منحت الفعاليات العارمة التي شهدتها القارة الأوروبية خلال حرب غزة (2023-2024) انطباعًا محقًّا بتحوّلات طرأت في مواقف الجماهير من قضية فلسطين. فمن شواهدها اتساع القاعدة الجماهيرية لهذه الفعاليات وانخراط مكوِّنات مجتمعية فيها، وتعبير شخصيات عامّة من الحياة الثقافية والأدبية والفنية في بلدان عدّة عن مواقف مبدئية ذات صلة.
رصدت استطلاعات رأي تحوّلات معيّنة في مواقف الجمهور في بلدان أوروبية من فلسطين واحتلالها في سياق حرب غزة، علاوة على حصيلة الخبرات التي تراكمت قبل موسم الإبادة المشهودة. تجلّى للعيان كيف حقّق التفاعل الجماهيري الداعم لفلسطين زخمًا كبيرًا قياسًا بالفعاليات المكرّسة لتأييد الجانب الإسرائيلي، وحربه الوحشية على غزة، رغم ما تحظى به دولة الاحتلال من رعاية رسمية وتكريم معنوي أحيانًا في بعض هذه الدول.
ثمّة فجوة ماثلة للعيان بين مواقف النخب المتنفِّذة واتجاهات الجمهور. وبينما مالت وسائل الإعلام المركزية في معظم دول أوروبا إلى مضامين منحازة بوضوح إلى سردية الاحتلال حتى بعد التعديل النسبي الذي طرأ عليها، أسوة بالمواقف السياسية الرسمية تقريبًا؛ جاءت المضامين الشبكية التي يتداولها الجمهور منذ بدايات حملة الإبادة في اتجاه مفارق لهذا الانحياز غالبًا.
تتضافر التأثيرات المركّبة بمفعول الزخم الجماهيري المتعاظم لصالح فلسطين وتحوُّل اتجاهات التفهُّم والتأييد في بعض البيئات بعيدًا عن الاحتلال، الذي يخسر "معركة الوعي" التي تدخل في موازين القوى المعنوية، وإن بقيت وجهة السياسات الخارجية على حالها تقريبًا.
مطالب الجماهير واستجابة السياسة
رفعت الفعاليات الجماهيرية العارمة المؤيِّدة لفلسطين مطالب واضحة في أنحاء أوروبا، من قبيل دعم حرية الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال، و"وقف إطلاق النار فورًا"، وفرض عقوبات على الجانب الإسرائيلي، ومقاطعته، ونزع الاستثمارات من مؤسّساته وشركاته ومرافقه، وإنهاء إمدادات الأسلحة والمساعدات الموجّهة لصالحه، علاوة على مطالب تفصيلية متعدِّدة.
لا ينبغي أن تفاجئنا حقيقة أنّ الاستجابات السياسية الأوروبية لهذا الضغط الجماهيري العارم بقيت بعيدة المنال. ذلك أنّ التأثير الجماهيري يستعصي، غالبًا، على وجهة السياسات الخارجية الراسخة، كما تتجلّى في حالة دول منحازة تقليديًا إلى الاحتلال الإسرائيلي، بالمقارنة مع سياسات تتعلّق بالشؤون المحلية أو الوطنية المباشرة.
حقيقة الأمر أنّ السياسات الخارجية تبقى بمنأى عن الاستجابة لتطلّعات أوساط جماهيرية ناشطة وإن تعاظمت تحرّكاتها. ويعود ذلك لأسباب بعضها بنيوي في الديمقراطيات الأوروبية. يُدرك صانعو القرار، بطبيعة الحال، أنّ الكمّ الجماهيري الذي يضغط في الشارع والشبكات وبعض الأوساط للدفع باتجاه تصحيح معيّن لوجهة السياسة الخارجية؛ لا ينعكس بالزخم ذاته على المؤشِّرات الانتخابية ولا تترتّب عليه، بالتالي، تأثيرات جوهرية في صناديق الاقتراع على الأرجح، إلا في حالات محدودة.
