عملية “يوم الأربعين”.. رسائلها للجبهات والمفاوضين
تاريخ النشر: 29th, August 2024 GMT
كما جاءت عملية “يوم الأربعين” مركبة وناجحة ودقيقة من الجانب العسكري والتقني، فقد حملت بالمقابل رسائل سياسية واستراتيجية مركبة، سواء للجبهات التي تشهد تصعيداً واتساعاً، أو للمفاوضات التي تشهد مراوغة وخداعاً.
رسائل “يوم الأربعين” للجبهات:
حملت العملية رسائل عسكرية واستراتيجية هامة يفهمها العدو ورعاته في أمريكا و”الناتو” جيدًا، كما حملت رسائل لرفاق الجهاد بمختلف ساحات المقاومة:
1 – عدم السماح بكسر التوازن وتغيير المعادلات تحت عنوان الاستقواء بأمريكا و”الناتو”، وأن تثبيت معادلات توازن الردع هو أمر لا يمكن المساس به بعد بلوغه بتضحيات جسيمة.
2 – مهما بلغت درجات التأهب والاستنفار لدى العدو ومهما بلغت المساعدات المقدمة له، فإنه ليس بعيداً عن يد المقاومة الطولى، والتي تستطيع الوصول لعمق الكيان بأقل إمكانياتها ودون حتى استخدام للصواريخ الدقيقة والاستراتيجية.
3 – لا يوجد قصف عشوائي في قاموس المقاومة، بل تمتلك المقاومة بنكاً للأهداف، وحتى الصواريخ المنطلقة لإشغال الدفاعات تُوجه نحو أهداف عسكرية دقيقة ولا تطلق بالمناطق المفتوحة والخالية.
4 – حماية المدنيين في لبنان والحرص على المصلحة وعدم استهداف المستوطنين (المدنيين) في الكيان رغم أنهم في تعريف المقاومة مغتصبون ومحاربون، وهي رسالة للعدو بأنهم تحت أنظار المقاومة وفي متناول أسلحتهم ولكنهم متروكون لمعادلات أخرى إذا ما أقدم العدو على حماقاته وإجرامه بالاستقواء على المدنيين في لبنان.
5 – قطع الطريق على العدو وأميركا بخلق معادلة خاصة بلبنان، عبر التهويل بالحرب أو الدفع لأيام قتالية، للضغط على المقاومة لإخراجها من جبهة الإسناد، حيث أوضحت المقاومة بردها أنها لا تخشى المواجهة وأبدت جهوزيتها الكاملة لها وأن حرب الإسناد مستمرة حتى وقف إطلاق النار في غزة وبشروط ترضى بها المقاومة الفلسطينية و”حماس” تحديدًا .
رسائل العملية للمفاوضين:
حرص الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله على تناول المفاوضات الجارية في خطابه، وأكد أن المقاومة فضلت التريث وتأخير الرد لإعطاء الفرصة للمفاوضات لأن هدفنا هو وقف العدوان على غزة”، رغم أن مسار الرد منفصل عن مسار المفاوضات، كما حرص سماحته على القول إن هذه العملية تخدم المفاوض الفلسطيني والعربي، وهنا يمكن رصد ما يلي:
أولاً: جولة التفاوض الجارية في القاهرة جاءت استكمالاً لجولة الدوحة، وهي جولات تشهد مفارقات غريبة، منها غياب طرف رئيسي عن المشاركة وهو “حماس” بسبب الإخلال بقواعد التفاوض عبر محاولة نتنياهو فرض شروط جديدة معروف سلفًا أن المقاومة ترفضها مبدئياً، وتصر على العودة الى مقترح بايدن الذي عرض عليها في 2 تموز/يوليو الماضي ووافقت عليه، كما شهدت المفاوضات تصريحات وتسريبات إعلامية استباقية مخادعة تزعم أن نتنياهو تجاوب مع الضغط الأمريكي وأن الكرة في ملعب حماس التي تعرقل المفاوضات.
