ومشاركة أكبر لوزارة الخارجية الإيرانية في البعد السياسي والدبلوماسي للقضايا المرتبطة بالمحور، ولا سيما المفاوضات.

وبالإضافة إلى ذلك، رجح أن تتجه طهران نحو خلق نوع من التحالف بين القوى الإقليمية الثلاث، إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية وقد تضيف قوة رابعة وهي مصر، لتحقيق التوازن بشأن القوى المناهضة لإيران والمساعي الرامية إلى توحيد المنطقة ضدها.

ويرى الباحث الإيراني أن التحدي الأهم الذي يواجه عراقجي هو ملف العقوبات الغربية، التي فرضت ضغوطا اقتصادية على إيران وجعلت علاقاتها الخارجية غير متوازنة.

وبحسب بجوهنده، ثمة نقطتان لا بد من النظر فيهما بهذا الشأن:

أولًا: ستسعى طهران إلى تحييد العقوبات من خلال العلاقات مع الصين وروسيا، لكنها في الوقت نفسه ستسعى إلى تحقيق التوازن في سياستها الخارجية مع الدول الأخرى. ثانيًا: إحدى بؤر الأزمة مع الغرب هي القضايا الإقليمية، التي لن تسمح أبدا بأن تصبح موضوعا للتفاوض.

وخلص الباحث إلى القول إن عراقجي سيتجه في الدرجة الأولى نحو إدارة التوتر وإبقاء الوضع مع الولايات المتحدة مستقرا، باعتبارها القوة الأساسية ضد بلاده، وبعد ذلك فإن ما سيتغير مقارنة بالماضي، هو أن عودة أميركا إلى المفاوضات النووية لن تكون الموضوع الرئيس ولكن طريقة ونوع التغيير في الاتفاق النووي.

سياسة التوازن

وبدورها، رأت الباحثة في السياسة الخارجية عفيفة عابدي، أن أجندة عراقجي الخارجية ستتمثل في السياسة المتوازنة التي تقوم على الحفاظ على العلاقات وتعزيزها مع الشركاء الشرقيين وإحياء العلاقات المتوترة مع الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها الترويكا الأوروبية.

وفيما يتعلق بالملف النووي، قالت عابدي للجزيرة نت، إن إيران تسعى إلى حل الخلافات عبر المفاوضات بطريقتين: مسار المفاوضات المباشرة مع أوروبا، وكذلك المفاوضات غير المباشرة عبر الأصدقاء الإقليميين مع الولايات المتحدة، والتي جرت في الأشهر الماضية وفي الحكومة السابقة؛ معتبرة أن نجاح هذه المفاوضات أو فشلها سيكون مؤثرا للغاية في توجهات إيران السياسية والأمنية.

وأردفت عابدي أن أحد الجوانب المهمة في السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، والتي ستكون بمثابة استمرار لسياسة الجوار الإيرانية، هو زيادة التفاعل مع جيرانها، وخاصة في جنوب الخليج، وعبر طرح مبادرة الحوارات الثنائية والمتعددة الأطراف والإقليمية على جدول أعمال الحكومة الـ14، مرجحة أن تجد هذه العلاقات مساحة جديدة في الفترة القادمة وخاصة في البعد الاقتصادي.

كما تشير الباحثة إلى استمرار دعم الدول الصديقة والمتحالفة مع إيران في محور المقاومة، لا سيما أنها "في السنوات الأخيرة وفي حرب غزة أثبتت إيران أن محور المقاومة هو جزء من محور الدفاع عن الدول الإسلامية في المنطقة ولا يتعارض مع أمن ومصالح الدول الإسلامية خارج محور المقاومة".

لكن القضايا التي تعتبر تحديات مستقبلية بالنسبة لعراقجي، وفق الباحثة، تكمن في:

"السجل السيئ للأميركيين في الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018". و"السجل السيئ للتعاون الأوروبي في مرحلة ما بعد انسحاب ترامب من الاتفاق". والأعمال "التخريبية للكيان الصهيوني" في دعم أعمال الشغب في البلاد.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات إيران الاتفاق النووی وزیر الخارجیة محور المقاومة فی السیاسة إیران فی

إقرأ أيضاً:

السنوار يبعث برقية لنصرالله ويثمن تضامنه ودعمه لجبهات محور المقاومة

يسروت "د ب أ": بعث رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار، برقية إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، مثمنا فيها تعزيته وتهنئته باستشهاد رئيس المكتب السياسي السابق للحركة اسماعيل هنية، كما شكره على تضامنه من خلال الإسناد والدعم في جبهات محور المقاومة.