قد عزّزت نتائج الانتخابات التي أُجريت في البلدان الأوروبية خلال حرب غزة (2023-2024) هذا الاستنتاج إلى حدّ كبير. يؤدي غياب الفرص الواقعية المُتاحة لتمثيل مطالب الجماهير المُعترضة إلى دفع السلوك التصويتي إلى خيارات؛ منها الاقتراع لصالح الخيار الأدنى من حيث "السوء"، أو الإحجام عن منح الأصوات للأحزاب المتنافسة ذات الفرص الواقعية في التصدّر بالامتناع عن التصويت، أو توجيه الأصوات إلى أحزاب هامشية في الوزن الانتخابي، وبعضها قد يكون حديث التشكّل، وقد لا يملك فرصة واقعية حتى لدخول البرلمان.
يبقى هذا التأثير التصويتي محدود الأثر أو قابلًا للاحتمال بالنسبة لبعض الأحزاب، ما لم تتضافر حالة شعبية جارفة ودؤوبة – تبقى مستبعدة – تُغلِّب أولوية سياسية خارجية على ملفّات أخرى تشغل جماهير الناخبين. إنها معضلة بنيوية في الديمقراطيات الأوروبية التي تُبقي ملفّات السياسة الخارجية ضعيفة الحضور، أو غائبة كليًا عن أولويّات المضامين الانتخابية المعروضة في جولات الاقتراع عبر أوروبا. ويتجلّى هذا في مستويات الانتخاب المتعددة: نقابيًا ومحليًا وبرلمانيًا ورئاسيًا وأوروبيًا.
من شأن هذا الواقع أن يشير إلى المفعول النسبي المحدود للفعاليات الجماهيرية والاعتراضات الشعبية والضغوط القطاعية المتعلقة بفلسطين واحتلالها وحرب الإبادة الوحشية، على التوازنات الانتخابية في معظم البيئات الأوروبية. وقد يتزايد هذا المفعول في بيئات معيّنة بحضور عوامل ومتلازمات أخرى، أو يضمر عند تعاظم أولويات انتخابية أخرى مثل العناوين التي يستثمر فيها اليمين وأقصى اليمين، ويحقِّق مكتسبات متزايدة عبر أوروبا، ما يعزِّز مواقفه المنحازة تقليديًا للاحتلال الإسرائيلي.
على أنّ توفّر ثقافة سياسية ومجتمعية متعاطفة تقليديًا مع الشعب الفلسطيني، ولو بشكل جزئي، يُتيح فرصًا أوفر لفعاليات الجماهير المؤيدة لفلسطين في التأثير الانتخابي والسياسي، كما تعبِّر عن ذلك الحالتان الأيرلندية والإسبانية مثلًا.
المفعول الضاغط والتأثيرات الموضعية
لا تنفي المعادلات السياسية والانتخابية القائمة فرص التأثير التي تحوزها الفعاليات الجماهيرية والاتجاهات المرصودة شعبيًا فيما يتعلّق بفلسطين. فتحرّكات الميادين ومبادرات المتفاعلين ذات مفعول ضاغط على صانعي القرار، وإن لم يتجاوبوا مع مطالبها وتطلّعاتها. وهي تزيد من الكلفة الأخلاقية والمعنوية للسياسات والمواقف المنحازة للاحتلال الإسرائيلي.
ثمّ إنّ المطالب القطاعية والضغوط القاعدية مؤهّلة لانتزاع مكتسبات معيّنة عبر التحرّكات الجماهيرية والتكتّل المدني والمبادرات الضاغطة وجهود التوعية. وقد تجلّى ذلك، مثلًا، في دفع مؤسسات وهيئات إلى نزع استثماراتها من مؤسّسات الاحتلال ومرافقه. إنّ الضغط الموضعي على مؤسّسات ومصانع ومرافق معيّنة – بما في ذلك الاعتصامات الجامعية التي تطالب بفكّ تعاقدات معيّنة مع مؤسسات الاحتلال ومصالحه – مؤهّل لإحراز تأثير فعّال في أمد زمني قصير نسبيًا بالنظر إلى مفعول تركيز الضغط الموضعي وحشد جمهور مؤسسة معيّنة نحو مطالب تفصيلية مفهومة، وتُعدّ قابلة للتحقيق في نطاق محدّد.