وهي أكاذيب مركبة تحاول ترسيخ صور مخادعة توحي بأن أمريكا وسيط وليست شريكًا بالعدوان، بل وقائداً له، وبأن نتنياهو منح وفده المفاوض صلاحيات أوسع رغم أنه يصر على احتلال المعابر ومحور فيلادلفيا وتتمثل المراوغة في إعادة انتشار قواته بالمحور، وأن حماس ترفض التنازل رغم المرونة القصوى التي أبدتها بالموافقة على مقترح أمريكي سابق لسبب وحيد أنه يتضمن الانسحاب من غزة ووقف إطلاق نار دائم ولو على مراحل.
ثانياً: من الواضح أن الجولة التفاوضية الجديدة في القاهرة تخدم الأهداف الانتخابية الأمريكية والوضع الداخلي المأزوم لحكومة نتنياهو وأنها تعمل على كسب الوقت وتعطيل الرد من جبهات المقاومة وما يحمله ذلك من تداعيات على الجبهات الداخلية للمقاومة وما ينفذ إليها من دعايات وحروب نفسية أشار لها السيد نصر الله في خطابه.
هنا يجدر ذكر السياسة التي تتعامل بها أمريكا، وهي سياسة حلف “الناتو” منذ أواخر الستينيات، وهو النهج الذي كرسه تقرير “هارمل” لعام 1967، حيث تعطي الأولوية للردع على النحو المنصوص عليه في التقرير، والذي حدد نهج “المسار المزدوج” الذي يتبناه الحلف مع الاتحاد السوفيتي وقتها ومفاده، أن الردع العسكري لمنع الحرب لا بد أن يكمله حوار سياسي للحد من التوتر بين القوى العظمى، وهذا النهج المزدوج المسار يؤدي إلى تقويض ثقة الخصم في أن استخدام القوة العسكرية يخدم مصالح سياسته الخارجية.
أي أن أمريكا عبر حشد القوة والبوارج والغواصات تستطيع الردع ثم تقود حواراً سياسياً تفرض به شروطها وتنتزع التنازلات، وهو ما أفشله رد حزب الله وعملية “يوم الأربعين”، حيث أبطلت الأوهام الأمريكية و”الإسرائيلية” بانتزاع التنازلات أو التفرد بجبهات الإسناد.
وهنا الرسالة الرئيسية للمفاوضين هي أن المقاومة الفلسطينية ليست وحيدة، بل تستند إلى ظهر قوي من جبهات الإسناد وأنها ليست فريسة، وإذا حاولتم التهويل بالحرب فإن الجبهات لا تخشى المواجهة، فعليكم التسوية ووقف إطلاق النار إن كانت هذه المفاوضات جادة وصادقة وليست حيلة استراتيجية.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
رغم 14 شهرًا من العدوان الغاشم.. شروط إسرائيل تهدد «مفاوضات غزة» وتفاؤل حذر من مصر والوسطاء
على مدار أكثر من 14 شهرًا من المحاولات المكثفة التي تقودها مصر والولايات المتحدة وقطر، بدأت المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار في قطاع غزة تُحقق تقدماً ملحوظاً، ما يجعل التوصل إلى اتفاق أقرب من أي وقت مضى. وأسفر العدوان الإسرائيلي المستمر طوال المدة المذكورة عن تدمير أكثر من 85% من منشآت غزة، ومصرع أكثر من 50 ألف فلسطيني، وتجاوز عدد الإصابات حاجز الـ100 ألف شخص، في ظل حرب إبادة أدانها المجتمع الدولي.
ورغم التفاؤل المتزايد بنجاح هذه الجولة من المفاوضات، تتمسك حكومة بنيامين نتنياهو، وفق تصريحاته، بشرط القضاء التام على المقاومة الفلسطينية، وهو ما يعتبره البعض محاولة لإرضاء الجناح المتطرف في الحكومة الإسرائيلية. وفي المقابل، اضطرت المقاومة الفلسطينية إلى تقديم تنازلات تحت وطأة الضغوط العسكرية والجيوسياسية، مثل القبول بإبعاد شخصيات فلسطينية بارزة، وتوقيع اتفاق غير ملزم من إسرائيل. تعمل مصر بدورها على توحيد الصف الفلسطيني، وتحقيق توافق بين السلطة الفلسطينية والمقاومة، سعيًا لقطع الطريق على حجج إسرائيل التي تروج لغياب شريك فلسطيني موحد نتيجة الانشقاق الداخلي، وهو ما جاء ضمن مباحثات أجراها الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرًا مع زعامات إقليمية ودولية.