وقال السنوار في برقيته، بحسب بيان صادر عن العلاقات الإعلامية في حزب الله الجمعة "تلقينا في حركة المقاومة الإسلامية حماس، بتقدير واعتزاز كبيرين رسالتكم الكريمة .. تهنئة وتعزية بشهيدنا ورفيق دربكم في الجهاد والمقاومة، وفقيد الأمة القائد المجاهد اسماعيل هنية (أبو العبد) رئيس المكتب السياسي للحركة، ومرافقه المجاهد وسيم أبو شعبان (أبو أنس)، شاكرين لكم تضامنكم الممزوج بالمشاعر الصادقة والنبيلة، الذي عبرت عنه أفعالكم المباركة في جبهات محور المقاومة، إسنادا ودعما وإنخراطا في هذه المعركة".

وأضاف السنوار " يرتقي شهيدنا القائد، رمز الأمة وفلسطين (أبو العبد) في معركة طوفان الأقصى، إحدى أشرف معارك شعبنا الفلسطيني التاريخية، على درب القادة الشهداء لتلتقي دماؤه ودماء أبنائه وأحفاده وعائلته، مع التضحيات العظيمة التي يقدمها أبناء شعبنا في غزة والضفة والقدس والداخل المحتل، تأكيدا على أن دماء قادتنا ومجاهدينا ليست أغلى من دماء أبناء شعبنا، وأن هذه الدماء الذكية والقوافل المباركة من الشهداء ستتزايد صلابة وقوة في مواجهة الإحتلال الصهيوني النازي."

وأكد أن الحركة "ستبقى كما كانت دوما ثابتة على درب الوفاء لدماء الشهداء، وأن المبادئ السامية التي كان يدعو لها القائد الشهيد أبو العبد ستظل ثابتة وحاضرة وتمضي عليها حركتها ومجاهدونا، وفي مقدمتها وحدة شعبنا الفلسطيني على خيار الجهاد والمقاومة، ووحدة الامة وفي القلب منها محور المقاومة في وجه المشروع الصهيوني دفاعا عن أمتنا ومقدساتنا، وفي مقدمتها القدس والأقصى، حتى دحر الاحتلال وكنسه عن أرضنا، وإقامة دولتنا المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس".

ميدانيا أعلن حزب الله اللبناني،اليوم أن عناصره استهدفوا عدة مواقع إسرائيلية بالطائرات المسيرة وقذائف المدفعية.

وقال حزب الله في بيان إن عناصره استهدفوا موقع بياض بليدا بقذائف المدفعية وأصابوه إصابة مباشرة كما استهدفوا القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية الإسرائيلية في ثكنة "بيريا" بصواريخ الكاتيوشا، ردا على الاغتيال الذي نفذته إسرائيل في بلدة "كفرجوز" الجنوبية.

واضاف الحزب أن عناصره استهدفوا أيضا موقع "المرج" و "ثكنة زبدين " الإسرائيليين بالأسلحة الصاروخية و" قاعدة فيلون" الإسرائيلية جنوب شرق مدينة صفد بالمسيرات الانقضاضية، ردا على اعتداء إسرائيل على بلدة "كفرجوز" الجنوبية.

كان الحزب قد أعلن في بيان في وقت سابق الجمعة أن عناصره استهدفوا القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية الإسرائيلية في ثكنة "بيريا" بصواريخ الكاتيوشا، ردا على الاغتيال الذي نفذته إسرائيل في بلدة "كفرجوز" الجنوبية.

وقال حزب الله في بيان إن عناصره قصفوا القاعدة الأساسية للدفاع الجوي الصاروخي التابع لقيادة المنطقة الشمالية في ثكنة بيريا بصليات من صواريخ الكاتيوشا.

وكانت غارة إسرائيلية قد استهدفت مساء الخميس بلدة "كفرجوز"، وأدت إلى مقتل ثلاثة أشخاص من بينهم طفل وإصابة ثلاثة أشخاص بجروح.

ونعى حزب الله مساء الخميس إثنين من عناصره ليرتفع عدد الذين سقطوا "على طريق القدس" إلى 468.

مقالات مشابهة

  • تقرير: أجندة هاريس الانتخابية غامضة وتضم ثغرات
  • بلومبيرج الأمريكية: المفاوضات التي تقودها الأمم المتحدة فشلت في حل أزمة المركزي
  • السنوار يبعث برقية لنصرالله ويثمن تضامنه ودعمه لجبهات محور المقاومة
  • السنوار يوجه رسالة هامة إلى السيد حسن نصر الله.. تفاصيل ما جاء فيها
  • السنوار للسيد نصرالله: نشكر تضامنكم عبر أفعالكم المباركة على الجبهات
  • الخارجية الأمريكية: لن نقيد أي مساعدات عسكرية لمصر لدعم الاستقرار الإقليمي
  • عاجل | سي إن إن عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية: لن نقيد أي مساعدات عسكرية لمصر وهذا مهم لتعزيز السلام الإقليمي
  • أزمة جديدة بين مصر وإسرائيل!
  • أزمة جديدة بين مصر وإسرائيل تلوح في الأفق بعد معضلة "محور فيلادلفيا"
  • الحكومة توافق على الاتفاق التمويلي للبرنامج الإقليمي مع دول حوض البحر المتوسط