كما أنّ للتحرّكات الجماهيرية والاعتراضات المسموعة أثرها المحتمل في تكييف بعض الخطابات والمواقف السياسية بشكل نسبي بما يراعي التوجّهات الجماهيرية المرصودة، وإن لم يمسّ هذا جوهر السياسات ذات الصِّلة. لعلّ الأثر الأوضح للفعاليات الجماهيرية والضغوط الشعبية يتمثّل في إعاقة عبور دعاية الاحتلال وسرديّات التضليل السياسية والإعلامية الداعمة له من جانب؛ وإبداء المساندة والدعم للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرّر، وتعزيز موقفه المعنوي في هذا الصراع من جانب آخر، وحشد قوى ومواقف لصالحه وإضعاف الجبهة المضادة له، وسحب ذرائعها النمطية تبعًا لذلك.
من واقع الحال أنّ فلسطين تكسب في ديمقراطية الشارع ما لا يتحقّق لها في ديمقراطية الأروقة المُوصَدة على نخب مُرتهنة للعناوين السياسية وأولويات المصالح والتوازنات القائمة.
استجابات شكلية وتوازُن مزيّف
لا يعجز صانعو القرار في أوروبا عن استيعاب ضغوط جماهيرية واحتواء اعتراضات موجّهة إليهم بشأن قضية فلسطين، عبر خيارات متعدِّدة، منها إظهار استجابات شكلية أو تحويرات نسبية لا تمسّ جوهر الموقف السياسي المعتمد. يجري ذلك عادة عبر الدعوة إلى "الحدّ من التصعيد" و"السعي إلى التوصّل إلى إطلاق سراح المختطفين ووقف إطلاق النار"، والمبالغة الجوفاء في التعبير عن تقديم "مساعدات إنسانية" للشعب الفلسطيني، وإبداء انشغال مُزيّف بمعاناة المدنيين الفلسطينيين، دون تحميل جيش الاحتلال أي مسؤولية واضحة أو مباشرة عن هذه المعاناة.
يدخل في هذا، أيضًا، إعلان الالتزام بـ "حلّ الدولتين"، رغم أنّه لا يُقدِّم جديدًا للموقف السياسي عمّا اعتمدته الدول الأوروبية منذ عقدين من الزمن عندما خرجت "الرباعية الدولية" بخطتها "خريطة الطريق" التي لم تُترجم في الواقع. حتى إن وجّهت بعض العواصم الأوروبية المنحازة إلى الاحتلال نقدًا واضحًا إليه؛ فإنّها قد تتخيّر تسديد النقد إلى اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية، لكنها تُواصِل إعفاء جيش الاحتلال أو حرب الإبادة في غزة من اللوم الواضح فضلًا عن قيادة الحكومة والجيش.
وقد يأتي النقد بالإعراب عن القلق من تسبُّب جيش الاحتلال بقتل الأطفال والنساء في القطاع، لكن دون تطوير موقف سياسي ضاغط بشكل فعّال على الاحتلال وجيشه يردعه عن مواصلة نهجه الوحشي. لا تبرأ مواقف تبدو إيجابية من شبهة التحايُل والمراوغة إن انشغلت بانتهاكات معيّنة وتجاهلت في الوقت ذاته ما يفوقها من إبادة جماعية وحشية، أو إن حاولت إظهار "توازن" شكلي بمواقف ناقدة، لكنّها غير مشفوعة بتحرّكات جادّة.
تبقى الخطوات التصحيحية في بعض الدول الأوروبية متوقّعة رغم المعيقات جميعًا، لكنها إن جاءت فستبدو متثاقلة وجزئية ومحدودة الفاعلية وبمفعول تراكمي غير عاجل، مثل مبادرات الاعتراف بدولة فلسطين رغم مكتسباتها ومغزاها ورمزيّتها. ذلك أنّ ما تحتاجه فلسطين في لحظتها التاريخية هذه هو وقف الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، ومساندة تحرّرها، وليس الاكتفاء بالاعتراف بدولة تُخنَق شروط قيامها في الواقع.