ويرى محللون أن نتنياهو يستغل هذه الظروف لإرضاء الجناح المتطرف في حكومته، مستفيدًا من الدعم غير المحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أوروبية كبرى، إضافة إلى التغييرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة. ويأتي هذا في ظل تكتم كبير على تفاصيل المفاوضات لضمان إنجاحها. ومع ذلك، كشفت تسريبات محدودة عن تنازلات وصفتها حركة حماس بـ«المرونة»، والتي جاءت نتيجة التحديات التي واجهتها المقاومة خلال الأسابيع الماضية، خاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وتعطل جبهة الإسناد التي كان يمثلها حزب الله في جنوب لبنان.
وفق ما يعتبره محللون "تنازلات" من المقاومة، فإن حماس أبدت استعدادها لإبعاد شخصيات قيادية بارزة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات، إلى خارج الأراضي المحتلة ضمن صفقة الإفراج، إلى جانب العشرات من الأسرى الفلسطينيين كحل وسط. حاليًا، يدور التفاوض حول تحديد البلدان التي سيتم ترحيل هؤلاء الأسرى إليها. في الوقت نفسه، أكدت التسريبات أن القوات الإسرائيلية لن تُخلي مواقعها العسكرية على الفور، خاصة من محوري نتساريم وفيلادلفيا، لكنها ستنسحب تدريجيًاً بعد الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين. في هذا السياق، تتمسك إسرائيل بتسلم جميع الأحياء منهم، بينما تسعى حماس إلى تسليم جثث الموتى أولاً كشرط للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ووقف إطلاق النار.
كما كشفت التسريبات عن نوايا إسرائيل بمراقبة دقيقة لعودة السكان إلى شمال قطاع غزة، حيث سيتم الإشراف على دخولهم مع فحص الأنشطة السابقة للأفراد، مع فرض قيود على دخول الشباب. أضف إلى ذلك، أن إسرائيل تحتفظ بحقها في التدخل العسكري داخل القطاع إذا رأت ضرورة أمنية، سواء لملاحقة المقاومين أو لأهداف أمنية أخرى، مما يعني استمرار القطاع تحت الرقابة الأمنية والعسكرية الدائمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي.
من النقاط الخلافية البارزة، إصرار المقاومة الفلسطينية على توقيع إسرائيل اتفاقاً مكتوباً بضمان دولي، بينما تكتفي إسرائيل بالمطالبة ببيان مصري قطري فقط لوقف إطلاق النار دون توقيع ملزم. في هذا السياق، أوضح الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أن المرحلة الأولى من الهدنة ستستمر ستة أسابيع، وتشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة، وإطلاق سراح النساء وكبار السن والجرحى المحتجزين، مقابل إطلاق مئات السجناء الفلسطينيين.
وتتواصل المفاوضات بمشاركة فرق فنية تضم وسطاء مصريين رفيعي المستوى، ومسؤولين أمريكيين وقطريين، بجانب ممثلين عن الموساد والشاباك والجيش الإسرائيلي. في الوقت ذاته، وصل آدم بوهلر، مندوب الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لشؤون الرهائن، وستيف ويتكوف، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، إلى المنطقة في إطار توصية من ترامب بإنهاء المفاوضات قبل تسلمه السلطة في 20 يناير. وأشار وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى أن هذه المحادثات تعد الأفضل مقارنة بجولات التفاوض السابقة
اقرأ أيضاً«الاحتلال الإسرائيلي» يجبر الجرحى والمرضى على إخلاء المستشفى الإندونيسي بغزة
واشنطن بوست: إسرائيل تهدم شمال غزة وتعزز مواقعها العسكرية «صور»شرق غزة.. 3 شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لفلسطينيين بحي الشجاعية