حتى لو فُرِضت قيود معيّنة على صادرات السلاح إلى دولة الاحتلال، فإنّ ذلك وحده لا يرقى إلى مصافّ فرض عقوبات عليه أو إلغاء الشراكات الرسمية القائمة معه. وقد أقدمت أوروبا على إنزال ثلاث عشرة حزمة عقوبات مكثّفة وغير مسبوقة بروسيا خلال سنتين فقط منذ غزو أوكرانيا، تشمل ألفين وخمسمائة عقوبة، علاوة على عقوبات فرضتها على روسيا البيضاء، وإيران، وكوريا الشمالية، على خلفية دعمها موسكو، دون أن تفرض أي عقوبات تُذكر على الاحتلال الإسرائيلي وجيشه حتى خواتيم سنة الإبادة المتواصلة.
ممّا يُغري النخب السياسية وصانعي القرار بتجاهُل ضغط الشارع المؤيِّد لفلسطين هو اتجاه عام في بعض الدول الأوروبية يُصنِّفه ضمن الهامش المجتمعي والسياسي، أو يربطه بمكوِّنات ذات خلفية هجرة ولجوء؛ أو بالفلسطينيين والعرب والمسلمين تحديدًا، مع إغفال مشهد التنوّع المجتمعي، النسبي على الأقل، الماثل فيها غالبًا. يُراد من تغليب هذه النظرة المُتحامِلة وَصم هذه التحرّكات وعزلها عن الوسط المجتمعي العريض، وتبرير تجاهل مطالبها وتسويغ عدم الاكتراث برسائلها من جانب صانعي السياسة والنخب المجتمعية المتصدِّرة والتغطيات الإعلامية المركزية.
ثمّة صورة مقابلة لذلك في المشهد الأوروبي، تتمثّل في شعوب ومكوِّنات معروفة تقليديًا بحرارة تعاطفها مع فلسطين، بدافع خبرة ذاتية مع تجارب هيمنة وتهميش عانت منها، كما تجسِّد ذلك حالة أيرلندا، أو كما يُلحظ في إقليم الباسك الإسباني مثلًا.
الجماهير لا تملك المفتاح
نظلم التحرّكات الجماهيرية والجهود الإعلامية والمبادرات المدنية إن توقّعنا منها تحويل وجهة السياسات الخارجية في الديمقراطيات الأوروبية، ذلك أنّ الشارع لا يُمنَح مفتاح التصويب ببساطة. تبقى هذه التحرّكات رافدًا حيويًا داعمًا لقضية فلسطين ومشجِّعًا لشعبها في مساعيه لانتزاع حقوقه، وهي تعبير حيّ عن التضامن والمساندة، خاصّة في زمن الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وجرائم الحرب الوحشية.
ولهذه التحرّكات أثرها في نزع المصداقية عن سرديات داعمة للاحتلال وحرب الإبادة تفشّت في الدول الغربية. ولاشكّ أنّ اتساع التحرّكات المناهضة للاحتلال، يشير إلى اتجاه متعاظم لنبذه، حتى عندما تبقى السياسة الخارجية منزوعة الضمير ومُفارِقة للمبادئ. وما كان لحكومة نتنياهو أن تتصرّف بذعر إزاء اعتصامات الجامعات الغربية، مثلًا، لولا إدراكها أهمية "معركة العقول والقلوب".
لا ينتفي الأثر السياسي بكُليّته، فاتِّساع التنديد بعدوان الاحتلال على الشعب الفلسطيني وجرائم حربه، يُمثّل متغيِّرًا ضاغطًا على مواقف الانحياز، بصرف النظر عن مدى التجاوب السياسي مع هذا الضغط. ثمّة مُساءلة أخلاقية غير مسبوقة للسياسات والمواقف الداعمة لحرب الإبادة والمتواطئة مع الاحتلال، تسبّبت بأقدار من الحرج لنخب سياسية وصانعي قرار، مع جرأة غير مسبوقة في نقد السياسات الخارجية وفتح ملفّات الماضي. وستبقى إبادة غزة فصلًا مفتوحًا لمراجعات تاريخية عميقة في أوروبا والدول الغربية قد تتّخذ في بعض تجلِّياتها طابع صراع الأجيال.
شجّعت التحرّكات الجماهيرية، ضمن عوامل ومتغيِّرات أخرى، اعتراضات داخلية وأخرى مُعلنة في بعض الحكومات والإدارات والمؤسسات، على نهج الانحياز للاحتلال، وحرّكت نقاشات وتجاذبات داخل هيئات حكومية ومؤسسات عامّة وأخرى إعلامية وثقافية في بلدان أوروبية، وأظهرت مدى انغلاق راسمي الإستراتيجيات وصانعي السياسات على منطقهم الخاصّ المتناقض مع شعارات ترفعها دولهم، ومواثيق تحتفي بها أممهم، فهي حالة كاشفة لواقع لم يُبصَر عاريًا على هذا النحو من قبل.
ثمّ إنّ هذه التحرّكات الجماهيرية تتفاعل مع تطوّرات أخرى رديفة، مثل مواجهة الاحتلال الإسرائيلي في الهيئات الدولية، والتحرّك ضدّه في هيئات التقاضي الدولي بدعاوى الإبادة الجماعية وجرائم الحرب.
ستواصل أوساط جماهيرية رفع أصواتها ولافتاتها في الميادين الأوروبية لأجل غزة وفلسطين وضدّ الاحتلال والإبادة موسمًا بعد موسم، وستُطوِّر تجارب التضامن والاعتراض والتنديد والتعطيل، لكنّ النخب المتنفذة ستبقى في معظمها وفيّة لمقتضيات الفقاعة التي تحتويها وتغويها بتأويل القيم والمبادئ المرفوعة؛ بما يوافق انحيازاتها النمطية وقراءاتها المتجدِّدة لأولوية السياسة، واتجاهات المصالح على المواثيق والشعارات والمقولات المبجّلة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السیاسات الخارجیة حرب الإبادة تقلیدی ا ات أخرى فی بعض التی ت
إقرأ أيضاً:
كيف تخنق إسرائيل اقتصاد فلسطين بقوانينها؟
أمعنت إسرائيل في حربها على كل ما هو فلسطيني، لا سيما الاقتصاد، بسن عدد من التشريعات مع ارتباط اقتصاد غزة والضفة الغربية بالاحتلال عبر عوامل متعددة، منها التفاهمات مع السلطة الفلسطينية والحصار.
وأشارت دراسة حديثة إلى إصدار قوانين وتشريعات إسرائيلية جديدة، في الفترة التي عقبت عملية طوفان الأقصى وحرب إسرائيل على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، تشمل قضايا تتعلق بالضرائب، والعمالة، والمعونات الاجتماعية، والتوسع الاستيطاني، وهي مجالات ذات تأثير مباشر على الاقتصاد الفلسطيني بسبب التشابك القائم بين الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي.
ومن المتوقع، وفق الدراسة التي أعدتها الدكتورة رغد عزام الباحثة في مركز رؤية للتنمية السياسية والمختصة في شؤون الاقتصاد الفلسطيني، أن تتفاوت آثار هذه التعديلات على الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية مقارنة بقطاع غزة.
قانون حظر الأونرواذكرت الباحثة في دراستها أن قرار الاحتلال الإسرائيلي حظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي في الأرض المحتلة سيفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية نتيجة توقف خدماتها؛ ففي الضفة الغربية وقطاع غزة، يستفيد أكثر من 340 ألف طالب من التعليم في مدارس الوكالة، ويُقدر عدد المستفيدين من الخدمات الصحية للأونروا بأكثر من 4 ملايين.
إعلانوتوقعت الدراسة أن يؤدي حظر الأونروا إلى ارتفاع الحاجة إلى المساعدات الإنسانية من مصادر أخرى، إذ بلغت موازنة الأونروا 345 مليون دولار عام 2023، كانت توجه لدعم اللاجئين الفلسطينيين، ويعمل في الأونروا 30 ألف موظف، معظمهم فلسطينيون.
الخصم الضريبي للعمالنص أحد بنود قانون الترتيبات الاقتصادية الخاص بموازنة الاحتلال لعام 2025 على إلغاء الخصم الضريبي الذي كان العمال الأجانب والفلسطينيون يتمتعون به، إذ يحصل العمال الفلسطينيون والأجانب الذين يعملون في الأراضي المحتلة على بعض الخصومات المرتبطة بضريبة الدخل أسوة بالعمال الإسرائيليين، وبناء على اعتبارات معينة مثل الإقامة والعمر والحالة الأسرية والجنس وما إلى ذلك.
وتوقعت حكومة الاحتلال أن يزيد القرار من العوائد الضريبية بحوالي 410 ملايين شيكل (113 مليون دولار) خلال عام 2025، وتسعى الحكومة الإسرائيلية بذلك إلى رفع إيراداتها الضريبية ومحاولة سد العجز في موازنة الحكومة الناجم عن الحرب على غزة وتداعياتها.
وتحدد حكومة الاحتلال قيمة الخصومات على ضريبة الدخل بداية كل سنة ضريبية، وفقا للتغير في مؤشر أسعار المستهلك عن العام السابق، ففي عام 2024 بلغ حجم الخصم الضريبي على الدخل 242 شيكلا (64 دولارا) شهريا (بمعنى أن العامل الذي يحصل على خصم ضريبي سيدفع ضريبة دخل أقل بـ64 دولارا عن غيره ممن ليس لديه خصم ضريبي).
ووفق الدراسة، سيؤدي إلغاء هذا الخصم إلى زيادة عبء الضرائب المفروضة على هذه الفئة من المجتمع الفلسطيني وانخفاض مدخولهم، ويتزامن هذا مع القيود التي فرضها الاحتلال منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 على دخول العمال الفلسطينيين للعمل في السوق الإسرائيلية.
وحسب أحدث بيانات العمل لدى الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، انخفض عدد العاملين الفلسطينيين في الداخل المحتل والمستوطنات حتى الربع الثاني من عام 2024 إلى حوالي 27 ألفا، بعد أن كان هذا العدد يصل إلى حوالي 200 ألف عامل قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، الأمر الذي زاد من حدة البطالة في الضفة الغربية.
إعلانوبموجب بروتوكول باريس، يتم تحويل 75% من ضريبة الدخل المفروضة على أموال العمال الفلسطينيين العاملين في الداخل المحتل للسلطة الفلسطينية، في حين يحتفظ الاحتلال بـ25% من هذه الأموال بحجة تغطية تكاليف الإدارة والخدمات المتعلقة بتحصيل الضرائب، أما عائدات العمال الذين يعملون في المستوطنات، فينصّ بروتوكول باريس على تحويلها بالكامل للسلطة الفلسطينية.
تجميد أموال السلطة الفلسطينيةيأتي هذا البند ضمن "قانون مكافحة الإرهاب" الذي صادق عليه الكنيست الإسرائيلي عام 2016، والذي يضم مئات البنود التي تم التوسع فيها، وكان أهمها إعطاء الصلاحية لحكومة الاحتلال بمراجعة وتقدير الأموال التي تذهب إلى عائلات الأسرى والشهداء الفلسطينيين الذين شاركوا بعمليات فدائية ضد الاحتلال، وخصم مبالغ مالية مقابلها من أموال المقاصة قبل تسليمها للسلطة الفلسطينية.
وزاد حجم المقتطع من 187 مليون دولار في 2022 إلى 477 مليون دولار في 2023، وفق الدراسة.
وفي أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدر الاحتلال قرارا يقضي بتجميد كامل الأموال الفلسطينية التي تُجمع لتكون عوائد ضريبية (المقاصة) للسلطة الفلسطينية، وتم تجميد حوالي 789 مليون دولار، بدعوى استخدام السلطة الفلسطينية هذه الأموال لدعم "الإرهاب" عبر دفع رواتب الأسرى والشهداء.
وبعد أن تم التوصل لتسوية تقضي بتحويل أموال المقاصة المحتجزة إلى دولة النرويج التي تقوم بدور الوسيط الذي يضمن وجهة هذه الأموال لدى السلطة الفلسطينية، عاد الاحتلال وتراجع عن ذلك عقب اعتراف النرويج بفلسطين دولة مستقلة.
وفي مارس/آذار 2024، أقرّ الكنيست قانونا يسمح لعائلات إسرائيلية من متضرري عمليات المقاومة برفع دعاوى ضد السلطة الفلسطينية، والمطالبة بتعويضات تصل إلى حوالي 2.7 مليون دولار لعائلة كل قتيل.
ووفقا لذلك، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قضت محكمة الاحتلال في القدس المحتلة بإلزام السلطة الفلسطينية بدفع 12.5 مليون دولار تعويضات عقابية وتكاليف جنازة ونفقات قانونية لعائلات 3 قتلى قتلوا في عملية سبارو التي وقعت عام 2001، وأُمهلت السلطة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول الجاري لدفع التعويضات، وإلا ستُقتَطَع من أموال المقاصة المحتجزة لدى الاحتلال.
إعلان الضم وتوسيع الاستيطانوأشارت الدراسة إلى أنه ضمن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية الهادفة للتوسع في الضفة الغربية وقطاع غزة، تم تمرير تشريع إسرائيلي جديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 يمنح مركز جباية الغرامات الحكومي الإسرائيلي أحقية جمع الغرامات التي فرضتها المحاكم العسكرية على الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وذكرت أن هذا القانون جزء من إجراءات إسرائيلية تهدف إلى زيادة الضغط المالي على الأفراد والأسر المتأثرة بالأحكام العسكرية، كما يعكس نهجا موسعا يستخدم الوسائل القانونية لتعزيز السيطرة الإدارية والاقتصادية في مناطق السلطة الفلسطينية.
وقف المخصّصات الاجتماعيةأصدر الكنيست الإسرائيلي قانونا جديدا يهدف إلى إيقاف صرف الإعانات الاجتماعية للأفراد والعائلات الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة إذا ثبتت مشاركتهم في أنشطة تُعتبر "إرهابية" حسب القوانين الإسرائيلية، وتقدّر هذه الإعانات الاجتماعية بحوالي 1.9 مليون دولار، ويستهدف هذا القانون حرمان بعض الفئات التي كانت تستفيد من المخصصات الاجتماعية المقدمة من مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية، ومن ذلك:
العمال السابقون من قطاع غزة الذين ساهموا في نظام التأمين الوطني خلال فترة عملهم في إسرائيل. الأشخاص الذين أصيبوا بإعاقة نتيجة عملهم في إسرائيل وحصلوا على تعويضات قانونية. القُصّر تحت سن 18 عاما، الذين يحمل أحد والديهم الجنسية أو الإقامة الإسرائيلية، لكنهم يقيمون في الضفة الغربية أو قطاع غزة.ووفق الدراسة، يُعد القانون خطوة إضافية ضمن مجموعة من التشريعات التي تهدف إلى تعزيز الإجراءات العقابية ضد من يتهمهم الاحتلال بالمشاركة في "الإرهاب"، وهي بذلك تخفف من العبء المالي عليها من جهة، ومن جهة أخرى تستغل سوء الأوضاع الاقتصادية لدى الفلسطينيين كي يشكل هذا رادعا لأي عمل مقاوم.
إعلانوخلصت الدراسة إلى أن التطورات الأخيرة تشير إلى إستراتيجية إسرائيلية للضغط الاقتصادي على الفلسطينيين لتقويض قدرتهم على الصمود، مما أدى إلى تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة.